صادق العظم مثالاً: الليبراليون وحل الأزمة العراقية

د. شاكر النابلسي في الجمعة ٠٩ - يوليو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

لعل الرؤية الليبرالية العلْمانية للحل السياسي والاحتقان السياسي في العراق،تعتبر من أكثر الحلول العقلانية والواقعية، التي كان على العراق أن يأخذ بها قبلفجر التاسع من إبريل 2003، حيث إن هذه الرؤية الليبرالية كالدواء، يُشترط فيه أولاًتشخيص المرض تشخيصاً طبياً وعلمياً سليماً، وثانياً، اكتشاف هذا المرض في مراحلهالأولى، قبل أن يستفحل، ويصعُب دواؤه، والشفاء منه. وثالثاً، توافر هذا الدواء،وضمان الحصول عليه.

الخشية من شر أكبر!

 إن الاحتقان السياسي الخطير، الذي بدأ منذ حقب طويلة قبل فجر9 إبريل 2003، ومازال مستمراً حتى الآن، ومن المنتظر- كما تدل كل مؤشرات الأحزابوالطوائف السياسية العراقية- أن يستمر مدة طويلة، إلى أن يصير إعادة النظر فيالتربية السياسية العراقية، التي هي جزء لا يتجزأ من التربية والتراث السياسيالعربي... هذا الاحتقان السياسي الذي أصبح كالدمَّل الكبير والمؤلم المليء بالقيح،يُخشى ألا جراحة له، ولا شفاء منه، إلا بانقلاب عسكري، أو بثورة شعبية غير مستبعدة.

ولكن المؤلم، والمدمر أيضاً، أن يأتي الانقلاب العسكري، أو الثورة الشعبية،بحزمة أخرى من السياسيين على شاكلة السياسيين، الذين هم على الساحة العراقية الآن،والذين يتصارعون على الكراسي والمنافع، من خلال محاصصة طائفية، ودينية، وإثنيةمقيتة، وكريهة، ومضرة أشد الضرر بالعراق.

إزالة الدكتاتورية وليس الدكتاتور!

ويبدو أن الإدارة الأميركية بقيادة أوباما،أدركت في النهاية- وللأسف الشديد في النهاية فقط- أن الحالة العراقية الحالية،ميئوس منها، وأنها ليست من المعضلات السياسية التي يمكن حلّها بالقوة العسكرية،بقدر ما هي تربية وتراث سياسي متجذر في الأعماق العراقية، ويحتاج إلى سنوات طويلةمن إعادة التأهيل الصحي/السياسيRehabilitation. وألا فائدة من المكوث عسكرياً مدةأطول في العراق، لاسيما أن الأمن العراقي أصبح- إلى حد ما- مؤهلاً لكي يضبط نسبةكبيرة من الأمن الوطني. ويبدو أن إدارة أوباما المثقف سياسياً وعلمياً ثقافة رفيعة،على غرار ثقافة وعلم ومعرفة الرئيس الأميركي الأشهر، وربما الوحيد في التاريخالأميركي المعاصر، وهو الرئيس وودرو ويلسون (1912)، أيقن وتأمل حقيقة العراقالسياسية من الداخل، فوجد أنه من الأفضل عدم المكوث في العراق، والخروج من هذاالمأزق السياسي والعسكري، لاسيما أن أوباما يؤمن بأنه ليس المهم القضاء واقتلاعالدكتاتور، ولكن المهم اقتلاع والقضاء على الدكتاتورية نفسها. ومن دون ذلك ستظلالدكتاتورية متأصلة في النفوس، كما هي متأصلة الآن في السياسيين العراقيينالحاليين، وكما قالت جريدة 'الإندبندنت'- كما ذكرنا في مقالنا السابق- فقد ظهر فيالعراق الآن صدام دكتاتوري آخر، ذلك أن ما جرى فجر التاسع من إبريل 2003 لم يكناقتلاعاً للدكتاتورية ولكنه اقتلاع فسيلة من فسائلها وهو صدام حسين. أما الشجرةبفسائلها المختلفة، فقد بقيت في الأرض السياسية العراقية، وذلك على عكس ما تمَّ فياليابان، وكوريا الجنوبية، عشية الحرب العالمية الثانية، وعام 1952، وكذلك على عكسما تمَّ في ألمانيا، وإيطاليا، وروسيا الستيالينة، بعد الحرب العالمية الثانية، حيثتم اقتلاع الدكتاتورية من جذورها، وبناء تربية سياسية ديمقراطية جديدة، وتربيةسياسيين على المبادئ الديمقراطي، ومن هنا، قررت إدارة الرئيس أوباما الانسحاب منالعراق قبل الموعد المقرر بشهرين، توفيراً للمال، والجهد، ورتقاً لشعبية أوباماالمتدهورة داخل أميركا، وأملاً بالفوز في فترة ثانية، في الانتخابات الرئاسيةالقادمة 2012.

دواء ناجع لمرض مزمن

 صادق جلال العظم من المثقفين الليبراليين المشهورين فيالعالم العربي بعد 1967، وبعد أن أصدر كتابه 'النقد الذاتي بعد الهزيمة، 1968' وكتابه الآخر 'نقد الفكر الديني، 1969'، وقد طردته الجامعة الأميركية في بيروت منبين صفوف مدرسيها، نتيجة لجرأة وشجاعة هذين الكتابين، وما واجهاه من نقد عنيف منقبل الأصولية الدينية والسياسية في العالم العربي، وبالمقابل قامت جامعة توبينغنالألمانية، بمنح العظم 'جائزة ليوبولد لوكاش' للتفوق العلمي عام 2004، بينما أنكرهالعالم العربي والإسلامي أشد الإنكار، وبغضه أكبر البغضاء، وأشنعها.

ويُوصف العظم من قبل الأصوليين الدينيين، بأنه خارجي، وكافر، وزنديق، ومنافح عنالثقافة الغربية، ولكن العراقيين بحاجة هذه الأيام، للإنصات إلى العظم، وهو يقدملهم الدواء الناجع لمشكلتهم السياسية الأزلية، التي بدأت منذ العهد الأموي، ولمتنتهِ حتى الآن، وليست هناك وصفة سحرية، ولا شعوذة سياسية، يريد العظم تسويقها منخلال هذا الدواء السياسي للداء العراقي، والذي يتلخص في نقاط كثيرة. ولكن قبل ذلك،يسألنا العظم السؤال التالي المهم: هل يمكن لهذا البلد العربي المعذب، أن يبقىسليماً، دون أن يتمكن من التوصل إلى اتفاق- صريح أو مضمر- بين الجماعات الدينية،والطوائف، والكتل، والفئات، التي يتألف منها سكانه؛ اتفاق يرضى- دون تحفظ- بدولة،وشكل للحكومة، يمكن أن يسميها البعض علمانية، ويسميها آخرون حديثة، أو يسميها غيرهممحايدة دينياً؟

وجواب العظم هو النفي القاطع، فالساسة والقيادات العراقية، مطالبون اليوم، منأجل إنقاذ العراق ومستقبل أبنائهم، بتناول الدواء السياسي والثقافي والاجتماعيالتالي:

1   - على الطوائف المسلمة، سحب كل ما من شأنه أن ينتقص من حقوق أهل الذمة فيالبلاد (المسيحيين واليهود)، ودون ذلك لن تكون الدولة العراقية لكل المواطنين.

2   - على الطوائف المسلمة، إلغاء العقوبات البدنية، التي لا تتناسب وروح، وقيمالعصر، وهي العقوبات التي استغلها الدكتاتور السابق لإنزال أشنع العقوباتبمعارضيه.

3   - على الطوائف المسلمة رفض النظرة الأصولية إلى العالمين الخارجي والداخلي،واعتبارهما مجالاً حافلاً بالكفار الملعونين، والمرتدين، وهذا يعني وضع حد للتقسيمالضيق للعالم بين 'دار الحرب'، و'دار السلام'.

4   - على الطائفة الشيعية الابتعاد عن حكومة 'ولاية الفقيه'، المستمدة من الفقهالإمامي.

5   - على الأغلبية السكانية الشيعية الاعتراف والالتزام بمبدأ أن الديمقراطية لاتعني فقط حكم الأغلبية، بل تعني حكم الأغلبية مع حفظ حقوق الأقلية، في آن واحدمعاً.

6   - عدم اعتبار المرأة بوصفها عورة؛ أي كونها شيئاً مخجلاً، يتوجب إخفاؤهوالتستر عليه، كما لو كان فضيحة.

7    - اعتذار السُنَّة للشيعة عن الجريمة النكراء لمقتل الإمام الحسين، كما اعتذرالروس لأمم كثيرة عن أخطاء الماضي، وكما اعتذرت اليابان لكوريا والصين، وكما اعتذربيض جنوب إفريقيا للسود.

 

اجمالي القراءات 9529