كيفية التعرف علي النسخة المعتمدة من القرآن الكريم
كيفية التعرف علي النسخة المعتمدة من القرآن الكريم

مهيب الأرنؤوطي في الثلاثاء ١٩ - ديسمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

جاء هذا البحث نتيجة الإرباك الذي أحدثه موضوع الرسم القرآني في نفسية بعض الإخوة ممن كانوا يعتقدون أنّ نسخ القرءان متماثلة لا إختلاف في رسمها و لا في عدد آياتها أو ممن كان يظن أنّ الرسم القرءاني خال من أي أهمية و يكفي سماع الآيات لخطّها بأيّ إصطلاح. ولا يسعى هذا البحث إلاّ لتنبيه القارئ أنّ القرءان نزل حرفا واحدا نسخة واحدة نفَسا واحدا ولم تنزل قراءانات اختلف رسمها بإختلاف ناسخيها، ولذلك فالأمر ليس عبثيا و لا إعتباطيا بل له أهميته القصوى في فهم بنية القرءان اللفظية و أي تلاعب برسم النسخة الأصلية التي خطّها النبي الكريم و التي نُسبت للخليفة عثمان زورا هو تحريف للقرءان و مسّ برسالة السماء. وهذا هو القرءان يقول عن نفسه بلسان من صاغه :

"إنّا نحن نزّلنا الذّكر و إنّا له لحافظون"
الحجر :9

"الرحمـ ا ـن علّم القرءان"
الرحمـ ا ـن :2

آيات القرءان تؤكد أنّ صحيفته نزلت كاملة بكل تفاصيلها و لم يُترك تفصيل لتدخل بشري و لكنّ العبث وصل إلى صحيفة القرءان نتيجة لإستشراء قواعد الرسم و النحو و الصرف و تأصلها في بداية القرن الثالث الهجري عكس صحيفة التوراة التي حافظت على رسمها لسبب أنّ قواعد الرسم و النحو و الصرف لم تطل لسان التوراة إلاّ في بداية القرن العاشر الميلادي و لذلك لم تؤثر هذه القواعد على نسخة التوراة الأصلية. و تدخل القواعد مبّكرا في مجتمع قوم النبي في بداية القرن الأول الهجري و تأصلها إبتداء من القرن الثالث الهجري و إعتبار بعض النساخ القرءان تابع لهذه القواعد يجب أن يخضع هو المسؤول عن الإختلافات الملاحظة في نسخ القرآن الحالية و كذلك الحملة الكهنوتية على القرءان و تصويره على أنّه تابع في بنيته لما سموه بالشعر الجاهلي و كلام العرب و مع الحملة الشرسة فإنّ التحريف الذي طال نسخة القرءان لم يستطع أن يمحو من القرءان خصائص رسمها و لا أن يستبدلها بل بقيت النسخة إلى يومنا برسمها و ما يسمّيه الناس بـ "النسخة العثمانية" كما سنرى في هذا البحث.

القرءان يؤكد أنّ كل شيء فيه هو تنزيل من الذي صاغه و لم يٌترك لبشر صياغته بل أنّ لهذه الصياغة ضرورة عظيمة في إرتقاءنا المعرفي لفهم بنية القرءان و لربط هذه البنية بالكون في جدلية متصاعدة:

"فلآ أقسمـ بمواقع النجومـ (75) و إنّه لقسمـ لّو تعلمون عظيمـ (76) إنّه لقرءان كريم (77) في كتـ ا ـب مّكنون (78) لاّ يمسّه إلاّ المطهرون (79)"
الواقعة

فالنجم (التنجم بتعبيرنا) في القرءان معاكس في دليله للشجر(التشجر)، فالشجر كل ما تفرع من أصل و مركز و النجم كل ما عاد إلى أصل ومركز و ما نلاحظه في النجوم الفلكية يحمل هذا المعنى إذ رجوع مادته إلى المركز بفعل قوى الجاذبية الهائلة فيه هو من ينشأ التفاعلات النووية و يجعل النجم مضيئا و كذلك آيات القرءان فحصر كل آية في رقمها هو ما يجعلها تضيء و تنير و تهدي و كل شيء في الآية يعود إلى دليلها الذي تريده فما تحمله من حروف و رموز تسعى إلى هذا الهدف تحديدا و القرءان يحدد بهذا أنّ أرقام آياته هو من وضعها وحددها و لم يترك تحديدها لبشر، و هذه العلامات كلّها مخزنّة في كتاب الكون، وكما رأينا مرارا فدليل الكتاب في القرءان هو الكون و حقائق القرءان لا تجلّيها إلاّ دراسة الكون و تفاعلنا معه، وهذه الآيات تحديدا تزيد آية الرحمان ليس فقط وضوحا بل هي تصف ماهية هاته العلامات و أهميتها :
"و إنّه لقسم لو تعلمون عظيم".
و آيات القرءان تؤكد أنّ النبي الكريم محمد هو من خطّ القرءان بيده بتعليم ربّاني مبثوث في قلبه حين التنزيل ( أنظر مبحث :دراسة في خط القرءان و رسمه):

"و كذالك أنزلنآ إليك الكتـ اـب؛ فالّذياـب؛ فالّذين ءاتينـ ا ـنهم الكتـ ا ـب يؤمنون به، و من هـ آ ـؤلآء من يؤمن به؛ و ما يجحد بأيـ ا ـتنا إلاّ الكـ ا ـفرون"
العنكبوت :48

و كالعادة يهتم رواة الحديث بإسداء الفضل لأصحاب النبي الكريم على حساب النبي لأسباب مذهبية معروفة و هي معارضتهم الشديدة للعلويين من أبناء الخليفة علي بن أبي طالب و محاولة رفع قيمة مقارنة بعلي إذ اجتهد شيعة علي بعد وفاته في إختلاق الأخبار الرافعة له بسبب حملة الأمويين الشرسة على علي بن أبي طالب و تحالف إذن هؤلاء المحدثين مع السلطات المتعاقبة ضد العلويين و اختلقوا الأخبار لسحب البساط أمام العلويين و إدعائهم شرعية السلطة بشرعية دينية أضفاها النبي على علي. فكلّما تقوّى إختلاق الأخبار في رفع قيمة أبي بكر و عمر و عثمان كلّما ظهر إدعاء العلويين لهذه الشرعية كاذبا و هذا ما يُفسر كم الأخبار الهائلة في مدح أصحاب النبي و من عاصره و كل هذا بطبيعة الحال كذب محض إذ لا يمكن للنبي أن يحكم لأحد بشيء و هذا الشخص حيّ يُرزق و ليس هذا من صلاحياته مطلقا و لئن حكم فهذا لا يعدو إلاّ حكما شخصيا لا علاقة له بالرسالة و لا بالحكم الحقيقي يوم الحساب. لهذه الأسباب صوّر المحدثون أبا بكر بأنّه صاحب الفضل الأول في جمع القرءان بتكوين لجنة ترأسها زيد بن ثابث و لكن كذب هذه الرواية واضح إذ أنّ زيد بن ثابث لم يكن له من العمر أنذاك إلاّ عشرة سنوات برواية نفس هؤلاء المحدثين و لكنّهم يصمتون أمام هذا التفصيل ليروجوا لهذا الرأي و لكي يروجوا أكثر لمثل هذه الأراء فقد وصفوا في كذب واضح النبي بعجزه عن الكتابة و التلاوة مدعين أنّ هذا العجز معجزة في ذاته !!!! و كأّن معرفة الكتابة و التلاوة كافية لأن يصيغ أي إنسان آيات القرءان !!!
و الحقيقة أنّ القرءان يتحدى كل الإنسانية أن تأتي و تصيغ قرءانا فكيف برجل واحد!!!! و من يعتبر أنّ عجز النبي عن الكتابة معجزة ليبرر علو القرءان فهو يبني قناعته على أساس أنّ صياغة القرءان ممكنة لأي متعلم.
و الحقيقة أنّ المحدثين و المؤرخين خلطوا بين نسخ زيد بن ثابث و لجنته القرشية للمصحفالنبي في فترة حكم الخليفة عثمان و بين حفاظ الصحابة الأوائل و منهم أبا بكر على نسخة النبي الكريم التي تركها مكتوبة كاملة بعد وفاته.
فالنسخة الأصلية خطّها النبي بيده و تسلمهّا الخلفاء من بعده و حافظوا عليها إلى زمن عثمان و دخول الرق (ورق مصر)بكثرة في الدولة الناشئة هو الذي سمح بنسخ المصحف الإمام و توزيعه على الأمصار و من قام بهذا النسخ هو زيد بن ثابث و لجنته و أخرون. فالمحدثون أنفسهم يعترفون أنّ المصحف الإمام كان موجودا عند أبي بكر ثمّ عمر ثمّ ابنة عمر و زوج النبي حفصة و تقول هذه الروايات أنّ حفصة امتنعت عن إعطاء عثمان هذه النسخة و بعد إلحاحه ووعده أن يرجعها إياها بعد النسخ سلمتها له و أعادها لها كما وعد لكن مروان بن الحكم أخذها عنوة منها بعد تسلمه الحكم و أحرقها و لا أدري كيف يحرق هذا الرجل هذه النسخة و النسخ الموزعة على الأمصار نسخت من هذه النسخة الأصل !!!!!
إنّ غاية هذه الروايات وهدفها هو تيئيس الناس من البحث عن النسخة الأصل ليتم الفضل لعثمان وليعتبر أنّه هو من جمع القرءان و لولاه لما قامت للرسالة قآئمة و من يقبل بهذا الكلام اللامنطقي و اللاعقلاني فهو يتهم النبي الكريم أنّه لم يبلغ الرسالة و لم يجمع القرآن و لم يدرس آياته طوال الليالي التي صورتها سورة المزمل و غيرها من أيات القرءان.
و رأيي الخاص أنّ النبي خطّ نسختين، نسخة تركها لأصحابه وهي الآن بين أيدينا بما يعرف بـ "النسخة العثمانية" و نسخة أخرى أخفاها في مكان أرى من الواجب أن لا أفصح عنه إذ هذا مجرد إفتراض.

و بعد وفاة النبي الكريم تمّ نسخ المصحف من نسخة النبي الكريم و انتقلت النسخ إلى الكوفة و البصرة و دمشق و إفريقيا الشمالية و غيرها من أصقاع الأرض و بدأت الأذواق تتسرب إلى النسخة القرآنية كما سنرى في الأمثلة التي ستُعرض في رسم الألفاظ و حذف بعض الرموز أو إستبدالها و ترقيم المصحف ترقيما مختلفا بل و حذف بعض الألفاظ و تغيير قوى الفعل في البعض الأخر.
إنّ التبديل كما قلت لم يصب فقط رسم العبارات بل رموز القرءان المبثوثة فيه و التي تمثل أبعادا كونية تضبط بها البنية اللفظية القرآنية و يُقام بها الربط بين الكتاب (الكون) و القرءان.
و لا أسعى هنا للتهويل بل للتنبيه لخطورة هذا التغير على معرفة بنية القرءان اللفظية و ربطها بالبنية الكونية كما أكدته في بحث المنهج.
و ينبغي التنبيه أنّ التبديل استمر إلى غاية القرن الخامس الهجري و أغلقته نهائيا كتب اهتمت بحصر القرءات في عدد معيّن و هي تقصد عدد التلاوات إذ مفهوم القراءة يختلف كلّيا عن مفهوم التلاوة فالقراءة دليلها البحث و الغوص و التحليل و التلاوة دليلها التتابع و الرص و لعلّ من أهم كتب الأسلاف التي تصور حصر هذه "القراءات" و الرسوم المختلفة هو كتاب :
"التلخيص في القراءات الثمان" لمؤلفه أبي معشر الطبري المتوفي سنة 478 هجرية

لا شك أنّ البحث الأكاديمي سيبين أنّ إختلاف النسخ تجاوز الثمانية بعدد كبير و أنا لا أسعى هنا للتفصيل الأكاديمي بقدر سعيي لرسم الصورة حتّى يغوص في بحث التفاصيل من يريد الغوص. فما فعله الكهنوت هو محاولة لحصر هذا الإختلاف في أظهر "القراءات" و أظهر "الرسوم"، فما فعلوه هنا هو نفسه ما فعلوه مع الموروث الحديثي حين حصروه في الكتب التسعة المعروفة (صحيح البخاري ، صحيح مسلم، سنن النسائي، سنن الترمذي ، مسند أحمد، سنن ابن ماجه، المنستدرك للحاكم ، موطأ مالك، سنن الدارمي).
اعتبر أبو معشر القراء الثمانية المعتمدين و المقبولين هم على الترتيب التاريخي :

1 ـ عبد الله بن عامر (ت 118 هـ )
2 ـ عبد الله بن كثير (ت 120 هـ)
3 ـ عاصم بن أبي النجود (ت 127 هـ )
4 ـ أبو عمرو المصري (ت 154 هـ )
5 ـ حمزة الزيات (ت 156 هـ)
6 ـ نافع بن عبد الرحمان (ت 169 هـ )
7 ـ الكسائي علي بن حمزة (ت 189 هـ )
8 ـ يعقوب الحضرمي (ت 205 هـ )

و علينا أن نقف لحظات هنا. فعدد القرءات قبل كتاب أبي معشر تجاوز الثمانية بكثير بل تجاوز الأربعة عشر قراءة. ولكن الكهنوت كالعادة يحاول حصر الخلاف لكي لا يُغضب المذاهب المتصارعة و حتّى هذا الحصر في ثمانية "تلاوات" أو الأربعة عشر أو العشر لم يلق قبولا كثيرا إذ عدد الحروف التي يجوز التلاوة بها و إعتبارها من القرءان حسب المرويات الحديثية سبعة أحرف بإعتبارها تمثيلا للهجات الموجودة أنذاك و لكي يجد الكهنوت صيغة ليخرج من المتاهة أخرجوا قراءة يعقوب الحضرمي لتبق هناك قراءات سبعا مساوية لعدد الأحرف السبع و الذي أخرجه من عداد القراءات هو ابن مجاهد أحمد بن موسى بن عباس في نهاية القرن الثالث و هذا ما دفع بالكثيرين للخلط بين الحروف السبعة و القراءات السبعة ومع ذالك استمر الإختلاف بين عدد القراءات و عدد الحرف السبعة و لم ينته أبدا رغم المحاولات المتكررة لدفنه. وعلى كل فالكهنوت عنى بالقراءات التلاوة اللفظية و لم يحاول فصل دليل التلاوة و رسمها أبدا فصلا واضحا إذ هو يعلم أنّ محاولة الفصل ستكشف ثغرات كبيرة في مقولة حفظ القرءان و إلى الآن لا يُناقش الكهنوت الحالي هذه القضية أبدا.
و الناس البسطاء إلى الآن ليس لديهم فكرة عن رسالة السماء بل يعتبرون تعبيرها و ألفاظها و رسمها هو إمتداد فقط لرسم و ألفاظ و تعبير قوم النبي و من حوله من القبائل و هم بهذا يحكمون بتاريخيته و في نفس الوقت يحاربون من يؤكد هذه التاريخية بوضوح في عباراته و هي عادة مستشرية عند الناس أن يدافعوا عن عقيدة و هم مقتنعين بنقيضها !!!!.
جاءت الروايات في القرن الثالث كما يتنبين من تاريخ وفاة أخر الثمانية و هو يعقوب الحضرمي سنة 205 هجرية لتعطي الشرعية لكل هاته التلاوات و تمّ الخلط بين التلاوات التي أسموها قراءات و بين النسخ المكتوبة التي سمّاها بعضهم الأحرف السبعة. و الحقيقة أنّ الكهنوت حاول أن يجعل من القرءان نسخة مشابهة لكتب الحديث و أراد أن يجد لهذه النسخ وهذه القراءات إسنادا متواترا يصل إلى النبي الكريم و لقد اختلقوا هذه الأسانيد و سموها متواترة مع أنّهم ضعفوا كثيرا من رجال هاته القراءات في نقلهم للحديث فهم اهتبروهم مقبولين في نقل القرآن لكن اعتبروا نقلهم للحديث واهيا و متروكا !!!!!!!
و على كل فكهنوت قوم النبي الكريم بارع في التمويه مؤسس للتناقض في كل أشكاله و لا نقرأ له إلا لنقتنع بوجوب ترك ما نسخه لولا ضرورات البحث التي تدفعنا إلى قراءة هذا الكم الهائل من الكتب و ضياع أوقاتنا و أعمارنا في فصل التناقضات و نأمل أن تنتهي هذه الفترة نهائيا ليدخل قوم النبي محمد في البحث الكوني مقتنعين بأنّ القرآن هاد لهم في بحثهم مواكب له بدل تضييع الجهد في كتب الكهنوت.
و أشير هنا أنّ الكهنوت نسي أنّ الإسناد حتّى و لو كان متواترا جدّا إلى النبي الكريم يثبث فقط نسبة القرءان إلى شخص النبي و لا يثبث علّو القرءان و نسبته الربّانية، فكيف إثباث أنّ القرءان ليس من قول النبي و لا تأليفه و إلى الآن يستمر الناس في الحديث عن تواتر إسناد القرءان دون دراسة محتواه و إلى الآن يستمر الناس في الحديث عن تواتر إسناد القرآن بدل دراسة محتواه و إسقاطه على قراءتهم لحقائق الكون لمعرفة علّوه.
و نسي الكهنوت أمرا مهما آخر وهو و أنّ النبي الكريم تلقّى قرءانا واحد و ليس عشرة و لا سبعة و لا خمسة و لا ثمانية تنزيلات.

و نعود لمسألة النسخ المختلفة. فقد تمّ في نهاية المطاف في حدود القرن الخامس و ربّما قبله بقليل إرحاع الأمر في ا إلى نسختين خطيتين بين كل تلك النسخ و هما :

1 ـ نسخة ورش الأخذ من قراءة نافع بن عبد الرحمان
2 ـ حفص الأخذ من قراءة من عاصم أبي النجود

بقيت إذن هاتين النسختين تحاولان منافسة المصحف الإمام و ما سمّاه الكهنوت بـ "المصحف العثماني" وسنتطرق الآن بشيء من التفصيل لمعرفة الفروق و الإشكالات في هذه النسخ.

الفروق الرسمية

في هذا البحث الذي سأحاول فيه التنبيه إلى هذه القضية سأحصر المقارنة بين نسخة ورش و وبين نسخة المصحف الإمام أو ما يُسمّى مصحف عثمان و هو ليس إلاّ خط الرسول محمد ليتضح للناس بعض الشيء حجم التلاعب و اليد البشرية الآثمة التي غيرت النص و رسمه.

أوّل الملاحظات أنّ نسخة حفص تعتبر البسملة "بسم الله الرحمان الرحيم" في فاتحة كل سورة ما عدا سورة التوبة آية من كتاب الله عكس ورش الذي يتبع المصحف الإمام و يعتبر البسملة آية في الفاتحة فقط و هي فاتحة في السور الأخرى ما عدا التوبة و ليست آية وهنا نرى تلاعب حفص إذ ما الذي منع نساخ المصحف الأوائل قبله من إعتبار البسملة آية و نلحظ كيف أنّه حاول تصحيح ما اعتبره خطأ و الأمر ليس كذالك.
و سأبدأ الآن في أمثلة التغيير في الرسم و قوى الفعل بين نسخة ورش و "النسخة العثمانية" و هذا ما أحصاه الأسلاف و المعاصرين من أمثلة و قد يكون هناك إختلافات أخرى لم آت عليها و إليك جدول الفروق:

[img]http://www.geocities.com/ismail_tahar/mas7af1.JPG[/img]

ما نلاحظه هو غياب الألف المخففة "ا" في نسخة ورش في الألفاظ التالية :
مالك (البقرة :4)
قاتل (آل عمران :146)
رسالاتي (الأعراف :114)
ساحر (يونس:2)

و ظهور هذه الألف المخففة "ا" في الألفاظ التالية:
أتيناكم (آل عمران :81)
جاعل (الأنعام :96)
كلمات (يونس : 33 ـ 96)

هذا الظهور أراد منه ورش تصحيح ما رآه خطأً في نسخة القرءان الأصلية إذ سياق الآيات أوحى له هذا التغيير و لنقرأ :
"فالق الإصباح و جَعَلَ الّيل سكنا و الشمس و القمر حسبانا؛ ذالك تقدير العزيز العليمـ "
الأنعام :96
فوزن فالق تبعه عند ورش منطقيا نفس الوزن "جاعل" و كذالك حاول تصحيح لفظة "كلمت" مفردة بإضافة ألف بعد ميمها لتصبح جمعا و لكنّه نسي أن يفعل نفس الشيء مع الألفاظ التالية في نفس نسخته :

نعمت :
البقرة:231/ 229
آل عمران :103
إبراهيم :28
....الخ

رحمت
البقرة : 218
الأعراف :56
....الخ

شجرت
الدخان :43

إمرأت
آل عمران:35
يوسف :30 ؛51
القصص :9
....الخ
ملاحظة: الترقيم في ورش يختلف عن الترقيم "العثماني" بتقديم آية أو آيتين أو تأخيرهما.

و عشرات الأمثلة الأخرى يمكن للقارئ أن يبحث عنها، و هنا لم يستطع ورش فعل شيء واضطر للمحافظة على الرسم الأصلي في هذه الأمثلةإذ إدخال الألف المخففة على هذه الألفاظ "ا" مستحيل أو ظاهر الخطأ بالنسبة للقواعد النحوية و الصرفية أنذاك وهنا أنبه أنّي لا أقصد فقط بالكهنوت قسم "الفقه" و "العقائد" بل قسم "اللسانيات" الذي هو أشد وطأة منهما لخفاءه و عمله من خلف الستار. و بنية القرءان كالعادة تكشف المتلاعب، وكأنّ القرءان بتنويعه للتاءات المفتوحة في النسخة يحافظ على رسمه من داخله.
وقد يظنّ القارئ أنّ الأمثلة المعروضة في الجدول في الفروق بين النسخة الأصل و نسخة ورش لا يمكن الفصل فيها وهو في هذا الإعتراض محق لصعوبة الفصل في إطار واضح إذ طغيان القواعد هو سبب صعوبة الفصل و لكن الأمر يبدأ في الوضوح عندما يغيّر ورش رموز القرءان فيحذف:
رمز المد الموجي (انظر بحث المنهج)
و يحول رمز "صلى" إلى رمز غريب و كذلك رمز قلى يحولّه حينا إلى رمز "ص" و حين آخر يحذفه و يحول رمز "ج" إلى رمز "ص" كذلك و الذي يلحظ هذه النسخة يصاب بالهلع إن كان مقتنعا مثلي أنّ القرءان نزل رسما و لفظا و إن كان مثلي يرى أنّ القرءان هو إسقاط للكون في صحيفة ولذالك فكل رمز فيه يحمل دلالة و تنويع هذه الرموز ليس عبثيا بل شبكة لحفظ القرءان بمحافظ متنوعة متعددة والذي ساق ورش و غيره إلى هذا العمل هو عمل الكهنوت الدؤوب في إعتبار رموز القرءان رموزا للوقف حصرا و ما دامت كذالك فيستطيع أي احد تغيير إصطلاحاتها بإصطلاحات أخرى.
و أكبر خطرا هو عدم إعتبار ورش لأي فاتح من الفواتح آية في القرءان:

المـ
المص
كهيعص
طه
طسمـ
يس
حم

و نتساءل عن سبب هذا الإجتهاد الآثم من ورش و ربّما قاده رأيه في رسم القرءان أن يعتبر ما وجده في النسخة الأصلية من أنّ بعض الفواتح ليست آيات إلى تعميم هذا الرأي و ظنّ أن إعتبار بعض هذه الفواتح آيات خطأ ولو انتبه ورش لرأى أنّ القرءان لا يعتبر هذه الفواتح آية فحسب بل آيات.
و لا يفرق ورش بين رسم الميم الكاملة و الميم الناقصة لا في الفواتح و لا في غيرها وهذا كاف لإدانته إدانة نهائية.
و نضيف إلى هذا كلّه تساهله في رسم قوى الفعل فهو اعتمد في السكون رسما واحدا مع أنّ السكون في النسخة الأصلية أربعة رسوم مختلفة و تنازلات أخرى و تساهلات متنوعه قادته إليها الرتابة التي اتبعّها في رسمه.
و لو بقي الأمر في هذه الحدود لسلّمنا بأنّ الرجل أخطأ في الرسم و لم يعتبره تنزيلا و حاول حفظ القرءان بنفسه بتصحيح "أخطاءه" لكن أن يتعدى الأمر إلى حذف لفظ أو زيادة آخر فالأمر خطير جدّا.

[img]http://www.geocities.com/ismail_tahar/mas7af2.JPG[/img]

بالإضافة إلى التالي :

[img]http://www.geocities.com/ismail_tahar/mas7af3.JPG[/img]

و يظهر بشكل واضح أنّ كل التبريرات لن تنفع في محاولة القول أنّ كل هذه الرسوم مقبولة و متواترة إذ القرءان نزل صحيفة واحدة و ليس صحفا مختلفة و الذي نختم به هذا الجزء من البحث هو التأكيد أنّ الذين ظنّوا أنّ الرسم القرآني خط إصطلاحي بشري تاهوا في إجتهادهم و أدخلوا الأعجمي في العربي ولذلك وجب التنبيه مع علمي الأكيد أنّ هذا سيحدث إرتباكا لبعض الناس فرؤية الحقائق و معرفتها أفضل من التعمية و التبرير.

و للحديث بقية

مهيب الأرنؤوطي
19/12/2006

اجمالي القراءات 9532