زعماء على أعتاب الإخوان

كمال غبريال في الإثنين ٠٣ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

أتصور قادة جماعة الإخوان المسلمين وهم ينظرون بازدراء يخلو من الإشفاق، إلى هؤلاء السادة الكرام، الذين يريدون أن يكونوا شخصيات عامة صاحبة صيت وسلطان في الساحة السياسية المصرية، ويحاولون لبعض الوقت أن يلفتوا  إليهم أنظار الجماهير، لكن جباههم سرعان ما تصطدم بحائط من التجاهل، وبدلاً من "يتلهوا على عينهم"، أو يبحث كل واحد منهم لنفسه عن طريق آخر يشتهر به. . كأن ينتج أصحاب الصوت الجميل أو حتى القبيح (ما يضرش) شريط كاسيت يسجل عليه أغان عاطفية، تك&aelg;ون كلماتها رومانسية وتْقَطَّعْ القلب، مثل "كوز الزعامة انخرم عايزله برطوشة"، أو "أنا الزعيم الأباصيري، في الأونطة مفيش غيري"، أو "حبيتك بالصيف، واديتك بالشلوت في الشتا". . أو حتى لو كان زعيم المستقبل "ميح من مجاميعه"، ويفتقد لأي موهبة تلفت إليه الأنظار، فلربما كان من الأفضل له أن يضع قطناً ونظارة سوداء على عينيه، ويقف أمام الحسين ماداً يده، منادياً "جماهير لله يا محسنين. . جماهير قليلة تمنع بلاوي كثيرة"، أو "عيان يا ناس ولسه خارج من السجن ومزنوق يا أهل الخير في شوية جماهير". . رغم كل هذه الطرق والحلول التي تحفظ أكثرها انحطاطاً بعضاً من كرامة الزعيم المنتظر لمصر المحروسة. . نجده بدلاً من ركوب الصعب "يركب الهوا" أو "يركب تكتك"، ويذهب من فوره إلى خزانة الجماهير العامرة، إلى جماعة الإخوان المسلمين العتيدة، والمفتوحة أحضانها دوماً "للهاجع والناجع والنايم على صرصور ودنه"!!

الجماعة المحظور اسماً، والمفتوح لها كل أبواب مؤسسات الدولة فعلاً، والتي "تلعبها خرسة" مع كل الجهات، صفقات مع الدولة من خلف الكواليس، وجبهات معارضة مع أحزاب القش والكرتون أمام الكاميرات، جاهزة لكل من يأتي إليها، مقدماً فروض الولاء والاحترام، ولا مانع لديها من السماح له "ببقين طق حنك"، يصرح بهما لإعلام الطبل والزمر والتهييس المسمى إعلام مستقل، فيقول مثلاً أنه "حريص على توحد قوى المعارضة المصرية"، وربما يتمطع أيضاً فيقول أنه "يختلف مع الإخوان في الرأي، لكنه مستعد لأن يدفع حياته ثمناً لحقهم في إبداء رأيهم"، شوف ازاي الواد ليبرالي؟!!. . ولابد في محاولة لستر عورة لن تكفيها كل أوراق التوت المتوفرة في بر مصر، أن يعلن تمسكه بأن "الدين لله والوطن للجميع"، رغم أن أسياده الذين يرقبونه بازدراء يأبون إلا أن يكون "الدين لله والوطن لله" وقد اطمأنوا أنهم الوحيدون المتحدثون باسم الإله، وبالتالي يكونون قد صادروا الدنيا والدين، لصالح جماعتهم المباركة!!

قد يحدث أيضاً بعد أن يفرغ الزعيم منعدم الجماهير من الصلاة خلف مرشد الجماعة، أن يصادف صحفياً شاباً يتمتع بقدر من "التباتة والغتاتة" يُحسد عليه، يصدمه بسؤال عن التناقض بين ما يدعو إليه من "دولة مدنية" يتساوى فيها كل أبناء الوطن، وتقوم على الديموقراطية وحكم الشعب، وبين ما يسعى إليه الإخوان المسلمون من "دولة دينية" يحكمها ويتحكم فيها ذوي العمائم البيضاء تحت مظلة مبدأ الحاكمية لله، ويعيش فيها أهل الذمة على أريحية وسماحية أصحاب الفتاوى بتكفير المسلمين الشيعة ونعت اليهود بأحفاد القردة والخنازير، وتفسير "الضالين" في "الفاتحة" بأنهم النصارى، دولة يصوم فيها الناس ويصلون ليس فقط بوازع الإيمان في قلوبهم، وإنما أيضاً وسيف الجلاد وسوطه مرفوع على أعناقهم، ولا يسنون القوانين من خلال البحث العلمي عن القواعد والنظم التي تحافظ على مصالحهم، وإنما يفتشون كتب التراث القديمة، بحثاً عن تفسيرات لفقهاء عاشوا عصوراً غير عصرنا، وتضاربوا في تفسيراتهم ورؤاهم، بل وكَفَّروا بعضهم بعضاً!!
هنا وفي مواجهة هذا السؤال الصحفي الذي لم يأت أبداً في وقته، لابد وأن يمهمل زعيم المستقبل نفسه لحظات يبتلع فيها ريقه، ريثما تطرأ له فكرة عبقرية، وهي أن يرسم على وجهه ملامح غباء أو بلاهة وراثية أو مكتسبة، ثم يسترجع بذاكرته عبارة تأتي على باله "كالقرش الأبيض الذي ينفع في اليوم الأسود"، كان أحد حواة الجماعة المباركة قد زحلقها من قبل لأحد الصحفيين، لزوم لعب "الثلاث ورقات"، الذي يتقنه بعض المتخصصين فيه من الأخوة المباركين، فيما تخصص آخرون منهم في قذفنا بالحقيقة عارية بلا رتوش، على وزن "طظ في مصر واللي جابوا مصر". . كان الأخ الكريم إياه قد أفتى للصحفي إياه أيضاً، أن الإخوان يسعون "لدولة مدنية ذات مرجعية دينية"!!. . ساعتها لم يضحك أو يقهقه أحد من الحضور، وإن كان هذا لم يمنع أن تكون قلوبهم عامرة وقتها بالضحك، إن لم يكن بالضحك على ما قيل، "فبالضحك على الدقون"، وليس أكثر في بلادنا من الذقون المضحوك عليها، سواء تم ذلك الضحك بمزاجها، أو رغماً عن أنفها!!

القول بالموافقة على "دولة مدنية ذات مرجعية دينية"، أشبه بمن يوافق على لبس "برنيطة بشرط أن تكون اسطوانية حمراء اللون ولها زر"!!. . هو بلاشك قول هزل لا جد فيه، ولا يبتلعه غير مدمني "ابتلاع البالوظة"، وإلا فيا أولي الألباب فليخبرني أحدكم، ماذا تكون الدولة الدينية، غير أن تكون هي تلك المعتمدة على مرجعية دينية؟!!. . هذا بالطبع ما لم يكن ما يقصدون بالدولة المدنية، بأنها الدولة التي يسمح فيها للناس بارتداء ملابس مدنية، أي "قميص وزعطلون"، ولا تُفرض عليهم "الكاكولا" أو الملابس الباكستانية!!
هؤلاء الزعماء الوهميين، الأشاوس منهم وغير الأشاوس يحتاجون إلى جماهير، والجماعة المحظور تبحث عن طريق هؤلاء عن شرعية، هي شرعية أشبه بعمليات غسيل الأموال القذرة التي تمارسها الجماعة طوال الوقت. . الجماعة بالطبع لا تأبه لهذه الشرعية كثيراً، فهي مكتفية بما تحققه على الأرض من مكاسب، مع هذا لن تضيرها الدعاية الإعلانية المجانية، عن طريق هؤلاء السذج أو المتذاكيين الباحثين عن جماهيرية، فهم كما يصرح رموزها مراراً وتكراراً لن يغيروا مبادئهم التي دخلوا السجون والمعتقلات بسببها، ولن يمنحوا جماهيرهم لهؤلاء المتسولين لجماهيرية، كما لن يدعوا أحداً يركب ظهورهم، وهم الذين احترفوا ركوب ظهور الجميع، ليصلوا بهم إلى حيث يريدون، ثم يقلبونهم بعد ذلك شر منقلب!!
هكذا يكون الازدراء والسخرية العلنية أو المستترة، هي نصيب كل هؤلاء الذين يزحفون على بطونهم إلى أعتاب الجماعة المباركة. . أو هل يطمعون حقيقة فيما هو أكثر من ذلك؟!!

اجمالي القراءات 8354