أفكار سيد قطب القيادى الإخوانى مازالت تمثل مصدرا للعنف والجماعات والتنظيمات الحديثة سواء التقليدية القديمة كالجهاد والجماعة الإسلامية خلافا للقاعدة، فإنها تمثل منبعا رئيسا للتنظيمات العشوائية التى تنتهج العنف، ومنها تنظيم خلية الزيتون الذى تحقق معه نيابة أمن الدولة العليا حاليا، والمتهم أعضاؤه بارتكاب حادث قتل أربعة من الأقباط فى محل ذهب بالزيتون، ووجدت كتب قطب ومنها "معالم فى الطريق"،"وفى ظلال القرآن"،"ومستقبل هذا الدين"، لدى ضبطهم.
ومع هذا لا تزال جماعة الإخوان تصر على أنها مكون رئيسى من مكوناتها الفكرية وأن منهج قطب هو منهج الإخوان، فنورد هنا بعضًا من أفكار سيد قطب الذى يراه الكثيرون ابتعاثاً حتى من بعض أعضاء الجماعة أنفسهم لفرقة الخوارج التى ظهرت فى القرن الهجرى الأول، ورفعت شعار "لا حكم إلا لله" فيما يراه آخرون أنه أسس للتشدد الدينى ومهد لحركات التكفير والهجرة التى عرفتها الساحة العربية والإسلامية فى ثمانينات القرن الماضى.
لا خلاف على أن فكر قطب شكل معيناً لكل الفكر الجهادى والحركى، مع اكتسابه مكانة لدى عدد من الحركات الإسلامية بدءاً من الحديث عن علاقته بالتنظيم الخاص الإخوانى، ودوره فى الانشقاقات التى حدثت داخله أثناء فترة سجنه حتى قيل"إن تنظيم الإخوان غصّ بفكر قطب فلا هو قدر على هضمه ولا هو قدر على لفظه، مروراً بعبد الله عزام رائد "الجهاد الأفغانى"، الذى يقول: "وجهنى سيد قطب فكرياً وابن تيمية عقدياً وابن القيم روحياً والنووى فقهياً، فهؤلاء أكثر أربعة أثروا فى حياتى أثراً عميقاً".
وذكر أيمن الظواهرى الذراع اليمنى لأسامة بن لادن قائد تنظيم القاعدة إنه عاش شبابه "صالح سرية" وهو صاحب أول تطبيق فعلى للعنف فى مصر عام 1974 (تنظيم الفنية العسكرية) يقول فى "رسالة الإيمان" التى كتبها سنة (1973م): "إن كل الأنظمة، وكذلك كل البلاد الإسلامية التى اتخذت لها مناهج ونظماً وتشريعات غير الكتاب والسنّة فقد كفرت بالله واتخذت من نفسها آلهة وأرباباً فكل من أطاعها مقتنعاً بها فهو كافر" معتبراً هذا "الفرض الأول لأنه أساس التوحيد والشرك فى هذا العصر"، ومحيلاً إلى سيد قطب، بل إنه اعتبر فى مقدمة رسالته تلك أن من خير التفاسير لمعرفة التفسير الحق للقرآن "فى ظلال القرآن" فى طبعاته الأخيرة.
كذلك أفكار وإصدارات الجماعة الإسلامية عن الجهاد وتحكيم الشرع والمواجهة مع الأنظمة تتماس مع فكر قطب،فأى حركة جهادية أو تغييرية عنيفة لا يمكن أن تزهد بما تركه قطب، ومن هنا نجد أنه حتى حركات الجهاد كحركة الجهاد الإسلامى فى فلسطين تحتفى بسيد قطب مع على شريعتى، ومالك بن نبى.
تأسست وتغذت أفكار جماعات التكفير والهجرة والجماعات الإرهابية التى نشرت الذعر فى مجتمعنا على أفكاره، فهو حدد واجبات الأخ المجاهد 38 واجبا وكان الواجب 25 هو الذى يأمر الأخ بـ: "أن يقاطع المحاكم الأهلية و كل قضاء غير إسلامى والأندية والصحف والجماعات والمدارس و الهيئات المنتمية إلى هذا المجتمع الجاهلى" ، كما يقول فى صفحة 22 من كتابه "معالم فى الطريق" : "لابد لنا من التخلّص من المجتمع الجاهلى و التصرّفات الجاهلية والتقاليد الجاهليّة والقيادة الجاهليّة, ومهمتنا الأولى هى تغيير هذا الواقع الجاهلى من أساسه حتى ولو كان ذلك بالقوة, ويبدو أن ذلك لن يتحقق إلا بالقوة".
ثم يعود ليقول فى صفحة 146: "ليس لنا أن نصطلح مع هذا المجتمع الجاهلى بل إن علينا التخلّص منه و تغييره, وإن لم نستطع فإن علينا أن نستعلى عليه و نقاطعه".. ثم ينصب سيّد قطب من نفسه مندوبا أرسلته السماء, فإذا به يبث أفكاره باسم الإسلام قائلا فى الصفحة التى تليها (صفحة 147): "فنحن جند الإسلام, ووظيفتنا فى الحياة هى إعلاء شأن الإسلام, بينما وظيفة الإسلام هى إقصاء الجاهليّة من قيادة البشريّة وتولّى هذه القيادة, وهو ما يجب أن يكون وظيفتنا وشغلنا الشاغل".
قطب حدد فى «المعالم» حاجات هذا التجمع الحركى الذى يطلق عليه عدة أسماء كـ«الجماعة» أو «الطليعة» أو «القاعدة الصلبة» وهى أسماء اعتمدتها سائر الحركات الجهادية السلفية المعاصرة، ومن هذه الحاجات: التميز، والمفاصلة، ورابطة العقيدة، ومنهج التلقى، وزاد الطريق، وسنة الابتلاء، أو طبيعة الجهاد، واستعلاء الإيمان، وهى مصطلحات ومفاهيم تتكرر فى أدبيات السلفية الجهادية، ولا سبيل إلى التدرج والمداهنة فى عملية التغيير، فمفهوم «الجهاد» يفرض على المسلمين البدء بالجهاد، الذى يعتبره فرض عين على كل مسلم ومسلمة لإزالة العقبات التى تمثلها الحكومات والأنظمة التى تحول دون نشر العقيدة: «فلم تكن الدعوة فى أول عهدها فى وضع أقوى ولا أفضل منها الآن، كانت مجهولة متنكرة من الجاهلية، وكانت محصورة فى شعاب مكة، مطاردة من أصحاب الجاه والسلطان فيها، وكانت غريبة فى زمانها فى العالم كله.
نظرية تكفير المجتمع والدولة، بالطريقة التى صاغها سيد قطب، تعبير مكثف عن مسعى لنزع الشرعية عن المجتمع والدولة من منطلق المتطلبات الدينية وإقرار شرعية كل مسعى لتغيير المجتمع والدولة بأية وسيلة ومنها، بالأخص، وسيلة استخدام القوة.
ثم يلخص سيّد قطب منهجه فى صفحة 162 قائلا: "و الذى يدرك طبيعة هذا الدين يدرك معها حتميّة الانطلاق الحركى للمسلم فى صورة الجهاد بالسيف إلى جانب الجهاد بالبيان". فمفهومه للجاهلية يرتبط بقوة بمفهوم الحاكمية على النحو الذى يمكن ملاحظته فى كتابات (أبو الأعلى المودودى)
لهذا لم يكن غريبا أن يكون سيّد قطب وكتابه "معالم فى الطريق" هو المُلهم للتنظيمات الإرهابيّة، بل ولم يجد فرج عبد السلام غضاضة فى الاعتراف بأن كتابه "الفريضة الغائبة" لم يكن سوى إعادة صياغة لكتاب سيّد قطب"معالم فى الطريق".... وهو ما أكّد عليه كرم زهدى ومنتصر الزيّات وخالد الإسلامبولى وباقى قادة الجماعة الإسلامية أثناء التحقيق معهم بعد اغتيال السادات.
ومن أهم كتب قطب، العدالة الاجتماعية فى الإسلام- معالم فى الطريق- هذا الدين- خصائص التصور الإسلامى ومقوماته- المستقبل لهذا الدين، والإشكالية فى خطاب قطب ليست موضوع «تطبيق الشريعة»؛ وإنما إقامة الدولة بالجهاد، باعتبار المجتمعات الإسلامية القائمة ليست سوى «مجتمعات جاهلية»، فالحاكمية كأحد مرتكزات الخطاب القطبى (نسبة إلى سيد قطب) مسألة إلهية.
سيّد قطب كان السبب الأساسى فى انقسام الإخوان على أنفسهم،وهو ما قاله أحمد رائف من كتابه "البوابة السوداء".
ولد سيد قطب فى عام 1906 فى إحدى قرى أسيوط، أرسله والده إلى الكتاب،وتعلم العلوم التقليدية والقرآن، وحفظ القرآن لأن والدته كانت تريد أن يدخل الأزهر ويصبح من شيوخه، والده واجه صعوبات فى إعالة أسرته واضطر فى النهاية إلى بيع أجزاء من أرضه
دخل دار العلوم فى قسم المعلمين وحصل منها على ليسانس فى فن التعليم فى عام 1933، لم يتزوج قط ،وكان عباس محمود العقاد أستاذا له لأنه أثر فيه كثيراً من الناحيتين السياسية والفكرية، كما أن آراء قطب السياسية كانت قريبة جداً من آراء العقاد.