الأذان للصلاة وفوضى الابتداع

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٧ - يوليو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :مقدمة

1 ـ فى كتابنا ( الصلاة فى القرآن الكريم ) ( الجزء الأول )المنشور على  موقعنا (أهل القرآن ) ومواقع أخرى أهمها (الحوار المتمدن ) أثبتنا أن الصلاة التى نعرفها اليوم هى أهم معالم ملة ابراهيم المتوارثة ، وقد أمر الله جل وعلا خاتم المرسلين باتباع ملة ابراهيم ( حنيفا ) أى اخلاص العبادات كلها لله جل وعلا وحده من صلاة وصيام وحج وصدقات ، وقلنا أن العبادات فى الاسلام هى وسائل للتقوى ، وأن مراعاة التقوى فى الصلاة وتقديم الصدقات لم يكن معروفا لدى العرب فى الجاهلية ، لذ&Ccediledil; نزل القرآن لا يأمر بأداء الصلاة ، لأنهم كانوا يؤدون نفس الصلوات الخمس التى نعرفها ولكن مع الانحلال الخلقى و الظلم والاعتداء والتجارة بالدين وتقديس الأولياء ، بل يأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بمعنى أن تكون الصلاة والصدقات وسائل للتقوى وحسن الخلق و خشية الله جل وعلا بالغيب .

2 ـ ونحن فى التدين السطحى نكرر ما كان الجاهليون يفعلون ، نؤدى الصلاة ولكن لا نقيم الصلاة بالخشوع أثناءها وبالتقوى وسمو الخلق فيما بين الصلاة و الصلاة ، نسينا أن وظيفة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر . ونحن نعتبر تأدية الصلاة ليس وسيلة للتقوى والتطهر وحسن الخلق ، ولكن نعتبرها هدفا فى حد ذاتها ،اى طالما تصلى فليس عليك بعدها وزر مهما فعلت ،فأصبحت الصلاة مجرد حركات مظهرية سطحية للرياء ، بل وأصبحت مشجعا على الانحراف فطالما تصلى فأنت مغفور لك مهما عصيت ومهما ظلمت الناس ، بل من حقك وأنت تتحلّى بزبيبة الصلاة فى وجهك أن تتسيد على الناس بالدين بل أن تطمح لتركب ظهورهم باسم الدين .

هذا هو مافعلناه بشعيرة الصلاة ..أفرغناها من محتواها العقيدى بوقوعنا فى تقديس الأولياء والأئمة الأحياء والموتى كما يفعل الشيعة والصوفية  ، وأفرغناها من محتواها الأخلاقى حين جعلناها وسيلة ليس للتقوى ولكن لسوء الخلق .

3 ـوعلى هامش الصلاة تلاعب المسلمون بالمناداة للصلاة ـ أو ما يطلق عليه الأذان للصلاة . لحقه التغيير والابتداع والتحوير. والجزء الثانى من كتابنا ( الصلاة فى القرآن الكريم ) وهو لم ينشر بعد ـ يقدم عرضا تاريخيا لكيفية تأدية المسلمين للصلاة ، وفيه فصل موثق تاريخيا يرصد ملامح التغيير والتحوير فى ( الأذان ) .

ثانيا : ونعطى هنا لمحة قرآنية عن الموضوع  :

1 ـ  وهذا التلاعب بدأ فى عهد خاتم المرسلين عليه وعليهم السلام ، فحين كان ينادى للصلاة كان بعض المنافقين يسخرون ويستهزئون بالأذان أوالإعلام بدخول وقت الصلاة . يقول جل وعلا :( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ )( المائدة 58 ).

2 ـ ويبدأ الآذان بتكبير الله تعالى (الله أكبر) المؤكدة لعقيدة الاسلام فى أنه لا اله الا الله .

وشرح (الله أكبر )  وصلتها بالصلاة ومخالفة المسلمين لمعناها يحتاج الى مجلدات.

وبعد ( الله أكبر ) تأتى تؤكدها شهادة الإسلام ( لا اله إلا الله ).

ثم الدعوة للصلاة (حىّ على الصلاة ) التى يجب أن تقام لذكر الله وحده وتقديسه وحده وتعظيمه وحده والتسبيح بحمده وحده ، فذلك هو محتوى ومضمون الصلاة لله جل وعلا رب العالمين :(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) ( طه 14).

والذى يقيم هذه الصلاة فى قلبه خشوعا وهو يصلى ، ثم يقيمها فى سلوكه سموا فى الخلق يستحق الفلاح ، لذا يقال فى الأذان ( حىّ على الفلاح ) أى دعوة للفلاح ليكون المؤمن ضمن المؤمنين المفلحين الذين وردت صفاتهم فى مطلع سورة ( المؤمنون )،

وياليت المسلمين يتدبرون هذه الآيات ويطبقونها ليعرفوا معنى اقامة الصلاة والمحافظة عليها ، حتى لا يكونوا من المؤمنين غير المفلحين.

ويختتم الأذان باعادة التكبير(الله أكبر ) للتأكيد على نفس المعنى ، وأنه لا إله إلا الله.

تلك هى صيغة الأذان الشرعية التى تتناسب مع النداء الاسلامى ( الله أكبر) التى تعنى أن الله تعالى (أكبر) لأنه الخالق وحده ،وأنه أكبر من أن يوضع الى جانب اسمه الكريم أى إسم لأى مخلوق من مخلوقاته ، لأن  ماعداه من مخلوقات هى بالنسبة إليه (أصغر) ويحرم أن يذكر (الأصغر ) إلى جانب (الأكبر ) سبحانه وتعالى.

                      

3 ـ هذا ما كان عليه النداء فى حياة النبى عليه السلام . لم يكن فيه ذكر لغير الله جل وعلا ، ولم يكن إسمه عليه السلام يرتفع فى الأذان وفى الدعاء للصلاة .

ولكن بدأت تظهرعقائد الشرك وتقديس البشر منذ القرن الثالث الهجرى بتقديس وعبادة النبى محمد وجعله شريكا لله جل وعلا فى شهادة الاسلام:

3 / 1 : فلم يعد يكفى أن تقول فى شهادة الاسلام ( لا اله إلا الله) وفق التشهد الاسلامى ، بل لا بد أن تذكر محمدا الى جانب رب العزة ، وترتفع به الى منزلة المساواة مع الله جل وعلا، وتقع فى جريمة تفضيله على بقية الأنبياء والمرسلين والتفريق بين الله جل وعلا ورسله ، وتلك من أبرز علامات الشرك والكفر طبقا للقرآن الكريم ( البقرة 136 ، 285 : 286  ) ( آل عمران 84) ( النساء  150 : 152)( الأحقاف 9 ).

3 / 2 : ولم يعد يكفى ان تحج لله تعالى وحده فى البيت الحرم بل جعلوا للنبى محمد حرما هو المدينة ، وأصبح الحج للكعبة مقترنا بالحج الى ما جعلوه قبرا للنبى ،وأحاطوه بالأساطير والخرافات ، ولم يسأل أحدهم نفسه: لو كان هذا من الاسلام فهل كان النبى يحج الى قبره ؟ وهل كان يفعل ذلك الخلفاء الراشدون ؟

3 / 3 : ولم يعد يكفى أن تصلى لله تعالى وحده بل يجب ان يكون لمحمد وغيره نصيب فى صلاتك ، ليس فقط فى أن تصلى ( سنة ) للنبى ، ولكن أيضا فى داخل الصلوات الخمس المكتوبة استبدلوا التشهد الاسلامى القرآنى : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ   ) ( آل عمران 18 ) بما يعرف بالتحيات التى تحتوى على أكثر من عشر صيغ مختلفة ينسبونها لعممر والسيدة عائشة وغيرهما اعترافا منهم بأنها لم تكن معروفة فى عهد النبوة.

3 / 4 : وبالتالى لم يأبه المسلمون بمعنى ( الله أكبر ) فى الأذان ، لأن الله جل وعلا لم يعد هو الأكبر فى عقيدتهم ، بل تحتم تعظيم النبى محمد فى الأذان للصلاة ، ليكون محمد شريكا لرب العزة الخالق جل وعلا فى الصلاة والأذان معا.

3 / 5 : واستتبع تقديس النبى محمد وعبادته أن يضاف الى قائمة التقديس أولياء الصوفية وأئمة الشيعة ، فاتسعت لهم عبادات المسلمين بالحج الى قبورهم والاستغاثة بهم وطلب المدد والعون منهم ، وذكرهم فى الصلاة والأذان .

وبالتالى فان التقديس لله جل وعلا ـ والمفروض أن يكون لله جل وعلا وحده خالصا بنسبة مائة فى المائة ـ قد تضاءل باتساع مساحة التقديس للبشر من الأنبياء والأئمة والأولياء ، بحيث انهم لا يتخيلون تقديسا لله جل وعلا وحده ، وبحيث أنهم يهاجمونك لو دعوتهم للاستغاثة والتوسل بالله وحده دون جاه النبى أو جاه الولى ،أو دعوتهم لأن يقرءوا الفاتحة لله تعالى وحده دون (الفاتحة للنبى ) .

ويوم القيامة وهم فى النار  يرجون الخروج منها سيقال لهم :(ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ   ) ( غافرـ 12 ).

ثالثا :ونعطى هنا لمحة تاريخية عن التغيير فى (الأذان للصلاة ) من خلال (الخطط المقريزية )

1 ـ  نقل المقريزى فى الخطط ما ذكره المؤرخون السابقون عن تاريخ العمران المصرى

وبعض مظاهر الحياة داخله ، وتعرض للأذان فى فصل خاص ، ومنه نفهم أن الابتداع فى الأذان ارتبط باقامة مآذن يرتفع فيها الأذان للصلاة .

وننقل منه ما يخص موضوعنا عن التغيير فى الأذان .

1 / 1 : ينقل المقريزى : ( قال أبو الخير‏:‏ حدثني أبو مسلم وكان مؤذنًا لعمرو بن العاص أنالأذان كان أوله لاإله إلا الله وآخره لاإله إلا الله وكان أبو مسلم يوصي بذلك حتىمات ويقول هكذا كان الأذان أى فى عهد عمرو بن العاص لم يكن يقال فى الأذان ( أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ) بل تقال شهادة التوحيد الاسلامية ،اى الشهادة الواحدة بأنه لا اله إلا الله ، وبها يكون الايمان بكل الرسل والأنبياء دون تفرقة بينهم أو تفضيل لواحد على الآخر طبقا لعقيدة الاسلام.

وظل الأذان بمصر كما هو فى المدينة ،ينقل المقريزى : (وكان الأذان أولًا بمصر كأذان أهلالمدينة وهو الله أكبر الله أكبر وباقية كما هو اليوم ، فلم يزل الأمر بمصر على ذلكفي جامع عمرو بالفسطاط وفي جامع العسكر وفي جامع أحمد بن طولون وبقية المساجد ).

1 / 2 : ثم حدث أول تغيير مشهور فى الأذان فى الدولة الفاطمية الشيعية التى أنشأت القاهرة و الجامع الأزهر، يقول عن الابتداع الشيعى الفاطمى : (إلىأن قدم القائد جوهر بجيوش المعز لدين الله وبني القاهرة ، فلما كان في يوم الجمعةالثامن من جمادي الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة صلى القائد جوهر الجمعة في جامعأحمد بن طولون ..وأذنالمؤذن حي على خير العمل وهو أول ما أذن به بمصر ...  ثمأذن بحي على خير العمل في سائر مساجد العسكر إلى حدود مسجد عبد الله..  فلم يزل الأمر على ذلك طول مدةالخلفاء الفاطميين.  ).

1 / 3 : ولكن الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله المشهور بتقلبه و حماقاته وإدّعائه الالوهية تلاعب أيضا بالأذان ، ينقل المقريزى (.. إلا أن الحاكم بأمر الله سنة أربعمائة أمر بجمع مؤذني القصروسائر الجوامع وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي وقرأ

أبو العباسي سجلًا فيهالأمر بترك حي على خير العمل في الأذان ، وأن يقال في صلاة الصبح "الصلاة خير من النوم"،وأن يكون ذلك من مؤذني القصر عند قولهم : السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله ، فامتثلذلك‏.‏) أى أن قولهم ( الصلاة خير من النوم فى أذان الفجر من اختراعات الحاكم بأمر الله الفاطمى .!.

1 / 4 : وبعد موت الحاكم عاد الأذان الشيعى لما كان عليه سنة 401 ، ينقل المقريزى : ( ثم عاد المؤذنون إلى قول "حي على خير العمل " في ربيع الآخر سنة إحدىوأربعمائة )

4 / 5 :  ثم استحدث الفاطميون تغييرات وزيادات أخرى عام  405 ، يقول المقريزى :(ومنع في سنة خمس وأربعمائة مؤذني جامع القاهرة ومؤذني القصر من قولهم بعدالأذان "السلام على أمير المؤمنين "،  وأمرهم أن يقولوا بعد الأذان .:" الصلاة رحمك الله ".!) .

 

2ـ على أن ما فعله الفاطميون كان امتدادا للاستغلال السياسى للمساجد والصلاة وخطبة الجمعة ، وهذا موضوع شرحه يطول ، ونعطى منه بعض لمحات: .

2 / 1 :فقد سبق الأمويون بجعل لعن (على بن ابى طالب ) أحد شعائر خطبة الجمعة وصلاة يوم الجمعة ، وظل ذلك ساريا الى أن دمر العباسيون الدولة الأموية وأقاموا مكانها خلافة ودولة دينية لا تحكم بمنطق القوة وثقافة القبيلة العربية كشأن الأمويين ولكن بشعائر الدولة الدينية التى يزعم الحاكم فيها أنه يستمد سلطته من الله جل وعلا ، وأنه الراعى وأن الناس رعية له كالأنعام يملكها ويستعلها كيف يشاء.

والعصر العباسى هو الذى شهد التأطير للدولة الدينية ، وفى ظلال هذا التأطير والتقعيد للحكم الملكى المقدس جرى تدوين التراث ، وتأثر هذا التدوين بالسياسة العباسية ، وأقيمت مصانع لتأليف الأحاديث ( النبوية ) وصناعة إسناد لها يصلها بالنبى محمد ظلما وعدوانا ، ويقوم بتدوينها أيضا .

/ 2 : وفيما يخص موضوعنا عن الأذان للصلاة ، فبدلا من (لعن على ) الذى اخترعه الأمويون ثم أبطله العباسيون فقد استحدث العباسيون السلام على الخليفة العباسى فى الأذان للصلاة ، ثم تابعهم الفاطميون فيما بعد . وحتى يتم تبرير هذا فقد أضاف العباسيون  السلام على النبى محمد والخلفاء الراشدين ، وتولت مصانع الأحاديث وصناعة الروايات التاريخية افتراء أحاديث وروايات تسوغ هذا التلاعب بالأذان للصلاة .

2 / 3 : ونعود للمقريزى ،وهو يسترجع قول الواقدى فى العصر العباسى : ( قال الواقدي كان بلال رضي الله عنه يقف على باب رسول الله صلى اللهعليه وسلم فيقول‏:‏ السلام عليك يا رسول الله ، وربما قال‏:‏ السلام عليك بأبي أنتوأمي يا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة السلام عليك يا رسول الله‏.‏)المفهوم هنا أن بلال كان ينبه النبى لموعد الصلاة ، ولم يكن يؤذن فى المسجد بالسلام على النبى .

2 / 4 : وسرعان ما شمل السلام الخلفاء الراشدين ، وينقل المقريزى عن البلاذرى : ( قال البلاذري وقال غيره : كان يقول السلام عليك يا رسول الله ورحمةالله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا رسول الله ، فلما ولي أبو بكر رضيالله عنه الخلافة كان سعد القرظ فيقول السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة اللهوبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا خليفة رسول الله‏.‏

فلما استخلف عمر رضي الله عنه كان سعد يقف على بابه فيقول السلامعليك يا خليفة خليفة رسول الله ورحمة الله حي على الصلاة حي على الصلاة يا خليفةخليفة رسول الله....فدعي أميرالمؤمنين استطالة لقول القائل يا خليفة خليفة رسول الله ..‏.‏كان المؤذن يقول السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته حيعلى الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا أمير المؤمنين‏.‏ثم إن عمر رضي الله عنه أمر المؤذن فزاد فيها رحمك الله‏.‏ويقال أن عثمان رضي الله عنه زادها).

أى اختصروها فجعلوا السلام لأمير المؤمنين ، وهو لقب ينطبق على كل ( أمير للمؤمنين ) فى العصر العباسى ، وبذلك أدخل العباسيون السلام عليهم فى الأذان .

2 / 5 : ثم توسعوا فى الأمر حين تضاءل نفوذ الخليفة العباسى سياسيا وغلب عليه نفوذ القواد والولاة و قادة العسكر ،فأصبح لهؤلاء نصيب أيضا فى التسليم عليهم فى الأذان للصلاة ، يقول المقريزى : (  وما زال المؤذنون إذا أذنواسلموا على الخلفاء وأمراء الأعمال ثم يقيمون الصلاة بعد السلام فيخرج الخليفة أوالأمير فيصلى بالناس ) ويخطىء المقريزى حين يقول ( هكذا كان العمل مدة أيام بني أمية ثم مدة بني العباس أيام كانتالخلفاء وأمراء الأعمال تصلي بالناس‏.‏) فالذى نراه  حسبما نعلم أن هذا لم يحدث فى الدولة الأموية ، بل فى العصر العباسى الأول .

2/ 6 : ومن مستحدثات الدولة الفاطمية الدعاء للخليفة فى أذان الفجر ،  وتعرض هذا للتقلبات السياسية ، أى كان الأذان للصلاة لعبة سياسية ، يقول المقريزى : (ولما تغلب أبوعلي بن كتيفات بن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي على رتبة الوزارة فيأيام الحافظ لدين الله ..في سادس عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة وسجن الحافظ وقيدهواستولى على ما فى القصر من الأموال والذخائر وحملها إلى دار الوزارة وكان إماميًامتشدد في ذلك ، خالف ما عليه الدولة من مذهب الإسماعيلية وأظهر الدعاء للإمام المنتصروأزال من الأذان حي على خير العمل وقولهم محمد وعلي خير البشر وأسقط ذكر إسماعيل بنجعفر الذي تنتسب إليه الإسماعيلية. فلما قتل في سادس عشر المحرم سنة ست وعشرينوخمسمائة عاد الأمر إلى الخليفة الحافظ وأعيد إلى الأذان ما كان أسقط منه‏.‏)

3 / 7 : وبعد أن أسقط صلاح الدين الأيوبى الدولة الفاطمية وأعاد مصر والشام للتبعية الاسمية والدينية للخلافة العباسية وحارب التشيع فكريا وأعلى من شأن الدين السّنى انعكس الأمر على الأذان ، فإقتصرت الزيادة على السلام على النبى بدلا من السلام على الخليفة العباسى أو الخليفة الفاطمى ، يقول المقريزى : (ولم يكن أحد من الخلفاء الفاطميين يصلى بالناس الصلوات الخمس في كليوم فسلم المؤذنون في أيامهم على الخليفة ( الفاطمى ) بعد الأذان للفجر فوق المنارات. فلما انقضتأيامهم وغير السلطان صلاح الدين رسومهم لم يتجاسر المؤذنون على السلام عليه ( أى على الخليفة الفاطمى )احترامًا للخليفة العباسي ببغداد ، فجعلوا عوض السلام على الخليفة (

الفاطمى )  السلام على رسولالله صلى الله عليه وسلم ، واستمر ذلك قبل الأذان للفجر في كل ليلة بمصر والشاموالحجاز )

4 ـ وقبل ظهور صلاح الدين ، وفى الدولة الحمدانية فى حلب جدّ ابتداع جديد فى الأذان ، يقول المقريزى : (وأول من قال في الأذان بالليل : " محمد وعلي خير البشر" ....ابن شكنبة ويقال أشكنبة وهو اسم أعجمي معناه الكرش ، وهو علي بن محمد بن عليبن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وكان أول تأذينة بذلك فيأيام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة‏.‏قاله الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة ، ولم يزل الأذان بحلب يزادفيه : "حي على خير العمل" ، و" محمد وعلي خير البشر" إلى أيام نور الدين محمود‏.‏ فلما فتح  ( أى السلطان نورالدين زنكى ) المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن عليبن الحسن بن محمد البلخي الحنفي إليها ،  فجاء ، ومعه جماعة من الفقهاء ، وألقي بها الدروس، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم مروهم يؤذنونالأذان المشروع ومن امتنع كبوه على رأسه ، فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به، واستمر الأمرعلى ذلك‏.‏).

أى استطاع الشيعة تغيير الأذان فى الدولة الحمدانية ، وهى دولة عربية قبلية ( نسبة للقبيلة ) وكان هواها مع الشيعة ، فلما تغلب محمود نور الدين زنكى على حلب  تحت شعار مواجهة الصليبيين وارساء المذهب السّنى وحربه للتشيع أقام مدرسة الحلاوية السّنية واستقدم لها الفقهاء السنيين الذين أبطلوا الأذان الشيعى . أى أصبح الأذان للصلاة ميدانا للصراع السياسى بين الشيعة والسّنة . 

5 ـ والسلطان صلاح الدين الأيوبى كان فى شبابه مع أبيه نجم الدين وعمه شيركوه من قواد السلطان نور الدين زنكى . وباسمه جاء شيركوه وصلاح الدين لمصر فى خلافة العاضد الفاطمى وقت الصراع بين الوزيرين شاوروضرغام . وانتهى الأمر باستيلاء صلاح الدين على مصر باسم الدولة الزنكية السنية واسقاطه الدولة الفاطمية وارجاعها للمذهب السنى وحرب التشيع .

ونعود للمقريزى ، وهو يقول عن مصر الفاطمية ( وأما مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم (أى الفاطميين ) إلى أن استبد السلطانصلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستينوخمسمائة ،وكان ( صلاح الدين ) ينتحل مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وعقيدة الشيخ أبي الحسنالأشعري رحمه الله، فأبطل من الأذان قول حي على خير العمل وصار يؤذن في سائر إقليممصر والشام بأذان أهل مكة ) أى الأذان السّنى الذى ساد فى العصر العباسى بمكة ، والذى يضاف فيه تقديس النبى محمد الى الأذان ، أى كما يقول المقريزى ( وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين .)

6 ـ واستمر هذا طيلة الدولة الأيوبية ، ثم الى الدولة المملوكية التى عاش فيها المقريزى لقائل : ( فاستمر الأمر علىذلك إلى أن بنت الأتراك (أى المماليك من سلاطين وأمراء ) المدارس بديار مصر ، وانتشر مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه فيمصر ، فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل الكوفة وتقام الصلاة أيضًاعلى رأيهم ، وما عدا ذلك فعلى ما قلنا . ) أى حدث اختلاف فى الأذان السّنى بين أذان مكة وأذان الكوفة .

ثم جدّ ابتداع جديد فى العصر المملوكى بعدعام 760 ، أخترعه المحتسب صلاح الدين البرلسى، يقول عنه المقريزى : ( إلا أنه في ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون منالتأذين سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو شىء أحدثه محتسب القاهرة صلاحالدين عبد الله بن عبد الله البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة .‏) أى أضاف هذا المحتسب الصلاة على النبى بعد الفراغ من الأذان ، وجعل ذلك فى ليالى الجمعة .

7 ـ ثم تم تعميم هذا ليشمل كل أذان وليكون فى صلب الأذان وليس خاتمة له . وتم هذا عبر اكذوبة المنامات التى برع فيها شيوخ التصوف ، وكان للتصوف سطوته فى العصر المملوكى ، وكان أولياؤه يتمتعون باعتقاد الناس فى خوارقهم وكراماتهم وعلمهم اللدنى ومناماتهم ، وكل الأكاذيب التى ينسبونها لأنفسهم ولأوليائهم. يقول المقريزى : (إلا أنه في ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون منالتأذين سلموا على رسول الله صلى الله عليه

وسلم وهو شىء أحدثه محتسب القاهرة صلاحالدين عبد الله بن عبد الله البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة .....فسمع بعض الفقراء ( أى الصوفية ) الخلاطين ( مهاجرون لمصر من بلدة خلاط ) سلام المؤذنين على رسول الله صلى اللهعليه وسلم في ليلة جمعة ، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه ، فقال لهم : أتحبون أن يكونهذا السلام في كل أذان ؟ قالوا:  نعم . فبات تلك الليلة وأصبح متواجدًا ( أى أخذه الوجد والحال والجذب بزعمهم ) يزعم أنه رأى رسولالله صلى الله عليه وسلم في منامه ، وأنه ( أى النبى ) أمره أن يذهب إلى المحتسب فيبلغه عنه أنيأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان . فمضى ( ذلك الولى الصوفى أو الفقير الصوفى ) إلى محتسبالقاهرة وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي)

ويصف المقريزى هذا المحتسب نجم الدين الطنبدى بأسوأ الصفات ، يقول عنه: ( وكان شيخًا جهولًا ، وبلهانًا مهولًا ، سيءالسيرة في الحبسة والقضاء ، متهافتًا على الدرهم ولو قاده إلى البلاء ، لايحتشم من أخذالبراطيل والرشوة ، ولا يراعي في مؤمن إلا ولا ذمة ، قد ضرى على الآثام ، وتجسد  ( أى تضخم جسده ) من أكلالحرام ، يرى أن العلم إرخاء العذبة ، ولبس الجبة ، ويحسب أن رضي الله سبحانه في ضربالعباد بالدرة وولاية الحسبة ،  لم تحمد الناس قط أياديه ، ولا شكرت أبدًا مساعيه ، بلجهالاته شائعة ، وقبائح أفعاله ذائعة ، أشخص غير مرة إلى مجلس المظالم ( أى حوكم كثيرا أمام مجلس المظالم ) وأوقف مع من أوقفللمحكمة بين يدي السلطان من أجل عيوب فوادح ، حقق فيها شكاته عليه القوادح ، وما زال فيالسيرة مذمومًا ، ومن العامة ملومًا.)

وبعد هذا الهجاء المسجوع يذكر المقريزى أن ذلك الشيخ الصوفى ذهب للمحتسب وحكى له المنام قائلا ان النبى ( يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بانيزيدوا في كل أذان قولهم : "الصلاة والسلام عليك يا رسول الله "، كما يفعل في ليالي الجمع، )

ويقول المقريزى معلقا بعقيدته السنية : (فأعجب الجاهل ( أى المحتسب ) هذا القول ، وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لايأمر بعد وفاته إلابما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته . وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابهالعزيز عن الزيادة فيما

شرعه حيث يقول‏:‏ ‏"‏أم لهم شركاء شرعوا لهم منالدين ما لم يأذن به الله‏"‏ الشورى‏.‏وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إياكم ومحدثات الأمور ‏"‏)

ويعود المقريزى يروى عن المحتسب : (فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة ، وتمت هذه البدعة واستمرت إلى يومنا هذا فيجميع ديار مصر وبلاد الشام وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذانالذي لايحل تركه . ) أى أصبح دينا بالتعود .

8 ـ وكالعادة أضافوا السلام على الأولياء المقدسين فى القرى و النجوع ، يقول المقريزى : ( وأدى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلامبعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإن للهوأن إليه راجعون‏.‏)

ثالثا : تغيير الأذان فى المصادر التاريخية

وفى الحوليات التاريخية للعصر المملوكى ـ التى تسجل أحداث التاريخ كل عام أو كل حول باليوم والشهر ـ  نجد تأكيدا لما قاله المقريزى فى الخطط .

1- ففي سنة765 هجرية أمر الصوفي صلاح الدين البرلسي محتسب القاهرة المؤذنين أن يضيفوا بعد الآذان لعشاء ليالي الجمعة وقبل الفجر قولهم (السلام عليك يا رسول الله، الصلاة والسلام عليك يا رسول الله)(فاستمر ذلك ولم يكن قبله إلا الآذان فقط)  (السلوك للمقريزى ج 2 القسم الأول ص 94 ، النجوم الزاهرة لأبى المحاسن بن تغرى بردى ج 11 ص 85 . )

2 ـ وفي سنة 782(أحدث السلام علي النبي عقب آذان العشاء ليلة الآذان الإثنين)  . ([1]إنباء الغمر جـ1/218، تاريخ ابن اياس جـ1/2/265.)

3 ـ وفي عام 791 استمع بعض الصوفية إلى الصلاة على النبي بعد العشاء فقال لمريديه(أتحبون أن يعمل هذا في كل آذان ؟ قالوا: نعم،فبات وأصبح وقد زعم أنه رأى الرسول عليه السلام في منامه يأمره أن يقول لنجم الدين ال المؤذنين بالصلاة عليه عقب كل آذان وكان الطبندي في غاية الجهل فسره قول الرائي فأمر بالصلاة على النبي بعد كل آذان واستمر ذلك)  . (السلوك جـ3/2/669، النجوم الزاهرة جـ11/331، المنهل الصافى مخطوط جـ4/606،تاريخ ابن اياس جـ1/2/390.)

 4- ثم أحدث التوسل بجاه النبي عليه السلام بعد صلاة الصبح ، وأمر القاضي الشافعي بذلك ، وكان سببه اعتراض بعض تلامذة ابن تيمية على قصيدة صوفية تتوسل بالرسول. وكان ذلك سنة 874.( [1] انباء الغمر جـ1/290. ). ومعنى التوسل بغير الله في الآذان أن يجهر بعقيدة تخالف الإسلام، ثم يقولون  (الله أكبر) وهو تناقض لا يستسيغه إلا التصوف ..

5- ثم أضحى الآذان في أواخر القرن التاسع مجالاً خصباً للزيادة لكل من هب ودب.. يقول البقاعي في حوادث 880 (أحدث بعض أتباع الشيطان العاشقون في البدع أن يقال عقب آذان الصبح بصوت كصوت الآذان مع الاتصال به : يا دايم المعروف يا كثير الخير يا من لا ينقطع معروفه أبداً) وقد أبطل البقاعي ذلك في كل مئذنة له فيها تعلق كما يقول ([1]تاريخ البقاعى مخطوط ..حوادث سنة 880 هـ.)

6- ثم كان وصف النبي بعبارات إلهية    (لطائف المنن للشعرانى 272 :273 الطبعة القديمة ) تمهيداً لأن يوصف الصوفية بتلك الصفات على المآذن، لذا بعدها فكانوا يقولون فى الأذان تقديسا للسيد البدوى (السلام عليك يا سيدي أحمد يا بدوي ) بعد التسليم على النبي . وانتشرت المنامات وإشاعات الكرامات تحذر من ينكر على ذلك بانتقام أحمد البدوي   (الحلبى النصيحة العلوية 37.مخطوط. )

رابعا : اللهو والغناء في الآذانفى مصر العصر المملوكى:

 

1 ـ قام الدين الصوفى على أساس الغناء والرقص تحت شعار ( الذكر ) و( الوجد ).وبهذا تحول دين التصوف الى دين حقيقى للهو واللعب . وبتسيد التصوف للعصر المملوكى

انتشر التغنى بالقرآن بالألحان و(الجوقات ) و الأدوات الموسيقية ، وزحف الغناء الى الأذان للصلاة مصطحبا معه ما شاع فى العصر المملوكى من شيوع للشذوذ الجنسى متأثرا أيضا (أى الشذوذ الجنسى ) برعاية التصوف . وننقل بعض سطور من موسوعة التصوف عن التغنى بالأذان والقرآن .

2 ـ وبسبب تسيد التصوف للعصر المملوكى فقد تطرف الناس فى تأدية شعائر التصوف تلك الى درجة أثارت حنق الصوفية الفقهاء فاحتجوا على ما يحدث ، ومنهم الفقيه المغربى الصوفى ابن الحاج العبدرى فى كتابه ( المدخل ) الذى خصّصه لنقد ما يحدث فى التدين المصرى فى عصره  فى القرن الثامن الهجرى . يقول ابن الحاج"وكان الغالب فى صفة الإمام في قيام رمضان أن يكون حسن الصوت"[1].

وعن طريق الصوت الحسن تتحول الصلاة في رمضان إلى لهو ،وعكست وثائق الوقف ذلك فكانت تشترط في قراء القرآن في المؤسسات الصوفية أن يكونوا حسنى الصوت ،ففي وثيقة وقف برسباي "ويصرف الأربعة نفر حسنى الصوات يجلسون مع الصوفية ويقرءون ما شرط على كل من الصوفية "و"يصرف لخمس جوق كل جوقة ثلاث نفرمن حفاظ القرآن العظيم تقرأ كل جوقة بعد كل صلاة جزبين من القرآن العظيم على العادة ألف درهم "[2].

أى جعل قارئى القرآن " جوقاً "والجوقة هم مجموعة مطربين .

3 ـ وفي وثيقة وقف قراقجا الحسني " يصرف لخمسة عشر نفراً من حملة  كتاب  الله العزيزعن ظهر قلب بالسوية بينهم ..على أن يكونوا خمسة جوق لكل جوقة منهم  مائتا درهم ،على أن تقرأ جوقه منهم بعد صلاة الصبح بالجامع المذكور حزباً واحداً من تجزئة ستين حزباً من القرآن العظيم .. ويجتمعون قراءتهم بالصلاة على النبى (ص) ويدعون أحسنهم صوتاً"[3].

4ـ  وفي وثيقة وقف الغورى "تصرف لرجل من أهل العلم الشريف حافظاً لكتاب الله.. مشهور بالخير والدين حسن الصوت"واشترطت ذلك للخطيب والمؤذن " وعند القراءة

والدعاء للواقف يتولى ذلك "من يكون أحسنهم صوتاً وأطربهم نغمة"[4].

5ـ  ولاحظ ابن بطوطة في رحلته أن المصريين في القرافة "يرتبون القرآن ،يقرءون القرآن ليلاً ونهاراً بالأصوات الحسان"[5].

6ـ ونفس الشرط اشترطته حجج الوقوف للمؤذن والإمام في الصلاة ،ففي وثيقة قراقجا الحسنى "يصرف لتسعة نفر من المؤذنين حسان الأصوات على أن يكونوا ثلاث جوق"[6].

وفي حجة قايتباى "ويصرف لتسعة نفر رجالاً مؤذنين.. يكون كل منهم حسن الصوت وفي ليلة الجمعة ينشد أحسنهم صوتاً ما تيسر له من مدح النبى عند آذان الفجر "[7].وفي حجة برسباى"..فيصرف لستة مؤذنين حسنى الأصوات مبلغ ألف درهم.."[8].وفي حجة مغلطاى الجمالى"ويرتب معه قارئ ميعاد حسن الصوت من حملة الفقرا العشرة المذكورين .. ويرتب بها أيضاً مؤذنين حسنى الصوت عارفين بالمواقيت"[9].

وكان المؤذنون ينشدون القصائد والمواعظ والسحريات والفجريات. وتكاد تجمع وثائق الوقف على اشتراط كون المؤذن حسن الصوت [10]. وبعضهم كان أمرد مخنثا في عصر انتشر فيه الشذوذ الجنسى.

وقد احتج على هذا الوضع الفقيه ابن الحاج يقول"ما أحدثوه من صعود الشبان على المنابر للآذان  ولهم أصوات حسنة  ونغمات تشبه الغناء "فيرفعون عقيرتهم بذلك ،فكل من له غرض خسيس يصدر منه في وقت سماعه مالا ينبغى ،وقد يكون ذلك سبباً إلى تعلق قلب من لا خير فيه بالشاب الذى يسمعونه ، ويترتب على ذلك من الفتن أشياء لا تنحصر"[11]. أى صار النداء الإسلامى للصلاة " الله أكبر" نداء للفتنة والشذوذ الجنسى.

مؤذنون مطربون:

 واشتهر بعض المؤذنين في مجال الغناء والطرب .منهم نجم الدين الصوفي ت731

رئيس المؤذنين بجامع الحاكم "وكان بارعاً في فنه له أوضاع عجيبة وآلات غريبة"[12]. وكان المازونى ت 862  "أحد الأفراد في إنشاد القصيد وعمل السماع،وكان من عجائب الدنيا في فنونه، كان صوته كاملاً.. مع شجاوة ونداوة وحلاوة،وكان رأساً في إنشاء القصيد على الضروب والممدود.. وكان له تسبيح هائل على المآذن.. وكان يشارك فى الموسيقى ويعظ في عقود الأنكحة"[13].    وكان البدر الفيشى ت879 "أمام المؤيدية " "أتقن القراءات،وازدحم العامة علي سماعه ،حصوصاً في ليالى رمضان"[14].وكان المحلاوى مؤذن السلطان الغورى"وكان حسن الصوت مطبوعاً في فنه"[15].

 ويقول ابن خلدون فى مقدمته (والظاهر تنزيه القرآن عن هذا كله..لأن القرآن محل الخشوع بذكر الموت وما بعده وليس مقام التذاذ بإدراك الحسن من الأصوات " [16].

خاتمة :

وفى العصر الحديث كتب توفيق الحكيم معترضا على التسابيح الملحقة بالأذان والتى تتغزل فى النبى محمد عليه  السلام وتصفه بصفات انثوية ، كقولهم يا كحيل العينين يا أحمر الخدين .!! ولاشك ان فوضى الأذان تستدعى تنظيما ، وهذا مشكور لوزير الأوقاف الحالى محمود زقزوق . ولكن الأهم هو الرجوع للصيغة الاسلامية الأصيلة للأذان : الله أكبر الله أكبر . أشهد أن لا اله الا الله .حى على الصلاة . حى على الفلاح . الله أكبر الله أكبر.لا اله ألا الله .

 المدخل جـ / 86 .

[2]حجة وقف برسباى نشر أحمد دراج ص3

[3]وثيقة قراقجا الحسنى . ص 210 . نشر عبداللطيف ابراهيم ، سطر 126 ، 131 . دوريات جامعة القاهرة

[4]وثيقة وقف الغورى : 43 ، 44 نشر عبداللطيف ابراهيم .

[5] رحلة ابن بطوطه جـ 1 / 21 .

[6]وثيقة قراقجا الحسنى . ص 208 سطر 114 .نشر عبداللطيف ابراهيم .  دوريات جامعة القاهرة .

[7] حجة قايتباى ص65 .

[8] حجة برسباى 2 .

[9]حجة مغلطاى الجمالى .

[10]محمد أمين : الأوقاف 234 ، عبداللطيف ابراهيم دوريات القاهرة 241 .

[11] المدخل جـ 2 / 67 .

[12]تاريخ ابن الوردى جـ 2 / 295 .

[13]النجوم الزاهرة جـ 16 / 192 : 193 .

[14]الضوء اللامع جـ 3 / 117 .

[15] تاريخ ابن اياس جـ 4 / 218 .

[16]مقدمة ابن خلدون 425 ، 426 .

اجمالي القراءات 33864