والتلقي في اللغة: هو الاستقبال عموما.
إلى " الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخ

محمد صادق في الجمعة ٠٦ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

إلى " الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ "

 

ألم يحن الوقت بعد للوقوف بين يديه ندعوه ونرجوه ، ونستعينه ونستهديه ، ونستغفره...

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا &aeliuml;َا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) 2:286

يا أمة محمد...ويا قوم محمد... يا أمة القرءآن... تدبروا  شهادة الرسول يوم التغابن...

وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِيَ اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً..) 25:30)

كثيرمن الناس الذين يتلون القرءآن اليوم، أو يستمعون له على أشكال وأغراض مختلفة ولكن قليل منهم من " يَتَلَقَّى" القرءآن. وإنما يؤتي القرءآنُ ثمارَ الذكر حقيقةً لمن تلقاه وكان رسول اللـــه يَتَلَقَّى القرءآن من ربه قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)27:6 . ولا يزال القرءآن معروضا لمن يتلقاه، وليس لمن يتلوه فقط.

والتلقي في اللغة: هو الاستقبال عموما. كما في قول اللـــه تعالى: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ " 21:103

وأما تلقي القرءآن: فهو استقبال القلب للوحي. إما على سبيل النبوة، كما هو الشأن بالنسبة للرسول يقول سبحانه: (إنا سَنُلْقِي عليك قولا ثقيلا)  73:5

وإما أن يكون (تلقي القرءآن) بمعنى: استقبال القلب للوحي، على سبيل الذكر والتدبر وهو عام لكل مؤمن أخذ القرءآن بمنهج التلقي الذي به تنبعث حياة القلوب. لأنها تتلقى القرءآن (روحا) من لدن الرحمن. قال تعالى: "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا. مَا كُنتَ تَدْرِي مَاالْكِتَابُ وَلاَ الْإِيمَانُ. وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا. وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)  الشورى:52-53  

وتلقي القرءآن بمعنى استقبال القلب للوحي، على سبيل الذكر والتدبر، إنما يكون بحيث يتعامل معه العبد بصورة شهودية، أي كأنما هو يشهد تنـزله الآن فيتدبره آيةً، آيةً، باعتبار أنها تنـزلت عليه لتخاطبه هو في نفسه ووجدانه، فتبعث قلبه حيا في عصره وزمانه، ومن هنا وصف اللـــه تعالى العبد الذي "يتلقى القرءآن" بهذا المعنى؛ بأنه يُلقى له السمع بشهود القلب قال تعالى: " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ "50:37 ). ذلك هو الذاكر حقا، الذي يحصل الذكرى ولا يكون من الغافلين.

إذن تلقى القرءآن معناه أن تصغي إلى الله يخاطبك، إستمعوا وأنصتوا،  فتبصر حقائق الآيات وهي تتنـزل على قلبك وبهذا تقع اليقظةوالتذكر، ثم يقع التخلق بالقرءآن وأنْ تتلقى القرءآن معناه أيضا أن تتنـزل الآيات على موطن الحاجة من قلبك ووجدانك، وفى قصة آدم عبر وحِكم وهى تقودنا إلى معنى تلقى القرءآن ، فآدم عليه السلام لما أكل هو وزوجه من الشجرة المحرمة ظهرت عليهما أمارة الغواية فبدت لهما سوأتهما فشعر آدم عليه السلام بالذنب قال تعالى: (فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ. وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)20:121 ولم يزل كذلك حتى تلقَّى كلمات التوبة من ربه فتاب عليه وأنظر قوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم)2:37   

فهو عليه السلام كان في حاجة شديدة إلى شيء يفعله أو يقوله ليتوب إلى اللـــه، لكنه لا يدري كيف فأنزل اللـــه عليه - برحمته تعالى - كلمات التوبة ليتوب بها هو وزوجه إلى اللـــه تعالى. وهي فى قوله تعالى: " قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" 7:23) فبمجرد ما أن تنـزلت الآيات على موطن الحاجة من قلبه حتى نطقت بها الجوارح فكانت له التوبة إلى يوم القيامة، أخذ كلمات التوبة على سبيل (التلقي): "فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ "

يقول اللــه سبحانه " يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ... " هذا الجزء من الاية فيه خطوات التلقى والتدبر.

ففيها أولا التلاوة ثانيا التزكية ثالثا التعلم والدراسة ثم برحمة من اللــه تأتى الحكمة فعندما تقرأ القرءآن إذن استمع وأنصت فإن اللـــه جل جلاله يخاطبك أنت، فاقرأ إذن قدر ما استطعت وتعلم، لكن بحضور قلبي تام كي تتزكى. فقد رأيت أن التلاوة بدء فعله عليه السلام من التعليم والتزكية، كما مر في قوله تعالى: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). فالتلاوة نور في نفسها. إنها - لو أبصرتها حقا - صلة مباشرة برب العالمين؛ ذكرا ومناجاة. إن العبد التالي لكتاب اللـــه متكلم بكلام اللــــه.

وأما الخطوة الثانية فهي التَّعَلُّم والتَّعْلِيم: وذلك لأحكام القرآن العظيم وحِكَمِه. إذْ خَيْرُ العلم إنما هو العلم بالكتاب.

وتحصيل العلم بالكتاب للنفس أو تلقينه للغير، إنما يكون بمنهج الدراسة والتدارس لآياته وسوره مبنى ومعنى؛ لقول اللـــه  تعالى: " وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ"(آل عمران:79). فقد قُرِئَتْ (تَعْلَمُونَ) و(تُعَلِّمُونَ) فهي عملية مزدوجة، الجمع بين شقيها في الفهم والعمل أولى: التَّعَلُّم والتَّعْلِيم. وأقل ذلك أن تكون أحَدَهما: معلما أو متعلما. بيد أن العلم ههنا إنما هو ما أفاد العمل. علم ليس متبعا بعمل فهو باطل.

فالمقصود بقوله تعالى: (تَدْرُسُون) يعني تدرسون  الكتابَ نفسه، على اعتبار أن الدراسة والتدارس هي منهج التعلم، والدراسة للقرءآن الكريم هو المنهج التعليمي الكفيل بالوصول بالدارس إلى الحكمة، التي بمقتضاها يصير ربانيا.  فالدراسة والتدارس إذن: هو تتبع صيغ العبارات، ووجوه المعاني والدلالات للمقاصد والغايات، من كل آية وسورة، وتعلُّم ذلك كله ترتيلا وتفسيرا، بما فيه ضبط ألفاظه وآياته وسوره؛ للتعرف على أسراره وحِكَمِه..

وأما الخطوة الثالثة فهي التزكية بمنهج التََّدَبُّر:

والتزكية: هي عملية التطهير للنفس، والتربية لها بما يخلصها من مراعاة غير اللــــه، للوصول بها إلى منـزلة الإخلاص قال تعالى: " قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا "(الشمس:9-10

في قوله تعالى: (وَيُزَكِّيهِمْ): يعني بالزكاة: طاعة اللـــه والإخلاص،ولا أحسن من تخليص العبودية للـــه الواحد القهار، وتعبيد القلب له وحده دون سواه. وانظر، كيف ذكر التزكية قبل التعليم في الآيتين من آل عمران والجمعة، مع أنه لا تزكية بغير تعليم ابتداء، وقد قُدِّمَ ذِكْرُ التعليم على التزكية - بناء على الأصل - في قوله تعالى من دعوة إبراهيم: " رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيم ُ"(البقرة:129

صحيح أن العطف بالواو - في الآيات كما هو في العربية - لا يفيد الترتيب، لكن التقديم والتأخير في البلاغة يفيد الأهمية؛ ومن هنا جاءت التزكية في الآيتين الأوليين مقدمة على التعليم؛ من باب ذكر المقاصد قبل الوسائل؛ لشرف الغاية وعلوها؛ وحتى لا يفتتن السائر بالوسيلة عن الغاية؛ فيضل عنها، ويكون من الخاسرين.

وإذا كانت التزكية تربيةً وتنمية لعناصر الخير والإيمان في الإنسان حتى يصفو القلب للـــه وحده؛ فإنها إذن تحصيل مرتبة النفس الزكية، المتخلقة بالقرءآن. وهذا أمر يبدأ في الحقيقة منذ اللحظات الأولى لشروع العبد في الاشتغال بكتاب اللـــه تعبدا. أي منذ بدء عملية التلاوة أو عملية الاستماع للقرءآن الكريم بمنهج التلقي، ثم عملية التعلم بمنهج الدراسة. وليست التزكية متوقفة على الدخول في مرحلة منفصلة تمام الانفصال. وإنما التزكية هي عملية متواصلة، تنطلق بانطلاق الدخول في المراحل الأولى للقرءآن الكريم تلاوةً وترتيلا، ثم تعلما وتعليما، وتدارسا وتدريسا، ثم يكون من المؤمن آنئذ ما يكون من التزكية المنمية لعناصر الخير فيه.

فهذه إذن أصناف ثلاثة: الصنف الأول منها: هو حال من قَبِلَ الهدى وتفقه في الدين؛ حتى كان منه ما كان من الصلاح لنفسه والإصلاح للناس؛ فانتفع هو ونفع اللـــه به غيره، وهو أحسن الأصناف؛ لأنه أوعى قلبا، وأبْعَدُ أثرا، وأدْوَمُ فضلا. والصنف الثاني: هو حال من آمن ولم يتفقه في الدين، لكنه أسهم في نقل الخير – مما سمع وتعلم - إلى الناس، فكان منهم الذين يتدارسونه ويتفقهون فيه. وأما الصنف الأخير فهو حال من أعرض عن الوحي، ولم يقبل هدى اللـــه؛ فكان من الخاسرين.

فالصنف الأول إذن؛ الذي مَثَلُه مَثَلُ الأرض الطَيِّبَة التي قَبِلَتِ الْمَاءَ – يعني القرءآن - فَأَنْبَتَتِ الكَلأ والعُشْبَ الكثير. وذلك بسبب أنه هو الصنف الذي سار في تلقيه عن اللــه، والـفقه ليس بالمعنى الاصطلاحي الضيق، من المعرفة بالأحكام الشرعية التكليفية، بل هو بمعناه القرءآني الشامل، الذي يجمع كل معاني العلم باللـــه، وبالحقائق الإيمانية، وما يقتضيه ذلك كله من الحكمة. وهو مقصود قوله تعالى في الآية: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). ذلك هو الفقه في الدين. وهذا كما تبين إنما هو نتيجة التفاعل مع المراحل الأولى من وظائف النبوة. وهو عين التزكية.

فالتزكية إذن هي أشبه ما تكون بنتيجة للتلاوة والدراسة لكتاب اللـــه. إلا أن هذه النتيجة لن يتم استثمارها على الحقيقة، ولا تحصيلها على التمام إلا إذا الْتُقِطَتْ بمنهج التَّدَبُّر؛ إذ التَّدبُّر هو الذي يورث القلب الاعتبار، ويمنح النَّفْسَ العزيمةَ على الدخول في الأعمال. فالحقائق الإيمانية والحِكَم القرءآنية لا تصطبغ بها النفس إلا عند التدبر والتفكر. وذلك هو معنى التخلق بأخلاق القرءآن، حيث تصبح تلك الحقائق وتلك الحِكَمُ خُلُقاً طبيعيا للمسلم.

والتَّدبُّر وإن كان أمرا ممكنا حصوله مع الخطوتين السابقتين؛ إلا أنه لابد لتحصيل نتائجه التخلقية بصورة تربوية صحيحة، تورث زكاة النفس وجمالها؛ من أن تكون له في النفس والوجدان خطوة خاصة، يتفرغ القلب لها بجامع شعوره وكامل حضوره؛ لاستخلاص الهدايات التي وردت بها الآيات، واستخلاص سُبُلِ التخلق بها.  خطوة خاصة تلي عملية التلاوة والتعلم أو الدراسة، لكنها لا تنتهي بنهاية الجلسة الذي عقدته لهذه الغاية، بل تستمر في النفس حركةً وجدانيةً لا تتوقف أبدا.  وتلك هي ثمرة القرءآن الكريم التي يتذوقها الربانيون حقا، وهي الغاية والوظيفة من البلاغ الرسالي في قوله تعالى: وَيُزَكِّيهِمْ.

فما التدبُّر إذن؟ وكيف يكون؟

تقول: تَدَبَّرَ الشيء في - اللغة – يَتَدبَّرُه بمعنى: تَتَبَّعَ دَوَابِرَه، أي نظر إلى أواخره وعواقبه ومآلاته، كيف هو إذا صار إليها؟ وكيف يكون؟ جاء في لسان العرب: (ودَبَّرَ الأَمْرَ وتَدَبَّره: نظر في عاقبته، واسْتَدْبَرَه: رأَى في عاقبته ما لم ير في صدره؛ وعَرَفَ الأَمْرَ تَدَبُّراً أَي بأَخَرَةٍ ، والتَّدْبِيرُ في الأَمر: أَن تنظر إِلى ما تَؤُول إِليه عاقبته. والتَّدَبُّر: التفكر فيه

أما التَّدَبُّر في الاصطلاح القرءآني فهو: أنك إذْ تقرأ الآيات، وتتعلم وتدرس؛ تنظر إلى مآلاتها، وعواقبها في النفس وفي المجتمع؛ فتبصر حقائقها الإيمانية إبصارا؛ فتكتسب بذلك من الصفات الوجدانية ما يعمر قلبك بالإيمان، ويثبت قدمك في طريق المعرفة الربانية، ويضعك على صراط مستقيم إلى التخلق بأخلاق القرءآن. وبيان ذلك هو كما يلي:

إن منطلقك الأساسى، في طريق المعرفة الربانية هو: أن تتعرف على القرءآن، بل أن تكتشفه. ولذلك جاء الخطاب القرءآني يحمل أمْرَ القراءةِ للقرءآن؛ تلاوةً وترتيلاً، وأمْرَ التعلمِ للقرءآن دراسة وتدبرا والتدبر هو غاية كل ذلك ونتيجته؛ ولذلك قال عز وجل: " كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ "(سورة ص:29) فجعل غاية الإنزال للقرءآن التدبر والتذكر، ولولا التدبر لما حصل التذكر الذي هو يقظة القلب، وعمران الوجدان بالإيمان. فالتدبر هو المنهج القرءآني المأمور به لقراءة القرءآن العظيم؛ ومن هنا زجره تعالى للناس الذين لا يتدبرونه. قال سبحانه: " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا "(محمد:24)، " أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا "(النساء:82

فتدبر آيات القرءآن إذن: هو  النظر إلى مآلاتها وعواقبها في النفس وفي المجتمع. وذلك بأن تقرأ الآية من كتاب اللـــه، فتنظر - إن كانت متعلقة بالنفس - إلى موقعها من نفسك، وآثارها على قلبك وعملك، تنظر ما مرتبتك منها وما موقعك من تطبيقها أو مخالفتها وما آثار ذلك كله على نفسك وما تعانيه من قلق واضطراب في الحياة الخاصة والعامة  وتحاول بذلك كله أن تقرأ سيرتك في ضوئها، باعتبارها مقياسا لوزن نفسك وتقويمها.

وأما إن كانت تتعلق بالمجتمع؛ فتنظر في سنن اللـــه  فيه كيف وقعت وكيف تراها اليوم تقع وكيف ترى سيرورة المجتمع وصيرورته في ضوئها عند المخالفة وعند الموافقة.. ثم تنظر ما علاقة ذلك كله بالكون والحياة والمصير ثم ما موقع النفس – نفسك أنت - من هذا كله.

 الفرق بين الدراسة والتدبر

فتَبَيَّنَ من ذلك كله إذن أن هناك فرقا أساسيا بين الدراسة والتدبر، رغم وجود تداخل منهجي بين جميع العمليات والخطوات. فالدراسة: هى عملية تعليمية ذهنية، تشتغل من داخل النص القرءآني لاَ خارجه، وينتجها العقلُ في علاقته بنص الخطاب القرءآني مباشرةً، وفي ارتباطه بلغته وأساليبه،على قَدْرِ ما تتيحه تلك اللغةُ من مَعانٍ وحِكَمٍ ودلالات. بينما التَّدَبُّر: عمليةٌ قلبية ذوقية محضة. فهي وإن صاحبت الدراسة واقعةٌ في النفس لا في النص. إنها حركة وجدانية تجري خارج النص القرءآني، إنها تتلقى المعاني والحِكَمَ من الدراسة، ثم تَدْخُلُ بها إلى أعماق النفس، أو تخرج بها إلى مطالعة أحوال المجتمع؛ لتراقب النفس والمجتمع معاً على موازينها. تُشَخِّصُ الأمراضَ والأسقام الواقعة بهما، ثم تنظر إلى وصفات العلاج التي قدمها لها القرءآن: كيف تتعامل معها وكيف تستشفي بها وذلك هو عين التخلق بأخلاق القرءآن والتزكية بأنواره. فهذا عملٌ في النفس وفي المجتمع، لا في النص القرءآني أساسا، وإن كان مَدارُهُ عليه. وذلك هو المقصود بالتدبر للقرءآن في قوله تعالى: " أفَلا يَتَدَبَّرُونَ القرآنَ أمْ عَلَى قُلُوبٍ أقْفَالُهَا ".

وهنا ننتقل إلى باب آخر من أبواب القرءآن مثيل  للتدبر، بل هو منه ذلك هو: التَّفَكُّرُ.

إن التَّفَكَّرَ غالبا ما يرد مذكورا في القرءآن في سياق النظر في خلق اللـــه، والتأمل في بديع صنعه من الْمُلْكِ والْمَلَكُوت، كما في قوله تعالى: " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِم.ْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ. رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا. رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ. رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ "(آل عمران:190-194)  فكل هذه الأدعية إنما هي نابعة عن الإحساس الحاصل للعبد بالتفكر في خلق اللــــه، فاقرأ الآيات وتدبر.. تجد أن المؤمن لما يسيح في جنبات الكون الفسيح، يشعر بعظمة اللـــه الواحد القهار، وتأخذه الرهبة من جلال ملكه وعظمة سلطانه؛ فيسرع هاربا إلى مساكن رحمته و غفرانه.

وبما أن القرءآن كتاب يحيل المتدبر له على سعة الكون وامتداده ، ويرجع به إلى كشف كثير من أسرار الوجود، وغرائب الخلق؛ فإن (التدبر) الذي هو المنهج الرباني لقراءة القرءآن؛ يدفع الإنسان على (التفكر) الذي هو المنهج الرباني لقراءة الكون. فيكون كل متدبر للقرءآن متفكرا في الكون. فتقرأ - بقراءة القرءآن - كلَّ آيات الله المنظورة والمقروءة سواء.

وبذلك كله يظهر لك شيء آخر، هو: الإبصار

إن التدبر والتفكر كليهما، يعتبران بمثابة الضوء، أو الشعاع المسلط على الأشياء، تماما كما تسلط الشمس أشعتها المشرقة على الموجودات، فتبصرها الأعين الناظرة. فكذلك التدبر يكشف حقائق الآيات القرءآنية، والتفكر يكشف حقائق الآيات الكونية، حتى إذا استنارت هذه وتلك؛ أبصرها المتدبرون والمتفكرون. وكانت لهم فيها بصائر ومشاهَدات لا تكون لغيرهم. ولذلك قال عز وجل: " قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ "(الأنعام:104). وقال سبحانه" فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ "(الحشر:2

هكذا وجب أن تقرأ القرءآن آية آيةً؛ اقرأ وتدبر ثم أبصر... عسى أن ترى ما لم تر، وتدرك من حقائقه ما لم تدرك من قبل؛ فتكون له متدبرا حقا.

ذلك كله هو أساس التزكية، ومقياس التصفية، ومنهاج التربية، وسلم العروج إلى رضى الرحمن. فاقرأ القرءآن، وإدرس، وتدبر ثم أبصر..

فاصبر على هذا المنهج؛ فإن كل آية تسلمك إلى الأخرى، وتفتح لك باب أسرارها وأنوارها؛ فتهبك معرفةً جديدةً بنفسك وبربك، وتبني لك من شخصيتك ما لم تستطع أنت بناءه من قبل؛ لعلة ما، ذلك أن النور الإلهي المتفجر من الآيات عند دراستها  بصائرَ للدارسين والمتدبرين؛ يتدفق مباشرة على مرايا نفوسهم، فإذا بها مشعة  بنور الإيمان، مُبْصِرَةٌ ببركة القرءآن بإذن اللـــه فتتبع مسالك النور حتى تصل، إن شاء اللـــه.

وقد أشار القرءآن الكريم إلى نماذج من أحسن أوقات الذكر، وهي أوقات الغُدُوِّ والآصَال. فالغَدُوُّ أو الغَدَاةُ: هي ساعات أول النهار، من الفجر إلى أوائل وقت الضحى. وأما الآصال فمفرده: أصيل، وهو وقت ما بين العصر إلى الغروب. فهو سويعات آخر النهار. ولذلك كان من أجمل أوقات النهار. وهذان الوقتان (الغداة والأصيل)، هما من لحظات إقبال النفس وانشراح الصدر، والاستعداد للتدبر والتفكر. ولذلك نبه عليهما الله تعالى في كتابه لهذا الغرض. قال عز وجل: " وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ "(الأعراف:205). وقال سبحانه: " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ "(النور:36-38). وقال جل ثناؤه: " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا "(الكهف:28

فما هو الهدف من كل ذلك....

هو تحصيل التزكية للقلب بكتاب الله تعالى، والتخلق بأخلاق القرءآن العظيم، من خلال مسالك التَّدَبُّر والتفكروتحصيل الحِكْمَةِ من الآية، وإتاحة الفرصة للتدبر والتفكر؛ للوصول إلى الهُدَى المنهاجي، أي ما تضمنته الآية من الهُدَى الرباني، ومن طرائق التخلق به، وكل ما من شأنه أن تنتج عنه التزكية التي هي غاية الوظائف ، والتي من أجلها أساسا أنزل اللـــه هذا القرءآن في نهاية المطاف، مما اطرد بيانه في كتاب اللـــه بيانا واضحا، في كل سياق وكل مناسبة. قال جل ثناؤه: " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ. وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا. وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ. أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ "(الشورى:52-53).

ولهذا فإنه يكفي في ذلك كله تحصيل المعنى العام للآية، فلا يؤخذ من المعاني اللغوية والنحوية وكذا الفقهية؛ إلا ما لابد منه لفهم المعنى الكلي للآية،فلا ينبغي أن ننسى أن الغايةإنما هو التربية والتزكية، ويكفيك من العلم لتحصيل الربانية ما يعرفك باللـــه رب العالمين. والآية الضابطة لهذا المنهاج هي قول الله تعالى، الذي تكرر أربع مرات في سورة القمر:" وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ" (القمر:17) فمن أراد القرءآنَ للذِّكْرِ والذكرى والتربية والتزكية؛ فإنما سبيله اليُسْرُ والبساطة، ويكفيه من الأدوات اللغوية الأمرُ العام المُشْتَرَك؛ لأنما المقصود هو وضعُ القلب على هدى الآية واتجاهها الصحيح. فإذا صَحَّ له الاتجاه فقَدْ أُذِنَ له آنئذ بالتدبر والتفكر. قال جل وعلا:" أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا "(محمد:24)، وقال سبحانه: " قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ "(سبا:46).

وبمعرفة ما تيسر من الحِكَم والمقاصد نفتح باب التدبر للآيات، والتفكر في خلق الأنفس والأرض والسماوات. وذلك لغاية التخلق بأخلاق القرءآن الكريم، والاتصاف السلوكي بِحِكَمِه العظيمة والتفكرُ والتدبر يورثان التخلق بأخلاق القرءآن بصورة تلقائية، وبلا كلفة،ثم إن التدبر والتفكر أيضا  بما ينطويان عليه من إبصار للآيات يساعدان على معرفة السبل الكفيلة بتذليل النفس وترويضها؛ لقبول هذا الخُلُقِ الرباني أو ذاك. كما يساعدان على تشريح النفس تشريحا إيمانيا دقيقا، ومعرفة عللها الباطنية، واكتشاف موانعها الذاتية، مما رسخته فيها العوائدُ الفاسدة، والأهواء الباطلة، والشهوات والخطايا، وسائر إلقاءات الشيطان على الإجمال ومعالجة ذلك كله بما تحصل لديها من أنوار الهدى القرءآني.

الخلاصة:

إذا تمت دراسة السورة بأكملها، بعد دراسة مقاطعها وفقراتها ؛ فلا بد  بعد ذلك  من محاولة إستنباط الحِكَمْ والدروس المستفادة  وهيالتعرف على القضايا الأساسية التي تعالجها السورة على الإجمال، وهي حقائقها الإيمانية الكبرى، التي تدور بفلك المحور الرئيس في السورة. ثم من خلال معرفة تلك القضايا والحقائق يمكن:

التعرف على المحور الرئيسى للسورة على الإجمال. فلكل سورة من سور القرآن العظيم شخصيتها المستقلة، التي بها تتميز عن غيرها في نظمها السالكِ لها ؛ لأن هذا وذاك هو مما يساعد على التمسك بالكتاب؛ الذى يحقق لك في كل وقت وحين، بالليل أو بالنهار  من المراجعة والتقويم لخلقك وسلوكك، ولمستواك التربوي عموما، في ضوء ما تحصل لديك من الحِكَم والحقائق الإيمانية، من هذه السورة أو تلك. فضبط المحور الرئيس للسورة، مع ما يدور حوله من قضاياها الأساسية؛ يساعد على طول التدبر للآيات، والتذكر لحقائقها الإيمانية باستمرار؛ حيث تنطبع المعاني الربانية بالقلب الصافي المتجردِ للـــه. فإذا اكتمل لديك دراسة القرءآن العظيم بهذا المنهج  فلا تتصرف في سلوكك وخلقك بعدها إن شاء اللـــه إلا بخير وهذا من أهم مقاصدالدراسة والتدبر لكتاب الله تعالى.

وهكذا نجد أنفسنا ننطلق من الجزء إلى الكل، ومن المعاني والحِكَمِ إلى السلوك والأخلاق، ثم من النفس إلى المجتمع، ومن القرآن إلى العمران، وذلك هو عين التزكية التي هي مقصد أهل اللـــه من الربانيين والصِّدِّيقِين، والتي هي غايتهم من دراسة القرآن العظيم، وتدبره بالغدو والآصال. واللـــه الموفق للصواب والمعين عليه.

إليك أيها المتدبر والدارس للقرءآن الكريم بين يديك هذه الكلمات المتواضعة وحاجة النفس إلى بصائره مستصرخة مستغيثة  خاصة في هذا الزمان إلا أن القرءآن لا يفتح أبواب أسراره إلا لمن أقبل عليه بشروطه، إخلاص القصد للـــــه تعالى، ثم أخذ الكتاب بقوة.

وفى الختام أقول ... واللــه أعلم.

أيها الأخوة والأخوات... سلام اللـــه على الجميع،

إستراحة قصيرةمن الفتاوى وهذه الكلمات مجرد إنتقال مؤقت لنأخذ فترة تدبر وتفكر مع كتاب اللــه سبحانه ولنا لقاء قادم مرة ثانية مع مجموعة جديدة من الفتاوى النكدية وإلى هذا الوقت أدعو ربى:

" .... رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ " (23:118

اجمالي القراءات 21364