لن نكتفي بالقول بأن الاحتكار حرام وأن المحتكر يجرم في حق المجتمع ومأواه جهنم وبئس المصير ، فكم تكلم الآخرون علي هذا المنوال وما ازداد الاحتكار إلا انتشارا علي انتشار.
سنتحدث عن الاحتكار في فلسفة الأخلاق وأخلاق السوق .
إن مجاوزة الاعتدال والوسطية توقع الإنسان في الرذائل لأن الفضيلة وسط بين رذيلتين ففضيلة الكرم تتوسط الإسراف والبخل وفضيلة الشجاعة وسط بين التهور والجبن ، فهل ينطبق هذا الميزان الأخلاقي علي رزيلة الاحتكار ؟
إن الاحتكار يعني أن يتحكم شخص أو عدة أشخاص معا في سلعة معينة يحتاجها الناس والمجتمع فلا يستطيعون الحصول عليها إلا منهم وبالشروط والثمن الذي يحدده المحتكرون .
والاحتكار بهذا يعتبر رذيلة لأنه يجافي التوسط الذي يعني حرية السوق في العرض والطلب.
والمعروف أنه ليس من السرف أن يؤثر الإنسان علي نفسه فقد فعل ذلك الأنصار الفقراء حين حل بهم المهاجرون في المدينة ، وقال عنهم رب العزة " ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم الملحون " ـ الحشر /9.
إن المحتكر شخص تملكه الشح فاعمي بصره عن إدراك حقائق الأخلاق وحقائق السوق أيضا وهما ــ للعلم ــ متلازمان .
إن الاحتكار أنانية تؤكد أن المحتكر لا يري إلا نفسه ولا يأبه بالآخرين ولا يتصور نفسه سيكون محتاجا لهم ، وبذلك فالمحتكر يضيف إلي صفة الأنانية والشح صفة أخري هي عدم التقدير الصحيح للأمور.
وحقائق السوق أعمق من مجرد تبادل المنافع التي يصادرها الاحتكار.
إن الحقيقة الكبرى في السوق هي العرض والطلب ، ولو تمكن محتكر ما من الاستحواذ علي سلعة ما فإن المنتجين سيسارعون بإنتاجها في العام التالي فيكثر عرضها وينتهي احتكارها .
ولو تمكن المحتكر من اختزانها في مخازنه للعام التالي فإن مخزونه سيفسد وسيخسر، وإذا نجا من الفساد فإنه ـ أي المخزون ـ سيسهم في رخص الأسعار بعد زيادة العرض وستضاف مصاريف التخزين إلي خسائر المحتكر، وذلك يؤكد أن الاحتكار لا ينجح في السوق المفتوح ذى الهواء الصحي الذي يحكمه قانون العرض والطلب.
فإذا تدخلت السلطة في السوق فاحتكرت السلع وأصدرت قوانين وقرارات فإن ذلك التدخل برغم نواياه الطيبة سيظهر أثارا سيئة وكوارث اقتصادية يستفيد منها فقط السماسرة والوسطاء والمتاجرون بالأقوات والمستغلون من الموظفين المرتشين علي حساب الفقراء الذين صدرت القرارات من أجلهم . وهذا ما كان يحدث فى اشتراكية عبد الناصر الذى حاول رعاية الفقراء. ثم ضاع الفقراء و الطبقة المتوسطة ايضا فى عهد حسنى مبارك لأن نظام حكمه قام على أساس الكسب غير المشروع ، واحتكار السوق لمصلحة الحاكم واعوانه ، فإذا فعلت ذلك الدولة لمجرد الكسب دون رعاية للفقراء فقد وصلت الى أحط منزلة .
إن الاحتكار رذيلة أخلاقية وتجارية ومفسدة علي كل المستويات حتي لو تجمل بنية توصيل السلع والخدمات للفقراء والمحرومين إذ سيظل الفقراء في حرمانهم ويثري علي حسابهم المتاجرون والمرتشون .
والأفضل من ذلك هو تشجيع الإنتاج في بيئة حرة نظيفة تعاقب اللصوص وتكافيء الشرفاء ، وتكتفى فيها الحكومة بتوفير المناخ العادل والآمن والحرّ الذى يشجع على العمل والاستثمار ، وبهذا تتخلص الحكومة من ( وجع القلب ) و ليس عليها سوى جمع الضرائب بالعدل والقسط .
ويعيش القائمون على الحكم فى أمن ودون خوف من الناس . بل سيكون الناس أول من يحميهم ويدافع عنهم.