لا حياء فى الدين

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٣ - أكتوبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
السؤال : عندنا واعظ قليل الأدب ، ومع إنه فى الخمسين من عمره تقريبا ومتزوج وله أولاد وبنات ، لكن عينه زايغة ، وبيستمتع فى خطبه ودروسه أن يتكلم فى الأمور الجنسية ، وسألته أن يختار موضوعات أخرى لأن الحاضرات يشعرون بالخجل ، فقال انه يفخر بما يقول ويجرؤ على أن يتكلم فى موضوعات خاصة لا يتكلم فيها الوعاظ ، وقال انه لا حياء فى الدين .
آحمد صبحي منصور

الإجابة :

قيل لى تقريبا هذا السؤال ، واجبت عليه فى مقال نشرته جريدة الأهالى بتاريخ 3 / 8 / 1994 ، تحت عنوان  ( لا حياء فى الدين ؟!! ).

أعيد نشره كما هو ، طالما لا تزال المشكلة قائمة .

قلت (   *  ارتفع صوت الواعظ في أحد المساجد في حي شعبي وهو يلقي درسا لمجموعة من السيدات والآنسات ، هن بالطبع من خيرة الحي إذ تعودن على الصلاة وارتياد المسجد ، ولكن كان يبدو عليهن السخط والغضب مع الاشمئزاز والحياء والخجل ، لأن فضيلة الواعظ كان يعطي لهن درسا في " الجماع" أو ممارسة الجنس في الزواج ، ويأتي بتعبيرات وألفاظ مستهجنة أقلها إنزال الرجل وإنزال المرأة واحتلام الرجل واحتلام المرأة ، هذا غير الوصف التفصيلي " للحوار " العملي بين الأعضاء التناسلية عند الجماع وما يستوجب ذلك من الغسل . وتسللت بعضهن من فرط الحياء والخجل ، وأحس الواعظ بالاستنكار فصاح فيهن : معايا ولا لا .. فصرخت فيه سيدة مُسنّة : نحن مع الله ولسنا معك ، ونحن في بيت الله ولا يصح أن نسمع فيه هذا الكلام .. وصرخ فيها الشيخ : لا حياء في الدين ..

   " وفي إحدى القرى في محافظة الشرقية استطاع أحدهم ببعض مما جمع من أموال المحسنين في الخارج أن ينشيء مسجدا له شخصيا ، يمارس فيه هوايته في التطاول على خصومه في الرأي والعقيدة ، واعتاد أن يعطي درسا للنساء عن آداب قضاء الحاجة والاستنجاء ، وأنواعه بالحجر أو بالماء . وكيفيته في البول وفي غيره .. وتخرج النساء يتضاحكن عليه .. فلما عرف بالسخرية منه قال لهن إنه يدرس لهن المذكور في كتب الفقه المقررة على الأزهر ، وكرر أمامهن العبارة المأثورة : لا حياء في الدين..

    " واعظ آخر في خطبة الجمعة استعرض مهارته الفقهية من خلال حفظه لكتب الفقه الصفراء ، فأخذ يشرح للناس العقوبات الشرعية على رجل زنى بأمه في نهار رمضان  في جوف الكعبة .. فلما اعترض عليه بعض المصلين أخرج له كتاب " الاقناع في حل ألفاظ أبي شجاع " .. وأكد حجته بالقول المشهور : لا حياء في الدين..

    * تلك بعض النماذج التي جاءني بها أحد الغيورين على الإسلام .. وتكاثرت أسئلته ، وكان أبرزها سؤالين : هل الإسلام  يرضى عن هذا التدني في الخطاب ؟ وما صحة ذلك القول بأنه لا حياء في الدين؟..

   * وقلت له إن الإسلام شيء والفقه شيء آخر ، الإسلام هو القرآن العظيم ، وذلك لا شأن له بآراء الفقهاء الذين عاشوا في عصور مختلفة وتأثرت آراؤهم بعصرهم ، وكان العصر العثماني والعصر الملوكي هما أحط العصور عقليا وفكريا وخلقيا ودينيا ، أقول ذلك من واقع التخصص العلمي في  الدكتوراه ، وانعكس ذلك على المؤلفات الفقهية وغيرها ، ومن أسف فإن مؤلفات هذين العصرين هما الأساس في الدراسة الأزهرية ، وهما أساس ما يعرف بالصحوة الدينية الآن ، وتلك  الكتب الصفراء  كنا نخجل من دراستها ونحن طلبة في الثانوي الأزهري , ولكن في عصرنا أصبحت أكثر بياضا وأكثر انتشارا . والأمر يستدعي اجتهادا فقهيا يواكب ذوق عصرنا ويكون أكثر ارتباطا بالقرآن العظيم وأكثر اقترابا من الإسلام .. ولكن الاجتهاد معناه الخصومة مع الشيوخ ، ومعناه الاضطهاد والاتهام بالردة، وتلك الأسلحة يشهرها القاعدون عن الاجتهاد حتى لا يفقدوا مناصبهم و جاههم..

  * وقلت له إن الدين الحق هو الحياء ، لأنه هو الإيمان وهو الطاعة لله تعالى ، وهو ألا تعصى الله تعالى خوفا وحياء منه . وهو أن تتجنب البذاءة والفحش وأن تقول للناس حسنا . وذلك هو الدين أو هو الحياء .. وقد يقال لا حياء في قول الحق إذا كنت مطالبا بشهادة حق ، فتقول الشهادة بصراحة ، ولكن تلك الصراحة لا تعني أن تقع في الإسفاف والبذاءة والفحش .. وقد يقال لا حياء في العلم ، ولكن للعلم ألفاظه ومصطلحاته التي تختلف بالقطع عن ألفاظ الشوارع والمستهجن من الأوصاف والموضوعات ..

    * وقلت له : إن الله تعالى وصف النبي بأنه كان مثلا أعلى في الحياء حتي كان يستحي من تنبيه الثقلاء في بيته الذين يأتون إليه بدون استئذان ويأكلون ويمكثون الساعات، فقال تعالى: " إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق " الأحزاب 53.

  *  وتشريعات القرآن لم تتعرض لموضوع الاستنجاء ، لأنه من البديهي أن يحرص كل إنسان راق على نظافته الشخصية ، لذلك وردت إشارة ضمنية ضيئلة في قوله تعالى عن الوضوء والغسل " أو جاء أحد منكم من الغائط " ولكن " الاستنجاء " استغرق عشرات الألوف من الصفحات في التراث الفقهي وبتفصيلات مقززة .!!

   * ولم تتعرض تشريعات القرآن للعلاقة الجنسية بين الزوجين إلا بالألفاظ الراقية مثل " الرفث "  " ولا تقربوهن "  " لامستم "  " تباشروهن "  " يتماسا" ، وليس في القرآن تلك الأوصاف المخزية التي حفلت بها أبواب الفقه في عصور الانحطاط ..

* وليس مثل الإسلام دين ظلمه أصحابه والمنتسبون إليه .. ونحن أحوج ما نكون إلى إصلاح ديني قبل الإصلاح السياسي أو الاقتصادي ، وبالإصلاح الديني يمكن أن نبريء الإسلام من التطرف ومن التخلف . )

أخيرا :

مضى على نشر هذا المقال ثلاثون عاما ، ولا تزال المشكلة قائمة فلا يزال الأزهر قائما . 

اجمالي القراءات 912