الغلو في الدين
لا تغلوا في دينكم
زهير قوطرش
في
السبت ٢٩ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
لا تغلوا في دينكم .
الغلو في الدين هو مرض ابتلت به كل الديانات السماوية بدون استثناء .والغلو هو المبالغة ,وتجاوز الحد والإفراط.
وحتى نحيط بمجمل الموضوع ,نعود إلى كتاب الله عز وجل ,لنتدبر الآيات التي وردت فيها لفظ الغلو .فنجد أن في القرآن الكريم آيتين فقط وردت فيهما إشارة إلى الغلو في الدين.
الآية الأولى
"يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِ&aa;ِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ"النساء 171-172
الآية الثانية
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ"المائدة 77
من تدبر الآية الأولى والثانية ,نجد أن الله عز وجل قد نبه أهل الكتاب ,وخاصة النصارى منهم ,طالباً إليهم أن لا يغلوا في دينهم ,وهذا الغلو لخصه عز وجل بقوله "ولا تقولوا على الله إلا الحق ,إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله ..... ."
هذه الآيات عند نزولها عالجت حالة الغلو عند أهل الكتاب ,وكون الحديث موجه إلى النصارى إلا أنه يشمل اليهود أيضاً ,لقوله يا أهل الكتاب ,وبالوقت نفسه فيهما تنبيه إلى المسلمين بأن لا يحذوا حذوهم في المستقبل. ولو فعلوا ذلك لن يغفر الله لهم ,وسيفرق شملهم . وهذا ما حدث .. لماذا ؟...لأنه أرسل أليهم كتاباً واضحاً فيه تفصيل لكل شيء ,وفيه تحذير إلى كل من تجاوز حدود الله بالعقاب الدنيوي وفي الأخرة,وفيه قصص وعبر ...ومع ذلك غل الكثير من المسلمين في دينهم ,بحيث تجاوزوا في بعض الأمور غلو أهل الكتاب.
والغلو ,يسدر على العقل حجاب المنطق والعقل ,ويجعل من الفرد المسلم مقلداً بدون تفكير ولا تدبر ,متبعاً للآباء ومقلداً لهم في انحرافهم عما جاء في القرآن الكريم , مع أدراك الفرد المقلد أن الآباء في تدينهم لم يستخدموا العقل وهم أبعد ما يكونوا عن الهداية.ومع ذلك يتبعهم بشكل أعمى.
,لقوله عز من قائل
"أولوا كان أباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون" .
ومظاهر الغلو متعددة وكثيرة.ولها مرجعيتها البشرية ,التي صاغت فكرها وألبسته نوعاً من القدسية حتى تحقق منافع ومصالح لها ,وتبقي الأمة تحت سيطرتها الدائمة .
والمرجعية الأساسية لهذا الغلو هي التراث الوضعي والسنة النبوية القولية ,هذه السنة التي يدِّعي منظروها أنها وحي يوازي الوحي الإلهي ,وأنها سنة تعادل سنة الله عز وجل ,بل وأكثر من ذلك جعلوا منها تشريعاً يحرم ويحلل تعدياً على حدود الله عز وجل,ويلغي أحكام قرآنية ,بل وينسخ حكم آيات محكمة .
ولو حاولنا تحديد بعض مظاهر الغلو بين المسلمين وخاصة من أصحاب الديانات الأرضية (السنة والشيعة وغيرهما ممن قدسوا التراث وتركوا كتاب الله) نجدها في :
- إدعائهم أن الرسول (ص) يعلم الغيب .وقد كُتبَ الكثير من المقالات التي تعالج خطأ هذا الأدعاء على هذا الموقع الكريم.
-إضافة صفات للرسول الكريم لم يذكرها الله عز وجل في القرآن . ...شفيع الله,حبيب الله, خليل الله ,كليم الله ...الخ
-ادعائهم أنه كان للرسول الكريم معجزات خاصة لم ترد في القرآن الكريم وكلها وردت في الأحاديث , ولا أدري لماذا لم يذكرها القرآن الكريم الذي استمر نزوله حتى موعد موت الرسول.
-ادعائهم زوراً وتلفيقاً لبعض الأحاديث التي أيضاً لم تذكر حوادثها في كتاب الله أن الرسول ,كان قد خلق قبل خلق الكون والبشر,وأن أسمه مكتوب على العرش منذ الأزل .....ألخ
كل ذلك كان له أثراً سلبياً على عقيدة التوحيد الإسلامية ,حيث رفع بعض المسلمين مكانة الرسول إلى مكانة شبه إلهية ,وجعلوا حبه في الكثير من الأحيان وعن جهل يوازي أو يزيد عن حبهم لله سبحانه وتعالى والعياذ بالله .ونستطيع ملاحظة ذلك أثناء خطب الجمعة ,عندما يذكر أسم الرسول تعلوا أصوات المصلين بالصلاة والسلام عليه ,وعند ذكر الله عز وجل يسود الصمت إلا من بعض الأصوات الخافتة التي تذكر الله.
حبنا نحن أهل القرآن للرسول الكريم ,لا غلو فيه ,لأننا نتبع ما وصى به ,نتبع ما أمرنا به من إتباع لكتاب الله ,نتبع دعوته لنا في أن نطيعه كما أمرنا الله عز وجل .
حبنا له لأنه كان الواسطة التي نقلت إلينا سنة الله, السنة الوحيد التي لا تتبدل ولا تتغير ولا سنة غيرها على الإطلاق .
.حبنا له كونه تمسك بكتاب الله وأمرنا كما جاء فيه أنه علينا تلاوته وتدبره والعمل بكل ما جاء فيه من تحليل وتحريم و التمسك بالقيم الأخلاقية التي جاء بها وهي أساس القسط والعدل والحياة الطيبة.
حبنا له لأنه كان قرآناً يمشي على الأرض.
حبنا الكبير له كونه أرادنا أن نقدر الله عز وجل حق تقديره.
حبنا له في وصيته الخالدة أنه ترك لنا ما أن اتبعناه لن نضل أبداً ألا وهو القرآن العظيم ,كلام الله المطلق,لأن الله مطلق في كل شيء.
لقد كان الرسول في اتباعه لمنهج الحق أسوة حسنة لنا إلى يوم الدين.
.