أين أنت يا.....مصر ...؟
دفاعا عن القرءآن الكريم والرسول ذو الخلق العظيم

محمد صادق في الثلاثاء ١٤ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

دفاعا عن القرءآن الكريم والرسول ذو الخلق العظيم

أيها الأخوة والأخوات الكرام ، فى الحقيقة أن القرءآن الكريم لا يحتاج من شخص مثلى يدافع عن كتاب اللـــه سبحانه الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذى وعد سبحانه بحفظه، وأيضا لا يحتاج الرسول النبى عليه السلام  لشخص مثلى ليدافع عنه الذى حماه اللـــه سبحانه وأيده وأسبغ عليه نعمه ووعده اللـــه سبحانه  بمقام محمود بعد ان غفر له ما تقدم وما تأخر من ذنبه. ولكن الهدف من هذه السطور إلا وضع عامة المسلمين، الذدين لا يقرأون وعلى مشايخهم هم يتوكلون،  على حقيقة ما آلت إليه الأمة المسلمة من هوان وذل وإعطاء الخونة والمشككين فى كتاب اللـــه ورسوله الوسيلة والبراهين الكاذبة للتفرقة بين أفراد الأمة وإبعادهم عن الصراط المستقيم.    يقول اللـــه سبحانه فى ذلك:

" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ " فصلت 41، 42

" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ "  الحجر 9

" وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ " القلم 4

" لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا "  الفتح 2

" وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا " الإسراء 79

أين أنت يا.....مصر ...؟

مصر التي كانت تصدر الفن والشعر والأدب والأدباء ورجال المواقف، صارت دولة بائسة ومعوزة تصدر الفتاوى المضحكة وتستورد شيوخ التكفير والإرهاب والفتاوى واللحى المخجلة وترعى محامي الجماعات الإسلامية وشيوخ الحسبة والتكفير. ويستطيع المرء اليوم وبكل بساطة، أن يضع على العلم المصري الزبيبة والسيف والجلباب والحجاب ليعبر عن واقع حال مصر. لقد ارتضى ساسة مصر الحاليون لبلدهم هذا الواقع المهين والمذل، فبعد أن كانت قوة إقليمية كبرى تقود سياسات المنطقة وتوجهها، صارت مجرد جرم سياسي متناه في الصغر، تائه ويدور في الفضاء الوهابي، بعد أن أغدق المال الوهابي على مصر وأفقدها دورها التاريخى فى المنطقة، بحيث صارت تنتظر وزارة الخارجية المصرية موقف ورد الفعل السعودي، على أي حدث في المنطقة، لتقوم بإصدار موقفها الذي لا يخرج بحال عن التصور الوهابي، ولا تتحرك سياستها اليوم إلا وفق الهوى الوهابي وما يصب في طواحينه.

لقد اشتهرت المملكة العربية السعودية على مر تاريخها الحديث باعتبارها دولة منتجة للبترول، وبأنها المصدر رقم واحد في العالم لهذه السلعة الإستراتيجية الهامة، وتمدّ العالم بمعظم احتياجاته من الطاقة، وتغفو على واحد من أكبر احتياطيات النفط في العالم. وبالتوازي مع ذلك، أيضاً تحتل المملكة المركز الأول على صعيد إنتاج الفكر الإرهابي والإرهابيين، وتمد بؤر التوتر الجهادية في العالم من كشمير إلى الصومال مروراً بالعراق وأفغانستان والشيشان بمعظم الانتحاريين والتكفيريين والإرهابيين، وتغفو على أكبر احتياطي، أيضاً، من الزاد والإرث الثقافي والتكفيري الإرهابي.

وحين افاقت السعودية من صحوة أهل الكهف الحضارية، ومع الطفرة النفطية، بدأت بالترويج للفكر الوهابي باعتباره البديل المعرفي والثقافي لما هو سائد وبسبب عدم توفر أي بديل فكري وموضوعي يستطيع أن يواكب مسيرة الحضارة البشرية. وبدأت، وبتواطؤ معلن مع أنظمة هذه الدول، بعملية شاملة لوهبنة وبدونة المجتمعات المجاورة عبر ضخ بلايين الدولارات في الاستثمار الفكري لنشر الجهل وخزعبلات وأباطيل وتفاسير المذهب الوهابي.

الإبتلاء ... إختبار وتمحيص...

" أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ "

اٌبتلى الله تعالى المسلمين في القرون الأولى بعملاء الشيطان كالبخاري و مسلم والكافى و أمثالهم،  كما  اٌبتلى المسلمين في القرون الأخيرة بما دعوهم بالوهابيين السلفيين عملاء الشيطان العصريين.  اختلف الفريقان في الوسائل التي كان بها البلاء،  و لكنهما اٌتفقا على تشتيت المسلمين و إبعادهم عن كتاب الله الحق.  أصر كل من الحزبين في الوقت ذاته،  أنهما ينصران الإسلام و يتقدما بالنصيحة للمسلمين– باسم الدين طبعا!  ففي حين أن العلماء و الأئمة الضالة في القرون الغابرة روجت بنشاط –و ما زالت تسند- نشر أكاذيب البخاري و مسلم والكافى و أمثالهم،  إلا أن القليل من الناس من يعرف نشأة الوهابـيين بالسيف و التدمير و الخيانة و الفساد، و خطرهم على الأمة الإسلامية التي تعتبرها الوهابية كفرة.

. وخلف تلك الصورة الزاهية، التي تحاول إمبراطوريات إعلامية وهابية أن ترسمها هناك صورة سوداء ومظلمة وقاتمة عن الفقر والمظالم والقهر واستغلال ونهب الثروات والتمييز العنصري ضد الأقليات والمواطنين والمقيمين والمرأة. وتعيش مثلاً، الأقليتان، الإسماعيلية والشيعية، في ظروف إنسانية وحياتية مزرية، ولا تتمتعان بأي تمثيل على الصعيد الرسمي، وهناك حظر على ممارسة كافة طقوسهم، لا بل يتم تجريمهما وتكفيرهما، وتصنفان تحت عناوين البدع والإلحاد والهرطقة. أما المرأة فلا تزال تتمتع بنظرة دونية مؤلمة، وتعتبر رجساً ومفسدة للصلاة مع الكلب والحمار. وتستعدي الوهابية اليوم كل أديان العالم وتكفرها في خطابها التقليدي وتدعي لوحدها العصمة والنجاة، وتستخدم كل نفوذها اليوم، وعبر عوائد البترودولار العالية.

ونجحت أيما نجاح، ما أسفر لاحقاً عن هذا الانحطاط المخيف والتخلف والبداوة المرعبين التي آلت إليها المجتمعات المختلفة في الشرق الأوسط. وبدت ملامح ردة حضارية كبرى تتبدى في هذه المنطقة كانت كفيلة بقلب الموازين الحضارية والعسكرية والإستراتيجية كلياً لصالح إسرائيل تحديداً، وأصبحت هذه المجتمعات تابعة، هزيلة وكسيحة وعاجزة عن التكيف، والتأقلم وخارج كل حسابات القوة في العالم. فلن تنهض هذه الشعوب إلا بالعلم والمعرفة وتحكيم العقل والمنطق. ولن يهزم إسرائيل الجهلة، وشيوخ التكفير، والسكارى النائمين في عسل الغيب والسلف الصالح، بل العقول والأدمغة العلمية والكفاءات البشرية المبدعة ورجال الفكر العظيم. والمعركة في المنطقة هي بين التخلف والتمدن، بين البداوة والعصرنة، بين العلم والجهل، بين الاستبداد والديمقراطية، وبين الحرية والعبودية، وتمثل الوهابية، وبكل أسف، كل تلك القيم السلبية الرائجة في المنطقة اليوم.

 

 

مؤامرات من مذكرات عملاء الشيطان

ظهرت أول بوادر الحركة الوهابية في مطلع القرن الثامن عشر,  بالأحرى في منتصف القرن التاسع الهجري عام 851، عندما كان يسكن مدينة البصرة العراقية بائع الحبوب اليهودي مردخاي إبراهام بن موشه.  قدم البصرة ركب من عرب عنيزة – الذين سكنوا شمال شرق المدينة المنورة – لشراء القمح و التمر و بعض البضائع.  و عندما علم مردخاي أن الركب من فخذ المساليخ ادعى أن والده كان يسكن تلك الديار و كان هو صغير السن، و ادعى أن والده رحل منها لأسباب تجارية.  و عبر مردخاي للركب عن رغبته الشديدة للعودة معهم إلى بلده الأول، فأكثر من زادهم مقابل السماح له بمرافقتهم.  و هكذا رحل مع الركب إلى بلده الأول.

          لاقى مردخاي المعارضة لوجوده بين عشائر تميم،  فـتنقل بين أقطار نجد و الحجاز لعله يجد القبول و الترحاب، و عدل اسمه إلى مرخان إبراهيم بن موسى، و حتى أنه اعتنق الإسلام، واللـــه أعلم بإسلامه ،تضليلا فيما بعد،  و ثم اتخذ لقب الإمام محمد بن سعود، الاسمين الشائعين هناك.  و بالرغم من كل ذلك لم ينجح في إقناع مشايخ القبائل لقبوله بينهم لكذبه و احتياله و ادعاءاته الكثيرة.  كان أشد الشيوخ عداوة له المدعو الشيخ صالح التميمي شيخ بلدة الزلفي.  و ذات يوم حين كان الشيخ يؤدي صلاة العصر في المسجد قتله مرخان محمد بن سعود، و بذلك أصبح الشيخ التميمي أول ضحايا المسمى محمد بن سعود الذي تمكن بعدها من تنفيذ مآربه بدون أية معارضة تذكر.  أما ابنه المسمى ماك رن (الذي أصبح مقرن) و الذي قدم معه من البصرة،  قد تزوج أيضا عددا من النساء، و لقب أبناءه محمد و سعود و أسماء عربية أخرى شائعة في تلك الديار. أنجب محمد بن سعود الأبناء فكان منهم مشاري و ثنيان و محمد، و سكن الدرعية –  التي تقع إلى الشمال من الرياض الحالية-  بعد اغتصاب البلدة من أصحابها.

تبع حفيده عبد العزيز مسلك الوالد و الجد فاسترعت شجاعته الإرهابية / الثوروية عيون و أذان البريطانيين،  فتقربوا منه عن طريق أحد ’عملاء التعليم‘- بالأحرى جواسيسهم في المنطقة المدعو الكابتن وليم هنري ارفاين شيكسبير.

الذي دعاه العرب الشيخ سبير!  اجتمع شكسبير بعبد العزيز في الكويت، و قدم له مبدئيا في آذار 1910 المساعدة و التأييد الفكري لطموحه.  تطورت العلاقات بين الإنكليزي و التابع السعودي حتى أصبحت الأسس التي بنيت عليها العلاقة السعودية البريطانية لسنين طويلة -1943.  كانت مهمة هؤلاء العملاء البريطانيين نشر الفتن و الفوضى لهدم سلطة الآستانة الدينية و المُلْكية في الجزيرة العربية تنفيذا لرغبة الصهيونيين الأوربيين- روتشيلد و جماعته- الذين منعهم السلطان عبد الحميد من تأسيس المستعمرات الصهيونية في ما دعي فيما بعد بفلسطين.

امتدت سلطة عبد العزيز بن سعود و سلطانه عن طريق الإرهاب و الإغتيالات و دفع المال - الذي بدأ يقدمه له الجاسوس البريطاني- و إعطاء النساء الإنكليزيات المحترفات لشراء أصحاب الجاه و كذلك لسلب الأراضي و الأملاك، كما أكثر الزواج من النساء اللآتي ولدن له الكثير من الأولاد.

          نترك محمد بن سعود في الدرعية موقتا لـنتعرف على شخصية أخرى عن طريق جاسوس بريطاني آخر هو الميجر همفري بومان 1965 - 1879 (Major Humphrey Ernest Bowman)  قد أوفدته وزارة المستعمرات البريطانية إلى الشرق العربي مع سبع وكلاء آخرين لتنفيذ سياسيتهم في إضعاف الدولة العثمانية من الداخل كما ورد (في مصر,  العراق,  الحجاز ,  الآستانة,  اليمن,  و طهران),  و لتهديم الدين الإسلامي الذي يجمع تلك الأمة.  كانت الآستانة أول محطة لبومان حيث أقام فيها سنتين،  تعلم أثناءها اللغتين التركية و العربية  كما درس القرءان دراسة دقيقة على يد أحد العلماء المدعو "أحمد أفندم"  و اٌنتحل الإسم "محمد" و لازم المسجد للصلاة.  لم يسأله أحد عن أصله و نسبه و لكن ظن الذين تعرف عليهم أنه من أهالي أذربيجان لبياض بشرته و لكْنـته في اللسان.  و يقول بومان في مذكراته أنه راقـه ’النظام و النظافة و الطاعة التي وجدتها عندهم  و قلت في نفسي:  لماذا نحارب هؤلاء الناس  و نعمل على تمزيق و سلب نعيمهم؟  هل أوصانا المسيح بذلك؟

          عاد بومان إلى وزارة المستعمرات في لندن ليقدم تقريره الشفهي المفصل و لو أنه كان يرسل لحكومته التقارير الشهرية بانتظام.  أوفدته الوزارة هذه المرة إلى البصرة في العراق  بعد أن حملته مهمة إيجاد نقطة الضعف في المسلمين و اٌنتهاز خلاف السنة و الشيعة و توسيع شقة الخلاف بينهما  و أن يتعرف أيضا على أسباب النزاع بين المسلمين ليحدد إمكانية وجود ’بركان على أهبة الإنفجار‘ ليساعد على تفجيره... ’لأننا لا نحظى على الرفاهية إلا بترويج الفـتنة و النزاع بين كافة شعوب مستعمراتنا... فإن توزعت كلمتهم و تفرقت قواهم ضَمِنا اٌستعمارهم بأسهل سبيل.

          تعرف بومان في البصرة عند مطلع القرن العشرين على النجار ’عبد الرضا‘,  الخراساني الشيعي المذهب  و سكن عنده و تعلم منه الفارسية.  تردد على دكانة عبد الرضا عدد من الشيعة العجم حيث وجدوا الفرصة ليصبوا غضبهم على الخليفة في الآستانة و الحكومة عموما.  و جاء ذات يوم شاب في زي طلبة الدين من جملة الزوار الناقمين على الوضع السائد، ظهرت عليه علامات الطموح و كان عصبي المزاج  يتكلم الفارسية و لو كأنه يظهر من أهل السنة؛  كما بدت ثقافـته و علمه في تفهم القرءان عندما ناقش المستمعين بالدين.  عرَّف ذلك الشاب الحضور أن اسمه " محمد عبد الوهاب".

          فمن كان محمد عبد الوهاب؟  كان حفيد محمد عبد الوهاب الذي انحدر  من أسرة يهودية سكنت الدونمة في تركيا  يقال أن الاسم الأصلي لجده كان شولمان قرقوزي.  غيَّر اسمه و اسم عائلته ليسهل عليه التغلغل في الأوساط الإسلامية التركية بقصد إثارة الشك و الإساءة لدين من حوله من الناس. غير أنه فشل في مسعاه فهرب إلى دمشق و سكن في ضاحية دوما.  و لكن سرعان ما قبض عليه بعض الأهالي لتدجيله و آراءه الكاذبة و ضربوه فهرب منهم إلى مصر  و لكن لم يحظى هناك على مصير أحسن من مصيره في دمشق فذهب إلى الحجاز التي طرد منها أيضا  فتوجه نحو المدينة،  و لكن لم يدم مقامه هناك أكثر من بضع أيام فتوجه إلى العينية  إلى الشمال الغربي من الرياض.  و هكذا قضى أربع سنين في التنقل و الهرب لمطاردة السكان له.  أنجب هناك ولد سماه عبد الوهاب بن سلمان.  أنجب هذا الأخير عام 1703م إبنا سماه أيضا محمد بن عبد الوهاب.  فكما كان الوالد يخرج الإبن  إذ تبع الحفيد مسلك والده و جده و أصابه ما أصاب الجد من التنقل و الضرب و الطرد من العينية و في نجد و مصر و الشام.  و من ثم ذهب إلى الدرعية عام 1744م حيث طاب له المقام و الأمن.

نترك محمد عبد الوهاب في الدرعية لنتتبع آثار محمد بن سعود الذي أتته المنية عام 1762 تاركا ابنه عبد العزيز بن سعود خليفة له.  هاجمت عصابات عبد العزيز الرياض و تمركزت العائلة أخيرا في بلد كبير أمن لهم الحصانة و السيادة.  غير أن ذلك العز لم يدم طويلا لعبد العزيز إذ اغتاله أحدهم عام 1803م ، فتولى الحكم ابنه سعود بن عبد العزيز الذي مات عام 1814م تاركا الحكم لإبنه عبد الله.  لم يكن هذا طويل العمر إذ هاجمته القوات المصرية برئاسة إبراهيم باشا – ابن محمد علي - بأمر من الآستانة عام 1818م  فدمر الدرعية عاصمة آل سعود  و وقع محمد بن عبد العزيز أسيرا بيد أبراهيم باشا الذي أخذه إلى الآستانة لقطع رأسه.  و لكن بعد خمس سنوات استعاد تركي بن سعود-ابن عم عبد الله –  رئاسته للعائلة السعودية و استرجع الرياض من أيدي العثمانيين,  و دام مجده حتى عام 1834 عندما قُتل و أخذ الصولجان منه ابنه فيصل الذي أخذ بثأر والده و قتل قاتله.  عين فيصل بن تركي أثناء حكمه القصير  المدعو عبد الله بن رشيد حاكما لحائل و بذا بدأت سلالة آل الرشيد.  و لكن مصير فيصل لم يدم أكثر من أربع سنوات إذ أخذ أسيرا بيد القوات المصرية و سجن في القاهرة  و هكذا أعادت الدولة العثمانية سلطانها على الحجاز.  دام سجن فيصل بن تركي هناك حتى عام 1843م عندما هرب من السجن و أعاد حكمه في نجد  و بذا بدأ الحكم السعودي الثاني الذي دام حتى موت فيصل عام 1864

          كثرت الحروب و علا النزاع و ساد القتل بين آل سعود و آل رشيد حتى مطلع القرن العشرين حين اعتلى الحكم عام 1902 عبد العزيز بن عبد الرحمان بن فيصل (أخ عبد الله الذي قتل في معركة حربية)    و استرجع الرياض من أيدي آل الرشيد معلنا بدئ الحكم السعودي الثالث.

تقرب همفري بومان من الشاب الثوروي المتنقل محمد عبد الوهاب  إذ وجد فيه الأداة التي ينشدها في تحقيق آمال وزارة المستعمرات و المهمة التي ألقـتها الوزارة على عاتقه.  نكر عبد الوهاب قيمة المذاهب و أهمية "البخاري" الذي قال عن كتابه أن ’نصفه باطل‘,  كما ألقى بعرض الحائط أقوال عمر بن الخطاب و أبي بكر الصديق.  لذلك تقدم بومان إلى تعزيز تصريحات عبد الوهاب و تأييده و مدحه كقوله له:  ’موهبتك تفوق موهبة عمر و علي,  و لو كان الرسول على قيد الحياة الآن لاختارك خليفة له دون الآخرين ... آمل في تجديد الإسلام على يديك  لأنك المنقذ الوحيد لرفع المسلمين من الحضيض الذي هم فيه ... ‘ و استجاب عبد الوهاب لصديقه الحميم بالموافقة على نصائحه و بإظهار نفسه أنه حر متحرر لكسب ثقـته به.

لم يكتفي بومان بالمديح و التأييد بل أخذ بإبعاد ’العالم الديني‘ عن القرءان شيئا فشيء .  فيقول "قررت مع محمد على النقاش في تفسير القرءان كما نفـهمه لا كما علمته الصحابة و المذاهب  و المشايخ... فقلت له ليس الجهاد واجبا على المسلم.  قال كيف ذلك و الله يقول {جاهد الكفار}؟  فأجبته {جاهد الكفار و المنافقين}.  فإن كان الجهاد واجبا فلِم لَم يجاهد الرسول المنافقين؟  قال محمد:  جاهدهم الرسول بلسانه.  فقلت:  إذًا جهاد الكفار واجبا باللسان أيضا.  فقال معـترضا لكن الرسول حارب الكفار.  فقلت له كان حرب الرسول دفاعا عن النفس لأنهم أرادوا قتله فدفعهم عنه.  فهز محمد رأسه بالموافقة.

"و قلت له ذات يوم:  إن مـتـعة النساء جائزة.  قال  لا.  فقلت له إن الله يقول {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن}.  فقال:  لكن عمر حرم المتعة قائلا:  متعتان كانتا على عهد الرسول و أنا أحرمهما و أعاقب عليهما.  فقلت له:  أنت تقول أنك أعلم من عمر,  فلماذا تـتبع عمر؟  ثم إن قال عمر أنا أحرمها  في حين الرسول حللها  فلماذا تترك رأي القرءان و رأي الرسول و تأخذ برأي عمر؟  أعرب عن قناعته بسكوته.  

"و علمت فيه الغريزة الجنسية – و لم يكن متزوجا حينها -  فقلت له:  ألا نتحرر أنا و أنت و نأخذ مـتعة لكل منا نستمتع بهن؟  هز رأسه بالموافقة.  وعدته بعدها بجلب إمرأة  فاشترط علي أن يكون الأمر سرا بيننا  و أن لا  أُعلم المرأة عن أسمه.

"ذهبت فورا إلى بعض النساء المسيحية التي جندتهم وزارة المستعمرات لإفساد الشباب المسلمين.  اخترت إحداهن و أطلعـتها على تفاصيل الوضع و اتفقنا على تسميتها صفية.  و في يوم الموعد  ذهبت مع الشيخ محمد إلى دار صفية و كانت لوحدها بالدار.  قرأت عليهما أثناء الاجتماع صيغة العقد لمدة أسبوع واحد.  و قدم لها محمد مهرها نقدا من الذهب.  و اتفقت مع صفية على كيفية توجيه الشيخ محمد عبد الوهاب.  و في حين أخذت صفية من الشيخ كل مأخذ  تذوق محمد حلاوة مخالـفة أوامر الشريعة بحجة الاجتهاد و الاستقلال بالرأي و الحرية.

"و في اليوم الثالث من تمتعه بصفية أجريت معه حوارا عن عدم تحريم الخمر,  مشيرا إلى آيات القرءان و أحاديث اٌخترعتها له قائلا :  صح أن معاوية و يزيد و خلفـاء بني أمية و خلفاء بني العباس قد تعاطوا الخمر فهل ممكن أن يكونوا كلهم على باطل و أنت على صواب؟ لقد كانوا و لا شك أعلم تفهما لكتاب الله و سنة رسوله.  مع العلم أن الأسفار المقدسة عند اليهود و النصارى أباحة الخمر.  فهل يعـقـل أن حُرم الخمر في دين و حلل في دين آخر؟  في حين الأديان كلها من عند إلـه واحد!  ثم إنه روي عن عمر أنه شرب الخمر فنزلت الآية ’فهل أنتم منتهون‘,  و لو كان الخمر محرما لعاقب الرسول شاربيه.  فعدم عقابه يدل على حلال شربه.  و بعد زمن يسير قال محمد:  كان عمر  صحيح العلم بذلك لأن القرءان يقول {إنما يريد الشيطـن أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء فى الخمر و الميسر و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلوة}  فإن لم تسكر الخمر لما حدثت هذه النتائج التي ذكرتها الآية؛  فعليه فلا نهي عن الخمر إن لم تكن مسكرة.

"أخبرت صفية بتفاصيل المناقشة و أكدت عليها أن تسقي محمد الخمر  ففعلت.  و أعلمـتني أن الشيخ شرب حتى الثمالة و عربد و جامعها عدة مرات في تلك الليلة.  و قد لاحظت عليه آثار التعب و النحول من جراء ما قام بفعله.  و هكذا تمكنا كلانا أنا و صفية من الشيخ محمد عبد الوهاب.  و يا لها من روعة تلك الكلمة الذهبية التي قالها لي وزير المستعمرات حين ودعته عائدا إلى البصرة:  ’إنا استرجعنا اسبانيا من الكفرة [يعني المسلمين] بالخمر و البغاء,  فلنحاول استرجاع سائر بلداننا منهم بهاتين القوتين العظيمتين.

"و قلت للشيخ بن عبد الوهاب ذات يوم:  الصلاة ليست واجبة.  فقال,  و كيف ذلك؟   فقلت له,  إن القرءان يقول {أقم الصلوة لذكرى}.  فالمقصود من الصلوة هو ذكر الله تعالى  فلك أن تذكر الله عوضا عن الصلوة.  فقال لي  نعم  لقد سمعت أحدهم أنهم كانوا يذكرون الله في أوقات الصلاة عوضا عن الصلاة. و لاحظت بعدها أنه كان يصلي أحيانا و أحيانا لا يصلي خصوصا في الصباح؛  فكنت أسهر معه إلى ما بعد منتصف الليل فيصبح منهوك القوى في الصباح فلا يقيم الصلاة.  و هكذا دأبت أن أسحب رداء الإيمان من على الشيخ شيئا فشيئا.  إلا إني أنميت روحه ليشـق لنفسه طريق ثالث غير طريق السنة و طريق الشيعة  وكان يستجيب لهذا الإيحاء بكل رغبة لأنه كان يشفي غروره و يعزز تحرره.  فكانت مهمتي أن أنمي فيه روح الإستقلال و الحرية و كذلك زرع الشك في تفكيره الديني.

"و اخترعت له ذات يوم قصة أني رأيت حلما إذ رأيت رسول الله – و وصفته كما سمعت من خطباء المساجد -  رأيته جالسا على كرسي و حوله جماعة من العلماء لم أعرف أحدا منهم.  و إذ رأيتك تدخل و وجهك يشرق نورا.  تقدمت إلى الرسول فقام لأجلك الرسول إجلالا و قبلك بين عينيك  و قال لك:  يا محمد أنت سمي و وارث علمي و القائم مقامي في إدارة شؤون الدين و الدنيا.  فقلت له أنت:  ’يا رسول الله أخاف أن أظهر علمي على الناس‘.  فقال لك رسول الله: ’لا تخف,  أنك أنت الأعلى.  

"و لما سمع الشيخ محمد كلامي كاد يطير فرحا و سألني عدة مرات إن كنت صادق في رؤياي.   و كلما سألـني أجبته بالإيجاب حتى اطمأن لمنامي المزعوم  و بدأ منذ ذلك اليوم بإظهار عقيدته للناس. و جاءتني الأوامر من لندن في تلك الأيام أن أتوجه حالا إلى كربلاء و النجف مراكز عشاق الشيعة الديني  و علمهم و روحانيتهم  فاضطررت ترك الشيخ عبد الوهاب و لو كنت قلق جدا عليه خوفا من الانحراف عن الطريقة التي رسمتها له. و زاد قلقي عندما أشعرني أنه يود الذهاب إلى الآستانة لزيارتها و مقابلة بعض شيوخها فقلت له: لا أنصحك بذلك خوفا من أن تقول شيئا فيكفروك فيصبح مصيرك القـتل.  بالواقع كنت أخاف أن يجتمع ببعض العلماء فيقوموا ما اعوج من اعتقاداته فيقوموه و يرجعوه إلى مذهب أهل السنة فينهار كل ما عملـته.  لذلك نصحته بالذهاب إلى أصفهان و شيراز,  المدينتين الجميلتين التي يسكنها الشيعة  فلا خطر من تأثير الشيعة على الشيخ.  و لكني نصحته أن يـتقي الشيعة و يصرف وقته في التعرف على حياتهم لعل ذلك يفيده في المستقبل.  و لكي أتأكد من موافـقـته على رأي أعطيته بعض المال (كزكاة!) كما اشتريت له دابة كهدية له.  و فارقـته على أمل الاجتماع معه في البصرة و أن  يترك كل منا رسالة للآخر عند عبد الرضا في حالة رجوع أحدنا قبل الآخر.

"و بعد وصولي إلى بغداد بقليل وردتني رسالة مستعجلة أن أتوجه إلى لندن حالا.  اجتمعت هناك بسكرتير الوزارة و بعض الوزراء حال وصولي فعلمت منهم عن سرورهم الكبير لما قمت به من عمل مع الشيخ خصوصا و قد أرسلت ’صفية‘ تقريرها قبل وصولي الذي جاء مطابقا لما ذكرته لهم شفهيا و بتقريري الذي جاء بمائة صفحة كنت قد سلمته إلى ممثل الوزارة في بغداد.  أعربت الوزارة عن ارتياحها التام لما أجريته و لما وصلتهم من معلومات عني من المراقبين مصدقة لـتقاريري.

"أمن لي السكرتير موعدا للاجتماع مع وزير المستعمرات الذي رحب بي أي ترحيب  خلافا لترحيبه السابق عندما عدت من الآستانة.  فأبدى الوزير ارتياحه التام لعلاقـتي مع محمد و أثنى علي لسيطرتي على الشيخ الذي وصفه الوزير أنه ’ضالة الوزارة المنشودة‘  كما أكد لي أن أعاهد الشيخ بكل ما أمكن.  و استلمت منه كتابين أحدهما في أكثر من ألف صفحة  و الآخر في خمسين صفحة مفاده الخطط الرامية لتحطيم الإسلام و المسلمين خلال قرن واحد من الزمن  لكي يصبح الإسلام "خبرا بعد حقيقة". كان  الكتابان في وثيقة موجهة إلى الرؤساء العاملين في حقـل الوزارة لذلك الشأن.

"مكثت في لندن بعدها مدة شهر و إذ أتـتني الأوامر أن أعود إلى العراق لـتتمة مهمتنا مع محمد عبد الوهاب الذي أمرني السكرتير أن لا أفرط بحقه و لا ذرة  خصوصا و قد وردتهم تقارير جديدة مفادها أن الشيخ ’أفضل شخص يمكن الاعتماد عليه كمطية لمآرب الوزارة‘.  و قال لي السكرتير أن أصارح محمد عن وضعنا كما صارحه عميلنا في أصفهان و أن الشيخ قبل بعروضنا على أن نحرسه من الحكومات و العلماء الذين لابد و يعارضوه بكافة السبل إن أبدى آراءه و أفكاره و أن أزوده بالمال الكافي و السلاح إن اٌقتضى الأمر.  كما أن نجعل له إمارة و لو صغيرة في أطراف نجد لـتأمينه.  و أكد لي السكرتير أن الوزارة قد وافقت على كل ذلك.

"كدت أطير فرحا بتلك الأخبار.  فسألت الوزير:  ’إذًا ما العمل الآن؟  و ماذا نطلب من الشيخ  و من أين أبدأ العمل؟‘  فقال السكرتير أن الوزارة قد وضعت خطة دقيقة لينفذها الشيخ و هي في ست بنود:

 تكفير المسلمين و إباحة قتلهم  و سلب أموالهم و هتك أعراضهم و بيعها رخيصة في السوق,    و استخدام رجالهم كعبيد و نسائهم كجواري

- هدم الكعبة إن أمكن باعتبارها آثار وثـنية؛  و منع الحجاج من زيارة الكعبة؛ و إغراء القبائل البدوية لسلب الحجاج و اغتيالهم.

 [لقد أوقف ابن سعود الحج عام 1906  و كذلك عام 1911

السعي لخلع الخليفة و تجهيز جيش لمحاربته,  كما يلزم أيضا محاربة شرفاء الحجاز  بكل الوسائل اللازمة,  و على الأقل تقليل نفوذهم 

- هدم القباب و الأضرحة و الأماكن المقدسة الإسلامية في مكة و المدينة و سائر البلدان باعتبارها وثنية؛  و أن نحط بشخصية النبي [محمد] و خلفائه و رجال الدين قدر الإمكان.  [لقد هدم ابن سعود البيت الذي ولد به الرسول عليه السلام في مكة و أقام في الموقع نفسه بناء لمكتبة الإذاعة

- نشر الفوضى و الإرهاب بين الناس بقدر الإمكان؛

نشر قرءان أدخل فيه التعديل ما ثبت ذكره في الأحاديث من إضافة و نسخ"-

    : و قرأ همفري بومان الوثيقة التي أشارت بالتفصيل لعدة نقاط منها

إثارة النزاع و الخلاف بين طبقات الشعب

  زرع عقائد دينية في مواطنين العالم الإسلامي بقصد إفساد الدين الإسلامي

  زرع الأديان و المذاهب المزيفة في جل البلاد الإسلامية

نشر الفساد بين المسلمين كتعميم الزنا و اللواط و الخمر و القمار

 إشعال الحروب و الثورات و النزاع بشأن الحدود الدولية في البلدان الإسلامية   

.متابعة العمل و التعاون مع الشيخ محمد عبد الوهاب لتأسيس أمارة له في نجد و إمداده بالسلاح و المال

بعد أن تصفح همفري بومان تلك الوثيقة السرية الضخمة و تبين له خطورتها قال له سكرتير الوزارة "لا تذهلك ضخامة البرنامج إذ أن واجبنا أن نلقي البذور في مواضعها و ستأتي الأجيال القادمة لمتابعة المسيرة.  لقد اٌعتادت حكومة بريطانيا العظمى على الصبر الطويل و السير خطوة خطوة  فكما كان محمد النبي إلا رجل واحد  إلا أنه قام بذلك الانقلاب المذهل  وكذلك سينجح محمد عبد الوهاب كنـبيه محمد و يفوز في هذا الانقلاب.

عاد همفـري إلى البصرة حاملا أسرار مهمته الخطيرة  و وصلها ليلا فذهب توًّا إلى دار عبد الرضا  و أيقظه من النوم.  رحب به عبد الرضا و أضافه عنده لتلك الليلة.  و في الصباح أخبره أن الشيخ محمد رجع إلى البصرة و ترك رسالـة لـه.  فض همفـري الرسالة و إذا به يقرأ فيها أن الشيخ محمد سافر إلى نجد و أنه ذاكرا له عنوان إقامته هناك.  سافر همفري توا إلى نجد  و بعد مشقة بالغة اجتمع بالشيخ محمد الذي كان في داره  مع زوجته الحديثة.

تحدث الإثنان طويلا و لكن همفـري إمتنع عن مصارحة صاحبه عما في جعبته من معلومات.  غير أنه تم القرار بين الطرفين أن يعلنا للناس أن الشيخ محمد اٌشـترى همفري من السوق في البصرة  و أنه أرسل عبده في مهمة و عاد إلى مقره الجديد في دار الشيخ.  دامت العلاقة بين ’السيد و العبد‘ مدة سنتين,  هيئا أثناءها الخطط لكشف النقاب عن دعوة الشيخ و إعلانها للناس.

التحق مع بومان عدد من المؤيدين شديدين المراس كما كثر في نفس الوقت عدد المعارضين.  لعب همفري بومان دوره بمهارة إذ اشترى الجند بالمال بينما دأب بتقوية عزيمة الشيخ بإنشاء شبكة جواسيس لإحباط خطط أعداءه؛  و فعلا اكتشف أعضاء تلك الشبكة مؤامرة لاٌغتيال الشيخ.

تباحث الاثنان في ذلك الوقت بالبدء تنفيذ بنود ’الخطة السداسية‘ و وافق الشيخ على معظم النقاط إلا أنه استبعد إمكانيته بالقيام بهدم الكعبة في ذلك الوقت  كما عبر عن عدم مقدرته على تأليف بديل للقرءان المتداول  ذاكرا خوفه من السلطة القوية في مكة و السلطة القوية في الآستانةو أنه لا حيل له بالوقوف في وجه جيش السلطان.  قبل همفري أعذار الشيخ و وافق كلاهما أن الجو لا يسمح بحملة كهذه في ذلك الوقت.

لاحظ أيها القارئ الكريم   أن محمد عبد الوهاب قدم اعتذاره بعدم احتلال الكعبة و هدمها كما عبر عن عدم مقدرته على تأليف بديل للقرءان المتداول لسوء الظروف و خوفا من جيوش السلطان العثماني لا خوفا من الله تعالى أو على الأقل احتراما للقرءان الذي لم يؤمن به.

بينما كان محمد البريطاني -همفري بومان- يهيئ الشيخ المدعو محمد عبد الوهاب،  كان جاسوس آخر يهيئ محمدا آخر هو المدعو محمد بن محمد بن سعود الذي تركناه في الدرعية بعد احتلاله لها.  فبعد سنين في التحضير قررت بريطانيا أن يجتمع المحمدين في الدرعية.  و هكذا صار....

اتفق المحمدين،  عبد الوهاب و إبن سعود أيما اتفاق،  إذ توافقت أهدافهما كما توافقت كراهيتهما للدين الإسلامي كما انسجمت ميولهما مع شعور الدولة الاستعمارية بريطانيا العظمى:  اٌتفق الأطراف الثلاثة على العمل لهدم الدين الإسلامي و تطبيق "الخطة السداسية" في العالم الإسلامي العربي.

تعهد محمد بن سعود على حمل لواء السلطة المدنية "السعودية", كما تعهد محمد عبد الوهاب بتملك زمام السلطة الدينية المسماة "بالوهابية" ليستولي الاثنين على قلوب الناس و أجسادهم و تملك أموال الشعب بالإرهاب و العنف بلا هوادة.  إذ أفتى عبد الوهاب أن جميع أهل نجد دون استثناء كفرة تباح دماؤهم و نساؤهم وممتلكاتهم.  و على البريطانيين في ذلك الأثناء إمداد الحكومة في الدرعية سرا بالمال الكافي و الأسلحة اللازمة  و الدفاع عن الحكومة الجديدة في المجالات الدولية.  أما الميجر همفـري بومان فاكتفى بالإدارة من وراء الكواليس  و دفع الأجور السخية لانتخاب خيرة العبيد لتعليمهم اللغة العربية و الحرب الصحراوية و أعمال المغاوير العسكرية.

          و هكذا أصبحت الدرعية عاصمة الدولة السعودية التي تم التوقيع على إنشاءها و أصبحت مركز انطلاق آل سعود للسيطرة على كامل منطقة نجد بالسيف و الإرهاب.  و كما قال همفري بومان في ختام مذكراته:  "ستتقوى السلطة المركزية يوما بعد يوم  و إن لم تقع كارثة مفاجئة  فقد بذرت البذور الصالحة لأن تنمو و تنمو و تؤتي الثمار المطلوبة.

أقول، بعد أخذ العلم بكل هذا،  يتبين جليا ما تكنه الدول الكبرى من غايات لـتدمير الإسلام و المسلمين  و المدى و الجهد الذي تبذله تلك الدول لخدمة و تحقيق مآرب أسيادهم الصهاينة.  كما تـتبين أيضا الأسباب التي دعت الصهيونيين منذ القرن الثامن عشر على رسم مخططهم البعيد المدى للحصول على مقر لهم  ألا هو الوصول إلى القدس.

          يقابل ذلك المشهد  مشهد المسلمين في الديار العربية،  إذ يبدأ بنعت السلطان العثماني في الآستانة "بالرجل المسن المريض" و ينتهي بنعش رجل عربي نهشته الأمراض:  مرض الجهل و مرض الفقر و مرض فقدان الدين و مرض الخيانة و مرض الـتفكك و مرض تغلغل الشرك و مرض بيع الشرف ولو بدراهم قليلة.  أمراض عانى منها الحاكم و المحكوم على السواء  و عانى منها الفرد و المجموع بدون حياء.  فلا طبيب  و لا حكيم و لا مرشد و لا إمام و لا ناصح أمين.  قالوا ما الدواء و ما العلاج؟  قلت لا حياة لميت.  ادفنوا النعش و اٌبدءوا من جديد.   

خذوا القرءان و علموا أولادكم الدين من الصراط المستقيم و ليس من أفواه العلماء و الأئمة لأنهم كانوا من أسباب المرض في أهل النعش. استأصلوا الخونة من صفوفكم و أزيلوا حكامكم من كراسيه استرجعوا أموالكم من خزنهم و عودوا إلى كتاب الله العزيز  فو الله لا مفازة لكم غير هذا.

مرة أخرى مع شكسبير وسعود..

 (*)    من كان شكسبير الذي اجتمع مع عبد العزيز بن سعود في الكويت عام 1913؟  شكسبير هو الكابتن البريطاني وليم هنري ارفاين شكسبيرأو كما دعاه عرب الجزيرة القنصل شيخ سبير, بسبب تعيينه قنصلا في المكتب السياسي الهندي في بومباي حيث ولد عام 1880. وقعت الجزيرة العربية ضمن سلطته  لذا عينته الحكومة البريطانية قائدا لجيش عبد العزيز ابن سعود عندما كان في الكويت عام1910  كما كان أول قائد لجيش الأخوان المسلمين الذي ألفه الإنكليز حين كان شكسبير في الكويت أيضا.  قتله صالح الذعيت في معركة حربية حين اشتبك مع جيش نجد في القرب من الزلفي في نجد.  عين الإنكليز على أثر ذلك الكابتن جان فيلبي – Capt. H. St. John Philby-  للمكتب الهندي واعدين أن لا يقود بعدها أحد الضباط الإنكليزى جيش عربي.  بعد زمن يسير تبين لعبد العزيز مدى سلطان المبعوث الإنكليزي الجديد فلم يتوانى عن اتباع أوامره،  و أظهر له الخنوع الكامل. لهذا و لإعتراف الإنكليز بإخلاص عبد العزيز لهم،  قد رفَّـعه جان فيلبي إلى رتبة "سلطان" و أعاد راتبه إلى 500 روبية شهريا بعد أن كان راتبه الشهري 70 روبية.  لم يحوز فيلبي على رضاء الأمريكيين بعد سنين من الخدمة فطلبوا من بريطانيا إبعاده عن الحقل العربي لتقربه كثيرا من المسلمين وفق أمر الصهاينة في إسرائيل.  غضب ’الشيخ عبد الله جان فيلبي‘ من سعود لإقصائه عن العرش السعودي قائلا في حزيران 1954: "لما تنكرتم لأصدق صديق لوالدكم و لمن حكم مكة مدة 37 يوما حكما مباشرا يوم دخولها و حكمنا الجزيرة 40 عاما حكما غير مباشر إذ كان جميع الحكام يسيرون بأمري و صليت بوالدكم و بالناس إماما في الحرم بعد أن كان والدكم يأتمر بأمري و رأيي و لو كان والدكم حيا لما سمح بهذا التطاول علي ..."  ثم قال عبد العزيز لمن حوله: "هل تذكرون من نحن و أين نحن و كيف كنا لولا عبد الله فيلبي و الإنكليز؟  كنا مطرودين نعيش على فضلات آل صباح في الكويت ...إن كل ما تأكلونه هو من عند الله و عند الإنكليز فالسلاح و الريـالات و الذهب و ثيابكم و عمائمكم كلها من غزل الإنكليز ...".  عندما احتج الشيوخ على وقوف عبد العزيز خلف ’الإمام‘ جان فيلبي للصلاة في الحرم قال عبد العزيز للشيوخ و الناس أجمع:  "يالاخوان المسلمين,  ترانا و الله و بالله و تالله  لولا هذا الرجل  الذي اسمه الشيخ عبد الله فيلبي  ما دخلتم مكة المكرمة. و لولا الإنكليز ما عرفتم شيئا اٌسمه عبد العزيز.. و هذا مندوب الإنكليز هل تريدون أن أغضبه و أرضيكم؟   و السلام عليكم."  قال هذا ثم اٌلتفت إلى جنده و أمرهم بقتل أولئك الشيوخ المعارضين.  فذلك هو الثمن الذي قبضه عبد العزيز لخيانته للشعب العربي و الدين الإسلامي!  لقد غاب عنه و عن أمثاله قوله تعالى في سورة المجادلة:

" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *  اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ *  لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *  يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ *  اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ  "             إنها كلمات، خفيفة على اللسان ثقيلة فى الميزان، من رب العباد ......

:لقد تولى عبد العزيز و أولاده الإنكليز و الأميركيين و الصهاينة مدعين

 أن ذلك لصالح المسلمين! .. نعم,  ما هم منا و لا هم من المغضوب عليهم،  و هم بذلك عالِمين.  ألم يوقع عبد العزيز عام 1922 على وثيقة صرح فيها: "... أقر و أعترف ألف مرة للسير برسي كوكْسْ مندوب بريطانيا العظمى لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم كما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها حتى تصيح الساعة."  ألم يستقبل عبد العزيز آل سعود في قصر المربع في الرياض يوم 13 أيلول 1945وزير مالية اسرائيل في وزارة منيخم بيغن المدعو سمحا إرلخ مع مرافقه اللذان جاءا ليستفسرا عن مغزى تصريحات عبد العزيز واعدا الفلسطينيين ارسال اسلحة و متطوعين و أموال لإنقاذهم من شر الصهاينة  و أنه يعتبر فلسطين للفلسطينيين! و ذكَّر سمحا إيرلخ عبد العزيز ’ بالإتفاقيات التي عقدت بينه  و بين بريطانيا لدعم اليهود في وطن لهم في فلسطين و المواثيق التي عقدت بينه و بين روزفلت...‘ فقال له عبد العزيز "إن كل هذه التصريحات التي قلتها أو سأقولها للتغطية. ... كن على ثقة مما أعمله لليهود و لا تثق بما أقول"  و أعطاه منحة عشرة آلآف جنيه استرليني قائلا له "سلموا لي على الرجَّال داوود" [أي ديفيد بن غوريون]. لن تغني عنهم الأموال التي يغتصبونها و لا أولادهم العديدين من عذاب الله لأن الشيطان تملكهم و استحوزهم لحزبه و أعمى قلوبهم فسَهَّل عليهم إغضاب المسلمين و خيانتهم و قتلهم إرضاء للمشركين .. فانتهكوا حرمة القرءان الكريم الذي لم و لن يؤمنوا به.

مدارس السلفيين في الوقت الحاضر( منقول )

السلفية التقليدية: المتمثلة بالعلماء الرسميين في السعودية ومن شابهه

السلفية الجهادية: التي كفرت كثيرا من الحكومات في العالم الإسلامي، وترى أن حمل السلاح في هذا الظرف على الكفار وأذنابهم متعين، فحصل بينها وبين التقليدية طلاق بائن.

السلفية الاصلاحية(السرورية+ بعض العلماء) وهي أقرب المدارس إلى الوسطية والاعتدال، ولا تستعدي المخالفين، وترى إمكانية الخروج من فتاوى وتعاليم الرموز السلفية ويوصون بعدم تقليدهم تقليدا أعمى، لذا يطلق عليهم السلفيون الإخوان.

السلفية الجديدة/ الربيعية، وهي أشد غلوا من المسارات الأخرى، ويميزها: أفكار مثل: لا جهاد إلا بإمام، تحريمهم تكوين الحركات أو الأحزاب الإسلامية، أنهم مع الحكومات حيث حلوا.

سلبيات التيار السلفي( هذه بعض السلبيات وما خفى كان أعظم ):

1- أصبحوا يقيسون إسلام الناس وكفرهم (أو ضلالهم)بمدى اقتراب الناس وابتعادهم عن أفكار الوهابية.

2- تركوا العقل والنظر واخذوا بظاهر الخبر (فما كتبه ابن تيمية هو بنظرهم كلام لا يقبل النقاش.

3- مشروعهم الديني يتمحور حول مسائل القبور (والتبرك بالأولياء والتوسل )والسحر والعذاب وما شابه.

4-  إذا صاروا معارضة رددوا ( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون ) وإذا أعطوهم مناصب قالوا ( أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم ) ( وأطع الأمير وان جلد ظهرك واخذ مالك وهتك عرضك.

5- كل من يخالف أفكارهم (فهو ضال مضل)ورجس من عمل الشيطان.

6- يسمون التجديد والحضارة هرطقة.

7- يعطون لأنفسهم الوصاية على الناس.

8- الوهابية غير قابلة للتصحيح، : إن لم تكن معي فأنت علماني (أو أنت ضال

9- يرون أنفسهم مُلاّك الحقيقة المطلقة الذين يحملون الأحكام المسبقة والأوصاف والتوصيفات الجاهزة لكل من يخالفهم أو يخطئهم أو يريد اصلاحهم، لا يرون الحق إلا فيما يقولون.

10- منطق الوهابية مع من يخالفهم ( قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار....  

وفى الختام أود أن أنهى هذه السطور بآيات من الذكر الحكيم لعل وعسى أن تلين القلوب لذكر اللـــه ولا يتقول أحد على اللــه ورسوله الكذب وهم يعلمون:

" قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ *  وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ " .

تذكرة  لى ولكل مسلم ومسلمة:

" فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ " 

اجمالي القراءات 14987