ابن السبيل والسيسى

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٢ - يوليو - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
فى مصر تناقضات هائلة ، مئات الألوف من المساجد الفاخرة منها مسجد السيسى ( الفتاح العليم ) وملايين الفقراء فى العشوائيات وفى المقابر وأطفال الشوارع ، والذين يأكلون من الزبالة . فيها أكبر مؤسسة دينية ( الأزهر ) ولا تتكلم إلا فيما يرضى عنه الحاكم . أعتقد ان مفهوم ابن السبيل أصبح مختلفا فى عصرنا . أرجو يا استاذنا بعض التوضيح .
آحمد صبحي منصور

أولا :

فعلا : فى مصر حاليا توجد مئات الألوف من المساجد ، ومعهم ملايين المصريين الفقراء الذين لا يجدون مسكنا يؤيههم ، ويسكنون فى المقابر والعشوائيات ، ومنهم من يأكل من الزبالة ويعيش على الأرصفة ، وتتم إضافة الالوف اليهم من الذين يقوم السيسى بهدم بيوتهم . بينما ترتفع القصور وتقام الكومباودانات والأحياء الراقية المحمية والعاصمة الإدارية . وشيوخ الأزهر لا يتكلمون فى هذا التناقض الظالم ، ولا يعرفون إن حق ابن السبيل الذى جاء فى القرآن الكريم أصبح فى مصر ينطبق على أولئك الذين لا يجدون المأوى . نقول :

1 ـ ( ابن السبيل) من الكلمات القرآنية التى تتردد فى معرض الآيات التى تحث على الاحسان للمحتاجين. (والسبيل) هو  الطريق و(ابن السبيل) هو الغريب  الذى يأتى الى بلد ولا يجد فيها مأوى . ومن حقه طبقا للقرآن الكريم أن يجد المأوى والرعاية والإحسان . وقد يكون ابن السبيل ميسورا ولكن يظل من حقه ان يتمتع برعاية المسلمين الذين يدخل بلدهم . فالقرآن لم يفرق بين ابن السبيل الغنى والفقير وإنما جعل الوصف عاما لكل غريب لايجد المأوى . وفى عصرنا الراهن – حيث تقدمت المواصلات وتقاربت المسافات – اصبح المفهوم التقليدى لابن السبيل نادر الحدوث . فالمسافر إلى مكان يستطيع ان يعود الى بلدته فى نفس اليوم وليس مضطرا كما كان يحدث منذ مئات السنين الى أن يقضى اسابيع وشهورا فى السفر يكون فيها غريبا وابن السبيل فى المدن التى يمر بها. ومع ذلك فإن عصرنا الراهن اتحفنا بنماذج أشد بؤسا لابناء السبيل الذين لايجدون المأوى ويعيشون على الكفاف يبيتون على الأرصفة وفى خيام لاتسترهم وفى منازل آيلة للسقوط وفى اعشاش خربة تعاف الحيوانات منها . وهذا الصنف من الناس تراهم هنا وهناك يصفع مرآهم ضميرنا الإسلامى وينذرنا بأن هناك خللا فى فهمنا لكتاب الله حيث لايأبه أحد من محترفى التدين لهذه النوعية البائسة من أبناء السبيل الذين هم ايضا من الفقراء والمساكين والسائلين . يستحقون الرعاية والاحسان لكل صفة من هذه الصفات ولكن الذين يرتزقون بالدين ويحولونه الى تجارة انهمكوا فى جمع أموال المسلمين لإقامة المزيد والمزيد من مساجد لاتكتمل فيها صفوف الصلاة وينفقون على تزيينها مايمكن أن يطعم مئات  الألوف من الجوعى وما يمكن أن يقيم مئات الالوف من الوحدات السكنية لملايين من المشردين والشباب الباحث عن إقامة اسرة .

2 ـ يمكن للمسلم أن يصلى فى أى مكان.  والارض كلها أمامه مسجد حيث يسجد بجبهته على الارض . وبينما حفل القرآن بآيات كثيرة فى حقوق الفقراء والمساكين وابناء السبيل فى المال والطعام وفى المسكن . اننا لانجد هذا الاهتمام باقامة المساجد والدعوة الى تأثيثها . فالمسلم يسجد لله ويصلى فى أى مكان ولكن ينبغى أن يكون مخلصا لله فى عبادته ، تطبيقا لقوله جل وعلا : (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)  الأعراف ). والمسجد هو موضع السجود قد يكون ذلك  بيتك  الذى تقوم فيه، أو أى بيوت أخرى لاتختلف عن البيوت العادية ولكن يعمرها المسلمون بالتسبيح وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة للمحتاجين . قال جل وعلا : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)النور ).

3 ـ وقد كانت قريش تحترف التجارة بالدين وتقيم مساجد فيها قبور مقدسة تعبد فيها الأولياء لتقربهم لله زلفى ، وقد تصدّى لهم رسول الله فتجمعوا عليه وكادوا يفتكون به . إقرأ قوله جل وعلا : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23)  الجن ). فى نفس الوقت كانت قريش تمنع من تخلّف عن الهجرة من الصلاة فى مساجدها ، فقال جل وعلا : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) البقرة)، أى إن التعمير الحقيقى للمساجد هو بالمؤمنين الخاشعين ، وليس بمساجد فخمة مثل مسجد السيسى وغيره من أكابر المجرمين فى دول المحمديين . مساجدهم هذه المبنية بالمال السُّحت هى شاهد على كفرهم .  قال جل وعلا : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18) التوبة ). قريش وأكابر المجرمين فى عصرنا  أصروا على هذه النوعية من التجارة عمروا مساجدهم بالزينة والضجيج وخربوا عقائدهم وقلوبهم بالزيف ، وفى غمرة انهماكهم فى ذلك  كله نسوا حقوق الفقير والمسكين وابن السبيل .

4 ـ ولنا تجربة مريرة فى مصر فى عصر مبارك ، وهو على أى حال من حكم السيسى . كان أهل القرآن فى التسعينيات يتعرضون للأذى القول والتكفير عند حضورهم صلاة الجمعة ، فاضطروا الى الصلاة فى بيوتهم ، فتم إعتقال بعضهم . لم يحدث هذا من فرعون موسى الذى لم يمنع بنى اسرائيل من الصلاة فى بيوتهم . نفهم هذا من قوله جل وعلا : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )( 87 ) يونس ).

 5 ـ كان مبارك يتقرّب للأزهر والسعودية بإضطهادنا ، وهو يعلم أننا لا ننازعه فى ملكه وأنه لا مطامع دنيوية لنا . وقد توعّد الله جل وعلا من يمنع المؤمنين من دخول المساجد بالخزى فى الدنيا والآخرة وبالعذاب العظيم يوم الدين : : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) البقرة)،  ورأينا مبارك فى خزى وهو فى المحاكمة ، وعاش ومات فى هذا الخزى . ونرجو أن تكون نهاية السيسى مثل نهاية القذافى وعلى صالح وصدام ..وشاوشيسكو ..

أخيرا

إن الله جل وعلا لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم . ولقد تعايش المصريون مع الظلم بالخنوع حتى وصل الى مستويات غير مسبوقة . لا بد ان يغيروا ما بأنفسهم بالعزة والكرامة بديلا عن الرضى بالذل والمهانة . 

اجمالي القراءات 1193