في الرد على الأخ شادي الفران
الخمر مرة أخرى

شريف هادي في الخميس ١٤ - ديسمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله والحمد لله الذي لم يلد ولم يولدولم يكن له كفوا أحد والصلاة والسلام على من لا نبي بعده الذي لم يعقب ولد ولم يكن له إلا الله خير سند أما بعد،،،
قال تعالى"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ" صدق الله العظيم
أولا أتقدم بالشكر لكل الاخوة الكرام الذين أدلوا بدلوهم في موضوع حكم الخمر وأعقب على رأي من قال بالتحريم وأدلته فأفندها فإن كان عنده أو عند غيرة رد على ذلك التعقيب فاليتفضل حتى يتبين لنا الحق في هذه القضية الشائكة، قد يقول قائل لماذا هذا الموضوع والذي قد يؤدي للاختلاف؟ وأقول لإسباب عدة إجملها في الآتي:-
1- تبين الحق في أمر الخمر من القرآن فإن كان حراما تجنبناه وإن كان حلالا بيناه
2- توجد بعض البلاد التي تعاني من درجات حرارة شديدة البرودة وأصبح الخمر يشكل جزء من حياتها ومنظومتها فبتبين حكم الخمر نؤكد على صلاحية الاسلام لكل مكان كما توجد بعض الشعوب يشكل الخمر جزء من ثقافتها عبر التاريخ كالصين مثلا فمع تبين الحكم الصحيح نؤكد على صلاحية الاسلام لكل زمان
3- إعادة فهم كتاب الله وفقا لمصطلحاته مع الاجتهاد دون تحريم حلالا أو تحليل حراما وتبقى الحجة الأقوى والدليل الساطع هما البرهان الوحيد
ونبدأ في الرد على كلام الأخ شادي الفران والذي يؤكد تحريم الخمر فنقول وبالله التوفيق:
1- قال تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ......)) النساء الآية 43 يرى الأخ الفاضل أن السكر هنا لا تعني السكر من الخمر بل تعني شرود الزهن وقد إستدل بقوله تعالى ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ{1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ{2})) الحج وأقول إنه إستدلال فاسد في غير موضعه فأنا أستدل بنفس الآية والدليل على أن السكر هاهنا هو سكر الخمر لإن الله في سورة الحج أردف قوله وترى الناس سكارى بقوله وما هم بسكارى وما هنا النافية للجنس أي تنفي جنس السكر عن الناس ولو لم يردفها رب العزة بهذه العبارة لتبادر للزهن سكارى من شرب الخمر ولكن إكتمال العبارة بقوله وما هم بسكارى يعطي مفهوم أن هول العذاب جعلهم كالسكارى أما الآية في سورة النساء فإن السكر هنا حقيقي وليس ظني لعدم وجود أي دليل أو قرينه تجعله ظنيا فيكون قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ... الآية" يكون المقصود بها سكر الخمر ثم لا نرى من خالف هذا المفهوم أو شذ عن هذه القاعدة من المفسرين.
2- قال تعالى ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)) البقرة الآية 219 هذه الآية والآية في سورة النساء لا يفهم منهما التحريم ولكن يفهم منهما أن الخمر حلال ولكن مع الحذر من الوقوع في الإثم والذي منه إقامة الصلاة حين السكر وكذلك إقتران شرب الخمر بلعب الميسر والذي سيقود حتما لإثم كبير.
3- قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون, انَّمَا يُرِيدُ الشَّلشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)) المائدة الآيات 90-91
في هذه الآية عدة نقاط يجب توضيحها قبل إستخلاص الحكم منها على النحو التالي
أولا:- وجود واو العطف بين لفظ الخمر ولفظ الميسر تعني تلازمهما في الاجتناب ويكون إطلاق لفظ رجس من عمل الشيطان يجب أن يكون عليهما متلازمين ولا يكون على أحدهما دون الآخر إلا في حدود سوف يأتي تفصيلها وقد يسأل سائل وماذا عن الانصاب والأزلام ولماذا لا يكون الأربعة مجتمعين رجس فيكون الوقوع في ثلاثة دون الرابع ليس رجسا نقول في الرد على هذه الشبهه أن لدينا أولا قرينه على أن الخمر والميسر مجتمعين بمفردهما يتحقق فيهما حكم الرجس من عمل الشيطان وهو ذكرهما في سورة البقرة الآية 219 دون ذكر الأنصاب والأزلام ثم أن الانصاب والازلام كل منهما بمفرده رجس من عمل الشيطان ذلك لمخالفتهما أصل التوحيد وهو أساس كل الأديان السماوية وركيزة دعوة جميع الأنبياء من آدم إلي محمد عليهم جميعا الصلاة والسلام
ثانيا:- معنى رجس من عمل الشيطان يحمل على وجوه عدة قد يكون السخط وقد يكون الشر وقد يكون وسوسة الشيطان ولنقرأ ونتدبر الآيات التالية وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا الأحزاب/33

إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ الأنفال/11

وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ المدثر/5
ولا يتحقق بشرب الخمر منفردا دون سكر أي من هذه المفاهيم ولكن كل هذه المعاني مجتمعة تتحق في الميسر والانصاب والازلام لو أرتكب الانسان أي من هذه الأفعال منفردة أو مجتمعه
ثالثا:- الاحتناب ليس أشد من التحريم وليس هو التحريم يقول تعالى"يا أيها الذين آمنوا إجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم" فتدبر قوله بعض الظن ولم يقول كل الظن فما هو مفهوم الاجتناب هنا؟؟؟!
كما أن قوله تعالى فهل أنتم منتهون يمكن حمله منتهون عن إرتكاب الإفعال المذكورة وهي شرب الخمر ولعب الميسر والذبح عند الانصاب والاستقسام بالازلام ويكون المقصود من السؤال هو النهي بمعنى التحريم ولو كان ذلك كذلك لكن التحريم منصب على الأفعال المذكورة مجتمعة أو منفردة دون الخمر لوجود الاستثناء بقوله تعالى "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا..." الآية وسيأتي ذكرها تفصيلا إن شاء الله ، كما يمكن حمله على فهل أنتم منتهون عن ذكر الله وعن الصلاة ويكون هنا سؤال إستنكاري فلا يأخذ حكم النهي بمعنى التحريم ولكن تستخلص أحكام هذه الأفعال بأدلة أخرى من كتاب الله تعالى
رابعا:- قوله تعالى" إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء " فيكون سبب الاجتناب والنهي بمعنى التحريم هو وقوع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة والمعروف أن زوال السبب يؤدي إلي زوال المسبب وشرب الخمر وحدها دون سكر لا يؤدي إلي هذه النتيجة فالمطلوب هنا ليس تحريم شرب الخمر ولكن المطلوب ضبط النفس عن السكر برد وسوسة الشيطان فلا يقترن الشرب بالسكر ويقترن السكر بلعب الميسر فتكون النتيجة شر من عمل الشيطان وسخط من الله تعالى للوقوع في محارمة
4- قوله تعالى " وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" تبين الآية أنه يجب طاعة الله وطاعة رسول الله في نجنب الوقوع في معصية شرب الخمر مع لعب الميسر ويحذرنا من المعصية وأن يرانا الله قائمين عليها فإن تولينا عن ذلك فحسابنا على الله وليس على الرسول إلا البلاغ المبين
5- قوله تعالى " لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَءَامَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" هذه الآية في غاية الوضوح إستثنائها حكم شرب الخمر بمفردها من الاجتناب والنهي بمعنى التحريم فلو أخذنا بقاعدة أن الأفعال مجتمعة إذا حرمت فتكون أحادها محرمة بإضفاء حكم الكل على الجزء إلا بإستثناء بنص صريح فتكون هذه الآية هي النص الصريح بإستثناء حكم شرب الخمر منفردا من مجمل التحريم في الآية السابقة والعجيب بل والشاذ أيضا أن الأخ شادي قد نسخ بمعنى لغى حكم الاية في نصفها الأول وهو تحليل شرب الخمر منفردا بنصفها الثاني الذي حمله على الماضي دون المضارع والمستقبل بدون أن يوضح لنا القرينة أو الدليل أو المخصص الذي بمقتضاه خصص عمومية الحكم على كافة الأزمنة بكونها حكم لمن فعل ذلك في الماضي فقط ، والآية تتكلم عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأتقوا وأحسنوا ذلك لأنهم إذا إتصفوا بهذه الصفات فلن يعصوا الله بإقتران شرب الخم بلعب الميسر أو بالشرك بالله بالذبح على النصب أو بالاستقسام بالازلام كما لن يعصوا الله بالصلاة وهم سكارى كما أن تقواهم وإحسانهم وعملهم للصالحات ستكون حصن حصين لهم من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهو المفهوم منطقيا من تسلسل الآيات والتدرج في الأحكام ويكون في ذلك عبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد
6- خمر الجنة ليس كخمر الأرض أقول نعم وفاكهة الجنة ليست كفاكهة الأرض وماء الجنة ليس كماء الأرض ولبن الجنة ليس كلبن الأرض وفي المجمل الجنة ليست كالأرض وأسمع قوله تعالى "وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" البقرة 25فإن عدم التماثل بمفردة لا يؤخذ منه حكم بالتحريم أو التحليل فلا أعرف لماذا ساق الأخ الفاضل هذا المثال!
7- موضوع العقوبات يقول الأخ عدم وجود عقوبة لشرب الخمر لا يعني بأن شرب الخمر حلال وإستدل بعدم وجود عقوبة على شتم الأم فهل شتم الأم حلال؟ ثم إستخلص قاعدة مفادها أن الاسلام لم يضع عقوبة الا لما يسبب أذى و ضرر شديد للناس و لكن لم يضع عقوبة لكل ما هو حرام. وهنا لزم التوضيح أن فعل الإنسان يتأرجح بين عمل الأركان والجوارح وبين عمل القلوب والأفئدة وفي كل منها ما هو حرام وما هو واجب وما هو مباح أما العقوبات في القرآن فقد وردت فقط على عمل الأركان والجوارح دون عمل القلوب والأفئدة حتى ولو كانت نتيجة عمل القلب هو فعل ظاهر فعقوق الوالدين من أعمال القلوب حتى ولو إقترن به فعل ظاهر فلن تجد له عقوبة محددة في كتاب الله ولكن يظل حراما ومن يحاسب على عمل القلوب هو الله سبحانه وتعالى أما شرب الخمر فهو من أعمال الظاهر وهو عمل الأركان والجوارح فلو كان حراما لكان له عقوبة في كتاب الله كالسرقة والزنا أرجوا أن يكون المعنى واضح
8- وأخيرا فإنه بعد الرد على ما أثاره الأخ الفاضل شادي الفران يبقى حكم شرب الخمر دون سكر حلال أو على أقل تقدير وفقا لمفهوم الأحكام الشرعية في الفقه السني مكروة كراهية تنزية أو مباح أولى تركة، وتخيل كم من الأمم يمكن أن تدخل الإسلام لمجرد أن حكم شرب الخمر على هذا المنوال، وما زلنا نسأل الأخوة الكرام جميعا أن يشاركونا النقاش حتى نتبين الصواب ونعوذ بالله العلي العظيم أن نقول في كتاب الله بغير علم وهدى ونسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا وأن يهدينا سبيل الرشاد والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل والسلام عليم ورحمة الله وبركاته
شريف هادي
اجمالي القراءات 30084