سورة الدخان
سميت بهذا الاسم لذكر الدخان فى قوله "يوم تأتى السماء بدخان مبين ".
"بسم الله الرحمن الرحيم حم والكتاب المبين إنا أنزلناه فى ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم "المعنى بحكم الرب النافع المفيد الكتاب أى الوحى العظيم إنا أوحيناه فى ليلة مقدسة إنا كنا مبلغين فيها ينزل كل حكم قاض حكما من لدينا إنا كنا باعثين هدى من إلهك إنه هو الخبير المحيط ،يبين الله لنبيه (ص)أن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو أن حم وهو الكتاب وفسره بأنه الكتاب المبين أى القرآن وبيانه وهو تفسيره العظيم مصداق لقوله بسورة يس"وقرآن مبين "قد أنزله فى ليلة مباركة أى قد أوحاه الله جملة واحدة لجبريل (ص)فى ليلة مقدسة هى ليلة القدر مصداق لقوله بسورة القدر "إنا أنزلناه فى ليلة القدر "وكان الله منذرا أى مبلغا لحكمه وهو الكتاب لكى لا يكون لأحد حجة يوم القيامة وفى تلك الليلة يفرق كل أمر حكيم والمراد ينزل فيها كل حكم قاض بالعدل وهو أمرا من عند الله والمراد وهو وحيا من لدى الرب ويبين له أنه كان مرسلا رحمة من ربه والمراد كان باعثا له هدى من خالقه وهو الوحى،ويبين له أنه هو السميع العليم أى الخبير المحيط بكل شىء فى الكون والخطاب للنبى(ص).
"رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين لا إله إلا هو يحى ويميت ربكم ورب آباءكم الأولين "المعنى إله السموات والأرض والذى وسطهما إن كنتم مصدقين لا رب إلا هو يخلق ويهلك إلهكم وإله آباءكم السابقين،يبين الله على لسان نبيه (ص)للناس أن الله هو رب أى خالق السموات والأرض وما بينهما وهو الجو الذى وسطهما إن كنتم موقنين أى "إن كنتم مؤمنين"بحكم الله كما قال بسورة آل عمران،لا إله إلا هو والمراد لا رب أى لا خالق إلا هو يحى أى يخلق ويميت أى ويهلك ،ربكم ورب آباءكم الأولين والمراد خالقكم وخالق آباءكم السابقين ،وهذا يعنى أن الله الخالق وحده ومن ثم فهو قادر على البعث مرة أخرى ومن ثم فهو وحده المستحق للطاعة والخطاب للناس على لسان النبى(ص).
"بل هم فى شك يلعبون فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون "المعنى إنما هم فى تكذيب يتمتعون فانتظر يوم يجىء السحاب ببخار عظيم يغطى الخلق هذا عقاب شديد إلهنا ابعد عنا العقاب إنا مصدقون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس فى شك يلعبون أى فى خوض أى كفر يتمتعون مصداق لقوله بسورة الطور"الذين فى خوض يلعبون"ويطلب منه أن يرتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين والمراد أن ينتظر وقتا يجىء السحاب فيه ببخار عظيم يغشى الناس أى يغطى الخلق وهذا البخار يرفع الحرارة ويجعل التنفس صعب والحياة متعبة وهذا هو العذاب الأليم أى العقاب العظيم ،وقد نزل الدخان فى عهد النبى (ص)فقال الكفار ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون والمراد خالقنا أزل عنا العقاب إنا مصدقون بحكمك ،وهذا يعنى أنهم اشترطوا إزالة العقاب ليؤمنوا ومع ذلك لما زال العقاب لم يؤمنون والخطاب للنبى(ص).
"أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون "المعنى كيف لهم الإيمان وقد أتاهم مبلغ أمين ثم كفروا به وقالوا مدرس سفيه ،يسأل الله أنى لهم الذكرى أى كيف لهم الإسلام وقد جاءهم رسول مبين أى وقد أتاهم مبلغ كريم للوحى مصداق لقوله بنفس السورة "رسول كريم "ثم تولوا عنه أى "أعرضوا "كما قال بسورة فصلت والمراد وكفروا برسالته وقالوا معلم مجنون أى مدرس سفيه وهذا يعنى أنهم اتهموه بالجنون وهو السفه ؟والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)والمؤمنين باستمرار كفر الناس برسالته والخطاب للمؤمنين .
"إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون "المعنى إنا مزيلوا العقاب قليلا إنكم راجعون يوم نعذب العذاب العظيم إنا منتصرون ،يبين الله للناس أنه كاشف العذاب قليلا والمراد مبعد العقاب عن الناس وقتا قصيرا ،ويقول للناس إنكم عائدون أى راجعون إلى جزائنا بعد الموت يوم نبطش البطشة الكبرى والمراد يوم نعاقب العقاب الشديد إنا منتقمون أى منتصرون أى غالبون والمراد منفذون لعقابنا وهو غضبنا والخطاب للناس.
"ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم أن أدوا إلى عباد الله إنى لكم رسول أمين وأن لا تعلوا على الله إنى أتيكم بسلطان مبين وإنى عذت بربى وربكم أن ترجمون وإن لم تؤمنوا لى فاعتزلون "المعنى ولقد ابتلينا قبلهم شعب فرعون وأتاهم مبعوث عظيم أن هلموا إلى خلق الله إنى لكم مبلغ مخلص وأن لا تتكبروا على الرب إنى أجيئكم ببرهان عظيم وإنى احتميت بإلهى وإلهكم أن تقتلون وإن لم تصدقوا بى فاتركون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه فتن أى اختبر قبلهم قوم وهم شعب فرعون حيث جاءهم رسول كريم أى مبعوث أمين هو موسى (ص)فقال :أن أدوا إلى عباد الله والمراد أن اتبعون خلق الرب وهذا يعنى أنه طلب منهم طاعة حكم الله المنزل عليه ،إنى لكم رسول أمين والمراد إنى لكم مبلغ مخلص للوحى وفسر طلبه بقول لا تعلوا على الله والمراد لا تتكبروا على طاعة حكم الله إنى أتيكم بسلطان مبين والمراد إنى أجيئكم بدليل صادق وهو المعجزات ،وإنى عذت بربى وربكم والمراد وإننى احتميت بربى وهو إلهى وربكم وهو إلهكم أن ترجمون أى تقتلون وهذا يعنى أنه يبين لهم أنه محتمى من قتلهم له بالله فهو الذى ينقذه منهم ،وإن لم تؤمنوا لى فاعتزلون والمراد وإن لم توقنوا برسالتى فاتركون أعبد ربى دون إيذائى والخطاب للنبى(ص)هو وما بعده من القصة ومنه للناس
"فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون فأسر بعبادى ليلا إنكم متبعون واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون "المعنى فنادى إلهه إن هؤلاء ناس كافرون فاخرج بخلقى ليلا إنكم ملاحقون ودع الماء ساكنا إنهم عسكر مهلكون ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)دعا ربه والمراد نادى خالقه فقال :أن هؤلاء قوم مجرمون أى مفسدون فأنقذنا منهم وانتقم منهم وهو قوله بسورة يونس"ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم "فقال الله له أسر بعبادى ليلا والمراد اخرج من البلد مع خلقى فى الليل إنكم متبعون أى مطاردون وهذا يعنى أن فرعون سيلاحق القوم بجيشه ،واترك البحر رهوا والمراد ودع الماء ساكنا والمراد وهذا يعنى ألا يعيد البحر واحدا بعد تجاوزهم له إنهم جند مغرقون أى إنهم عسكر مهلكون فى الماء .
"كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما أخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين "المعنى كم خلفوا من حدائق وأنهار ونباتات ومسكن عظيم أى متاع كانوا بها متلذذين هكذا وملكناها ناسا أخرين فما حزنت عليهم السماء والأرض وما كانوا منتصرين ،يسأل الله كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين والمراد كم خلفوا بعدهم من حدائق وأنهار ونباتات وبيت عظيم أى متاع كانوا به فرحين ؟والغرض من السؤال هو إخبار أن القوم تركوا كل هذه النعم الإلهية بسبب كفرهم ،كذلك أى بتلك الطريقة وهى هلاكهم أورثها قوما أخرين والمراد ملكها لناس أخرين من بعدهم فما بكت عليهم والمراد فما حزنت السماء والأرض على قوم فرعون وما كانوا منظرين والمراد وما كانوا مرحومين أى منتصرين مصداق لقوله بسورة الذاريات"وما كانوا منتصرين"
"ولقد نجينا بنى إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين ولقد اخترناهم على علم على العالمين"المعنى ولقد أنقذنا أولاد يعقوب(ص)من العقاب المذل من فرعون إنه كان كبيرا فى المفسدين ولقد اصطفيناهم على معرفة من الناس ،يبين الله لنبيه (ص)أنه نجى والمراد أنقذ بنى إسرائيل وهم أولاد يعقوب (ص)من العذاب المهين وهو العقاب المذل الذى قرره فرعون لهم وهو الذى كان عاليا من المسرفين أى كان عظيما من المفسدين مصداق لقوله بسورة القصص"إنه كان من المفسدين "وهذا يعنى أنه كان كبير الكفار ويبين له أنه اختار القوم على علم على العالمين والمراد أنه اصطفى القوم على دين من الناس والمراد فضلهم على الناس بسبب إسلامهم مصداق لقوله بسورة البقرة "وأنا فضلتكم على العالمين ".
"وأتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين "المعنى وأعطيناهم من المعجزات ما فيه اختبار عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أتى الآيات والمراد أعطى من المعجزات ما فيه بلاء مبين والمراد ما فيه امتحان كبير لهم .
"إن هؤلاء ليقولون إن هى إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين "المعنى إن هؤلاء ليزعمون إن هى إلا وفاتنا السابقة وما نحن بمبعوثين فهاتوا آبائنا إن كنتم عادلين ،يبين الله لنبيه (ص)أن هؤلاء وهم الكفار يقولون أى يزعمون:إن هى إلا موتتنا الأولى والمراد إن هى إلا وفاتنا السابقة وهذا يعنى أنهم يعيشون مرة واحدة ويموتون موتة واحد فقط وما نحن بمنشرين أى وما نحن بمبعوثين أى عائدين للحياة مرة أخرى مصداق لقوله بسورة الأنعام"وقالوا إن هى إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين "فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين والمراد فأحيوا آبائنا إن كنتم عادلين فى قولكم وهذا يعنى أنهم يطلبون من المسلمين إحياء أباء الكفار لعلمهم أن الله حرم عودتهم للدنيا بقوله بسورة الأنبياء"وحرام على قرية أنهم لا يرجعون "والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين "المعنى هل هم أفضل أم شعب تبع والذين سبقوهم دمرناهم إنهم كانوا كافرين ،يسأل الله أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم والمراد هل هم أشد أم ناس تبع وهم قوم إبراهيم (ص)والذين سبقوهم أهلكناهم أى دمرناهم ؟والغرض من السؤال هو إخباره أنه لن يمنع عنهم العذاب وسيعذبهم كما عذب السابقين والسبب أن السابقين كانوا مجرمين أى كافرين أى فاسقين مصداق لقوله بسورة النمل"إنهم كانوا قوما فاسقين ".
"وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون"المعنى وما أبدعنا السموات والأرض والذى وسطهما لاهين ما أبدعناهما إلا للعدل ولكم معظمهم لا يؤمنون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما خلق أى ما أنشأ السموات والأرض وما بينهما وهو الجو الذى وسطهما لاعبين أى لاهين أى عابثين ويبين أنه ما خلقهم إلا بالحق والمراد ما أنشأهم إلا لإقامة العدل فيهما ولكن أكثرهم لا يعلمون والمراد ولكن أغلبهم لا يطيعون حكم الله أى لا يشكرون مصداق لقوله بسورة يونس"ولكن أكثرهم لا يشكرون ".
"إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون إلا من رحم الله إنه العزيز الرحيم "المعنى إن يوم الحكم موعدهم كلهم يوم لا تتحمل نفس عن نفس عقابا ولا هم يرحمون إلا من نفع الرب إنه الناصر النافع ،يبين الله لنبيه (ص)أن يوم الفصل وهو يوم الدين أى الحكم العادل ميقاتهم أجمعين أى موعد الناس كلهم يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا والمراد يوم لا تتحمل نفس عن نفس عذابا مصداق لقوله بسورة الإنفطار"يوم الدين يوم لا تغنى نفس عن نفس شيئا"والناس لا ينصرون أى لا يرحمون أى لا ينظرون مصداق لقوله بسورة البقرة"ولا هم ينظرون"إلا من رحم الله والمراد إلا من نفع الله وهم المؤمنين والله هو العزيز الرحيم والمراد هو الناصر النافع للمؤمنين .
"إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلى فى البطون كغلى الحميم خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم إن هذا ما كنتم تمترون"المعنى إن نبات الضريع هو أكل الكافر كالزيت يمور فى الأجواف كمور المغلى ،أمسكوه فسوقوه إلى أرض النار ثم حطوا على دماغه من ألم الغساق اطعم إنك أنت الغالب العظيم إن هذا الذى كنتم تكذبون ،يبين الله لنبيه (ص)أن شجرة وهى نبات الزقوم وهو الضريع هو طعام الأثيم والمراد أكل الكافر فى النار مصداق لقوله بسورة الغاشية "ليس لهم طعام إلا من ضريع "سوثمر الزقوم يشبه المهل وهو الزيت المغلى الذى يغلى فى البطون أى يقطع الأمعاء والمراد يحرق فى الأجواف كغلى الحميم والمراد كحرق الغساق وهو السائل المغلى ويقول الله للملائكة ،خذوه أى قيدوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم والمراد فسوقوه إلى وسط النار ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم والمراد ثم ضعوا على دماغه من ماء الغساق المؤلم وقولوا له :ذق إنك أنت العزيز الكريم والمراد اعلم الألم إنك أنت الناصر العظيم وهذا قول الهدف منه السخرية من الكفار لأنهم لا يعزون أنفسهم وليسوا كرماء يكرمون أنفسهم ،وقولوا لهم إن هذا ما كنتم تمترون أى تكذبون مصداق لقوله بسورة سبأ "ذوقوا عذاب النار الذى كنتم بها تكذبون"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"إن المتقين فى مقام أمين فى جنات وعيون يلبسون من سندس واستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم "المعنى إن المطيعين فى مسكن آمن فى حدائق وأنهار يرتدون من سندس وإستبرق متلاقين هكذا وأعطيناهم قاصرات الطرف ينادون فيها بكل نعمة مطمئنين لا يعرفون الوفاة إلا الوفاة السابقة ومنعهم عقاب النار رحمة من إلهك ذلك هو النصر المبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن المتقين وهم المطيعين لحكمه فى مقام أمين والمراد فى مسكن محمود أى طيب مصداق لقوله بسورة الإسراء"مقاما محمودا"وهذا المسكن هو جنات أى حدائق وعيون والمراد أنهار مصداق لقوله بسورة القمر "فى جنات ونهر"وهم يلبسون من سندس وإستبرق والمراد يرتدون ثياب من حرير أخضر وحرير له بريق وهم متقابلين أى متلاقين على الفرش ،وكذلك أى وبهذا النعيم زوجناهم بحور عين والمراد أعطيناهم قاصرات الطرف وهم يدعون فيها بكل فاكهة آمنين والمراد وهم ينادون فى الجنة إلى التمتع بكل متعة سالمين من أى أذى وهم لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى والمراد وهم فيها لا يعرفون الوفاة إلا الوفاة السابقة فى البرزخ عند القيامة وهذا يعنى أنهم باقون دون موت ووقاهم عذاب الجحيم والمراد ومنع الله عنهم عقاب السموم مصداق لقوله بسورة الطور"ووقانا عذاب السموم"وهذا فضل من ربهم أى رحمة من خالقهم وذلك هو الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير".
"فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون فأسر بعبادى ليلا إنكم متبعون واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون "المعنى فنادى إلهه إن هؤلاء ناس كافرون فاخرج بخلقى ليلا إنكم ملاحقون ودع الماء ساكنا إنهم عسكر مهلكون ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)دعا ربه والمراد نادى خالقه فقال :أن هؤلاء قوم مجرمون أى مفسدون فأنقذنا منهم وانتقم منهم وهو قوله بسورة يونس"ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " فقال الله له أسر بعبادى ليلا والمراد اخرج من البلد مع خلقى فى الليل إنكم متبعون أى مطاردون وهذا يعنى أن فرعون سيلاحق القوم بجيشه ،واترك البحر رهوا والمراد ودع الماء ساكنا والمراد وهذا يعنى ألا يعيد البحر واحدا بعد تجاوزهم له إنهم جند مغرقون أى إنهم عسكر مهلكون فى الماء .
"كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما أخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين "المعنى كم خلفوا من حدائق وأنهار ونباتات ومسكن عظيم أى متاع كانوا بها متلذذين هكذا وملكناها ناسا أخرين فما حزنت عليهم السماء والأرض وما كانوا منتصرين ،يسأل الله كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين والمراد كم خلفوا بعدهم من حدائق وأنهار ونباتات وبيت عظيم أى متاع كانوا به فرحين ؟والغرض من السؤال هو إخبار أن القوم تركوا كل هذه النعم الإلهية بسبب كفرهم ،كذلك أى بتلك الطريقة وهى هلاكهم أورثها قوما أخرين والمراد ملكها لناس أخرين من بعدهم فما بكت عليهم والمراد فما حزنت السماء والأرض على قوم فرعون وما كانوا منظرين والمراد وما كانوا مرحومين أى منتصرين مصداق لقوله بسورة الذاريات"وما كانوا منتصرين"
" ولقد نجينا بنى إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين ولقد اخترناهم على علم على العالمين"المعنى ولقد أنقذنا أولاد يعقوب(ص)من العقاب المذل من فرعون إنه كان كبيرا فى المفسدين ولقد اصطفيناهم على معرفة من الناس ،يبين الله لنبيه (ص)أنه نجى والمراد أنقذ بنى إسرائيل وهم أولاد يعقوب (ص)من العذاب المهين وهو العقاب المذل الذى قرره فرعون لهم وهو الذى كان عاليا من المسرفين أى كان عظيما من المفسدين مصداق لقوله بسورة القصص"إنه كان من المفسدين "وهذا يعنى أنه كان كبير الكفار ويبين له أنه اختار القوم على علم على العالمين والمراد أنه اصطفى القوم على دين من الناس والمراد فضلهم على الناس بسبب إسلامهم مصداق لقوله بسورة البقرة "وأنا فضلتكم على العالمين ".
"وأتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين "المعنى وأعطيناهم من المعجزات ما فيه اختبار عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أتى الآيات والمراد أعطى من المعجزات ما فيه بلاء مبين والمراد ما فيه امتحان كبير لهم .
"إن هؤلاء ليقولون إن هى إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين "المعنى إن هؤلاء ليزعمون إن هى إلا وفاتنا السابقة وما نحن بمبعوثين فهاتوا آبائنا إن كنتم عادلين ،يبين الله لنبيه (ص)أن هؤلاء وهم الكفار يقولون أى يزعمون:إن هى إلا موتتنا الأولى والمراد إن هى إلا وفاتنا السابقة وهذا يعنى أنهم يعيشون مرة واحدة ويموتون موتة واحد فقط وما نحن بمنشرين أى وما نحن بمبعوثين أى عائدين للحياة مرة أخرى مصداق لقوله بسورة الأنعام"وقالوا إن هى إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين " فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين والمراد فأحيوا آبائنا إن كنتم عادلين فى قولكم وهذا يعنى أنهم يطلبون من المسلمين إحياء أباء الكفار لعلمهم أن الله حرم عودتهم للدنيا بقوله بسورة الأنبياء"وحرام على قرية أنهم لا يرجعون "والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص) .
"أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين "المعنى هل هم أفضل أم شعب تبع والذين سبقوهم دمرناهم إنهم كانوا كافرين ،يسأل الله أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم والمراد هل هم أشد أم ناس تبع وهم قوم إبراهيم (ص)والذين سبقوهم أهلكناهم أى دمرناهم ؟والغرض من السؤال هو إخباره أنه لن يمنع عنهم العذاب وسيعذبهم كما عذب السابقين والسبب أن السابقين كانوا مجرمين أى كافرين أى فاسقين مصداق لقوله بسورة النمل"إنهم كانوا قوما فاسقين ".
"وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون"المعنى وما أبدعنا السموات والأرض والذى وسطهما لاهين ما أبدعناهما إلا للعدل ولكم معظمهم لا يؤمنون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما خلق أى ما أنشأ السموات والأرض وما بينهما وهو الجو الذى وسطهما لاعبين أى لاهين أى عابثين ويبين أنه ما خلقهم إلا بالحق والمراد ما أنشأهم إلا لإقامة العدل فيهما ولكن أكثرهم لا يعلمون والمراد ولكن أغلبهم لا يطيعون حكم الله أى لا يشكرون مصداق لقوله بسورة يونس"ولكن أكثرهم لا يشكرون ".
"إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون إلا من رحم الله إنه العزيز الرحيم "المعنى إن يوم الحكم موعدهم كلهم يوم لا تتحمل نفس عن نفس عقابا ولا هم يرحمون إلا من نفع الرب إنه الناصر النافع ،يبين الله لنبيه (ص) أن يوم الفصل وهو يوم الدين أى الحكم العادل ميقاتهم أجمعين أى موعد الناس كلهم يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا والمراد يوم لا تتحمل نفس عن نفس عذابا مصداق لقوله بسورة الإنفطار"يوم الدين يوم لا تغنى نفس عن نفس شيئا"والناس لا ينصرون أى لا يرحمون أى لا ينظرون مصداق لقوله بسورة البقرة"ولا هم ينظرون"إلا من رحم الله والمراد إلا من نفع الله وهم المؤمنين والله هو العزيز الرحيم والمراد هو الناصر النافع للمؤمنين .
"إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلى فى البطون كغلى الحميم خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم إن هذا ما كنتم تمترون"المعنى إن نبات الضريع هو أكل الكافر كالزيت يمور فى الأجواف كمور المغلى ،أمسكوه فسوقوه إلى أرض النار ثم حطوا على دماغه من ألم الغساق اطعم إنك أنت الغالب العظيم إن هذا الذى كنتم تكذبون ،يبين الله لنبيه (ص)أن شجرة وهى نبات الزقوم وهو الضريع هو طعام الأثيم والمراد أكل الكافر فى النار مصداق لقوله بسورة الغاشية "ليس لهم طعام إلا من ضريع " وثمر الزقوم يشبه المهل وهو الزيت المغلى الذى يغلى فى البطون أى يقطع الأمعاء والمراد يحرق فى الأجواف كغلى الحميم والمراد كحرق الغساق وهو السائل المغلى ويقول الله للملائكة ،خذوه أى قيدوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم والمراد فسوقوه إلى وسط النار ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم والمراد ثم ضعوا على دماغه من ماء الغساق المؤلم وقولوا له :ذق إنك أنت العزيز الكريم والمراد اعلم الألم إنك أنت الناصر العظيم وهذا قول الهدف منه السخرية من الكفار لأنهم لا يعزون أنفسهم وليسوا كرماء يكرمون أنفسهم ،وقولوا لهم إن هذا ما كنتم تمترون أى تكذبون مصداق لقوله بسورة سبأ "ذوقوا عذاب النار الذى كنتم بها تكذبون"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"إن المتقين فى مقام أمين فى جنات وعيون يلبسون من سندس واستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم "المعنى إن المطيعين فى مسكن آمن فى حدائق وأنهار يرتدون من سندس وإستبرق متلاقين هكذا وأعطيناهم قاصرات الطرف ينادون فيها بكل نعمة مطمئنين لا يعرفون الوفاة إلا الوفاة السابقة ومنعهم عقاب النار رحمة من إلهك ذلك هو النصر المبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن المتقين وهم المطيعين لحكمه فى مقام أمين والمراد فى مسكن محمود أى طيب مصداق لقوله بسورة الإسراء"مقاما محمودا"وهذا المسكن هو جنات أى حدائق وعيون والمراد أنهار مصداق لقوله بسورة القمر "فى جنات ونهر"وهم يلبسون من سندس وإستبرق والمراد يرتدون ثياب من حرير أخضر وحرير له بريق وهم متقابلين أى متلاقين على الفرش ،وكذلك أى وبهذا النعيم زوجناهم بحور عين والمراد أعطيناهم قاصرات الطرف وهم يدعون فيها بكل فاكهة آمنين والمراد وهم ينادون فى الجنة إلى التمتع بكل متعة سالمين من أى أذى وهم لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى والمراد وهم فيها لا يعرفون الوفاة إلا الوفاة السابقة فى البرزخ عند القيامة وهذا يعنى أنهم باقون دون موت ووقاهم عذاب الجحيم والمراد ومنع الله عنهم عقاب السموم مصداق لقوله بسورة الطور"ووقانا عذاب السموم"وهذا فضل من ربهم أى رحمة من خالقهم وذلك هو الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير" .