تفسير سورة محمد

رضا البطاوى البطاوى في الخميس ٠٩ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

                              سورة محمد

 سميت بهذا الاسم لذكر محمد(ص)فى قوله"وآمنوا بما نزل على محمد".

"بسم الله الرحمن الرحيم الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل الله أعمالهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم "المعنى بحكم الرب النافع المفيد الذين كذبوا أى بعدوا عن دين الله أحبط الرب أفعالهم والذين صدقوا وفعلوا الحسنات وصدقوا بما أوحى إلى محمد
(ص)وهو العدل من إلههم غفر لهم ذنوبهم أى أحسن مقامهم ،يبين الله للمؤمنين أن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو أن الذين كفروا أى"وكذبوا بآياتنا"كما قال بسورة البقرة وفسرهم بأنهم صدوا عن سبيل الله والمراد بعدوا عن طاعة حكم الله أضل الله أعمالهم أى "فأحبط الله أعمالهم"كما قال بسورة محمد والمراد أخسر الله أجور أفعالهم فى الدنيا وهذا معناه أنهم أصحاب النار وأما الذين آمنوا أى صدقوا وحى الله السابق وعملوا الصالحات والمراد وفعلوا الحسنات وآمنوا بما نزل على محمد (ص)والمراد وصدقوا بالذى أوحى لمحمد(ص)وهو الحق من ربهم أى القرآن هو الصدق من عند خالقهم كفر عنهم سيئاتهم أى غفر لهم ذنوبهم مصداق لقوله بسورة الأحزاب"ويغفر لكم ذنوبكم"والمراد وترك عقابكم على خطاياكم وأصلح بالكم أى وأحسن جزاء أعمالكم مصداق لقوله بسورة الأحزاب"ويصلح لكم أعمالكم "وهذا يعنى أن مقامهم الجنة والخطاب وما بعده لنا.

"ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم "المعنى ذلك بأن الذين كذبوا أطاعوا الكفر وأن الذين صدقوا أطاعوا العدل من خالقهم هكذا يبين الله للناس أحكامهم ،يبين الله للمؤمنين أن ذلك وهو عقاب الكفار وإثابة المسلمين سببه أن الذين كفروا اتبعوا الباطل والمراد أن الذين كذبوا حكم الله أطاعوا الهوى وهو الكفر وهو الشهوات مصداق لقوله بسورة القمر"واتبعوا أهواءهم "ومصداق لقوله بسورة مريم"واتبعوا الشهوات "وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم والمراد أن الذين صدقوا حكم الله أطاعوا النور وهو الصدق من إلههم مصداق لقوله بسورة الأعراف"واتبعوا النور الذى أنزل معه "ويبين لهم أن كذلك يضرب الله للناس أمثالهم والمراد بتلك الطريقة وهى الوحى يبين الرب للخلق أى آياتهم أى أحكامهم مصداق لقوله بسورة البقرة "كذلك يبين الله آياته للناس".

"فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثختنموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لإنتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا فى سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم "المعنى فإذا قابلتم الذين كذبوا فرمى الأعناق حتى إذا هزمتموهم فأحكموا القيد فإما إطلاق بعد حتى تنهى الحرب أحداثها ذلك ولو يريد الله لانتقم منهم ولكن ليختبر بعضكم ببعض والذين استشهدوا فى نصر الله فلن يحبط أفعالهم سيرحمهم أى يحسن مقامهم أى يسكنهم الحديقة علمها لهم ،يبين الله للمؤمنين أنهم إذا لقوا الذين كفروا والمراد إذا قاتلوا الذين كذبوا حكم الله فعليهم ضرب الرقاب أى رمى الأعناق بالسلاح والمراد قتل الكفار حتى إذا أثخنتموهم أى حتى إذا هزمتموهم فى الحرب فالواجب هو شد الوثاق أى إحكام القيد على الأسرى والواجب فى الأسرى هو المن بعد الحرب أى إطلاق سراحهم بعد القتال أو الفداء وهو دفع مقابل مالى لإطلاق سراحهم والأسرى لا يتم إطلاق سراحهم إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها والمراد إلا بعد أن ينهى القتال أحداثه،وذلك وهو حكم الأسرى ويبين الله أنه لو يشاء لانتصر منهم والمراد لو يريد لانتقم من الكفار الإنتقام التام فأماتهم ولكن أبقاهم على قيد الحياة ليبلوا بعضهم ببعض والمراد ليختبر الناس بعضهم ببعض أيطيعون أم يعصون ؟،وأما الذين قتلوا فى سبيل الله وهم الذين استشهدوا فى نصر دين الله لن يضل الله أعمالهم أى لن يحبط الله أجر أفعالهم ويبين الله أنه سيهديهم أى سيرحمهم وفسر هذا بأنه سيصلح بالهم أى سيحسن مقامهم وفسر هذا بأنه سيدخلهم الجنة أى سيسكنهم الحديقة التى عرفها لهم والمراد التى أخبرهم بها والخطاب وما بعده للمؤمنين

"يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم "المعنى يا أيها الذين صدقوا إن تطيعوا الرب يثيبكم أى يسكن قلوبكم والذين كذبوا فالنار لهم أى أخسر أعمالهم ذلك بأنهم بغضوا ما أوحى الرب فأخسر أفعالهم ،يخاطب الله الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله فيقول:إن تنصروا الله ينصركم والمراد إن تطيعوا حكم الله يرحمكم أى يؤتكم أجرا حسنا وفسر هذا بقوله ويثبت أقدامكم أى ويسر نفوسكم بالجنة مصداق لقوله بسورة الفتح"فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا "والذين كفروا فتعسا لهم والمراد والذين كذبوا حكم الله فسحقا أى فعذاب لأصحاب السعير مصداق لقوله بسورة الملك "فسحقا لأصحاب السعير"وفسر هذا بقوله أضل أعمالهم أى أحبط أفعالهم والمراد أضاع أجر أفعالهم مصداق لقوله بسورة الأحزاب"فأحبط الله أعمالهم "والسبب أنهم كرهوا ما أنزل الله والمراد خالفوا ما أوحى الله فأحبط أعمالهم أى فأخسر أجور أفعالهم  .

"أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم "المعنى أفلم يتحركوا فى البلاد فيعلموا كيف كان جزاء الذين سبقوهم انتقم الله منهم وللكاذبين أشباهها ذلك بأن الله ناصر الذين صدقوا وأن المكذبين لا ناصر لهم،يسأل الله أفلم يسيروا فى الأرض والمراد هل لم يسافروا فى البلاد فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم والمراد فيعرفوا كيف كان عذاب الذين سبقوهم ؟ويبين الله غرضه من السؤال بقوله دمر الله عليهم والمراد انتقم الرب منهم أى عذبهم الله بطرق مختلفة وللكافرين أمثالها والمراد وللمكذبين بحكم الله عقوبات أشباه عقوبات الكفار السابقين،وذلك أى السبب فى عقابهم هو أن الله مولى الذين آمنوا والمراد أن الرب ناصر الذين صدقوا حكمه وهم المتقين مصداق لقوله بسورة الجاثية "والله ولى المتقين "وأن الكافرين لا مولى لهم والمراد وأن المكذبين بحكم الله لا ناصر لهم ينقذهم من العذاب والخطاب للمؤمنين وما بعده للنبى(ص).

"إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم "المعنى  إن الرب يسكن الذين صدقوا حكم الله وفعلوا الحسنات حدائق تسير من أسفلها العيون والذين كذبوا يتلذذون أى يتمتعون كما تتمتع الأنعام وجهنم مقام لهم ،يبين الله للنبى(ص)أن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات والمراد أن الله يسكن الذين صدقوا وحى الله وفعلوا الحسنات رحمته وهى الحدائق مصداق لقوله بسورة الجاثية"فيدخلهم ربهم فى رحمته"وهى تجرى من تحتها الأنهار والمراد وتسير من أسفل مستوى أرضها العيون وهى مجارى السوائل اللذيذة والذين كفروا أى كذبوا حكم الله يتمتعون أى يأكلون كما تأكل الأنعام والمراد يلهون أى يعيشون كما تعيش الأنعام  فى شهواتها والنار مثوى لهم والمراد فالجحيم مأوى لهم مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومأواهم النار".

"وكأين من قرية هى أشد قوة من قريتك التى أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم "المعنى وكم من بلدة هى أعظم من بلدتك التى طاردتك دمرناهم فلا منقذ لهم ،يسأل الله نبيه (ص)وكأين من قرية هى أشد قوة من قريتك التى أخرجتك والمراد وكم من أهل بلدة هم أعظم بطشا من أهل بلدتك التى لاحقتك بعد خروجك منها أهلكناهم فلا ناصر لهم والمراد دمرناهم فلا مولى أى فلا منقذ لهم مصداق لقوله بسورة محمد"فلا مولى لهم "؟والغرض من السؤال إخباره بقدرته على تعذيب الكفار مهما كانت قوتهم لأنهم أهلك قبلهم من هو أعظم قوة والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص).

"أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم "المعنى هل يتساوى من كان على هدى من إلهه مع من حسن له قبيح فعله وأطاعوا شهواتهم فى الجزاء ؟يسأل الله أفمن كان على بينة من ربه والمراد هل يتساوى فى الجزاء من كان على طاعة دين من خالقه كمن زين له سوء عمله والمراد مع من حسن له قبيح صنعه أى اتبعوا أهواءهم أى أطاعوا شهواتهم وهى الباطل مصداق لقوله بنفس السورة "واتبعوا الباطل"؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الله يفضل المؤمنين على الكفار فى الجزاء فى الآخرة .

"مثل الجنة التى وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير أسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد فى النار كمن سقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم "المعنى وصف الحديقة التى أخبر المطيعون فيها عيون من ماء غير راكد وعيون من لبن لم يتبدل مذاقه وعيون من خمر متعة للمرتوين وعيون من عسل رائق ولهم فيها من كل المنافع أى رحمة من خالقهم كمن هو باق فى جهنم كمن أعطوا ماء غساقا فهتك بطونهم ،يبين الله لنبيه (ص)أن مثل الجنة وهو وصف الحديقة والمراد أرض البستان التى وعد المتقون والمراد التى أخبر المطيعون لحكم الله فيها أنهار من ماء غير أسن والمراد مجارى ماء غير راكد فالماء فيها متجدد باستمرار وأنهار من لبن لم يتغير طعمه والمراد ومجارى لبن لم يتبدل مذاقه وأنهار من خمر لذة للشاربين والمراد ومجارى خمر أى عصير متعة للمرتوين وأنهار من عسل مصفى والمراد ومجارى عسل رائق وهذا يعنى وجود أربعة سوائل فى الجنة ماء ولبن وخمر وعسل ولهم فيها من كل الثمرات والمراد ولهم فيها من كل الفواكه وهى المنافع المختلفة وفسر هذا بأن لهم مغفرة من ربهم أى رحمة من خالقهم ويسأل هل من فى الجنة كمن هو خالد فى النار والمراد هل يستوى ساكن الجنة بمن هو مقيم فى جهنم ؟والجواب بالقطع لا والكفار سقوا ماء حميما أى أشربوا أى أعطوا سائل مؤلم هو الغساق فقطع أمعاءهم أى فأحرق بطونهم .

"ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم "المعنى ومنهم من ينصت لك حتى إذا طلعوا من لديك قالوا للذين أعطوا الوحى ماذا قال سابقا أولئك الذين ختم الله على نفوسهم وأطاعوا ظنونهم ،يبين الله لنبيه (ص)أن من المنافقين من يستمع إليه والمراد من ينصت لحديثك وهذا يعنى أن منهم من يتظاهر بمعرفة ما يقوله الرسول(ص)للطاعة حتى إذا خرجوا من عندك والمراد حتى إذا انصرفوا من مكان وجودك قالوا للذين أوتوا العلم وهم الذين أعطوا الوحى ماذا قال آنفا والمراد بماذا تحدث محمد سابقا أى بماذا تكلم محمد فى المجلس ؟وهذا التناسى لقول الرسول (ص)هو تناسى متعمد منهم ويبين له أن أولئك هم الذين طبع الله على قلوبهم أى ختم الله على نفوسهم مصداق لقوله بسورة البقرة"ختم الله على قلوبهم"والمراد جعل فى نفوسهم حاجز يمنعهم من الإسلام وهو أنهم اتبعوا أهواءهم والمراد أطاعوا ظنونهم وهى شهواتهم أى الباطل مصداق لقوله بسورة محمد"واتبعوا الباطل"والخطاب للنبى(ص).

"والذين اهتدوا زادهم هدى وأتاهم تقواهم فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم "المعنى والذين رشدوا أمدهم رحمة أى أعطاهم نصرهم فهل يتربصون إلا القيامة أن تجيئهم فجأة فقد أتت علاماتها فكيف يفيدهم إذا أتتهم إيمانهم ساعتها ؟يبين الله لنبيه (ص)أن الذين اهتدوا زادهم هدى والمراد أن الذين اتبعوا الهدى وهو الحق أمدهم برحمته وفسر هذا بأنه أتاهم تقواهم والمراد أعطاهم منعتهم من العذاب وهو دخول الجنة،ويسأل الله فهل ينظرون إلا الساعة والمراد فهل يتربص الكفار إلا القيامة أن تأتيهم بغتة والمراد أن تجيئهم فجأة ؟وهذا يعنى أن القيامة تأتى فى موعد غير متوقع وهم يترقبون حدوثها ويبين لنا أنه قد جاء أشراطها والمراد إنه إن حدثت أحداث وهى آيات القيامة فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم والمراد فكيف يفيدهم إذا أتتهم أحداث القيامة إيمانهم ساعتها؟وهذا يعنى أنهم لا ينفعهم إيمانهم يوم القيامة مصداق لقوله بسورة الأنعام
"يوم يأت بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها ما لم تكن آمنت من قبل".

"واعلم أنه لا إله إلا هو واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم "المعنى واعرف أنه لا رب إلا هو واستعفى لسيئتك وللمصدقين والمصدقات والله يعرف حركتكم وسكنكم ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يعلم أى أن يعرف أنه لا إله إلا هو والمراد أنه لا طاعة لحكم  أحد سوى حكم الله ويطلب منه أن يستغفر لذنبه والمراد أن يطلب من الله ترك عقابه على سيئته وأن يطلب نفس الطلب للمؤمنين والمؤمنات وهم المصدقين والمصدقات بحكم الله ويبين للمؤمنين أنه يعلم متقلبكم ومثواكم والمراد أنه يعرف حركتكم وسكنكم وهذا يعنى أنه يعرف كل شىء عنهم فى اليقظة والنوم والخطاب وما قبله للنبى(ص).

"ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين فى قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت فأولى لهم طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم "المعنى ويقول الذين صدقوا لولا أوحيت آيات فإذا أوحيت آيات مفروضة وطلب فيها الجهاد علمت الذين فى نفوسهم علة يرنون لك رنو المغمى عليه من الوفاة فأحق لهم اتباع وحديث طيب فإذا وجب الحكم فلو صدقوا الله لكان أحسن لهم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين آمنوا أى صدقوا بحكم الله قالوا لولا نزلت سورة والمراد هلا أوحيت آيات وهذا يعنى أنهم يطلبون نزول بعض الوحى لهم فإذا نزلت سورة محكمة والمراد فإذا أوحيت مجموعة آيات مفروضة طاعتها عليهم وذكر فيها القتال والمراد وطلب فيها الجهاد منهم ويبين له أنه يرى الذين فى قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت والمراد أنه يشاهد الذى فى نفوسهم علة هى النفاق يتوجهون ببصرهم إليه كتوجه المغمى عليه من الوفاة وهذا يعنى أن عيونهم تشخص عند ذكر الجهاد كشخوص عيون المغمى عليه من الموت التى تنظر فى اتجاه واحد فقط ،ويبين له أن الأولى وهو الواجب عليهم  هو الطاعة وهى اتباع حكم الله وقول معروف أى وأن يتكلموا كلاما طيبا ولو صدقوا الله لكان خيرا لهم والمراد ولو أطاعوا أى فعلوا موعظة أى حكم الله لكان أفضل لهم أجرا مصداق لقوله بسورة النساء"ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم "والخطاب للنبى(ص)وما بعده له ومنه للناس

"فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم "المعنى فهل عسيتم إن أعرضتم أن تظلموا فى البلاد أى تدمروا منافعكم أولئك الذين غضب الله عليهم فأمرضهم أى أغشى نفوسهم ،يسأل الله المنافقين :فهل عسيتم إن توليتم أى كذبتم بالحق أن تفسدوا فى الأرض أى تبغوا أى تحكموا فى البلاد بالظلم وفسر هذا بقوله وتقطعوا أرحامكم والمراد وتنسوا منافعكم وهى أوامر الله التى يجب وصلها مصداق لقوله بسورة البقرة "ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل "؟وهذا يعنى أنهم سيحكمون البلاد بالباطل وهو الظلم ويبين له أولئك الذين لعنهم الله أى غضب الله عليهم"كما قال بسورة الفتح والمراد أضلهم وفسر هذا بأنه أصمهم أى أضلهم وفسره بأنه أعمى أبصارهم أى أضل  قلوبهم عن الحق لأنهم أرادوا ضلالهم والخطاب للنبى(ص)ومنه للمنافقين حتى أرحامكم فله وحده

"أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها "المعنى أفلا يفهمون الكتاب أم على عقول حواجزها ؟يسأل الله أفلا يتدبرون القرآن والمراد أفلا يطيعون الوحى أم على قلوب أقفالها والمراد أم على نفوس حواجزها ؟ والغرض من الأسئلة هو إخبارنا أن المنافقين لا يطيعون القرآن والسبب أقفال القلوب وهى شهوات النفوس التى تمنعها من الطاعة للقرآن والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم فى بعض الأمر والله يعلم إسرارهم فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعماله "المعنى إن الذين عادوا إلى كفرهم من بعد ما ظهر لهم الرشد ،الهوى وسوس لهم ذلك بأنهم قالوا للذين خالفوا ما أوحى الله سنتبعكم فى بعض الحكم والرب يعرف كتمانهم فكيف إذا أماتتهم الملائكة يرمون وجوههم وظهورهم ذلك بأنهم أطاعوا ما كره الرب وبغضوا رحمته فأخسر أجورهم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين ارتدوا على أدبارهم والمراد أن الذين رجعوا إلى أديان الكفر من بعد ما تبين لهم الهدى والمراد من بعد ما أبلغ لهم الوحى الإلهى الشيطان سول لهم والمراد الهوى الضال وسوس لهم أى زين لهم الردة ذلك والمراد السبب هو أنهم قالوا للذين كرهوا ما أنزل الله وهم الذين كذبوا ما أوحى الله :سنطيعكم فى بعض الأمر والمراد سنتبع رأيكم فى بعض القضايا وغرضهم من هذا ألا يظهروا كفرهم للمسلمين والله يعلم إسرارهم والمراد والله يعرف خفاياهم التى يخفونها ويسأل فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم والمراد فكيف يمنعون إذا أماتتهم الملائكة يعذبون مقدمات أجسامهم وخلفياتهم هذا العذاب ؟والغرض من السؤال إخبارنا بعدم قدرتهم على منع العذاب،ويبين له أن ذلك وهو العذاب سببه أنهم اتبعوا ما أسخط الله والمراد أطاعوا ما أغضب الله وهو الشيطان أى الباطل وكرهوا رضوانه والمراد وبغضوا حكمه الموصل لرحمته فأحبط أعمالهم والمراد فأخسر أجور أفعالهم حيث أدخلهم النار .

"أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم فى لحن القول والله يعلم أعمالكم "المعنى هل ظن الذين فى نفوسهم علة أن لن يظهر الرب أحقادهم ؟ولو نريد لعرفناكهم فلعلمتهم بصفاتهم ولتعرفنهم من تحريف الحديث والله يعرف أفعالكم ،يسأل الله أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم والمراد هل اعتقد الذين فى نفوسهم نفاق أن لن يظهر الرب أحقادهم؟وهذا يعنى أن المنافقين يظنون أن الله لن يظهر أحقادهم لأنهم يعتقدون أن الله لا يعلم السر،ويبين لنبيه (ص)أنه لو شاء لأراه إياهم والمراد لو أراد لعرفه المنافقين فردا فردا،ويبين له أنه يعرفهم من سيماهم والمراد يعلمهم من أفعالهم ويعرفهم فى لحن القول والمراد ويعلم بهم من تحريفهم الكلام فالمنافق سمته هى تحريف الوحى ويبين للمؤمنين أنه يعلم أعمالهم والمراد يعرف أفعالهم وسيحاسبهم عليها والخطاب للنبى(ص)  .

"ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم "المعنى ولنختبرنكم حتى نعرف المطيعين منكم أى المتبعين ونعرف أعمالكم ،يبين الله للمؤمنين أنه يبلوهم والمراد أنه يمتحنهم بحكمه حتى يعلم أى يميز المجاهدين وفسرهم بأنهم الصابرين وهم المطيعين لحكم الله من المخالفين لحكمه ويبين لهم أنه يبلوا أخبارهم والمراد أنه يعلم أعمالهم ويحاسبهم عليه والخطاب للناس ومحذوف بقيته وهو ونعلم الكافرين والمنافقين.

"إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم"المعنى إن الذين كذبوا أى بعدوا عن دين الله أى خالفوا النبى (ص)من بعد ما ظهر لهم الحق لن يؤذوا الرب أذى وسيضل أفعالهم ،يبين الله للمؤمنين أن الذين كفروا أى كذبوا حكم الله وفسرهم بأنهم صدوا عن سبيل الله أى بعدوا عن طاعة دين الله وفسرهم بأنهم شاقوا الرسول أى خالفوا الوحى المنزل على النبى (ص)من بعد ما تبين لهم الهدى والمراد من بعد ما بلغهم الحق وهو حكم الله لن يضروا الله شيئا والمراد لن يصيبوا الرب بضرر وهذا يعنى أنهم لا يقدرون على إصابة الله بأذى وهو سيحبط أعمالهم أى سيخسر أجور أفعالهم والمراد سيدخلهم النار

"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم "المعنى يا أيها الذين صدقوا اتبعوا حكم الله أى اتبعوا حكم النبى (ص)ولا تخسروا أجور أفعالكم ،يطلب الله من الذين آمنوا أى صدقوا وحى الله التالى بقوله:أطيعوا الله أى اتبعوا الحكم المنزل من الله مصداق لقوله بسورة البقرة "اتبعوا ما أنزل الله"وفسر هذا بقوله وأطيعوا الرسول أى اتبعوا الحكم المنزل على النبى (ص)من الله ولا تبطلوا أعمالكم أى ولا تخسروا أجور أفعالكم بدخول النار والخطاب وما قبله للمؤمنين وما بعده وما بعده

"إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر لهم "المعنى إن الذين كذبوا أى بعدوا عن دين الله ثم هلكوا وهم مكذبين فلن يرحمهم الله ،يبين الله للمؤمنين أن الذين كفروا أى كذبوا حكم الله وفسرهم بأنهم صدوا عن سبيل الله أى بعدوا عن طاعة دين الله ثم ماتوا وهم كفار والمراد ثم توفوا وهم مكذبون بحكم الله فلن يغفر الله لهم والمراد فلن يرحمهم الله فى الآخرة أى سيدخلهم النار .

"فلا تهنوا وتحزنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم "المعنى فلا تضعفوا أى تخافوا وتنادوا إلى الكف وأنتم المنتصرون والله ناصركم ولن يحبط أجوركم،يطلب الله من المؤمنين ألا يهنوا والمراد ألا يضعفوا عن القتال وفسر هذا بقوله لا تحزنوا أى لا تخشوا أذى الكفار وتدعوا إلى السلم والمراد وتميلوا إلى طلب عدم القتال وأنتم الأعلون أى المنتصرون وهذا يعنى حرمة طلب السلام عند النصر من المسلمين فالطلب يأتى من المنهزم  وليس من المنتصر والله معكم أى والرب ناصركم على عدوكم ولن يتركم أعمالكم والمراد ولن يبطل أفعالكم والمراد ولن يضيع الله ثواب أفعالكم .

"إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسئلكم أموالكم "المعنى قال الكفار إنما المعيشة الأولى عبث أى تمتع وإن تصدقوا وتطيعوا يعطكم ثوابكم ولا يطالبكم بمنافعكم ،يبين الله للمؤمنين أن الكفار قالوا لبعضهم :إنما الحياة الدنيا لعب أى لهو والمراد إنما المعيشة الأولى تمتع أى عبث ويبين للمنافقين أنهم إن يؤمنوا ويتقوا والمراد إن يصدقوا ويطيعوا حكم الله يؤتكم أجوركم والمراد يدخلكم ثوابكم وهو الجنة ولا يسئلكم أموالكم والمراد ولا يطالبكم بإنفاق أموالكم كلها فى الجهاد فهو يطلب إبقاء مال لمعيشة الأسرة  والخطاب حتى لهو للمؤمنين ومحذوف أوله وهو قال الكفار وما بعده خطاب للمنافقين وما بعده .

"إن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم "المعنى إن يطالبكموها فيكرر لكم تمنعوا ويظهر أحقادكم ،يبين الله للمنافقين أن النبى (ص)إن يسألهم والمراد إن يطالبهم بأموالهم فيحفهم أى فيكرر طلبه لهم يبخلوا أى يمنعوا المال عنه والله يخرج أضغانهم والمراد يظهر أحقادهم فى الوحى حتى يعلم المؤمنين بها .

"ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا فى سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه والله الغنى وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم "المعنى ها أنتم هؤلاء تنادون لتصرفوا فى نصر الله فمنكم من يمنع ومن يمنع فإنما يعاقب نفسه والرب الرزاق وأنتم المحتاجون وإن تعرضوا يخلق ناسا سواكم ثم لا يكونوا أشباهكم ،يخاطب الله المؤمنين فيقول :ها أنتم هؤلاء تدعون أى تنادون لتنفقوا فى سبيل الله أى لتعطوا أموالكم لنصر دين الله  فمنكم من يبخل أى يمنع المال عن الجهاد ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه والمراد ومن يمنع المال فإنما يعاقب نفسه بمنعه بالنار والله الغنى أى صاحب الرزق وأنتم الفقراء أى المحتاجون إلى رزق الله وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم والمراد وإن تكفروا يخلق ناسا سواكم ثم لا يكونوا أمثالكم أى ثم لا يصبحوا كفار أشباهكم .

             

اجمالي القراءات 51253