الاختــلاف المحمــود

يحي فوزي نشاشبي في الجمعة ٢٥ - يونيو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

 

الإختلاف  المحمود 

((  ولو شاء  ربك لجعل الناس  أمة  واحدة  ولا  يزالون مختلفين إلا من رحم  ربك ولذلك  خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ))  - 118- 119- سورة  هود .

         قد  يؤدي  التأمل في هاتين الآيتين إلى شئ من الإحباط أو الأسف أو  حتى  اليأس .

         كيف  لا  والظاهر  يجعل المتأمل فاهما بأن الله كان  قادرا على  جعل الناس أمة  واحدة  م&e;  متحدة  متعارفة  متحابة متراحمة ، إلا أنه  أي  الخالق  لم يشأ  ذلك  وأن مشيئته اقتضت أن يبقى الناس مختلفين وأنه خلقهم لذلك ، إلا من مسته رحمة الله .  كما أن  الظاهر يفيد  أن  هذا  الخلاف  المقيت الذي  يؤدي  إلى  جهنم سيكون سمة  عالم  الجن  كذلك .

         وجولة أخرى من التأمل تجعل المتدبر يقف أمام  جملة تبدو عليها  ملامح رحمة  وتفاؤل، وهي تلك  الجملة  التي جاءت  بمثابة  استثناء  ذكره  الله  الرحمن  وهو – إلا من رحم ربك – وحملة  أخرى من التدبر تخرج بما يمكن أن يكون فيها  المتدبر مصيبا  لاسيما  والفهم  يلمح  إلى أن هناك رحمة تصيب من يشاء  الله  أن  تصيبه  وتصيب  من يشاء  من  المختلفين  أن  تصيبه .

إذن  فهناك مفتاح الفرج ؟  والخروج  من  هذا  المأزق ؟

إذن ما  دام  الإختلاف  واردا  لا  شك  فيه ، وما  دام  الإختلاف مستمرا  غير زائل ،  ومع  ذلك  فإن  هناك  رحمة  تصيب  المستثنين  وتزحزحهم  من النار؟

إن كل  ذلك يعني  أن هناك اختلافين  اثنين :

أ)  الإختلاف البدائي الوضيع الذي سرعان  ما  يزداد  انحدارا  وانحطاطا  وحسرات  ثم  غلظة  وفظاظة  وغلا  وحقدا  وغرورا وتزكية  للنفس ومحاكمة  وحكما  وشركا  بالله الواحد القهار في إصدار الحكم  بل  وإسرافا في الشرك بتنفيذ الحكم على  المختلف  المحكوم  عليه  من  طرف  المخلوق  الآخر المختلف .

ومهما يكن  فإن لون هذا الإختلاف لا يمكن أن  يكون إلا قاتما مخيفا  منكرا ،  وأن  مثل هذا  المختلف لا  يمكن  أن  يكون  إلا  في  موقف لا  يحسد  عليه ،  وأما  مصيره  فلا  يمكن  أن  يكون إلا  بئس  مصير ،  اللهم  إلا إذا  شاء الله الرحمن  الرحيم  أن  يتجلى لهذا  الذنب  ويجعله  دكا  كما  فعل  بجبل  موسى .

 

ب)  وأما  الإختلاف  الثاني  الإيجابي  الذي  ينضب  منه  التفاؤل  ويمكن أن يكون حاملا مفتاح  الفرج فهو  ذلك  الإختلاف  الحضاري  الذي  يكون  فيه المخلوق  المختلف  تفطن  إليه وجاعلا نصب  عينيه روح  تلك  الآيات  المبصّرة  والمعلّمة والمحذّرة وهي :

((  وإن  طائفتان من  المؤمنين  اقتتلوا  فأصلحوا  بينهما  فإن بغت  احداهما على الأخرى فقاتلوا التي  تبغي حتى تفئ إلى أمر الله  فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله  يحب  المقسطين ،  إنما  المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا  الله لعلكم ترحمون ،  يا أيها الذين  آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا  نساء  من نساء عسى أن يكن  خيرا  منهن ولا  تلمزوا  أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق  بعد  الإيمان ومن لم  يتب فأولئك هم  الظالمون ، يا أيها الذين آمنوا  اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن  إثم ولا  تجسسوا ولا  يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل  لحم  أخيه  ميتا  فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب  رحيم ،  يا  ايها  الناس إنا خلقناكم من ذكر  وأنثى  وجعلناكم شعوبا  وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند  الله  أتقاكم إن الله عليم  خبير .))  الآيات  من رقم 9  إلى رقم 13 -  سورة  الحجرات .

نعم  بمثل  هذا  الأسلوب  الحضاري  الذي  جاء  في بلاغ  الرحمن  الرحيم  والذي  ينبغي أن  يتحلي  به  ذلك  المخلوق  المختلف  ، بمثله  لا  غير-  حسب الظاهر-  ستغطيه  رحمة  ربك  وسينجو  من  بئس  المصير  .

ولا  بد من  الإشارة  إلى  روح الآية  رقم (13)  التي  تنبه  الناس،  جميع  الناس  أن  الخالق خلقهم  من  ذكر وأنثى  وجعلهم  مختلفين  من شعوب  وقبائل ليتعارفوا وليحترم كل  منهم  الطرف الآخر بقطع  النظر عن انتمائه  أو جنسه  أو  لونه ، أو أسلوبه  أو طريقته  وكيفيته في التوجه إلى خالقه وعبادته ، بل  ولعه من الصواب أن نقول  من أجل  انتمائه  وجنسه  ولونه ،  ومن أجل أسلوبه أو طريقته وكيفيته في التوجه إلى خالقه وعبادته ، ولا يترك  أية فجوة يتسرب  منها  أي  غرور  أو  تزكية نفس  أو  الحلم  بأية محاباة .  ولأمر ما ختم  الله  الآية  بقوله  : ((إن أكرمكم عند  الله  أتقاكم إن الله عليم  خبير .)).

أما  إذا  كان  هذا  التساؤل في  غير محله  أو كان هذا الفهم  غير مصيب  فتلك  هي الحيرة  والمصيبة  الكبرى . ونحن في انتظار ما يتفضل به المختلفون عنّا  من آراء  ووجهات  نظر وتفسير، وأجرهم  على  الله .

 

 

اجمالي القراءات 30401