آحمد صبحي منصور
في
السبت ٠٣ - أغسطس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
الاجابة :
عثرت على المقال فى أوراقى المنسية ، وقد نشرته جريدة العالم اليوم بتاريخ 16/9/1994 . وكان عنوانه ( ضحية الحرمان من الميراث ) وهذا هو : ( كان علي بن اصفر الأنباري من جنود الخلافة العباسية ، وقد سكن بغداد و" سر من رأي " أو سامرا ، وبلغ ابنه جعيفران مبلغ الرجال ، فمنعه من دخول بيته والاختلاط بنسائه من الجواري ، وادعت إحداهن عليه عند أبيه بما يشين ، وكان علي بن اصفر مصابا بالوسواس فصدق الوشاية حينا وارتاب فيها أحيانا، وحتى يصل إلي نتيجة يستريح فيها من الوسواس ذهب إلي الحج واستشار هناك بعض الفقهاء ، فما كان من ذلك الفقيه إلا أن أكد للأب وساوسه وشكوكه في ابنه جعيفران واتهم الابن المظلوم في شرفه ، بل وافتاه بطرده من البيت وحرمانه من المال حيا وميتا ، أي حرمانه من الميراث .
وعاد الأب الموسوس إلي بغداد فطرد ابنه الشاب من سكنه ومنعه من أي مال يصل إليه منه ، واتصل الأب بفقيه آخر يستفتيه في حيلة يستطيع بها إخراجه من الميراث بعد الموت ، فأفتي له ذلك الفقيه بأن يوصي بكل أمواله إلي رجل ويشترط عليه أن يحرم الابن جعيفران من أي شيء . ومات الأب قاسي القلب وآلت الثروة حسب وصيته إلي ذلك الرجل ، وجاء إليه جعيفران ليأخذ حقه من الميراث فمنعه الرجل ، فذهب جعيفران إلي القاضي أبي يوسف وشكا له ، فأمر أبو يوسف بإحضار ذلك الرجل الوصي ، وفي مجلس الحكم سأل أبو يوسف جعيفران أن يأتي ببينة علي نسبه وتركة أبيه فقدم جعيفران الشهود الذين شهدوا علي صحة نسبه وعلي ما تركه أبوه من أموال ، وطلب أبو يوسف من الوصي بينة علي أن والد جعيفران قد أوصي له بتركته فأحضر الوصي شهودا شهدوا علي أن والد جعيفران احتال بالوصية علي منع ابنه من الميراث ، ولكن أبا يوسف لم يأخذ ببينة الوصي وأوشك علي أن يحكم لجعيفران بحقه في ميراثه من أبيه ، إلا أن الوصي أراد أن يخلو بالقاضي أبي يوسف ليقول له السر ، ولكن القاضي أبا يوسف رفض إلا أن يحضر جعيفران ، فطلب الوصي من القاضي مهلة إلي الغد ليقدم مستندا جديدا فأمهله أبو يوسف للغد ، وسعي الوصي إلي أحد أصدقاء أبي يوسف وأعطاه رقعة أوصلها إلي أبي يوسف وفيها اتهام لجعيفران بتلك التهمة البشعة، وأنها السبب في قرار أبيه بحرمانه من الميراث ، ولم يقبل أبو يوسف ذلك الاتهام فاستدعي الوصي وطلب منه اليمين فاقسم الوصي يمينا كاذبة يؤكد فيها اتهام جعيفران ، فاقتنع أبو يوسف وفي اليوم التالي كان موعد الحكم فحكم بحرمان جعيفران من ميراثه من أبيه . واشتهر الأمر وفقد جعيفران ثروته وسمعته ، وفقد معهما عقله ، إذ كان يغيب عقله أحيانا ويختلط فحمل من يومها لقبي جعيفران الموسوس ، ومن أعاجيب مرضه النفسي أنه إذا جاءته الحالة نطق شعرا ، ولم يكن قبل ذلك يقول الشعر . ويقول ابن عثمان الكاتب أنه أشرف علي جعيفران من علي سطح داره ، وقد جاءت لجعيفران حالة الجنون المؤقت التي تنتابه فسمعه ينطق شعرا . والواضح أن حرمانه من ثروة أبيه أنطقه شعرا يفيض بالحرمان من المال ، وقد أدرك أنه فقد جاهه بعد أن فقد ماله ، ولكنه ما كان يدري أن مصيبته في ماله وعقله وشرفه قد أنطقته الشعر وأفسحت له مكانا بين سطور التاريخ ، ومنحته ذكرا وشهرة في عصره والعصور التالية ، بينما عرف التاريخ اسمه والظلم الذي وقع عليه فإن الروايات التاريخية تجاهلت الفقهاء والوصي الذين تآمروا علي حرمانه من حقه ، ولذلك لم نعرف أسماءهم ، ولا نريد أن نعرفها .
إن مسيرة الظلم ـ مع شديد الأسف ـ لا تزال تسير ، وهناك من يجرؤ علي شرع الله تعالي فيحرم وارثا من حقه ، وقد يكون المحروم ابنا مثل جعيفران ومثل صاحب القصة الحزينة الغاضبة الذي يشكو أباه وقد يكون المحروم بنتا شاء سوء حظها أن يبتلي أبوها بالتفكير الجاهلي الذي يحرم المرأة من حقوقها ، وأولئك جميعا يحتاجون إلي مراجعة النفس وصحوة الضمير والتوبة قبل فوات الأوان . ) إنتهى المقال . ولم ينته الظلم .!