استيقظتُ صباح اليوم وكأنَّ جبلا ثقيلا نام فوق صدري لأنني ذهبتُ إلى الفِراش بعد ثلاث عشرة ساعة متقطعة أمام الكمبيوتر تخللتها خمسُ مكالمات هاتفية على المحمول الجديد، لكنني اعتذرت عن ممارسة أيّ نشاطات مع أصدقائي، فأنا والشاشة الصغيرة أصبحنا توأمين، أفتقدها إنْ سرق منها وقتُ قضاءِ الحاجة عدة دقائق.
الإنترنت قـَلـَبَ حياتي سافلـَها عاليها، وأصبحتُ أكثر شهرة من كِبار الكـُتّاب، واستغنيتُ تمامًا عن عالـَم الكـُتُب رغم أنني لم أقرأ كُتيـّباً بحجم الكفّ منذ سبع سنوات، ويعرفني الآن القاصي والداني في أركان الأرض الأربعة، والاسم الغريب الذي اخترته لنفسي اخترق المنتديات والمواقعَ، وينتظرني الكثيرُ من الأعضاء لمعرفة وجهة نظري في عشرات الموضوعات.
قطعًا لا أقرأها، خاصة إنْ كانت ممن يقال عنهم أنهم مثقفون، لكنني أتسلل بخفـّة، وأقرأ العنوانَ، ثم أكتب:( جزاك الله خيرًا، فموضوعك رائع!)، ويردّ كاتبه أو ناقله: شكرًا لمرورك!
مرّات كثيرة تلك التي نقلتُ فيها مقالا كاملا، ووضعت اسمي بعد حذف اسم صاحبه، فالإنترنت جعل المـِلكيّات الفكرية كالماء والكلأ والنار، نشترك جميعا في مِلكيتها ولو شجّ صاحبُها رأسَه في الحائط سبعين مرة.
الشبكة العنكبوتية جعلتني مساوياً لكِبار الكـُتـّاب، ولم أعد بحاجة للثقافة والعلوم والآداب، فكل أنواع المعرفة أعثر عليها في حواراتي التشاتية مع أصدقائي الأونلاينيين، فنحن نتبادل النِكات والألغاز وأغاني الفيدو كليب، ولدىَ أكثرنا مهام عظمى في تغيير العالـَم برُمَّته، بل إنني أستطيع أنْ أطرد أي صحفي كبير أو كاتب شهير أو روائي عظيم بمجرد نشره أي مقال لا أفهمه!
الإنترنيت جعلني أحتقر الفلاسفة والمؤرخين والمفكرين وكِبارَ العلماء الماديين، ويمكنني أنْ أصارع أكبرَهم عِلمًا وأرّديه قتيلا أونلاين، فأنا أشكك في أي فكرة، ويكفي أن أكتب بأن هذا الكلام هراء ويتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف، وهنا يسابق الأعضاء الريح ليضعوا جواهرهم الفكرية المأخوذة من فقهائنا الذين عاشوا في القرون الأولى، فكارل ماركس، الذي لا أعرف من هو، تسقط أفكاره من منتدانا كما تسقط أوراق الخريف، ويستطيع أي أميّ وجاهل في موقعنا أن يُدحض كتابات أرنولد تويني وزكي نجيب محمود وسارتر وهنريك إيبسين وجمال حمدان وسيجري إينست ووليم شكسبير وقاسم أمين و جان جاك روسّو!
لم أعد بحاجة إلى قواعد اللغة العربية، وقد غضبت من أحد المتثاقفين، وهو رجل أخرجت له تروس المطابع كُتبا كثيرة أشاد بها أمثاله من الأدباء والمفكرين، عندما حاول تصحيحَ تعليقاتي، وكتب كلاما سخيفا عن أهمية اللغة السليمة، وصحّح لي كلمات مثل منذو ( منذ)، ولا كن ( لكن )، و مصطنقع ( مستنقع)، ونحنو (نحن) وأستاز ( أستاذ)، تلميز ( تلميذ) و سقافة ( ثقافة)، وسمانية ( ثمانية) و.. عشرات غيرها، وهنا انفجرت غضبًا، وشتمت له أبا الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي ومصطفى صادق الرافعي وعائشة عبد الرحمن وميّ زيادة، فأنا لست بحاجة إلى هؤلاء المتخلفين لأنني شاب إنترنتي أنقل أي مقال، وأذيّله باسمي، وسيتبارى العشرات للذود عني لأنهم أيضا أعداءُ ما تـُسَمّىَ الثقافة، وخصومٌ مثلي للكتاب المطبوع.
الإنترنيت جعلني، باسمي المستعار، على قدم المساواة مع الذين دفنوا حيواتهم في البحث والدراسة والقواميس والموسوعات، ويكفي أن أقرأ السطور الثلاثة الأولى، والسطرين الأخيرين، وأيضا أكتب أنني لم أقرأ الموضوع لتفاهته، وسيبرز فرسان ومغاوير يدافعون عني، ويطلقون الرصاصَ على كل من يقترب مني.
مساء أول أمس طرق والدي باب غرفتي، ودخل بهدوء ثم سألني عن سبب قضاء ساعات طويلة دون طعام أمام الإنترنيت، فقلت له بأنني رئيس لجروب كبير يـُغرق البريد الإلكتروني لآلاف من الناس بأحاديث نبوية شريفة، ومقالات منقولة تدحض أكاذيب الأديان الأخرى، وأكدت لأبي تفاؤلي بقرب تحقيق الخلافة الإسلامية التي ستمتد من كيب تاون، مرورا بنجامينا، ثم القدس المحتلة، ومنها إلى استانبول لتستقر في شمال النرويج وتأتينا الدنيا كلها صاغرة!
ابتسم والدي الطيب، ودعا لي بالفلاح والنجاح في مهمتي الشاقة، وشعرت بأن نجاحاتي على النت مرجعها إلى أنني هجرت الكتاب والثقافة والفكر، وتفرغت لقضايا سامية، وبدأت أستعد للخطوة القادمة وهي إنشاء منتدى أتحكم في أعضائه كما يتحكم المستبد في رعاياه، وأطرد منهم من يُهـَيـّج علينا أجهزة الأمن بآراء سخيفة ومناهضة للزعيم،
مهمتي العظيمة بالغة الصعوبة فهناك مئات المواقع الإسلامية والمسيحية التي يحاول أصحابها وأعضاؤها إثبات زيف الدين الآخر، فالمسيحي يظن نفسه مبعوث العناية الإلهية، وأنه سيجعل المسلمين متحضرين، وسينزع القسوة من قلوبهم، وسيثبت أن القرآن الكريم مليء بالمغالطات، والمسلم، الذي لم يقرأ حرفا واحدا في العهدين القديم والجديد، يستعد لجمع الجزية بعدما يسيطر الإسلام على كل شبر في الدنيا، وسيرغم الكفار على أن يأتوا إليه صاغرين!
معارك دون كيشوتية، يستخدم فيها أتباع الدينين الكبيرين كل الأسلحة والضرب تحت الحزام والاستعانة بأساطير تاريخية ليستلقي بعدها كل مسلم أو مسيحي على فراشه، ويتخيل العالم كله قد اعتنق دينه وذلك بفضل مكوثه أمام الكمبيوتر معظم ساعات الليل والنهار!
قال لي صديق مسلم بأنه لم يلمس الأناجيل أو حتى يراها، ولكنه يوصل الليل بالنهار ليدحضها، ويثبت خرافة المسيحية!
وأعرف مسيحيا انضم إلى جمعية دينية في الخارج، وأصبحت مهمته البحث في عجائب الكتب الصفراء عما يسيء للإسلام، ويعيد نشرها مهللا لعبقرية اكتشافاته، ويقسم باسم العذراء أن المليار ونصف المليار مسلم أصبحوا على مرمى حجر من اعتناق المسيحية.
نحن فرسان المبارزات الدينية على الشبكة العنكبوتية لا نحتاج لأدنى قدر من المعرفة والقراءة والبحوث والاعتكاف لدراسة تاريخ الأديان، فالساحة أمامنا تدعونا، مسلمين ومسيحيين، للقتال، فالله لا يريد أديانا مختلفة، وإنما يريد منا أن نتذابح حتى تقضي فئة على أخرى وتتفتح لها أبواب الجنة!
كم هو رائع ذلك الإحساس بتورم المعرفة في الدماغ بعيدًا عن كآبة الكتب، وسخافة المثقفين، وملل الأدباء، وثقل دم الموسوعات!
في كل يوم أحصي مشاركاتي فأجدها بالعشرات على الرغم من أنني لم أنشر مقالا واحدا من إعمال فكري، وأكثر مشاركاتي لا تتعدي ثلاث جُمَل في سطرين يتيمين، فنحن مولعون بكاونتر المشاركات، بل إن بعضنا إذا نقل برنامجا أو مقالا أو موضوعا من مكان آخر، ثم وضعه في منتدانا، يشترط تعقيب المشاهد قبل القراءة، وأن يُقدم الشكر الجزيل حتى يتمكن من المشاهدة.
أعرف كثيرا من الأصدقاء يعملون مع جهات أمنية، ويدخلون المواقع لتخريب الموضوعات أو إثارة البلبلة حول بعضها أو تحويل الأنظار إلى ناحية أخرى أو التشكيك في توجّهات الكاتب، وفي هذه الحالة نحن نأمن على أنفسنا حتى لو اعتقلت أجهزة الأمن كل أعضاء المنتدى.
منذ عدة أيام قابلت زميلا في الدراسة لم أكن رأيته لخمس سنوات، وتجاذبنا أطراف الحديث، ولكنني شعرت بالملل القاتل من تفاهة حديثه، فهو يقول بأن نقل الموضوعات من النت دون استئذان صاحبها سرقة، وأن الكتاب لا يزال سيد المعرفة، وأن التشات والألعاب والفوازير والساعات الطويلة أمام الماسينجر ومقارنة الأديان والبحث عن أخطاء الآخرين كلها اهدار للوقت وضياع للعُمر، ثم قال لي بأنه يرى الآخر مثله تماما حتى لو كان مخالفا في العقيدة والمذهب والطائفة والدين، وختم حديثه المتخلف بالقول بأنه يتساوى لديه المسجد والكنيسة، وأن الله قريب من المؤمنين هنا و .. هناك!
تركته دون تحية، فهؤلاء المتسامحون ضعاف بعلومهم، ونحن أقوياء بجهلنا! لقد صنعوا الإنترنت، ونحن قمنا باحتلاله.
إن أكثرهم عِلمًا يتذلل لأكثرنا جهلا، وإذا تم طرده من منتدى للأغبياء، عاد باسم مستعار جديد، ووضع مشاركاته، لينتظر موافقة المشرف العام!
أحد أصدقائي أنشأ واحدًا من أهم المنتديات على النت، واستقطب عددًا هائلا من الأعضاء والزوار، ولديه سمك لبن تمر هندي من كل شيء، أغاني، فيديو، تحميل برامج مجانية، تأسيس مواقع، حوارات ساخنة .. الخ
هذا الصديق، الذي أعرفه جيدًا، يقرأ بصعوبة بالغة، ويكتب جملة واحدة بَشقّ الأنفس، ولم يقترب من كتاب قـَطّْ، فبينه وبين الكتب خصومة شديدة، ومع ذلك فيتحكم بأميّته في موضوعات نشرَتها لديه نخبة من المثقفين والمفكرين.
أعرف شخصًا يدير موقعًا للمترجمين وقد أحاط نفسه بعدد كبير منهم ومن الأكاديميين وأساتذة الجامعات، وفي كل يوم يوسعهم إهانة فيتذللون إليه كتلامذة يقفون انبهارًا ورعبًا أمام ناظر المدرسة.
في إحدى المرات نشر صاحبنا استهجانًا منه يسخر فيه من الذين يبعثون إليه رسائل، وقال بأنه لا يرد على من لا يحمل رسالة دكتوراة، بل إنه طالبهم بتدمير مواقع مخالفيه ومنتقديه، وكلما ألهب ظهر كاتب مرموق، تمسح الأخير فيه كما تتمسح قطة صغيرة في قدمي صاحبتها!
يقول المثقفون بأننا سوس الشبكة العنكبوتية، لكن الحقيقة أننا ملوك الساحة لأنهم تركوها لنا، وولوّا الأدبار، فتـَحَكمْنا في القاصي والداني، حتى اللغة العربية جعلناهًا مِسْخًا، وشوّهنا حروفـَها، وتساقطت قواعدُها بين أناملنا كما يتساقط بناءٌ رمليّ أقامه طفلٌ على شاطيء البحر.
نعم، نحن نسرق الموضوعات، لكن الكـُتّاب العرب لا يدافعون عن شرف القلم، ولا يطاردون لصوص الملكية الفكرية، ويتساهلون مع أعراضهم الثقافية كما يتساهل الزعماء العرب في مؤتمرات القمة مع كل الاعتداءات الإسرائيلية، ويطاردون لسانَ المواطن العربي حتى لو حـَرَّكـَه داخل حلقه!
أحيانا يتملكني شعور بالدونية، وأغلق باب غرفتي، وأبكي ساعات طويلة فقد تركوني وحيدًا، وأمتدحوا جهلي، وأثنوا على أميّتي، ولم يصححوا لي أخطائي، وغضّوا الطرْفَ عن سرقاتي لأفكارهم، ورغم آلاف المشاركات الهزيلة التي تنفخ في عقلي فتورّمه، إلا أنني يتيمٌ أمام هذا الجهاز العجيب.
لقد ظننتُ أنني أصبحت واحدًا من الصفوة، فإذا بي أصنع مجتمعًا وهميًا من أصدقاء غير حقيقيين يدخلون بأسماء مستعارة، ويتبادلون كلمات تافهة، ويقضون ساعات الليل والنهار متنقلين بين الفيس بوك والمنتديات والمواقع وتحميل برامج لا تسمن ولا تغني من جوع!
لقد سجنت نفسي داخل الشاشة الصغيرة، وهجرت العالمَ الحقيقي، ولم تـَعُدْ لي أي فائدة في تطور المجتمع، ولو دخلت امتحانات من جديد فربما لا أستطيع أن أخُطّ حرفا واحدا مما أفرغته على ورق الإجابة منذ عدة سنوات!
إنني أشير بسبّابة الإتهام إلى كل المثقفين والمفكرين والإعلاميين والكـُتّاب والعلماء الذين تركوني وحيدا أتجرع بجهلي نتائج غطرسة كانت قد جعلتني على يقين من أن البقاء للعقل الأجوف، وأن قياس المعرفة مرهون بعدد المشاركات.
إنني وملايين غيري من الشباب العرب محبوسون داخل قمقم ونظن أننا نجوب العالم كله في طرفة عين، وقد آن الوقت لأن يحررنا من صنعوا لنا الإنترنت، وتركونا يتامىَ!
لقد صنعنا عالـَمَ الكراهية، وضربنا القيم الروحية والفكرية في مقتل، ونسجنا حروبا عنكبوتية هشـّة، وتصارع أتباعُ الإسلام والمسيحية على أرضنا الخاوية على عروشها فكان الجهلُ سيّد الفرسان، ونقلنا معاركنا إلى البيوت والمدارس والشوارع والعلاقات الإنسانية والاجتماعية لتخريب وطن تركت نخبتـُه الأميّين يتحكمون في المسار الفكري والثقافي على النت.
قام المتشددون المتمسحون بأهداب الدين باستغلالنا، وفتحوا لنا صنابير الفتاوىَ الفجّة لتنفجر ملوّثة الجميع كما تلوّث بريتش بتروليوم خليج المكسيك، وأصبحنا طرفا في معارك بدأت منذ ألف وأربعمئة عام، ودافعنا عن أنظمة فاسدة، وتجوفت أدمغتُنا ليضع كل مِنـّا مكان التجويف اسمَ فرقته الناجية من النار.
أشعر في أحايين كثيرة بقرف شديد عندما أجوس خلال النت، وألمس عن قرب عالم البغضاء الذي تم تجنيد ملايين من شباب الغد ليعيدوا صياغة المستقبل على أسس طائفية ودينية ومذهبية، رغم أن الملايين من الشباب الإنترنتيين لا يستطيعون تحريك شعرة في رأس أي طاغية يحكم بلدًا عربيًا، وأكثرنا خُشـُبٌ مُسـَنَّدةتجمعهم شاشة صغيرة ويفرّقهم مُخبر جـِلْفٌ، يتظاهرون بالشجاعة في غرفهم، ويتظاهرون بالعشرات فقط في الشوارع والميادين.
إذا كتب مسيحي متطرف وأحمق مقالا يطعن في الإسلام تداعت له جماهير النتّ كأنهم على وشك التخلص نهائيا من خاتمة الرسالات السماوية، وإذا نشر مسلم غبي ومتعصب مقالا يـُهين المسيحية وكتبـَها المقدسة وتعاليمها وأتباعها التفتّ حوله جماهير الأونلاين تظن أنها ستـُنهي إلى غير رجعة أكبر أديان الأرض، وتظل المعركة بين المسجد والكنيسة مبارزة حمقاء إنْ سقط فيها بيتٌ للهِ انهار البيتُ الآخر على رؤوس المؤمنين.
في غمرة مشاركاتي نسيت أنني أمام أهم اختراع حققه العقل البشري منذ بدء الخليقة، وبضربة خفيفة من أطراف أصابعي يأتيني من جـِنّ النبي سليمان، عليه السلام، آلافٌ ينطقون بشبيك لبيك، عبدك بين يديك، وسأجد قواميس، وموسوعات، وأدوية، وعلاجات ناجعة، وترجمات لكنوز الدنيا، وفنونا، وآدابا، وكتباً صوتية، وقصائد مسموعة للمتنبي وأبي تمام وإمريء القيس، وبحوثًا عن أعماق البحار، وصوراً لبركان آيسلندا وهو ينفجر غيظًا، واستمع إلى السيمفونية الثامنة لبيتهوفن، وأقرأ في قواعد اللغة، وأعيد تنشيط اللغات الأخرى التي أعرفها، وأحجز تذكرة سفر لجزيرة يونانية، وأتابع تقارير لجان حقوق الإنسان، وأشاهد العقيد جالسًا في خيمته، واستمع إلى جمال مبارك في الفيوم وهو يـَعِد الشعب المسحوق بالمن والسلوى على يد أحمد عز، وأشاهد الزعماء العرب يتعانقون وأعضاء الحكومة الإسرائيلية يضحكون حتى الثمالة مع بدء وانتهاء أي مؤتمر عربي.
أستطيع أن أدخل على مكتبة الكونجرس الأمريكية، وأبحث في وثائق مغمورة وهامة، ويمكنني قراءة أهم ما جاء في الصحف العربية قبل أن يتم فرشها على الطريق أمام الأكشاك، بل بامكاني مخاطبة الدنيا كلها، صورة وصوتًا، وأعُبّ من المعرفة والثقافة والعلوم ما لم يكن متاحاً لعلماء الأرض قاطبة قبل عشرين عامًا مضت.
لكنني اخترتُ طريقَ الغرور، وجعلتني المنتديات والمواقعُ الساذجة والمشاركات المتخلفة وأصدقاءُ الجهل الإنترنتّي أنتفخ حتى ظننت الورمَ معرفة، وقد آن الوقت الذي ينتشلني فيه المعرفيون والمثقفون والعلماء والخبراء وعلماء النفس بدلا من أن يهبطوا إلىَّ، ويسقطوا معي!
إن شباب الإنترنت لن يقودوا حركة تصحيحية، أو حِراكًا فكريًا، أو تغييرًا اجتماعيًا، أو مواجهات مع المستبدين والطغاة بغير قيادة واعية، وعندما يتنازل الكبار لنا عن هذا الدور فـَقُلّ على الوطن السلام، فنحن لازلنا على مقاعد الدراسة والتربية حتى بعد تخرجنا بسنوات، وعلى عقلاء الأمة أن يمدوا إلينا ايديهم ليرفعونا، وإلا مدَدنا نحن أيدينا لاسقاطهم!
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 3 يوليو 2010
Taeralshmal@gmail.com