آحمد صبحي منصور
في
الأحد ٠٧ - يوليو - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
أولا :
المقال كان عنوانه ( قراقوش المظلوم ) ونشرته جريدة الأحرار بتاريخ 25 /11 / 1991 . وهو الآتى :
( 1 ـ جاء الفلاح يشكو جنديا إلى قراقوش ، كان الفلاح يركب سفينة ومعه زوجته الحامل فوكزها الجندي فأجهضها ، وتفكر قراقوش ثم نطق بالحكم ، حكم بأن يأخذ الجندي زوجة الفلاح عنده وكما أجهضها عليه أن ...... وهرب الفلاح بزوجته قائلا : أجري على الله .... !!
وشكا رجل إلى قراقوش تاجرا أكل عليه أمواله ، فاستدعى قراقوش التاجر وسأله عن السبب فقال التاجر : ماذا أفعل له أيها الأمير ؟ كلما وفرت له الأموال لأسدد له دينه بحثت عنه فلم أجده ، وتفكر قراقوش كعادته ثم حكم بأن يسجن الرجل صاحب الدين حتى يعرف المدين مكانه حين يريد تسديد الدين له ، وهرب الرجل قائلا : أجري على الله .. !!
وقالوا لقراقوش أن طائر " الباز " المفضل لديه قد هرب من القفص وطار ، فأمر قراقوش بغلق كل أبواب القاهرة حتى لا يستطيع الفرار ...!!
وكان هناك ولد عاق ركبته الديون بسبب تبذيره ومجونه وعاقبه والده العجوز فمنع عنه الأموال وانتظر الابن ومعه أصحاب الأموال أن يموت الأب دون جدوى فقرروا أن يدفنوه حيا ، واحضروه وغسلوه وكفنوه وهو يستغيث بلا فائدة ، ثم وضعوه في النعش وساروا به وتصادف أن قابلهم قراقوش وقفز الرجل من النعش واستغاث بقراقوش من ابنه وأولئك الذين يريدون دفنه حيا ، وسأل قراقوش الابن والناس فاقسموا أنه كان ميتا حين غسلوه وكفنوه وتفكر قراقوش كعادته ثم قال للرجل العجوز إذا أخذت بكلامك سيثور علينا كل الموتى ويطلبون العودة للحياة مثلك ، ثم قال للناس: اذهبوا به إلى المقبرة .
2 ـ هذه بعض النوادر التي كتبها المؤلف المصري ابن مماتي في كتاب " الفاشوش في حكم قراقوش" وفيه اغتال شخصية ذلك القائد الأيوبي بهاء الدين قراقوش مملوك صلاح الدين الأيوبي ، واتبع في كتابه طريقة التشنيع وتأليف الحكايات البسيطة المضحكة مما سهل على الناس حفظها وتداولها عبر الأجيال حتى أصبح قراقوش يحتل في الضمير الشعبي شخصية الحاكم الظالم الأحمق ، وحتى قال المثل الشعبي : ( ولا حكم قراقوش ).
3 ـ على أن الشخصية الحقيقية لقراقوش تختلف تماما عن ذلك ، فهو الذي أنشأ القلعة وهو الذي انشأ سور القاهرة وقد بدأ البناء سنة 572 هـ واستنبط عين ماء في القلعة كانت السواقي تنقل ماءها من أسفل إلى أعلى ، وكان إنشاء القلعة ضروريا بسبب تهديد الصليبيين لمصر وقتها ، وكان لابد من الفراغ منها بأسرع وقت ، ولم يجد صلاح الدين الأيوبي أكفأ من قراقوش لهذه المهمة فأتمها بنجاح ، ويقال انه استخدم في هذه المهمة خمسين ألف أسير ، وقد أنشأ إلى جانب القلعة وسور القاهرة قناطر الجيزة على النيل ، ولا تزال القلعة شامخة حتى الآن ، ولا تزال أثار سور القاهرة أمام أعيننا ، ولكننا نسينا القائد العسكري الأمين الذي أنشأهما ونتذكر فقط أن قراقوش هو الحاكم الظالم الأحمق .
4 ـ والسبب الذي شوه سيرة قراقوش هو خصومته مع الكاتب ابن مماتي ، كان ابن مماتي يمثل القلم وكان قراقوش يمثل السيف والقوة ، وتصارع الاثنان وانتصر ابن مماتي حين حول إنجازات قراقوش إلى نماذج قصصية من الحمق والجور لا تزال تعيش في وجدان المصريين ، ومن الطبيعي أن قراقوش كان له الجاه والقوة في مقابل ابن مماتي الذي لا يملك إلا القلم ، وربما انتصر في حياته على ابن مماتي ولكن العادة أن النصر الأخير دائما للقلم حتى لو كان ظالما ، ولذلك سيظل المصريون يتندرون على قراقوش حتى وهم يمرون على القلعة وسور القاهرة ، فقد انتهى قراقوش الحقيقي بقوته وصولجانه بينما دخلت إلى عالم الخلود تلك الشخصية الهزلية التي رسمها قلم ابن مماتي عن حكم قراقوش ، فالقوة تعيش مع صاحبها طالما ظل قويا أما القلم فيعيش بصاحبه ومع صاحبه ويدخل به إلى دائرة الخلود ..
5 ـ وكم عرف التاريخ وقائع صراع بين صاحب السلطان وصاحب القلم واستطاع السلطان أن يبطش بالقلم ولكن انتهى السلطان إلى النسيان وظل القلم في الوجدان . في سنة 705 هـ أمر السلطان باعتقال ابن تيمية في الجب بقلعة الجبل ( التي أنشأها قراقوش ) وعقد له أعداؤه المحاكمات إلى أن خرج سنة 708 هـ وكان ابن تيمية يملك القلم والفكر وكان أعدائه من مدعي العلم لا يملكون إلا السلطان والجاه ، وكان السلطان المملوكي وقتها أشدهم كراهية لابن تيمية، مرت الأيام وفقد ذلك السلطان عرشه وحياته وعاش ابن تيمية بعده ولا يزال يعيش حتى الآن وسيظل يعيش بفكره ومؤلفاته ما بقي الناس يقرأون ، أما ذلك السلطان فقد غاب في زوايا النسيان ، وقليل من الباحثين في التاريخ من يعرف اسمه وبالمناسبة فاسمه هو السلطان بيبرس الجاشنكير . وقارن بين هذا الاسم المجهول وبين إسم إبن تيمية وستعرف الفارق بين هذا وذاك ، فالقوة قد تكسب ساعة ولكن القلم هو الذي يكسب إلى قيام الساعة .
6 ـ لقد اقسم الله تعالى بالقلم وربما يسطره القلم ، في هذا تعزية كبرى لنا نحن الذين لا نملك إلا القلم الجاف .. ومرحبا بالفقر في الحاضر وبالخلود في المستقبل . ) .
أخيرا :
كتبت هذا المقال عام 1991 حين كنت أعيش تحت إضطهاد مبارك وملاحقة جهازه الأمنى . والمقصد واضح من المقال .