آحمد صبحي منصور
في
الإثنين ٢٧ - مايو - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
الاجابة :
سؤالى لك : هل ترضى أن تكون بليونيرا ومصابا بسرطان لا شفاء منه إلا بالموت ؟
الاجابة تكمن فى معرفة أنواع الرزق . وهى :
الرزق الموهوم:
الرزق الموهوم هو حسابك فى البنوك وما تملكه من سندات و اسهم وعقارات وأراضى . كل ذلك أوهام لأنها مجرد أرقام وأوراق ومواد من الأرض أو مساحات من الأرض. كلها تنتقل منك الى غيرك ، كلها مجرد احساس وهمى بالملكية لشىء لا يلبث أن يغادرك الى غيرك. الدولار أو الجنيه أو الدرهم أو الدينار أو الشيك مجرد ورقه، عديمة الفائدة طالما هى فى يدك ، وفى اللحظة التى تكون فيها مفيدة لك تفقدها. يعنى معك دينار ، مجرد ورقة فاذا اشتريت به طعاما لتسد به جوعتك راح الدينار من يدك وانتقل الى يد غيرك. أنت تملك عشرات الشقق والشاليهات و المنازل و اليخوت و القصور. ولكن كل ما تحتاجه هو تلك المساحة التى يحتلها جسدك عندما تنام او تستريح. رب عامل يتصبب عرقا يعمل فى بناء قصر من قصورك يجلس فى العراء ليستريح فيدركه النوم فينام مرتاح البال فوق رصيف قصر لا يملكه بينما أنت الذى تملك هذا القصر و عشرات غيره لا تستطيع أن تنام تلك النومة الهادئة ، تستعين على النوم بمنوم و تستعين على الراحة بمهدىء، وبين المنوم و المهدىء لا تحس بطعم ما لذ وطاب من الطعام ، بينما ذلك العامل الكادح يتلذذ بأكلة بسيطة جاءته بعد تعب وجوع وشوق. باختصار : كل ما لديك من أرصدة و حسابات و عقارات مجرد رزق موهوم .
الرزق المعلوم :
الرزق المعلوم المقسوم نوعان : مادى ومعنوى .
1 : الرزق المعلوم المقسوم المادى هو المقصود بقوله جل وعلا :
1 / 1 :( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) (6) هود )
1 / 2 : ( وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) العنكبوت ). هذا الرزق ضمنه الله جل وعلا لكل دابّة ، أى أى مخلوق يدب متحركا بحركة ذاتية مقصودة . الإنسان ضمن هذه الدواب ، فقد ضمن الله جل وعلا رزقه الذى يقيم أوده ويحفظ حياته ، وينقطع بموته وإنقضاء أجله .
2 : هذا الرزق المعلوم المقسوم المادى هو ما يدخل فى جسدك من هواء وطعام وشراب ـ وما يغطى جسدك من ثياب ، والمكان الذى يحتله جسدك فى هذا الكوكب فى راحته ونومه واستقراره .
3 ـ وقد جعل الله تعالى لهذا الرزق الحقيقى خصائص معينة : فلأنه رزق حقيقى معلوم فهو يقوم أساسا على الاحتياج و الضرورة ، أو ما يسمى بقانون الندرة ، والتى على أساسها يتحدد سعر الأشياء ، أى كلما ندر وجود الشىء زاد سعره . ولكن الأمر هنا بالعكس. إذ أنّ من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعل أشد الضروريات ليس أغلاها سعرا أو أعلاها ثمنا ، بل جعل أغلى الأشياء أرخصها ، بل الأغلى على الاطلاق لا ثمن له ، إنه بالمجان .. (ببلاش ) وبلا ثمن ، ثم يوجد ثمن ضئيل لكل نوعية من الضروريات على حسب درجة الضرورة فيها ، ويرتفع الثمن كلما قلّ الاحتياج لها ، فاذا لم تكن ضمن الاحتياجات أصلا أصبحت باهظة الثمن.
3 / 1 : أنت لا تستغنى بضع دقائق عن الهواء ( الاوكسجين ) لذا جعله الله تعالى مجانيا و باعد بينه و بين سيطرة الناس عليه. وتخيل لو ان حاكما عربيا يتحكم فى الهواء و تنفس الناس .. تخيل هذا وقل : الحمد لله سبحانه وتعالى رب العالمين .!!. .
3 / 2 : بعد الهواء المجانى لا يستطيع الانسان العيش بدون ماء أكثر من يوم أو يومين.. ولهذا فالماء بالمجّان ـ تقريبا . وإذا كان عزيز الوجود ـ كالصحراء ـ فان التكلفة فى الحصول عليه قد توازى القدرة على احتمال العطش.
3 / 3 : ثم يأتى الطعام ثالث الضروريات فتجد أرخصه هو أشده ضروره ؛ ملح الطعام مثلا هو أرخص مواد الطعام لأنه لا يستغنى عنه الجسد البشرى..أغلى أنواع الطعام هى الكماليات الضارة غالبا و التى يستحسن الابتعاد عنها. وهكذا فى اللباس ـ
3 / 4 : الى أن تصل الى الكماليات الحقيقية كالجواهر والأحجار الكريمة.. هى باهظة الثمن ، ومع ذلك تستطيع العيش بدونها ، بل ربما كنت الحياة أفضل بدونها. هذا هو الرزق المعلوم المقسوم المادى .
فماذا عن الرزق المعلوم المعنوى ؟
1 ـ أغلب الناس لا يرى هذا الرزق مع وجوده داخلهم ، أو على الأقل وجود بذرته فى كيانهم . الفقير العادى ـ مثلا ـ يرى رزقه الحقيقى فى المال القليل الذى يحصل عليه ، وربما يحسد صاحب المال الثرى . هذا الفقير لا يفطن الى الرزق الحقيقى الذى يتمتع به دون أن يدرى ، ولو أمعن الفكر لتعرف على وجود نعم كثيرة فى داخله لا يحس بها لأنها موجودة ، وهو لا يحس بها لأنه اعتبرها من طبائع الأشياء ، فاذا فقدها أو غابت عنه أنتبه ، وأحس بفقدها وتمنى عودتها. الصحة مثلا لا يشعر بها الانسان إلا عند المرض ، والشباب لا يفتقده الانسان إلا فى ارذل العمر . قد يكون هذا الفقير صحيح البدن خاليا من المرض متمتعا بحواسه وأعضائه و أطرافه، وهذا رزق لا يحس به إلا عندما يمرض ، ولو كانت له كنوز العالم لضحى بها مقابل أن يسترد صحته . قد تكون له زوجة صالحة وأبناء صالحون ، لا يحس بهم إلا عندما يرى العقوق و الجحود و الفساد فى أولاد رفيقه الثرى ، وفى مشاغبات زوجة الثرى مع زوجها. هذه نعم موجودة تنادى صاحبها ان يلتفت اليها ، فإذا التفت اليها وأعطاها حقها من التقدير عاش فى أعظم رزق وأفضل نعمة ، وهى راحة البال .
2 ـ الفقير ـ عموما ـ هو المرشح لنعمة أو رزق راحة البال لأن احتياجاته بسيطة و ليس مدينا لأحد أو ليس مثل ذلك الثرى أو صاحب الجاه مسئولا عن مصانع وشركات ويواجه مؤامرات ومنافسات و تلاحقه الاتهامات أو يقوم هو بفعل ذلك كله ويتوقع الانتقام ، وتلاحقه أشباح ضحاياه ، كل ذلك لا يجعله ينعم بنوم هادىء أو بقلب هانىء . فكلما أوتى الانسان من المال والجاه كلما تكاثرت مشاكله ، وأقول هنا لكل راغب فى حطام الدنيا : خذ من الدنيا بقدر ما تستطيع ، ولكن ستاخذ بقدره هموما . وليس مع الهموم سعادة أو راحة أو صحة بدن ، لإن راحة البال هى أساس الصحة النفسية و العقلية و الجسدية . وهى محور السعادة.
3 ـ وراحة البال أساسها الرضى بالرزق مع السعى فى تحصيله بالحلال ، وتقديم حق الله تعالى فيه بالصدقة أو زكاة المال. أى أن تسعى بكل ما تستطيع فى إطار الحلال متوكلا على الله جل وعلا ، ثم ترضى بالنتيجةـ كما ترضى بالمصيبة ، وتحمد الله سبحانه وتعالى على هذا وذاك.
هذا من اهم عناصر الايمان العملى بالله جل وعلا، وهذا أيضا من أسهل انواع الرزق المعنوى الذى تحصل عليه داخليا بالهداية ، فتتفاعل فى قلبك وفى مشاعرك بالرضى والصبر و الشكر ، وتنعكس على جسدك صحة و عافية يحسدك عليها من أرهق حياته بالسعى وراء الرزق الموهوم.
أخيرا
الرزق المعلوم المضمون لكل دابة يتحقق لك سواء دعوت الله جل وعلا أم لم تدعُ . أى رزق يسبب لك عدم راحة البال ويسىء لعلاقتك بربك لا تدعّ الله جل وعلا أن يحققه لك . يكفى أن رزقك ضمنه ربك لك من لحظة مولدك الى لحظة موتك . إذا مُتّ تقيا رزقك الله جل وعلا أعظم رزق خالد فى الجنة . قال جل وعلا :
1 ـ (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ( الحج 58)
2 ـ (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ( البقرة 25)
3 ـ (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ( غافر 40 )
قل : صدق الله العظيم .!!