أخلاق عشوائية

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٨ - يوليو - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
انت تتفاخر بأنك وانت فى مصر كنت تنتقد نظام حسنى مبارك بلا خوف . هل ممكن أن تثبت هذا بمقال لك مثبت بتاريخه ومكان نشره .
آحمد صبحي منصور

الاجابة

أولا :

كتبت فى التسعينيات عشرات المقالات فى إنتقاد نظام مبارك ، برغم إرهاب ( أمن الدولة ) وإستدعاءاتهم لى والتهديد بسجنى  ، والتضييق علىّ فى الرزق . كنت أنشر مقالا اسبوعيا فى جريدة الأحرار تحت باب ( قال الراوى ) ، وكانت مقالاتى مقروءة ، تهاجم الاخوان والأزهر والنظام السياسى . وكان رئيس التحرير ( وحيد غازى ) يحذف أحيانا بعض سطورى الملتهبة . أستشهد بمقال ( أخلاق عشوائية ) بتاريخ 28 / 2/ 1994

قلت فيه :  ( اقتربت قوات الأمن من أحد مساكن الإيواء للقبض على أحد الإرهابيين ، وفى ساعة الصفر اقتحمت المسكن ففوجئت برجلين وامرأتين فى وضع شائن فى غرفة النوم الوحيدة المزدحمة بالأولاد والبنات النائمين أو المتظاهرين بالنوم ، وكانت المفاجأة الأكبر انهما زوجان وزوجتان ولكن فى حالة تبادل للزوجات ، وقالت واحدة منهما للضابط أنتم السبب ففى الحمامات المشتركة لم تعد لنا خصوصيات ، وضاعت كل الحرمات .. تذكرت هذه القصة وانا أقرأ العرض المثير للحزن والذي كتبته الأحرار فى 14 فبراير عن المساكن العشوائية بقلم الصحفى عصام كامل .. وزاد فى اللوعة والحزن ما نشرته الأحرار فى نفس العدد وفى الصفحة الاولى عن استرداد الحكومة لعدد (42) سيارة مرسيدس مصفحة للوزراء والكبار ، وتبلغ قيمة السيارة الواحدة 2 مليون جنيه .. ولكل واحدة من أولئك السادة اسطول آخر من السيارات الفارهة . ولكن ميزة السيارة الجديدة أنها ضد الرصاص ، ولكنها لن تكون بالطبع ضد الموت ، والله تعالى يقول: ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ )  (78) النساء ) ، ويقول : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ )  (8)  الجمعة ). وإذن فالسيارات الجديدة ( بما تكلفه من ملايين من عرق الشعب الكادح ) لا تعطى السادة الحكام إلا بعض الأمن الوهمى ، وكان يمكن لكاتب ساذج مثلى أن يطالب بان تتوجه تلك الأموال إلى إصلاح حال المساكن العشوائية التى اصبحت وصمة عار فى وجه مصر تتضخم يوما بعد يوم إلى درجة استدعت تدخل اليونيسيف لتقديم المساعدات لأهلها ، ولكن يبدوا أن قلوب الخواجات أرق قلبا من قلوب سادتنا الأكابر ، الذين يعيشون فى أبراج عاجية من شاليهات وقصور ومرسيدس تجعل بينهم وبين الاحساس بالآم المصريين سدا منيعا . كان يمكن أن نطالب الحكومة بالتقشف بدلا من الإسراف فى فرض المزيد من الضرائب ، ولكنها تتمسك بمنطقها فى أن يتحمل الشعب المطحون إسرافها فيزداد دخول الملايين إلى دائرة الفقر والحرمان بينما تتمتع الحكومة بالصف الأول فى حجز احداث الموديلات من المرسيدس ، ويقال ان ذلك يسبب ضيقا للمسئولين فى الدول التى تعطى المعونات لتصل الجوعى المصريين وهم يرون أن سادة المصريين ينافسون أغنى أغنياء العالم فى الترف والثروة بينما يعيش أغلب المصريين تحت خطر الفقر ..

والمشكلة الظاهرة أننا ندخل عصر المساكن العشوائية فأغلب مساكن القاهرة آيلة للسقوط ، بل أن القاهرة تسبح فوق بحيرة من المجارى ، أى أن كل عماراتها مهددة ، واغلب سكان القاهرة ينطبق عليهم وصف " المستورين" أى يعيشون فى ضنك   لا يعلم به إلا الله تعالى ، ولو ـ لا قدر الله ـ سقط المبنى لتحولوا بين يوم وليلة إلى المساكن العشوائية ، وتحولوا بالتالى إلى الأخلاق العشوائية ، لأنهم لا يستطيعون شراء شقة جديدة ..

ولكن المشكلة الحقيقة أننا نعيش عصر الاخلاق العشوائية .. لقد انتهى الزمن الذى كان المصريون يطلقون على السارق لقب " الحرامى  " المشتق من الحرمة ، ويقولون عن الانثى الغريبة أنها " حرمة " من الحرام ، ويحرم النظر إليها . إلى هذه الدرجة بلغت حساسية المصريين للحرام وبلغ تحذرهم منه .. ولكن فى عصرنا الردىء ضاعت كل الحرمات وكل القيم المصرية الأصيلة ، وبانتشار المساكن العشوائية انتشرت معها الاخلاق العشوائية ، بين الحكام والرعاع . وإلا فكيف تفسر وجود مئات القرى الساحلية والسياحية وآلاف الشاليهات وآلاف الشقق لأبناء الاكابر فى وقت يعجز فيه الملايين من الشباب عن لقمة العيش وشقة ، وفى الوقت الذى ينحشر فيه اكثر من اسرة فى شقة واحدة أو خيمة واحدة ؟!!

كيف ينام واحد من المترفين فى واحد من شاليهاته أو قصوره وينسى آلاف المشردين المصرين بينما يتذكرهم اليونيسيف والاجانب ؟ إن أطقم الحراسة والمرسيدس المصفحة لن تجلب الأمن فالأمن مرتبط بإصلاح جذرى وإقامة القسط ورفع الظلم واعطاء الحقوق لأصحابها .. وإلا فإن الفساد هو الوجه الآخر للإرهاب .. وكما نستنكر الإرهاب بكل قوة ، فإننا بكل القوة نهاجم الفساد ولصوص الخمسة نجوم .. والإرهاب والفساد عملة واحدة صدرت عن الحكومة ومن انجازاتها ..

أخيرا :

كان هذا أيام مبارك عام  1994 . أى من 30 عاما . فكيف بمصر الآن ؟ 

اجمالي القراءات 1041