حرامى / حرمة

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٧ - يوليو - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
هل كلمة ( حرامى ) موجودة فى القرآن ؟
آحمد صبحي منصور

أولا :

مصطلح ( حرّم ) ومشتقاته تكرّر كثيرا فى القرآن الكريم فى سياقات مختلفة ، نرجو تدبر قوله جل وعلا :

1 ـ ( الحرام ) : (  هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )  (25) الفتح ) ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ )  (97)  المائدة  ) ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)   يونس ) ( وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (95) الأنبياء )

2 ـ  ( الحُرُم ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ  )  (95)  المائدة ) (  فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)  التوبة )   

3 ـ ( حرّم) : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ) (173)  البقرة )( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) النساء ) ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) النساء ) ( وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الاعراف )

4 ـ ( حرم ) : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ) (67)   العنكبوت )

5 ـ ( حُرُمات ) : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) (30)  الحج )

ثانيا :

ومع تعدد هذه الاشتقاقات فليس منها فى القرآن الكريم كلمة ( حرامى ). كلمة ( حرامى ) لهجة مصرية ولها مشتقات تعبر عن ثقافة مصرية صميمة . نتعرض لها بالتفصيل فى معنى الحرام والحلال :

 1 ـ فى سنوات الدراسة فى الثانوى الأزهرى فى الستينيات كنت طالبا مثشاغبا خصوصا فى مادة الفقه . كان المدرس يشرح فى أحكام الصيام ، وسألته : ماذا لو فعلتُ كذا وكذا ؟ وقال المدرس : " إذا تكون عليك حُرمة."فقلت : يا ريت : وضجّ الطلبة بالضحك ، فكلمة  " حُرمة " تعنى فى اللغة المصرية الريفية : المرأة..

 2 ـ المصرى حين يعتبر المرأة الأجنبية " حرمة " إنما يعبر عن رقى فى الأخلاق وفى الحضارة . فمن كلمة " الحرام " اشتق وصف " الحُرمة " ليعبر به عن كل امرأة أجنبية يحرم النظر إليها ويحرم التعرض لها . وهكذا عشنا على تقاليد الريف المصرى نعتبر النظر إلى الحُرمة ـ أو المرأة ـ عيبا لا ينبغى الوقوع فيه . ولهذه التربية الأخلاقية جذور فرعونية كانت لا تزال تعيش فى ريفنا قبل عصر الوهابية وتدينها السطحى بالنقاب واللحية والجلباب ، وكأنما كان الريف المصرى فى الستينيات يلتزم بنصائح الحكيم الفرعونى ( أمنيت ـ بن ـ كانخيت) من الأسرة الثانية والعشرين حين قال " لا ترسل نظراتك إلى جارتك فإن نظرك إليها يجعلك كالذئب الماكر ، لأن للجار حُرمة يجب الإحتفاظ بها " . وفى الفصل الخامس والعشرين من كتاب الموتى تفاصيل عن محاكمة النفس حيث يجتهد الميت فى تبرئة نفسه أمام أوزوريس ومن ضمن دفاعه عن نفسه " أنى يا إلهى لم أرتكب الفحشاء ولم أشته امرأة قريبى ." ومن هنا ترسب فى الشعور المصرى منذ القديم اعتبار المرأة الأجنبية حُرمة ، أى يحرم النظر إليها ويحرم التعرض لها ، وإذا دخل غريب إلى دار قال : " دستور" ، أو قال : " يا ساتر" ليعبر عن احترامه وتوقيره لمن فى البيت من ( حريم ) يحرم النظر اليهن . واعتقد أن لهذا أيضا جذورا فرعونية .

3 ـ وكما عفّ المصرى بصره عن النظر للمرأة الأجنبية فإنهكذلك كفّ يده عن مال الغير ، وكما أعتبر المرأة الأجنبية حُرمة فإنه كذلك أعتبر مال الغير حراما ، ووصف من يسرق مال غيره بأنه " حرامى " أى ارتكب حراما حين سرق مال الآخرين . وهكذا يكون ذلك السارق لصا فى اللغة العربية ، ويكون فى لغتنا المصرية " حرامى " مما يدل على حساسية الشخصية المصرية نحو المال الحرام وكل ما يمت للحرام بصلة .

4 ـ والغريب أن المصرى مع ذلك كان يستبيح لنفسه أن يأكل مال الحكومة ما أمكنته الفرصة ولا يعتبر ذلك حراما ، ولا ينبغى أن نلومه على ذلك فقد عانى المصرى قرونا من ظلم الحكام الأجانب الذين بذلوا كل ما فى وسعهم لامتصاص دمائه ونهب خيراته ومصادرة رزق أولاده ، وكان الفلاح المصرى ــ  وفقا لنظام الإقطاع الذى صارت عليه الدولة المملوكية والدولة العثمانية ــ مجرد عبد يزرع الأرض ولا يأخذ من الخير الذى ينتجه ما يكفى غذاءه هو وأولاده ، وكان مجبرا على الإلتصاق بالأرض وإذا هرب منها أنهالت عليه السياط ، وإذا أخفى حفنة من شعير عن الخولى أو الخفير أو المشدّ أنهالت عليه السياط ، وكان مما يفتخر به الفلاح فى ذلك العصر أنه إحتمل مائة سوط على ظهره العارى دون أن يعترف بما خبئه من حبوب ..!! أى كان يفتخر بسرقة حقوقه من الحكام الظلمة ويفتخر بتحمله لسياطهم . وأنشأ " محمد على " مصر الحديثة ولكنه حافظ على النظام الإقطاعى الزراعى واحتكر الإنتاج الزراعي وسنّ قوانين أحكم بها سيطرته على الفلاح المصرى عن طريق موظفيه فى الريف ،  وأهمهم المأمور الذى يتلقى تعليماته من القاهرة ويباشر تنفيذها فى منطقته ويتيقن ــ عن طريق أعوانه ــ من تسخير الفلاحين فى الأرض وعدم هروبهم منها ، وأعوان المأمور فى كل منطقة هم المحاسب والصيارفة ومشايخ البلد والخولى والمشدّ والخفير وناظر الشونة . وأولئك يتعرضون للضرب بالسياط إذا توانوا فى واجابتهم ، وهم بدورهم يلهبون ظهر الفلاح إذا تكاسل . ويعملون من ناحيتهم على تنمية مواردهم الخاصة بزيادة العسف بالفلاح وبالتزوير فى الأوراق وفى الموازين ، أى يسرقون الحكومة التى تسرق الشعب ، ويعيش الفلاح فى الريف ضحية للجميع .. فإذا أمكنته فرصة " وسرق " شيئا من حقوقه افتخر بذلك على المصطبة بين أقرانه .. هذه هى السرقة الوحيدة التى اضطر إليها الفلاح المصرى ولم يعتبرها حراما .. وهو على حق فى ذلك . الطريف إن الفلاح المصرى صاغ هذا فى مثل شعبى بذىء جرىء يقول ( ن..ك الحكومة ولا تورّيها  ز.. ). معذرة لقلوب العذارى.!

5 ـ أعاد عبد الناصر بعض مظالم ( محمد على ) الذى تراجع عنها محمد على فى أواخر حكمه حين سمح بتملك الأراضى ليقوم الاقطاعيون بالنيابة عنه بظلم الفلاح الأجير . قام عبد الناصر بإلفاء الاقطاع ، ولكنه جعل مالكى الأرض مجرد حائزين لها ، يزرعونها وهم مجبرون على تسليم المحصول وفق التسويق الإجبارى للمحاصيل، وتم وضع الفلاح تحت سلطة المأمور وأجهزة وزارة الزراعة وتعرضه للسجن وللضرب فى المركز وفى النقطة إذا لم يبعث بما عليه من أنفار فى مقاومة دودة القطن ، وكانت الغرامات والأحكام بالسجن تطارد الفلاح المصرى ، مما جعل  الفلاح المصرى يعتبر الحكومة ( حرامية ) ينبغى التحايل عليها وأعتبار المال العام كلأ مباحا لمن استطاع أن يسرقه ، وأن يظل الفلاح المصرى يعفّ ويكفّ يده عن مال الأفراد ، ويمد يده فى نفس الوقت لمال الحكومة التى تظلمه وتسلبه حقه وتشترى منه المحصول برخص التراب وتبيعه بأغلى الأسعار وتطارده وتسجنه إذا مارس حقه فى بيع محصوله أو حاول التحرر من احتكار الحكومة للتسويق .وحاليا تحول العسكر المصرى الى أكبر ( حرامى ) فى التاريخ .أبرز ضحاياهم الفلاح المصرى .

6 ـ  إن مصر لو تبلورت فى كلمة واحدة تمشى على قدمين لكانت ذلك الفلاح الذى اختزن فى داخله حضارة خمسين قرنا من الزمان.!!

7 ـ ويا أيها الفلاح المصرى الشقيان : أحُبّك .. مع سبق الإصرار والتّرصّد .

اجمالي القراءات 927