مُحاكمات فى تاريخ المؤمنين .
بسم الله الرحمن الرحيم
الم .أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ .وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ..العنكبوت 1-3
قضت حكمة الله جل جلاله أن يبتلى الناس بإبتلاءات وفتن فى حياتهم الدنيا ليعلم الصادقين معه سبحانه ويعلم الكاذبين .ومن هذه الإبتلاءات التى ذكرها القرآن الكريم فى قصصه لتكون لنا عبرة وعظة ، ما أورده عن مٌحاكمات لقليل من المؤمنين بين ثنايا آياته الكريمات . وقد كانت هذه المُحاكمات نتيجة حتمية للصراع الأبدى بين قوى الخير ودعاة الإصلاح والهداية من رسل رب العالمين ومن آمن معهم من جانب ،وبين عبدة الموروثات ودعوات الشيطان من جانب آخر.
ومن الأمثلة على هذه المُحاكمات كانت مُحاكمة
-1- نبى الله إبراهيم عليه السلام .-2-محاكمة وقتل بعض من أنبياء بنى إسرائيل . 3- محاكمة سحرة فرعون . 4- محاكمة مؤمن أصحاب القرية الذى ناصر المرسلين .5-مُحاكمة نبى الله المسيح عيسى بن مريم . 6- مُحاكمة اصحاب الإخدود .
ولنبدا بعون من الله وتوفيقه فى التدبر سويا في بعض ما ورد من مقتطفات قرآنية مباركة عن هذه المُحاكمات .ثم لنتعرف على اسبابها ونتائجها وما فيها من عظات وعبر لنا . .ثم نتوقف بشىء من التفصيل مع مُحاكمة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام . ولنبدا مع :::
محاكمة بعض من انبياء إسرائيل عليهم الصلاة والسلام .
يقول القرآن الكريم عنها (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ
وقوله تعالى (لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ) آل عمران 181
وقوله سبحانه (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بايات الله وقتلهم الانبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا) النساء 155
.فالقرآن يقرر أن الكافرين من بنى إسرائيل وأئمتهم الضالين حاكموا وقتلوا بعضاًمن انبيائهم مباشرة بغير حق ودون دفاع عنهم .
وعن مُحاكمة نبى الله عيسى بن مريم عليه السلام يقول القرآن الكريم.
.وقولهم انا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقينا. النساء 157.
إذن فقد تآمر بنوا إسرائيل كذلك على نبى الله ورسوله المسيح عيسى بن مريم ، وكادوا له وحاكموه وحكموا عليه بالقتل على مشهد ومسمع من الناس ، ولكن
حفظه الله وعصمه منهم ،وتوفاه ورفعه إليه وتركهم فى ظلماتهم يعمهون ويظنون انهم قتلوه وصلبوه ، ولكن شبه لهم وما قتلوه يقينا.
وعن مُحاكمة سحرة فرعون يقول القرآن الكريم .
(قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) طه 70-71
ففى مُحاكمة سحرة فرعون يحكى القرآن مدى ظلم فرعون وملأه الذى اوقعه على سحرته وخدمه (فى الأساس ) عندما آمنوا برب موسى وهارون وعلموا أن ما جاءا به هو الحق من ربهم فإتبعوه وقالوا لفرعون (لن نؤثرك على ما جاءنا من الحق)—وعندما توعدهم قالوا له (إقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا) ، إفعل ما تشاء ففى النهاية إنا لله وإنا إليه راجعون .( إنا أمنا برنا ليغفر لنا خطايانا) السابقة ( وما اكرهتنا عليه من السحر ) من قبل( والله خير وأبقى) لأن الله هو الخالق الحى الغفار الجبار الغفور الرحمن الرحيم . وإعتصموا بالله وثبتوا على ما جاءهم من الحق وماتوا عليه تقتيلا وتقطيعا وصلبا على جذوع النخل ،ولم يُثنى ذلك من عزيمتهم للحظة واحدة ليتخلوا فيها عن موقفهم الإيمانى العلنى فى مواجهة فرعون وملأه وزبانيته .
وعن مُحاكمة مؤمن أصحاب القرية .يقول القرآن الكريم فى سورة يس.
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ .اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ .وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ .أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ .إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ .إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ . قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بما غفر لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ِ.)يس 20-27
فالقرآن الكريم يشير بين سطوره هنا إلى أنهم اقاموا مُحاكمة عاجلة لهذا الرجل الذى جاء من أطراف المدينة لا لشىء إلا لمناصرة المرسلين والدفاع عنهم وعن الحق الذى جاءوا به لقومهم ولقريتهم .ثم اخذ يثفند ويُعدد لهم اسباب غنحيازه لربه ولعبادته له وحده جل جلاله ، ،ولماذا لم يتخذ من دونه آلهة لا تغنى عنه شيئاً . فما كان منهم إلا أن قتلوه واعدموه من فورهم .، فجاءته البشرى فورية أيضا فى قوله تعالى (قيل ادخل الجنة) ، فقال (يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى وجعلنى من المُكرمين) .. و هذا درس تربوى عظيم لأهل الحق ورجاله ليثبتوا عليه ويناصروه مهما كانت درجة الطغيان والعدوان على عباد الله الصالحين .
--
وعن مُحاكمة أصحاب الإخدود يقول القرآن الكريم .
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ. وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ. وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ. ُقتلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ.. وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ. وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. إ ِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ.) البروج 1-10
فهذه المُحاكمة والمحرقة نُفذت مباشرة على المؤمنين من اهل قرية من قرى الجزيرة العربية فى اليمن على يد أعرابها لا لشىء إلا لأنهم آمنوا بالله العزيز الحميد (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد). وتمت على عجل دون مُحاجة ودون دفاع ،جمعوهم لمجرد ان علموا أنهم لا يؤمنون بآلهتهم المزعومة ويؤمنون ، بالله العزيز الحميد لا شريك له .وفحتوا لهم الأخاديد ثم القوهم فيها أحياء ,احرقوهم ،وهم جميعاً أى أهل القرية شهوداً على تلك المحرقة الغاشمة لاصحاب الإخدود ، وهى تُمثل مدى فظاعة وتخلف الأعراب الذين قال عنهم القرآن فيما بعد (الاعراب اشد كفرا ونفاقا واجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله والله عليم حكيم)
ولنتوقف الان مع قراءة لبعض من تفصيلات القرآن عن محاكمة الخليل إبراهيم عليه السلام .
محاكمة الخليل إبراهيم عليه السلام تُعتبر نموزجاً تفصيلياً لمعظم المحاكمات الأخرى . كما أنها تعطينا دليلاً قاطعاً على بيان القرآن وتبيانه بعضه لبعضه
، وتفسير آياته بآياته هو .فما أجملته آية قرآنية ،فصلته آية آخرى .
تكررت قصة محاكمة إبراهيم عليه السلام فى القرآن سبع مرات فى السور الآتية –– الأنعام – مريم –الأنبياء- الشعراء- العنكبوت- الصافات – الزخرف.
وفى كل مرة نجد تفصيلات إضافية للآيات ،وتوضيحاً وشرحاً لما ورد فى السور الأخرى .
-بدأ نبى الله إبراهيم دعوته للحق فى بادىء الأمر مع أبيه ، وفى ذلك يقول القرآن الكريم .-(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) الأنعام 74
ثم أعلنها مرة أخرى لأبيه وقومه (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ . قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِين.) الأنبياء 52-54
ثم ذكر لنا القرآن الكريم تفصيلات المُحاكمة فى قوله تعالى فى سورة الأنبياء.
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ. إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ. قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ. َالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ.
قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ.وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ . فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ . قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ.
قالوا َ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ. قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ. قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ. فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ. َقالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ.الأنبياء 51-.70
إذا فصلب المُحاجة والمُحاكمة كان 1- لإنكاره عليهم عبادتهم لتماثيلهم من دون رب العالمين .2- إعلانه عن البديل لعبادتهم لأصنامهم بإخلاص العبادة لله الواحد الأحد . 3- تحطيمه لأصنامهم إلا كبيرا لهم كدليل عقلى ملموس بين ايديهم على انهم لا ينفعون أنفسهم ولا يدفعون عنها ضرراً أو تحطيماً.فكيف لهم أن يدفعوا ويكشفوا الضر عن الناس ؟؟
4- إعترافهم الداخلى بظلمهم لأنفسهم ،ومع ذلك أبوا وتجبروا وتكبروا وطغوا
وإستعلوا على الحق . 5- إجماعهم على عقابه عقوبة لا ينجوا منها أبداً وهى (إعدامه حرقاً بالنار) نُصرة لآلهتهم المزعومة. 6- تدخلت إرادة الله الذى يقول للشىء كن فيكون لحفظ إبراهيم عليه السلام ولنجاته فى قوله تعالى للنار (كونى برداً وسلاماً على إبراهيم) .
- وفى سورة الأنعام
- تضيف بعض الشروحات والتفصيلات للقصة فى قوله تعالى .( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) وهنا إضافة معرفية تقريرية عن كُفر أبيه وعبادته للأصنام ،،وذكر القرآن لإسمه (آزر) .. والغريب أن الشعراوى جاهد فى الباطل ليقول أن آزر هو عم إبراهيم عليه السلام وليس أبيه !!!
- وفى قوله تعالى (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُون. وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. ) الأنعام 80-81
فهاهى عادة الظالمين الضالين حين يخوفون عباد الله بجلب آلهتهم الضرر والسوء والمرض لمن أنكر عليهم عبادتهم .فهاهم فى محاججتهم له يخيفونه من تماثيلهم، وغضبها عليه.ولأنه على الحق واليقين قال لهم (و كيف أخاف ما اشركتم ولا تخافون أنكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا) (فأى الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون) . أنا ولا أنتم ؟؟
وفى تفصيلات أخرى بسورة مريم يقول القرآن
(إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا . يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا. يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا. قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا .
وهذه التفصيلات تمثلت فى تذكيره لأبيه بأن تماثيله لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر، وانه جاءه من الحق ما لا يعلمه أباه ولا قومه ،وأن عبادة أبوه للتماثيل هى ولاية وعبادة فى حقيقتها عبادة للشيطان ،وانه يخشى عليه من عذاب الرحمن . ومع ذلك لم يتعظ أباه بل هدده برجمه وطرده من قريته.
-- وفى سورة العنكبوت يضيف القرآن الكريم فى محاجته لقومه قوله تعالى(إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُون).
فهنا يقرر القرآن أنه اثناء محاججته لهم أثبت لهم زيف إدعائهم بأن آلهتهم هى التى ترزقهم وتطعمهم وتسقيهم و أنها لا تملك لهم رزقاً ، وان الله هو الرزاق ذو القوة المتين .
وفى سورة الشعراء يبين القرآن جانباً آخر من جوانب المُحاكمة فى تعداد إبراهيم عليه السلام وإقراره لبعض من صفات الخالق جل وعلا والتى لا تتوفر فى تماثيلهم حين قال.( قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُون. أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ . فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ. لَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ . وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) الشعراء 75-82
ففى هذه الآيات يُخبرهم إبراهيم عليه السلام بأن رب العالمين هو الخالق ،وهو الهادى ،وهو الذى يطعمهم ويسقيهم ويرزقهم ،وهو المُحىى والمميت ،وهو الغفار للخطايا يوم الدين.فهل من آلهتكم من يملك مثل هذا؟؟؟؟
--
وفيما ورد من المُحاكمة فى سورة الصافات يُبين القرآن الكريم جوانب آخرى منها فى قوله تعالى(فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ.) أى فى تجمع يشبه الزفة والإحتفالية بالنسبة لهم .
ثم قال لهم(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) أى أن الله الذى تشركون فى عبادته عبادة تماثيلكم ، هو الذى خلقهم وخلق المواد الخام التى يصنعون منها اصنامهم وتماثيلهم ... ثم بعدما قال عن خاتمتهم رب العزة فى سورة الأنبياء(وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) .. أكد عليها ,اضاف إليها أنهم أيضا من (َأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ)
--
وفى سورة الزخرف يضيف القرآن الكريم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام تبرأ مما يعبد قومه من دون الله .ففى قوله تعالى .
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ. إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ. وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.) الزخرف -26-28
وهنا يؤكد القرآن الكريم للعقلاء أن المشركين فى عصر إبراهيم عليه السلام مثلهم مثل مشركى كل العصور ،يعرفون الله ،ويعبدونه ،ولكن يعبدونه ضمن عبادتهم لأصنامهم ، أو قبورهم ونُصبهم واضرحتهم ..وذلك فى قوله تعالى على لسان إبراهيم(إننى براء مما تعبدون .إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين) .. أى انا برىء من كل آلهتكم ما عدا رب العالمين .وأخذ يرددها لهم لعلهم يرجعون إلى عبادة الله وحده ..
و لو قال القرآن إننى برىء مما تعبدون فقط ،لعلمنا أنهم لا يعبدون الله مع آلهتهم ، ولكن عندما يقول على لسان إبراهيم(إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين) فهذا تقرير قرآنى من أصدق القائلين على انهم كانوا مشركين بالله أو مع الله آلهة آخرى . إذا قضية الإشراك هى قضية الرسالات كلها ، وهى قضية عصرنا الحالى أيضا. فى أن أكثرية الناس تُشرك بالله آلهة آخرى، فى صورة تقديسهم لبعض البشر معه سبحانه ، أو تقديسهم لكتب أخرى مع كتابه جل جلاله ، ونسوا أن يكون الدين خالصاً لله وحده لاشريك له سبحانه .
- وفى إشارة قرآنية عظيمة عن المناصرين لإبراهيم ودعوته للحق وبراءتهم من الأصنام وما يعبد آبائهم من دون الله يقول القرآن الكريم
- .( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ). الممتحنة -. 4
فهذه إضافة أخرى وتفصيلة من تفصيلات محاجة إبراهيم ومن معه لأبيه وقومه .
العٍبر التى خرجت بها من القصص القرآنى لمُحاكمات المؤمنين .
--1- أننا لا نستطيع إطلاق مُصطلح مؤمنين على فئة من الناس إلا عمن أخبر عنهم القرآن الكريم وشهد لهم بذلك من السابقين ،وإلا أُعتبر هذا تدخلا ورجماً بالغيب . وإنما نستطيع ان نتحدث عن مواقف وصفات يجب أن يتخذها ويتحلى بها من أرادوا ان يفوزوا ويدخلوا فى زمرة المؤمنين يوم القيامة.
2- أن السبب الجوهرى والعمود الفقرى لتلك المُحاكمات هو دعوة الأنبياء والمرسلين ومن آمن معهم لأقوامهم بالعودة إلى عبادة الله وحده لا شريك له قولاً وعملاً وفكراً وسلوكا وتطبيقاً وإيمانهم به . (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد)
3 بعض المُحاكمات رغم ما فيها من طغيان وجبروت وتكبر وإستعلاء وإدعاء للألوهية ،أو نصراً لآلهتهم المزعومة إلا أنه كان يُسمح فيها بالمُحاججة مع المتهمين والسماح لهم بالدفاع والجهر بدعوتهم ،كما حدث فى مُحاكمة نبى الله إبراهيم ،وسحرة فرعون ،ومؤمن اصحاب القرية . وبعضها كانت مُحاكمات فورية
ولم يسمح فيها بإبدأء دفوع أو محاججات مثلما حدث فى محاكمات قتل وحرق ( بعض من أنبياء بنى إسرائيل ، وأصحاب الإخدود ) على أيدى طغاة الكافرين من يهود بنى إسرائيل ،وأعرب اليمن .
4- كل تلك المُحاكمات تمت تحت أعين وبصر ومُشاهدة ومُشاركة ومباركة الحُكام والفراعين ، وبزعم أنهم حماة الدين والأعراف والتقاليد والخوف على الناس من ان ينشر بينهم الدين الجديد الفساد ، ولكن فى الحقيقة هو دفاعا عن مكانتهم ومُكتساباتهم الشخصية .
5- إن أهم اسباب رفض القطيع من الناس لدعوات الهداية والإصلاح هو ما يسمونه (بالإجماع ) أى ما أجتمع عليه العرف الدينى أو ما اجمعت عليه أمتهم ،وما اجمع عليه السابقين من موروث دينى وثقافى .. وفى هذا أخبرنا القرآن الكريم فى قصة إبراهيم حين قال (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ. إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ. قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ.)،إذن الإجماع هذا هو سر البلاء .. والغريب أن مشايخنا الغير مُكرمين يعتبرونه مصدراً من مصادر التشريع . أى أنه يعلو مع القرآن ،بل ربما يعلو على فى تشريعاتهم ..
6-أننا بتدبرنا لآيات القرآن الكريم عن مُحاكمة ابينا إبراهيم عليه السلام .وجدنا أنه وبالدليل العملى القاطع على أن تكرار القصص القرآنى لنفس القصة فى مواضع كثيرة ما هو بالعبث ولا بالهزل القصصىوصدق الله العظيم حين قال عنه (إنه لقول فصل ،وما هو بالهزل) . وإنما لتبيان وتفصيل وإضافة لما أُجمل فى مواضع أخرى . ومن هنا كان القرآن الكريم نفسه تبيانا لنفسه بنفسه .
7- وكذب اصحاب الصحاح حين قالوا عنه أنه غير كافٍ ،ويحتاج إلى ما يُكمل نقصه ، وإلى ما يشرح مُبهمه ليفتروا على الله بظلمهم هذا كذباً . بروياتهم وأقاويلهم عليه ،وليرفعوها ليبطلوا بها شريعته سبحانه فى (لا إله إلا الله ) قولا وصراطاً مستقيماً.
8- أن اصحاب الحق واليقين من الرجال المؤمنين حقاً يتحملون فى سبيله كل الإبتلاءات ،ويؤازروه ويُعزروه وينصروه ،مهما كانت درجة الإبتلاء حتى لو كان الثمن هذا هو حياتهم ، وليقولوا مثلما قال سحرة فرعون له (إقض ما انت قاض ،إنما تقضى هذه الحياة الدنيا) ..
9— أن طغيان السلطة والكهنوت الدينى هما وجهان لعملة واحدة ،لا يختلف أحدهما عن الآخر ،ولايستغنى احدهما عن الآخر ،ويجتمعان دائماً على الإصلاحيين ، وهذا ما حدث فى الماضى فى مُحاكمات رسل الله والمؤمنين ،وما يحدث فى زماننا الغابر هذا من الطغاة والغلاة ضد الإصلاحيين من دعاة الحق القرآنيين .
10- هل نحن مُستعدون للتضحية بأنفسنا دفاعاً عن الحق مثلما فعل المؤمنون السابقون؟؟؟
11- آسف على الإطالة ،وإلى لقاء آخر مع مقتطفات من حياة أبو الأنبياء إبراهيم .