وما خلق الذكر والانثى

وداد وطني في الأحد ٠٨ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

(6)

 

وما خلق الذكر والانثى

 

الذكر والأنثى، جنسان يحملان كل واحد منهما تناقضات الآخر.. بمعني أن وجود كل واحد منهما معاً هام جدا لإكمال نقص الآخر..

 نجد في كتاب الله تعالى أن الخطاب القرآني موجه للجنسين على حد سواء (المؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، المنافقين والمنافقات، المشركين والمشركات... الخ) وأن المولى عز وجل بدأ بالذكر ثم الأنثى وهذا التقديم والتأخير ليس عبثا... ولكن في نفس الوقت واو العطف لا تعني هنا التبعية أو عطف الخاص على العام نحو قوله تعالى (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) إنما هناك استقلال في كينونة كلا الجنسين.

وقد آثرت في مقالي هذا أن أبين بعض المغالطات التي وقع فيها "سلفنا الصالح" وترنم على أثارها  كثيرا ممن أتخذوا فقه "ما ألفينا عليه أبائهم" وجعلوا من اجتهادات "آبائنا الأولون" منهاجا لهم.

المغالطة الأولى...

قال الله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)..

كثير من الجهلاء بكتاب الله يبترون هذه الآية وغيرها ويستخدمونها لتفضيل أحد الجنسين على الآخر.. وبما أن "السلف" قد استحوذ ذكوره على العلوم بشتى مجالاته وبالذات ما يسمى بالعلوم الدينية فقد نظروا الى كتاب الله بمنظارهم الذكوري وعليه كان من الطبيعي في المحصلة أن تأتينا تفاسير عدة جميعها فسرت آياته في هذا الشأن بأفضلية مطلقة للذكور على الإناث.

والنص الكامل لهذه الآية  قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم) (البقرة 228)

هنا تتحدث الآيه الكريمة عن الطلاق كما هو واضح في بدايتها (والمطلقات) أي أن المطلقة إذا تبين أنها حامل وأراد زوجها أن يردها كان له ذلك، وفي هذه الحالة "فقط" يؤخذ برأيه دون رأيها أي له "درجة عليها" ولاحظ أنها ذكرت بشكل مباشر وصريح في الآية الكريمة بمعنى آخر أن للرجال في هذه الحالة درجة عليهن وما دون ذلك هم سواسية وهذا على حساب لم شمل العائلة فإن وجود طفل في رحم المرأة يمكن أن يغير الوضع بالكلية. هذه هي الدرجة التي أعطاها الرجل على المرأة "الزوجة الحامل".. ولكن للأسف فقد حمل المعنى هنا على الإطلاق وعموم القول.

مغالطة أخرى...

يقول الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا).

ولنستقرئ قوله تعالى بدون الرجوع الى ما ألفينا عليه آبائنا.

أولا: (الرجال قوامون على النساء)

قوامون: ومفردها قوّام وجذرها قام.. وقام فلان على الأمر إذا أحسنه وفيه القيام بالعدل كقوله تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) وقوله تعالى (أفمن هو قائم على كل نفس).

وهنا بالآية الكريمة لا توجد إشارة لأصل الجنس البشري الذكر والأنثى!! أي لم يقل الله تعالى "الذكور قوامون على الإناث" وإلا لكانت قوامة فطرية.. ونحن نعلم أن كل رجل ذكر وكل امرأة أنثى "لكن العكس غير صحيح".

ويفهم أيضا من قوله تعالى (بما فضل الله بعضهم على بعض) الرجال والنساء معاً إذ لو كانت بعضهم تعني الرجال فقط لدخل فيها قسم من الرجال وليس كلهم، ولوجب أن يتابع فيقول (على بعضهن) ليدخل فيها قسم من النساء وليس كلهن، مما ينتج عنه أن الله فضل قسماً من الرجال على قسم من النساء، فما بال الأقسام الباقية؟ ولكن اللغة العربية التي نزل بها كتاب الله تفرض فصاحتها فبَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ تشمل كل الرجال والنساء فيصبح المعنى بما فضل الله بعض الرجال والنساء على بعض آخر من الرجال والنساء. على نحو قوله تعالى: (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ) الإسراء (17) وهذا ينفي تماماً الأفضلية بالخلق، وتبقى الأفضلية بحسن الإدارة والحكمة ودرجة الثقافة والوعي، التي تتفاوت بين الناس، فمن الرجال من هو أفضل فيها من النساء والعكس صحيح.

 البند الثاني من القوامة وهو البند المالي في قوله تعالى (وبما أنفقوا من أموالهم) فصاحب المال له القوامة بغض النظر عن كفاءته العلمية، فصاحب المؤسسة التجارية الذي يحمل الإبتدائية مثلاً يستطيع أن يعين مديراً يحمل شهادة الدكتوراه لإدارة مؤسسته وبالتالي يخضع لأوامر مالك المؤسسة لأن بيده قوامة الإنفاق.

هذا من ناحية...

أما من ناحية أخرى فنرى تكريم الله عز وجل للأنثى بأكثر من موضع.. فثمة قصتان في كتاب الله تؤكد لنا ذلك.

الأولى: قصة امرأة عمران أم مريم عليهما السلام.. والثانية: قصة ملكة سبأ..

يقول الله تعالى في قصة امرأة عمران أم مريم (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم* فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم)..

هنا قول امرأة عمران "وليس الذكر كالأنثى" ظنا منها أن الذكر أفضل من الأنثى في القيام بأمور الدين والعبادة ولذلك تمنت أن تضع ذكرا.. ودلالة تفضيل الأول على الثاني هنا كقوله تعالى: "افنجعل المسلمين كالمجرمين" وقوله تعالى "ام نجعل الذين امنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض" "ام نجعل المتقين كالفجار"

ولكن شائت مقدرة الخالق أن تضع امرأة عمران أنثى ليعلم الجميع أن فوق كل ذي علم علما وأن الفرق الذي وضعه الله بين الجنسين هو ليس لتفضيل أحد الجنسين على الآخر ولكن هو لإحداث التكامل بينهما كما أراده عز وجل لإستخلاف الأرض وإعمارها. ولا ننسى أن نذكر أن السورة التي ورد فيها ميلاد النبي عيسى المعجز قد سميت بإسم أمه مريم وليس بأسمه عليهما السلام.

أما القصة الثانية فهي في سورة النمل لملكة سبأ ويقول تعالى على لسان هدهد سليمان (إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم) النمل (23) ثم يقول (ياأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون* قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليكِ فانظري ماذا تأمرين) النمل (32) و (33) وهنا نجد أن سليمان عليه السلام حين جاءه خبر بلقيس لم يستنكر كونها ملكة أي أنها صاحبة قوامة على قومها ولكنه أنكرعليهم عبادتهم للشمس.

صحيح أن الله فضل الرجل على المرأة بالقدرات العضلية والجسمية في الخلق، وكان هذا الفضل المحور الأساس في الرزق بالصيد والزراعة والتجارة حين كانت المرأة تحتاج إلى قدرات عضلية في عصور متقدمة إلا أن التطور التقني والآلي قد قضى على هذا الفضل. ولنقل أنه أنقصه إلى حدود معينة. إضافة إلى أن العلم أثبت فضل المرأة على الرجل في عدد من الوجوه، كمتوسط العمر والتعرض لأمراض القلب والعاطفة الجياشة التي تستطيع احتواء المشاكل الأسرية أكثر من الرجل ويطول الحديث في ذلك.

وقد ذهب البعض في تفسير قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء) كقولنا (قام الرجل على بيته) ومنه تقول العرب أيضاً (قام الخادم على مولاه)، أي قام على خدمة سيده... ففضل الرجال على النساء فضل تكليف ومسؤولية. وهذا رأيهم الخاص ويشكرون على إجتهادهم في عصرهم فالإجتهاد لا يجب أن يتوقف في حقبة زمنية ما أو يستأثر به عصبة من الرجال. 

 

ختاما..

أنا لا أدعوا هنا إلى استقلال المرأة عن الرجل..

ولا الرجل عن المرأة... 

ولا الفصل بينهما بدعوى تحريم الإختلاط وسوء الظن في بني البشر.. 

ولكن دعوة لقليل من التعقل في هذا الشأن فلا إفراط ولا تفريط..

فنحن إما أمام دعاوى تطالب بتحرر مطلق للمرأة أو إما كبت لها تحت جناح الرجل بدعوى أنها عورة ومصدر الفساد للمجتمع..

والحق أن وجود الجنسين الذكر والأنثى بمعنى التكامل في الخلق هو سنة الله في الأرض فهن لباس لنا ونحن لباس لهن ولن تجد لسنة الله تبديلا..

 

اجمالي القراءات 28788