آحمد صبحي منصور
في
السبت ٢١ - سبتمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
آسف ، إذا تأخرت فى الاجابة لأنها إستلزمت بحثا تاريخيا . أقول :
1 ـ طريق زبيدة هو : طريق القوافل والحجاج من الكوفة إلى المدينة المنورة . والتى أنشأته هى ( زبيدة بنت جعفر بن أبى المنصور العباسي ) . هي بنت عم الخليفة هارون الرشيد وزوجته الأثيرة وهى أيضا أم الخليفة الأمين بن هارون الرشيد ، وهى الهاشمية الوحيدة من بني العباس التي ولدت خليفة . وكانت مشهورة بالخير والأنفاق على العلماء والفقهاء . ولكن شهرتها الكبرى هي في أنفاقها على الحرم المكي وفى أقامة محطات مزودة بالماء والآبار ما بين العراق والمدينة ومكة .
2 ـ يقول فيها الخطيب البغدادي فى موسوعته ( تاريخ بغداد ) : " لها أثار كثيرة في طريق مكة من مصانع – أي أبار – حفرتها وبرك أحدثتها ، وكذلك بمكة والمدينة ".
ويقول أبن الجوزي فى تاريخه ( المنتظم ) إنها ساقت الماء من أميال حتى أوصلته إلى الحرم ، وأوقفت أموالها على عمارة الحرمين ، وقد حجت في أحدى السنين فبلغت نفقتها في ستين يوما أربعة وخمسين ألف دينار ، وقدم لها وكيلها حساب ما أنفقته فنهته عن ذلك وقالت : ثواب الله بغير حساب !! .
ويقول عنها الصفدى فى موسوعته ( الوافى بالوفيات ) أنها سقت أهل مكة الماء بعد أن كانت الراوية – أي الوعاء الذي يروى الماء – بدينار ، وأنها أسالت الماء عشرة أميال تخط الجبال وتجوب الصخر حتى غلغلته في الحل والحرم ، وعملت عقبة البستان ، فقال وكيلها : يلزمك نفقة كبيرة فقالت : اعملها ولو كانت ضربة الفأس بدينار . وقد ماتت السيدة زبيدة في بغداد في جمادى الأولى سنة 216هـ
3 ـ وظل طريق زبيدة بعد موتها أهم طريق للقوافل والحجاج خصوصا بين المدينة والكوفة .. وتمتع مئات الألوف ، بل ملايين الحجاج والمسافرين بالآبار والعيون التي حفرتها السيدة زبيدة في هذا الطريق ..
4 ـ ( قدامة بن جعفر ) كتب عن طريق زبيدة كتابة نظرية مستقاة من وثائق الدواوين العباسية ، وربما ضاعت تلك الوثائق بعد عدة عقود من الزمن ، ولكن بقى طريق زبيدة ، وسار فيه من الرحالة ابن جبير في القرن السادس الهجري ، وابن بطوطة في القرن الثامن الهجري ، بعد انتهاء الدولة العباسية نفسها ، أي انتقلت الدولة العباسية إلى متحف التاريخ بينما ظل العمل الخيري الذي أقامته السيدة زبيدة يستفيد منه الحجاج قرونا بعد انتهاء الدولة العباسية .
5 ـ لقد سار ابن جبير ثم ابن بطوطة في ذلك الطريق من المدينة إلى الكوفة .. ونبحث من خلال ما كتباه عن معالم طريق السيدة زبيدة القديم الذي سجل قدامة بن جعفر تفاصيله فيما سبق .
6 ـ بعد أن أدى أبن جبير فريضة الحج وزار المدينة المنورة بدأ رحلة العودة منها متجها للعراق وذلك في صحوة يوم السبت 8 محرم 580 هـ . وبعده بقرن ونصف القرن من الزمان تقريبا كان أبن بطوطة يغادر المدينة المنورة سنة 726 هـ متجها للعراق متخذا نفس الطريق . فماذا قال كلاهما عن محطات الطريق من واقع المشاهدة والمعاينة ؟
7 ـ يقول ابن جبير فى كتاب رحلته أنه تزود بالماء الذي يكفيه لمدة ثلاثة أيام إلى أن حط رحالة مع القافلة في " وادي العروس " وفيه تزود الناس بالماء حيث كانوا يحفرون الأرض عنه آبارا فينبع الماء العذب الذي يروى الجميع مع رواحلهم .
ويقول أبن بطوطة نفس الكلام : إنه تزود من المدينة بالماء إلى أن وصلوا إلى "وادي العروس " بعد ثلاثة أيام وكانوا يستنبطون الماء من ذلك الوادي. ومن" وادي العروس " تركوا "تهامة " إلى أرض " نجد".
8 ـ ويقول ابن جبير يصف " نجد" : ومشينا في بسيطة من الأرض ينحسر الطرف دون أدناها ولا يبلغ مداها ، وتنسمنا نسيم نجد وهواءها المضروب به المثل فأنعشت النفوس والأجسام ببرد نسيمه وصحة هوائه .
ويقول أبن بطوطة " ثم رحلنا من وادي العروس ودخلنا أرض نجد وهو بسيط من الأرض من البصر فتنسمنا نسيمه الطيب الأرج " . وكانت "العسيلة " هى أول محطة من " نجد " وبعدها كانت " النقرة " .
9 ـ ويقول ابن جبير عن " النقرة " فيها آثار مصانع كالصهاريج العظمة ، وهى بقايا العمائر التي أقامتها السيدة زبيدة ، ويقول أبن جبير " وجدنا احدها مملوءا بماء المطر فعم جميع المحلة – القافلة – ولم ينضب على كثرة الأستماحة ". أي كان الحصول على الماء أما بحفر الأرض أو تجميع السيول وماء المطر .. ولذلك أقيمت الآبار والصهاريج – أو المصانع – على حسب حالة كل مكان .ومن " النقرة " وصلوا إلي محطة " القارورة ". ويسميها ابن بطوطة " ماء القارورة " ويقول عنها " وهى مصانع مملوءة بماء المطر مما صنعته زبيدة بنت جعفر رحمها الله ونفعها وهذا الموضع هو وسط أرض نجد .. فسيح طيب النسيم صحيح الهواء نقى التربة معتدل في كل فصل".
وقبله قال ابن جبير عن القارورة " وهى مصا نع – أي صهاريج – مملوءة بماء المطر وهذا الموضع هو وسط أرض نجد ، وما أرى أن في المعمورة أرضا أفسح بسيطا ولا أوسع أنفا ولا أطيب نسيما ولا أصح هواء ولا أمد استواء ولا أصفى جوا ولا أنقى تربة ولا أنعش للنفوس والأبدان ولا أحسن اعتدالا في كل الزمان من أرض نجد ووصف محاسنها يطول والقول فيها يتسع .
10 ـ ونزلوا بعد في الحاجز .يقول عنه ابن جبير " والماء فيه في مصانع – أي صهاريج – وربما حفروا عليه حفرا قريبة العمق يسمونها أحفارا ، وكنا نتخوف في هذا الطريق قلة الماء لاسيما مع عظم هذا الجمع الذين لو وردوا البحر لانزفوه واستقوه ، فأنزل الله من سحب رحمته ما أعاد الغيطان غدرانا .. فكنا نبصر مذانب الماء سائحة على وجه الأرض "..ويقول ابن بطوطة عن " الحاجر " وفيه مصا نع للماء وربما جفت فحر عن الماء في الجفار ".
11 ـ وبعده محطة " سميرة ". يقول عنها ابن جبير وهى موضع معمور ، وفى بسيطها شبه حصن يطيف به حلق كبير مسكون والماء فيه في أبارا كثيرة إلا أنها زعاق ومستنقعات وبرك ، أى أنها بلد ومعمورة بالبشر وفيها أثار حصن قديم ، وتحدث عن سوقها حيث يبيع الأعراب فيها للمسافرين اللحم ومنتجات الألبان ، وكانت العملة التي يتعامل بها المسافرون هي قطع الملابس الخام .
وفيما بعد قال ابن بطوطة عن محطة " سميرة " وهى أرض غائرة في بسيط فيه شبه حصن مسكون ، وماؤها كثير في آبار إلا انه زعاق ، ويأتي عرب تلك الأرض بالغنم والسمن واللبن فيبيعون ذلك من الحجاج بالثياب الخام ولا يبيعون بسوي ذلك ".
وجديرة أن محطة سميرة هي التي ذكرها قدامة بن جعفر باسم " سميراء" .