زلزال 1992

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠١ - أغسطس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
لك مقال عن زلزال 1992 . وأنا تأثرت به جدا ، لأن الزلزال حدث وأنا فى مستشفى وزوجتى تضع طفلنا الأول ، وكانت تجربة مريرة . ومقالك شفى غليلى وقتها . بحثت عن هذا المقال فى موقعكم أهل القرآن فلم أجده . أرجو أن يكون عندك ، وأن تعيد نشره . بالمناسبة ابنى الآن متزوج وله ثلاثة أطفال ، ويرسل لك تحياته .
آحمد صبحي منصور

أولا :

مقدمة :

حدث زلزال 1992 ، وأظهر الفساد الذى سيطر على قطاع البناء فى مصر والقاهرة . وهو فساد تشارك فيه المتدينون وكبار المسئولين وصغارهم فى قطاع الاسكان والإدارات المحلية . وكالعادة سارعت الأجهزة بتقديم كبش فداء ، هو بعض المقاولين الفاسدين ، ومنهم الحاجة كاملة ومن يسمى مدبولى .  وتم التشهير بهم فى الصحف . وكالعادة تم نسيان كل شىء ، فمصر كما قال أمير الشعراء ( أحمد شوقى ) : ( كل شىء فيه يُنسى .. بعد حين ) . كتبت حينها مقالا نشرته جريدة الأحرار فى يوم 7 ديسمبر 1992 تحت عنوان ( أحلام الست كاملة ). قلت فيه :

 (1 ـ  الست كاملة ارتدت الحجاب وأدت فريضة الحج واقامت عمارة تعلم انها آيلة للسقوط ، ومع ذلك نامت الست كاملة مستريحة الضمير تحلم بالجنة، وسقطت العمارة ومات الضحايا ، وظهر أن الست كاملة قد شاركت فى فساد كبير تحقق فيه الاجهزة المسئولة ، ولكن لاتزال الست كاملة تعتقد انها تضمن لنفسها وشركائها الجنة ، لان الاجهزة الحكومية المسئولة لم تصل للمجرم الحقيقى ، وهم أولئك الذين يروجون الاحاديث الكاذبة التى تجعل الجنة من نصيب المفسدين فى الارض طالما نطقوا " بالشهادتين"

2 – وأعرف تاجرا ينطبق عليه وصف " رجل هذا العصر " .. كان يجلس فى أحد النوادى وأمامه زجاجات الخمر وحوله الحسناوات والضحكات ، وهو يتيه على الحاضرين  بنقوده ونفوذه وبلقب الحاج الذى يتحلى به ، وقد قال لبعض السذج المتسائلين : يابنى طالما طريق الحج مفتوح فالجنة مضمونة ..  وكلها يومين " وأرجع من الحج كمن ولدته امه .." وتتعالى الضحكات الناعمة وقد فهمن من الحديث معنى آخر لأن الحاج بطل الواقعة غمز لهن بعينيه . ومهما يكن من أمر هذه الواقعة التى رواها لى شاهد عيان فإنها دليل آخر على أن الفساد الذى يهدد حاضرنا ومستقبلنا يستند الى اسس دينية تراثية ، طالما نبهنا اليها وكوفئنا على ذلك بالاضطهاد والاتهامات الظالمة ..

3 – اذكر اننى واجهت هجوما عاتيا عندما أصدرت كتابى "المسلم العاصى: هل يخرج من النار ليدخل الجنة" . وكان كتابا صغيرا احتوى على آيات قرآنية تثبت ان العاصى الذى يموت بلا توبة سيدخل النار ولن تنفعه شفاعة ولن يخرج من النار أبدا مهما نطق بالشهادة او الشهادتين ، ودعوت فيه الى تنظيف القلب من تلك الاحاديث الهدامة التى لم يقلها الرسول عليه السلام والتى تشجع على العصيان بدعوى ان الجنة من نصيب المسلم الذى يقول لا اله الا الله بلسانه مهما فعل.  ومع أنها دعوة للهداية والاصلاح وتستند الى عشرات الآيات القرآنية فان الاشياخ ذوى النفوذ مازالوا بالسلطات الحكومية حتى تم وضعى فى السجن بسبب هذا الكتاب وقامت بمصادرته، وأثيرت حملة ضدى وضد  الكتاب على صفحات مجلة" اللواء الاسلامى " ليؤكدوا أن الجنة من نصيب العاصى مهما أفسد فى الارض ، وأن النبى فى انتظاره ليشفع له مهما عصى ، وأنه سيدخل الجنة وان سرق وان زنى  رغم انف ابى ذر ورغم انف احمد صبحى منصور . وكان من الممكن ان يظل كتابى محدود الأثر، وأن أظل  أنا بنفس محدودية التأثير ، ولكنهم فى اندفاعهم للدفاع عن تلك الأحاديث الكاذبة قاموا بحملة تنبيه للأغلبية من الناس بأن فى امكانهم الفساد والعصيان طالما يقولون باللسان لا اله الا الله ، وأن طريق الفساد مفروش بالورود ، وأن الجنة تحت أقدام المفسدين طالما أقام أحدهم مسجدا أو أدى حجة لبيت الله الحرام يرجع منها كيوم ولدته أمه ثم يعود للعصيان ويغرق فى الفساد ليعود الى الحج  فينظف جسده من المعاصى ، وهكذا يكون الحج بزعمهم من أدوات  العصيان لا من بواعث التقى والايمان . وأسفرت تلك الحملة عن عقد صلح بين الفساد ونوعية التدين الفاسد .. وقد صدر كتابى المسلم العاصى " سنة 1987 وصودر فى نفس العام . واستمرت اجهزة الاعلام الرسمية والشعبية تنهل من كتب التراث تؤكد على نفس الخط ، وكانت ثمراتها تتوالى من فضيحة شركات توظيف الأموال الى قضايا الفساد التى يتوالى الكشف عنها ، ثم جاء الزلزال فكشف الكثير من العورات وأحال للنيابة (52 الف) موظف ومهندس ، كل منهم يعتقد اعتقادا جازما ان من حقه ان يفسد فى الارض وأن يحتفظ فى نفس الوقت بقصر فى الجنة تجرى من تحته الانهار لأنه أدى فريضة الحج أو صام ستة ايام بعد رمضان أو قال بعض التسبيحات وهو يتلاعب بحبات مسبحته أثناء أخذ رشوة أو عقد صفقة مشبوهة .

4 – إن الايمان يعنى الاعتقاد فى الله تعالى وحده بدون ولى أو شفيع ، فهو وحده الولى والشفيع ، والايمان لا يكفى وحده لدخول الجنة حتى لوكان ايمانا حقيقيا ، إذ لابد من اقتران الايمان بالعمل الصالح ، ودائما يتكرر فى القرآن  الكريم لفظ " الذين آمنوا وعملوا الصالحات ". و ليست الاعمال الصالحات  مجرد العبادة ، ولكن تشمل كل عمل نافع للمجتمع ، والعبادات من صلاة وزكاة وصيام وحج وطاعات كلها مجرد وسائل للتقوى ، والله تعالى يقول " ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " ( 2/ 21 ) . والمتقون وحدهم هم الذين يدخلون الجنة " تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقيا (19 /63) .. والتقوى تعنى الخوف من الله تعالى بحيث يحاسب الانسان نفسه فى الدنيا فيبتعد ما أمكنه عن المعاصى من سرقة ورشوة وفواحش وظلم وبغى وكذب .. وكل الرسالات السماوية كانت تتلخص فى كلمة واحدة هى التقوى ، والله تعالى يقول " ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم واياكم أن اتقوا الله " (4 / 131 ) ..

5  – ولكن العادة السيئة للانسان انه يجب أن يفسد فى الأرض وأن يدخل الجنة أيضا ، ولكى يحقق هذه المعادلة المستحيلة يتطوع بعض الناس بالكذب على الله ورسوله وينسبون  لله ورسوله أحاديث الشفاعات ودخول الجنة بغير حساب وبمجرد النطق ببعض الكلمات والدعوات . وتظل تلك الأكاذيب فى طى الكتمان لايحس بها احد فاذا اتيحت الفرصة لرجال التدين الفاسد أذاعوها على الناس فى وسائل الاعلام ، وحينئذ يسود الفساد ، وتتوزع الاتهامات ، ولكن يظل المجرم الحقيقى طليقا لأنه ( سيدنا الشيخ ).!!

 أخيرا

كان زلزال مصر عام 1992 .. أخشى من زلزال قادم فى المنطقة كلها ..

اللهم رفقا بالمستضعفين فى الأرض .. يا رب العالمين .  !!

اجمالي القراءات 1250