آحمد صبحي منصور
في
الأحد ٢٢ - سبتمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
الإجابة
أولا :
أنت الذى تستحق الشكر . المقال عندى ونسيت نشره ، وهو بعنوان ( ظهر الفساد فى البر والبحر !!) . وأتذكر أننى نشرته فى جريدة الأحرار متأثرا بحادث إغتصاب جماعى لفتاة فى محطة أتوبيس العتبة وسط إزدحام الركوب على الاتوبيس . أصابنى هذا الحادث بألم نفسى بسبب التلوث والانحطاط الذى أصاب المصريين .لأنسى الألم النفسى سافرت الى قريتى ( أبو حريز ) ، وركبت ميكروباس ، وجرى نقاش حول النيل ، دفعنى لكتابة هذا المقال ، قلت فيه :
1 ـ فى طريقى إلى قريتى بمحافظة الشرقية قال أحدهم أنه يعيش فى قرية يسكنها أكثر من خمسين الفا، وبيوتهم عامرة ،وكل المسئولين فى القرية من أبناء القرية ، وجميعهم يصرفون مياه المجارى فى (البحر) الذى يشربون منه ، لا فارق فى ذلك بين مندوب الصحة أو مسئول الوحدة المحلية أو حتى العمدة وشيخ الخفر ، ويطل على البحر مصنع للطوب ، وقداعتاد صاحب ذلك (التنور) أن يصرف مخلفات المصنع من السولار والقطران فى مياه النهر، وقال ان أهالى القرية المجاورة لهم اعتادوا غسل براميل المبيدات فى نفس النهر، وعندها كان يحدث تسمم عام للاسماك فى النهر فتطفو على السطح ويصطادها الاهالى ، ويأكلونها ويصاب بعضهم باغماء أو قىء ، ولكن لم تحدث وفيات. وعندها لم أستطع الصمت فقلت له : إن الوفيات ربما لم تحدث حتى الآن ، ولكن انتظر بضع سنوات وسنرى نتيجة ذلك الاهمال والتراخى، سنرى كيف سيصاب الجميع بأمراض لا نهاية لها إلا بالموت ، بدءا من الفشل الكلوى إلى السرطان.. وقلت له ان ذلك التلوث الذى نصنعه بأيدينا هو المسئول عن انتشار ظاهرة الفشل الكلوى والسرطان فى شرق الدلتا على وجه الخصوص، واذا ذهبت الى معهد السرطان فى القاهرة وجدت معظم المرضى من الارياف، وقد استدعت هذه الظاهرة المؤلمة إلى انشاء معهد للسرطان فى محافظة الشرقية لكى يخفف العبء عن معهد الاورام في القاهرة ، كما أن ذلك المرض اللعين قد بدأ فى الظهور على أجساد الاطفال الابرياء ،ومعظم المرضى يزدحمون على المعهد فى القاهرة، ومن يتمكن من الحصول على سرير فيه سرعان ما يتركه ليكمل العلاج فى بيته ليتيح الفرصة لمريض آخر ينتظردوره على الرصيف المجاور للمعهد . كما أن أقسام الكلى فى المستشفيات لم تعد تكفى المترددين عليها فأنشأ أحد أبناء المنصورة العظماء وهو الدكتور غنيم مركزا لعلاج الفشل الكلوى. ومهما بذل فاعلو الخير فى تدعيم تلك المعاهد والمراكز فإن جهدهم سيضيع هباء طالما ظل المصرى يعيش هذا التبلد والانانية، بصرف مخلفاته فى النيل، وتحملها مياه النيل الى الآخرين ليشربوها، فيتحول الماء الذى هو سبب الحياة الى سبب للموت ، لأننا لانجد فارقا بين الكوب الذى نشرب منه والمرحاض الذى نتبول فيه .!!
2 ـ ما الذى حدث لنا؟
2 / 1 : أهى الرغبة المصرية الدفينة فى مقاومة السلطة الحاكمة؟! فاذا كانت السلطة تعاقب من يلوث النهر فإننا بدافع المقاومة والانتقام نعصى الأوامر، وليس مهما أن كنا نحن الضحايا؟ .. ولكن القرية التى تصرف مخلفاتها فى النيل ليس لديهم ذلك الخوف من المسئولين لأن المسئولين أنفسهم يفعلون ذلك .
2 / 2 : أهى الرغبة فى الانتحار البطىء لدى الفقراء بعد أن يئسوا من العلاج؟ ربما قالوا لأنفسهم إن الحيتان الكبيرة ترتع فى الفساد فى البر فلماذا لا نفسد نحن النهر ؟ واذا كنا قد عجزنا عن مقاومة أولئك المفسدين المترفينفلنلوث لهم النهر الذى يشربون منه ليذوقوا بعض مانعانيه! ربما يفكرون بهذه الطريقة المضحكة، وإن كانوا لايعلمون أن المترفين لا يشربون من النيل بعد أن اتضح لدى المترفين فى الداخل والخارج أن معدل التلوث فى النيل يفوق المسموح به ، فأصبحوا يشربون المياه المعدنية، وتركوا النيل للفقراء يشربون منه ويقذفون بفضلاتهم فيه ..!!
2 / 3 : أهى العادة السيئة المصرية التى تقول " وانا مالى" ؟ هل هى الانانية والاهتمام بالفردية دون النظر للآخرين ؟ ربما.. ففى عصور القهر والاستبداد واتساع الفجوة بين الاثرياء والفقراء ينكبُّ كل انسان على نفسه ولا يعبأ بالآخرين، واذا كان ذلك واضحا بين الصفوة والنخبة فهو أكثر وضوحا بين جموع الشعب ، ونرى ذلك فى حادث فتاة العتبة وفى طريقة الحياة فى اللحظة الحاضرة، أو المهم أن نعيش اليوم ولاداعى لأن نفكر فى الغد أو أن نفكر فى الغير.
3 ـ ومهما كان السبب فى ذلك التطور السلبى الذى طرأ على الشخصية المصرية فهو أخطر من تلوث ماء النيل ، إن تلوث النفس يظل أفظع من تلوث النهر . ومن السذاجة أن نطالب فقط بتطهير ماء النيل من التلوث ونترك أنفس المصريين مستنقعا لملوثات فكرية ومشاعر سلبية .
4 ـ صحيح أنه يمكن بالدعاية المكثفة فى التليفزيون وأجهزة الاعلام أن ننبه الغافلين الى خطورة التلوث وفظاعة أن نسمم مياه النيل بأيدينا ، لابد أن تتكاتف أجهزة الدولة لحماية النيل وحمايةمن يعيشون عليه من أنفسهم ، هذا ممكن ومطلوب بشدة وعلى وجه السرعة .. ولكن الاقتصارعلى ذلك سيجعل المشكلة أكثر حدة وأكثر تفجرا ،لأن الذى سيحدث أن تثور ضجة اعلامية وتحدث مواكب وتنطلق الزفة وتصدر الشعارات والتصريحات ثم ينفض المولد الى أن تظهر بدعة جديدة ينشغل بها الناس ، ويعود النيل أكثر تلوثا ، ويزداد الفقراء سلبية ويأسا ومرضا وقرفا .
5 ـ ان الحل الحقيقى هو علاج النفس المصرية من التلوث الذى يهدد حاضرنا ومستقبلنا ، ان المصرى ليس فاسدا بطبعه ، ولكن حين تنهمك أقلية من المصريين فى النهب والفساد فليس من حقك أن تلوم الأكثرية الضائعة الجائعة إذا سارت فى طريق الانتحار البطىء ..
6 ـ فى مصر بالذات يبدأ العلاج من فوق . من النخبة والصفوة والقدوة ، إن الله تعالى حين أرسل موسى لم يبعثه الى المصريين وإنما أرسله الى فرعون فقط ، بينما كان كل نبى مبعوثا الى القوم أجمعين .. ولأن فرعون وآله كانوا من المفسدين فقد دفع المصريون جميعا الثمن .. وذلك مانتعلمه من القرآن والتاريخ .
7 ـ ان الله تعالى يقول "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم ) . أى أن الفساد نتيجة لما يرتكبه الناس بأيديهم ، وهو أيضا عقوبة لهم.. وبالتالى فانه يمكن أن نحارب الفساد ونمنع أسبابه وظهوره فى البر والبحر ذلك اذا صدقت النوايا وآمنا بأننا جميعا فى مركب واحد يسبح فوق مياه النيل ، وأنه اذا غرق المركب غرقنا جميعا.. لافارق بين غنى وفقير أ و حاكم ومحكوم ..
8 ـ إن فساد الأقلية هو سبب شقاء الأكثرية .. وسبب تلوث النيل . ). إنتهى المقال .
اخيرا
1 ـ كان هناك هامش ضئيل من حرية التعبير فى عصر مبارك ، كان يغطى به على فساد مكّنه من نهب حوالى 70 بليونا من الدولارات . مصر الآن يحكمها من يكمم الأفواه لأنه يريد ان تبلغ ثروته تريليونا من الدولارات .
2 ـ يا حسرة على مصر .!!