العفو
كظم الغيظ ,العفو,الإحسان

زهير قوطرش في الأحد ١٢ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

كظم الغيظ ,العفو ,والإحسان

 

قال الله تعالى في كتابه العزيز.

لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا "

استشهد الدكتور أحمد منصور في معرض حديثه إلى المعارضة المصرية في أمريكا بهذه الآg;ذه الآية الكريمة .فاستوقفني تعليقه عليها واستخدامه لها في سياق معارضة النظام السياسي في مصر.

هذا ما دعاني أو دفعني إلى البحث وتدبر مجمل الآيات التي ترسم للإنسان منهجاً قرآنياً ,يعالج من خلاله موضوع الظلم ورد الاعتداء.

 

بتدبر الآية الكريمة ,نجد أن منهج الحق  يعالج عدة محاور أساسية ,

والهدف من ذلك بناء المجتمع الإنساني السوي المتمسك بمنهج الحق  الذي ينتفي معه الظلم ,ظلم الإنسان لأخيه الإنسان, الذي ينشأ في خضم حركة الحياة ,لأن حركة الحياة مبنية على مبدأ تحقيق المصالح الفردية والاجتماعية ,فلا بد من تعارضها في كثير من الأحيان. ونتيجة ذلك يقع الظلم والعدوان بين الأفراد ضمن المجتمع الواحد.

المحور الأول:

"لا يحب الله الجهر بالسوء".

عند قراءة هذا الجزء من الآية الكريمة ,وعند استخدامه عز وجل لكلمة (لا- يحب) ,لا بد أن يتبادر إلى أذهاننا الحالة المعاكسة فوراً ,ألا وهي "إن الله يحب الجهر بالحسن من القول".

إن انتشار الجهر بالسوء في أي مجتمع ما... يعرض هذا المجتمع إلى مرض "قالات السوء" الذي بنتيجته تتدمر العلاقات الإنسانية,وتهدم أسس تعايشه وتماسكه.

المحور الثاني ,وهو المعاكس تماماً, ألا وهو الجهر بالحسن من القول.لو تمكنت هذه العادة من أفراد المجتمع ,لكانت الدافع إلى شحن كل فرد من أفراده بعادة القول الحسن ,الذي يرفع من معنويات الإنسان ,ويجعل العلاقة الإنسانية ضمن المجتمع الواحد ,علاقة تعاون وتسابق في فعل الخيرات والعمل الصالح.

المحور الثالث:

لو تابعنا تدبر الآية القرآنية ,نجد أن المنهج الرباني ينتقل بنا إلى حالة شائعة في علاقة  بعض الأفراد فيما بينهم ,ألا وهي حالة الظلم الذي قد يقع على البعض .

وعند وقوع الظلم ,بغض النظر عن طبيعته,فأنه يخلق في النفس الإنسانية حالة حب الانتقام ,حب الدفاع عن النفس, ودفع الظلم حتى ولو بالثأر من الظالم أو من المجتمع .

والعرب على ما يبدوا في الجاهلية قالت " من استغضب ولم يغضب فهو حمار"

جاء الإسلام ليهذب هذه المقولة من خلال المنهج الرباني في دفع الظلم.فلو عدنا إلى سياق الآية القرآنية نجد أن منهج الحق يعلمنا بأنه إذا وقع الظلم على إنسان ,فملكات النفس التي خلقها الله ,والذي يعلم ما خلق سوف تغضب وتثور فإما أن ينفث عن نفسه بالجهر بالقول ,وإما أن يكتم.

ولو أن الآية اقتصرت على القول "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول"لكان ذلك كبتاً للنفس .وتراكم الكبت قد يؤدي إلى الانفلات والانفجار,وقد تكون العواقب كارثية .لهذا قال عز من قائل...لا أحب الجهر بالسوء من القول ...لكنني أسمح في الجهر به في حدود المنفثة عن غيظ القلب لمن وقع عليه الظلم  , وله كامل الحرية في أن يجهر بالسوء إذا ظُلم.

والسؤال المحوري ...ما فائدة الجهر بالسوء في المنهج القرآني؟

الفائدة الأولى :تنفيث الإنسان عن نفسه ,لأن الكبت له مضاره النفسية ومن ثم الصحية ,بحيث يتحول الإنسان الذي كبت الظلم  إلى شخص مقهور من الداخل ,قد ينفجر في أي لحظة.

الفائدة الثانية : وهي الأهم ذلك أن الجهر بالقول عند الظلم يساعد في التدليل على الظالم بين الناس ,والتأشير عليه بالبنان ,لأن كتم الظلم يساعد على استشراء الظلم في عمل السيئات .

الظلم هو نوع من الاعتداء,لأن الذي يناله الإنسان من الظلم هو إما فعل وإما قول..

وحتى لا يتوسع الإنسان في فهم كلمة الظلم ورد الظلم,لهذا ارتقى المنهج الرباني بالإنسان ,وطلب إليه أن يقيس الأمور بمقياس دقيق على قدر ما وقع عليه من الظلم بقوله:

 فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ

 

إن الاستيفاء في رد الظلم هو أن لا نزيد على هذه الضرورة ,فأن كان ظلمكم بقول فأنا السميع. وإن كان بفعل فأنا العليم

 لكن المنهج القرآني  ..الذي أباح الجهر بالسوء ,طلب بالمقابل الارتقاء  إلى عدم الجهر بالسوء ,بل بالعفو عن  الظالم. بقوله

"وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ

والقصد من هذه الآية الكريمة هو أنه عندما يرى الظالم أن المظلوم قد عفى ,فقد تتفجر في نفسه الرغبة في أن يكون أفضل منه ,ويبتعد عن الظلم.

وحتى يرتقي بنا المنهج القرآني إلى مراحل متقدمة في التعامل ,أباح لنا الجهر بالسوء ,ولكنه قال "والكاظمين الغيظ"  وحتى لا يبقى الغيظ في القلب ,وحتى تصفى القلوب ,قال "والعافين عن الناس".ومن ثم "والله يحب المحسنين"

هذه مرادات الله ,فمن منا لا يريد رضاء الله عز وجل.

إن المظلوم يكون الله معه ويجيره ,فالإساءة  والظلم من الغير تجعل المولى إلى جانبك أيها المظلوم ,فعندما تعفو وتحسن تكون الاساءة هدية لك لأنك حصلت على مرضاة الله عز وجل.

لأن المنتقم يفعل بقدرته المحدودة ,وحين يعفو فهو يجعل المسألة لله وقدرته سبحانه وتعالى ,وقدرة الله غير محدودة ,وله وسائله في رفع الظلم ,ومثابة المظلوم الكاظم للغيظ ,والذي يعفو ,والمحسن.

ملاحظة هامة: هذه المقالة تعالج حالات الظلم الفردية في المجتمع ,أما حالات ظلم الأنظمة للأفراد ,فلها حديث أخر.فظلم الحكومات , يجب الجهر به ,ولكن معالجته تختلف عما سبق.

اجمالي القراءات 22098