الطائفية والديمقراطية لا يجتمعان ..

عمرو اسماعيل في الثلاثاء ٠٥ - ديسمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

هل نعي ونتعلم الدرس مما يحدث في العراق ويحدث في لبنان وبدأ للأسف يحدث في مصر ولو بصورة أقل وضوحا ولكن تنذر بخطر شديد ..
الأحزاب في الدنيا كلها والتي ترضي باللعبة الديمقراطية تقوم أساسا علي برامج سياسية واقتصادية ولا يصح أن تقوم علي أساس طائفي أو ديني أو مذهبي ..
فهناك دائما أحزاب تميل الي اليسار علي أساس أنها تؤمن بسيطرة أكبر للدولة علي وسائل الانتاج وتركز علي العدالة الاجتماعية عبر فرض ضرائب تؤخذ أساسا من القادرين .. وهناك أحزاب تميل الي اليمين .. بمعني التركيز علي الحافز الفردي واقتصاد السوق الحر وقد تكون محافظة في توجهاتها الاجتماعية ... وهناك أحزاب الوسط التي تحاول الجمع بين أفضل ما في الاتجاهين .. وتداول السلطة بين هذه الأحزاب يؤدي الي نتيجة باهرة لا تعيها مجتمعاتنا .. وهو أن النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية يتحسنان الي الأفضل مع الوقت .. عندما يحدث ركود اقتصادي يتجه المجتمع الحر والصحي الي انتخاب حزب يميل الي اليمين وعندما تتأثر العدالة الاجتماعية .. يتجه نفس المجتمع الي انتخاب حزب يميل الي اليسار يركز علي قضايا الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي .. وكل هذه الأحزاب في أي دولة حرة بالنسبة الي القضايا الخارجية تتكاتف لحماية مصالح هذه الدولة ضد أي تهديد خارجي .. في أي حزب من هذه الآحزاب قد تجد المسلم والمسيحي ... البروتستانتي والكاثوليكي .. السني والشيعي .. الملتزم دينيا .. والمتحرر بعض الشيئ .. الحزب هو مكان لممارسة السياسة والاقتصاد ومناقشة قضايا المجتمع .. من تعليم وصحة وعمل وبطالة وعدالة ومساواة واحترام لحقوق المواطن .. بصرف النظر عن دين أو جنس أو لون هذا المواطن .. وعند أي تهديد خارجي لمصالح الدولة سواء كان هذا التهديد اقتصاديا أو عسكريا .. تنسي الأحزاب وأعضائها خلافاتها ووتتكاتف جميعا ضد هذا التهديد .. رغم أن هذه الأحزاب تتنافس بشراسة للوصول الي السلطة لتنفيذ برامجها داخليا ..
هذا مايحدث في البلاد الحرة التي تسيطر علي العالم الآن شرقا وغربا من اليابان وماليزيا الي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة مرورا بتركيا واسرائيل .. لافرق بين دولة أغلبية سكانها يدينون بالبوذية أو الاسلام أو المسيحية ..
فهل هذا ما يحدث في بلادنا التي تدعي بعضها أنها تمارس الديمقراطية وبها انتخابات حرة ..
الأحزاب عندنا هي أحزاب سنية أو شيعية .. أحزاب تدعي أنها تمثل المسلمين وكأن منافسيها ليسوا مسلمين .. أحزاب مارونية او مسيحية تدعي أنها تمثل المسيحيين وكأن منافسوها ليسوا مسيحيين .. أحزاب كردية وعربية وعلوية وقومية ..
اليس منطقيا أن يكون هناك مسلما يميل الي اليسار وآخر الي اليمين اقتصاديا وسياسيا .. الخلفاء الراشدون أنفسهم ... كان لكل منهم اتجاه سياسي يختلف عن الآخر في التعامل مع الاقتصاد وبيت المال بحيث يمكن أن نصف أحدهم أنه كان يميل الي اليسار والآخر يميل الي اليمين ..
الحزب يجب أن يكون له برنامج اقتصادي وسياسي وليس دين معين أو طائفة معينة .. لأنه من المفروض أن هذا الحزب عندما يصل الي السلطة يجب أن يكون جميع المواطنين متساويين أمامه في الحقوق والواجبات .. بصرف النظر عن الدين والعرق ..
الأحزاب التي تقوم علي أيديولوجية طائفية .. دينية أو مذهبية أو عرقية .. لابد أن تؤدي في النهاية الي حرب أهلية ... وأخطر هذه الأحزاب هي تلك التي ترفع راية الدين .. لأنها في النهاية بقصد أو دون قصد .. بحسن نية أو بسوء نية ... لابد أن تعتبر منافسيها السياسيين خصوما .. والخصم الخارج من الملة .. في العقل الباطن الجمعي ليس له نفس الحقوق مهما ادعت هذه الأحزاب العكس ... ومع ازدياد المنافسة السياسية ستتحول الخصومة السياسية الي خصومة دينية وعرقية وقومية .. وسيصبح الولاء ليس للوطن بل للمذهب والقبيلة والدين ... وستحدث تحالفات وولاءات لدول أخري قد تشترك في نفس المذهب أو الملة أو الدين أو العرق مع هذه الأحزاب الطائفية .. وبالتدريج ستتحول الخصومة السياسية الي خصومة عسكرية يحل فيها دم الخصم ..
هذا ما حدث في العراق وعلي وشك أن يحدث في لبنان للمرة الثانية بعد الحرب الأهلية الأولي ويطل برأسه في مصر للأسف .. وقد نجد قريبا أحزابا قبطية تقوم في مواجهة الإخوان .. أو أحزابا شيعية في مواجه السنة ..
إن كانت هذه هي الديمقراطية كما نفهمها في بلادنا فلا داعي لها ..
الأمن أهم منها .. والحياة أهم من صندوق الانتخابات ومن أي سلطة سياسية ..
الحرية الشخصية والاجتماعية أهم من الحرية السياسية ..
أي نظام يحمي أمن المواطن هو أفضل من أي نظام يدعي أنه ديمقراطي تحمل فيه الأحزاب السلاح وتضع السيوف شعارا لها في مواجهة أحزابا تنافسها سياسيا وسلميا ..
إن كانت شعوبنا ستختار بين الديكتاتورية وديمقراطية القبيلة والطائفة والمذهب والعرق والسيارات المفخخة والاعتصامات و التي من الممكن أن يفقد فيها المواطن أمنه وحياته لمجرد اختلافه المذهبي أو العرقي ستختار الديكتاتور الذي يوفر لها الأمن ..
شخصيا ..أنا أعتبر الحرية الشخصية والاجتماعية أهم مائة مرة من الحرية السياسية .. أفضل حاكما لايتدخل فيما أومن به ولا كيف ألبس أو أعبد الله طالما يوفر لي الأمن والأمان ويتركني في حالي أعمل وأحاول كسب قوت يومي .. من نظام قد يسمح لي بأن أنتخبه ثم يتدخل في كل كبيرة وصغيرة ويعاملني كمواطن علي أساس مذهبي الديني أو عرقي أو لوني أو إسم عائلتي ..
الديمقراطية والطائفية لا يجتمعان .. هما نقيضان بالضرورة ..
والديمقراطية لم تكن ولن تكون أبدا فقط صندوق انتخاب حتي لو كان شفافا .. ولكنها منظومة متكاملة تقوم أساسا علي احترام حقوق الإنسان وحرية العقيدة والتعبير وحقوق المواطنة وعدم قيام أحزاب علي أساس ديني أو عرقي أو قبلي ..
الشمولية أفضل من الفوضي والقتل علي الهوية والاسم والدين والمذهب والعرق ...
وإن لم نفهم المعني الحقيقي للديمقراطية والدولة المدنية .. فنحن لا نستحقها .. وستكون النتيجة هي مانراه في العراق وما علي وشك أن نراه في لبنان .. ونخاف منه في مصر
في هذه الحالة .. صدام حسين أفضل وكذلك بشار الأسد وحسني مبارك .. أو أي زعيم آخر حتي لو كان قد وصل الي الحكم بدون اختيارنا ولكنه يحافظ علي الأمن ولا يتدخل في حريتنا الشخصية ويفرض علي مواطنيه أسلوبا معينا في الحياة .. أو يتركنا ضحية لأي مهووس قرر أنه حامي الدين وأنه المتحدث الرسمي باسم الله .. قرر أن يخلص منافسيه من حياتهم البائسة ..
حق الحياة في أمان .. هو أهم من أي حق سياسي ..

عمرو اسماعيل

اجمالي القراءات 8832