ثلاثة أسئلة

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٥ - يوليو - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
السؤال الأول شىء عجيب حين تقارن بين السجون التركية والسجون المصرية . لم ادخل سجن مصرى ولم ارى على الحقيقة سجن تركى ، ولكنى شاهدت اعمال درامية تركية كانت فيها السجون التركية وأحوال المساجين فيها ، وهم يعيشون فى زنزانات واسعة يطبخون طعامهم ويتحدثون ويتسامرون كانهم فى بيوتهم . ورأيت فيلم أمريكى متحامل على تركيا يتهم مدير السجن بالشذوذ ، ولكنه جاء فيه أيضا نفس أحوال المساجين . قرأت المكتوب عن السجون المصرية من عهد عبد الناصر وحتى عهد السيسى الذى توسّع فى بناء السجون . وفيها التعذيب وسجن المعارضين السياسيين وقتلهم ، وسجل السيسى مؤسف فى تقارير حقوق الانسان . أحترمك كثيرا يا دكتور صبحى فى هجومك على الديكتاتوريين وفضح التعذيب وانت كما تقول ضد أكابر المجرمين ومع المستضعفين . ولا أحد يزايد عليك فى هذا فأى شيخ فى مقدرتك العلمية كان يمكن أن ينافق ويصل الى أعلى المناصب فى الأزهر . ولكنك إخترت الطريق الصعب ودفعت الثمن بينما شيخ الأزهر الحالى ومن سبقه لا يفتح فمه بكلمة ضد الظلم والتعذيب . اريد منك إجابة مختصرة : لماذا كل هذا التعذيب فى مصر بالذات ؟ ومتى يتوقف التعذيب فى مصر ؟ السؤال الثانى : ما رأيك فى قصة صاحب موسى الذى قتل غلاما وقال إن ذلك بأمر الله تعالى وليس بأمره . الآية تقول : (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74) ، وتقول :( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) الكهف ) هل يجوز أن نقتل طفلا لأنه سيكون خطرا فى المستقبل ؟ . يعنى مثلا هل كان يجوز قتل الطفل هتلر لأنه فى المستقبل سيسبب الحرب العالمية ويقتل الملايين ؟ السؤال الثالث: من هو النبى ذا النون ؟ وما هو الظلم الذى وقع فيه فقال : ( لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87) الانبياء )؟ وما هو الدرس المستفاد لنا من هذه القصة ؟
آحمد صبحي منصور

إجابة السؤال الأول :

1 ـ تم فى تركيا تقليص سلطة العسكر ، وعرفت نوعا من الديمقراطية . وهذا يخالف الوضع المصرى حيث يحكم العسكر من عام 1952 ، وتشهد مصر الآن أحقر العسكر فى تاريخها الممتد من 70 قرنا من الزمان .

2 ـ إذا كان العدل أساس المُلك كما يُقال فإن التعذيب اساس الاستبداد . لا بد للمستبد أن يُرهب الشعب بالتعذيب ويوقعه فى الفقر والجهل حتى يستقر حكمه . ومصر فى تاريخها الممتد عرفت الاستبداد المتطرف والاستبداد المخفف ، وعرفت السجن ، وهو مسجل عنها فى القرآن الكريم فى قصة يوسف حيث تلفيق التهمة لبرىء : ( قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ) (37) يوسف ) ( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)  ) وفى قصة فرعون الذى هدد موسى بالسجن : ( قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ (29) الشعراء ).

3 ـ لم تعرف مصر هوانا مثل هوانها على يد السيسى ولم تعرف تعذيبا للأبرياء والأطفال مثل عهد السيسى . لا يعادل تطرف السيسى فى الاستبداد والفساد سوى تطرفه فى التعذيب.

إجابة السؤال الثانى :

1 ـ ذلك لله جل وعلا وحده ، وهو الذى أرسل العبد الصالح ليتعلم منه موسى الصبر وعدم الاندفاع . هذا العبد الصالح هو نبى مجهول الاسم بدليل إنه يتلقى الوحى الالهى ، ويأتمر به ، ومنه ان يلتقى موسى ويفعل ما هو مأمور به . وقد قال لموسى ( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82)الكهف )

2 ـ بعض الأنبياء يعلمون بعض الغيوب بالوحى الالهى . ومنهم ذلك النبى ( العبد الصالح ). البشر ومعظم الأنبياء لا يعلمون الغيب الالهى ، وبالتالى لا يمكنهم معرفة إن هذا الطفل أو ذلك الشخص سيفعل كذا فى المستقبل . وليس فى الشريعة الاسلامية ولا فى القوانين الوضعية معاقبة شخص على جريمة لم يرتكبها بحجة أن سيرتكبها فى المستقبل. العقوبة تكون عن جريمة وقعت فعلا .

3 ـ حتميات ( الموت / القتل ، الميلاد ، المصائب والرزق ) هى بمشيئة الرحمن جل وعلا ، وهى مسجلة فى ( أم الكتاب ) ، وهو وحده جل وعلا الذى يملك المحو الإثبات فى ( أم الكتاب ). قال جل وعلا : ( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)  الرعد ). بالتالى يمكن بالدعاء تغيير بعض الحتميات إذا إستجاب الله جل وعلا دعوة الداعى .

إجابة السؤال الثالث:

أولا :

1 ـ قال جل وعلا : ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) الانبياء ).

2 ـ ( ذو النون ) : ( ذو ) بمعنى صاحب . تقول ( ذو مال ) أى صاحب مال . وجاءت ( ذا النون ) منصوبة بالألف لأنها مفعول به لفعل محذوف هو ( أذكر ) أى أذكر ذا النون . ( النون ) يعنى ( الحوت ) . وتفسير ( وَذَا النُّونِ ) هو ( صاحب الحوت ). وجاء هذا فى قوله جل وعلا : ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (50)  القلم ).

ثانيا :

1 ـ قوله ( إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ) : نفهم نوعية الظلم من قوله جل وعلا عنه: ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) . المفهوم إنه هرب من قومه خوفا منهم عاصيا أمر ربه يظن أن ربه جل وعلا لا يقدر عليه .

2 ـ  ونفهم شدّة الغضب عليه من وصف الله جل وعلا له : ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَإِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)  الصافات ) . قال ( َأبَقَ )ولم يقل ( هرب ) .والإباق للعبد . وقال ( مِنْ الْمُدْحَضِينَ ) أى المهزومين . ولم يأت هذا فى القرآن الكريم إلا مرة واحدة فى حق ( يونس ) و ( وَهُوَ مُلِيمٌ ) أى مستحق للّوم . وجاء هذا فى وصف فرعون . قال عنهم جل وعلا : ( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) الذاريات ) . وقال عنه : ( فَنَبَذْنَاهُ ) من ( النبذ ) ولم يقل فأنقذناه أو أخرجناه ، وهو نفس ما قاله جل وعلا عن فرعون وقومه : ( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (  40) القصص ) وجاء التحذير للنبى محمد والأمر له بالصبر حتى لا يكون مثله : ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ).

ثالثا :

1 ـ الدرس المستفاد هو قوله جل وعلا : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)) أى كذلك ينجى الله جل وعلا ويستجيب دعاء من يدعوه بتضرع وإخلاص معترفا بذنبه يرجو رحمة ربه . قال جل وعلا : (  أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) (62) النمل ).

2 ـ اللهم إستجب لدعائنا يا أرحم الراحمين .!

اجمالي القراءات 842