سلســـلـة التدخل فى حق الله فى تشريع الحلال والحرام
فتوى رقم (1)
تحريم الاختلاط بين النساء والرجال فى الإسلام جريمة
مقدمة
الفتوى التى جاء فيها "إرضاع المرأة زميلها فى العمل" لمنع الخلوة المحرمة بينهما والإعتذارالذى صدر من صاحب الفتوى، إلا أن الجدل حول هذه الفتوى &aacutcute;فتوى لم يتوقف، وساهم هذا الجدل في تسليط الضوء على قضية اخرى، غير قضية الشيخ الازهري المثيرة عن ارضاع زميل العمل، قضية لا تقل تعقيدا عن قضية الرضاع، وهي قضية استأثرت بنصيب كبير من الخلاف والاختلاف في الأوساط الإسلامية، خصوصا مع تعقد الحياة العملية ونزول المرأة المسلمة إلى سوق العمل، والعلاقات مع زملاء العمل... وكل هذه الصور التي يفرضها واقع عملي جديد.
وهى مسألة الاختلاط بصفة عامة بين الرجال والنساء، هل هو حرام أم حلال، وهل هناك فى الإسلام إختلاط محرم وآخر حلال؟
أراء بعض الأساتذة ....
الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن في جامعة الأزهر وعضو الاتحاد العالمي لعلماء للمسلمين
" أن الفتوى صدرت، ممن ينظرون إلى المرأة نظرة أنثوية بحتة، لاإنسانية، باعتبار المرأة مثارا للفتنة والشهوة مع إغفال خلق الله للمرأة من نفس واحدة مع الرجل، لضمان التكافل والتعاون بينهما، واضافت: تمسكوا بأحاديث غير معللة قصد منها "إثارة الشبهات وإحداث البلبلة والإساءة للإسلام"، بالهاء العامة في القضايا الصغيرة وإبعادهم عن القضايا الجوهرية."
الداعية السعودية الدكتورة سهيلة زين العابدين
الفتوى التي اجتهد فيها احد علماء الأزهر، إنما جسدت امتهانا للمرأة، مضيفة استناد العالم الأزهري في فتواه على أساس خاطئ تركز على تسليمه بتحريم الاختلاط، محاولا إيجاد مخرج للإباحة في ظل الظروف الاجتماعية المعاصرة، التي تفرض اختلاط الجنسين في أماكن العمل وغيرها، والذي بحسب العابدين لا يحتاج إلى فتوى إرضاع المرأة لزميلها لكثرة النصوص الشرعية من القرآن والسنة المؤكدة على إباحة الاختلاط. واضافت، أن عزل الجنسين، استحدثته المجتمعات الإسلامية في العهد العثماني، مشيرة إلى عودة عادات وتقاليد أمم وشعوب في عصر الجاهلية للظهور على السطح، أدت بدورها إلى التراجع الحضاري مرة أخرى، عقب إلباسها الغطاء الشرعي الإسلامي، ومنها ما ذكرته سهيلة عن القاعدة الاجتماعية السائدة القائلة، " لا تخرج المرأة من بيت والدها سوى إلى منزل زوجها ومنهما إلى قبرها "
كلمات ومعانى...
وكلمة الاختلاط هذه هي من زعم وافتراء شيوخ التيارات السلفية وليس لها أي أصل في الكتاب ولا في أحاديث النبي عليه السلام، وهم أوردوها يقصدون من وراءها منع الاجتماع بين الرجال والنساء في أي مكان تعليمي أو عملي أو أي مكان يمكن للنساء والرجال الاجتماع فيه، وذلك بدعوى كاذبة أن النبي عليه السلام نهى عن الخلوة بين الرجل والمرأة، فكلمة (الاختلاط) هي تحريف وتبديل مقصود ومتعمد لكلمة (الخلوة) التي وردت في بعض أحاديث النبي عليه السلام، ولم يرد ببال القوم أن الخلوة لا تعني الاختلاط والاختلاط لا يعني الاجتماع. فلكل من هذه الكلمات دلالتها التي تخالف فيها دلالة الكلمتين الأخريين، فمثلا كلمة: (خلو) تدل على تعري الشيء من الشيء وخلوه منه، يقال هو خلو من كذا إذا كان عاريا منه، فهو المضي عن الشيء إلى غيره، والخلاء هو المكان العار من شيء به ويقال فلان يخلو بفلان إذا خادَعَهُ. أما كلمة (خلط) الشيئ بالشيئ: ضمه إليه ومزجه، ويقال إختلط بمعنى إمتزج، فتدل على خلط لشيء بغيره فهو مختلط مع الحفظ لحدود الخليطين من المزج بحيث لا يعرف أحدهما من الآخر. أما كلمة (جمع) فتدل على ضم شيء إلى شيء، ضَمهُ وألفَهُ، ويقال إنجمع الشيئ بمعنى إنضمت أجزاؤه وتقابرت.
توحى كلمة "الاختلاط" لسامعها بشىء حقير فى النفس، ليتخيل أن ممارسة المرأة المسلمة لحياتها الطبيعية ودورها الاجتماعى، هو اختلاط يمثل إندماج جنسى بين المتواجدين فى مكان واحد بل إنهم قد زادوا عليه المصطلح التراثى الشهير "الخلوة المحرمة"، ليخلطوا الأوراق على السامعين برغم أن "الخلوة" فى الشريعة ليست تتمثل فى وجود نساء ورجال، أو رجل وامرأة فى مكان واحد وحسب ولكنها تعنى وجود رجل وامرأة باتفاق منهما فى مكان واحد.
العقلية الإسلامية بعد عليه السلام عادت لمفاهيم الجاهلية التى تعتبر المرأة فتنة وعورة
فى حقبة الإسلام الوهابى المظلم التى يعيشها العقل المسلم المعاصر، دائما ما نجد خطابا موجها ومركزا على تدمير الحياة الاجتماعية بين طرفى المجتمع المسلم، خطابا أحمق يخترع ويبتدع مصطلحات مضافة لم يعرفها الإسلام فى العصر النبوى، لكن الدين الأرضى اليوم صور للعقل المسلم أن خروج النساء من بيوتهن للعمل أو لغيره كان سببا مباشرا لفساد الدين والدنيا بل إن الظلم الوهابى السلفى يتخطى ذلك، نجد أنصار الوهابية يدَّعون أن كل كوارث وهزائم المجتمعات الإسلامية اليوم سببها خروج النساء حتى عودة القدس من محتليها ربطها السفهاء بعودة النساء إلى بيوتهن.
وحسب النهج الذى يتبعه الوهابيون، فهم يخترعون دوما فى الدين المضاف مصطلحات تؤسس لهم، وتمهد الطريق لاستتباب أركان تسلطهم بالغلبة على الوعى العام عند المسلمين فاخترعوا وابتدعوا لهذا الشأن مصطلح "الاختلاط"، وهم يقصدون به توصيف حالة خروج المرأة المسلمة من بيتها للعمل أو للدراسة أو حتى للتنزه والتبضع, وقد أجاد الوهابيون كعادتهم - فى اختيار تلك المصطلح.
لذلكاختلطت المفاهيم ، واستقر فى نهاية الأمر على أن النساء جمرة من لهب, وقطعة من فتنة محققة إذا ما ظهرت على الرجال ذهبت عقولهم، وهموا بمواقعة الحرام معهن ما أدى بدوره لتوليد مجتمعات مريضة لا ترى المرأة إلا آلة جنسية وشرا مستطيرا ينتشر بين الرجال ليفسد عليهم دينهم ودنياهم.
وعلى أيدى هؤلاء تخرج أجيال مريضة تعتقد اعتقادا راسخا، أن الدين يحدد ويقصر على المرأة مكانها بالبيت، صيانة لها من الوحوش والذئاب حيث رسخ الوهابيون وعملاؤهم مفاهيم المرضى بالجنس كمفهوم عام فأصبحت ممارسة الحياة الاجتماعية بشكلها المعاصر للمرأة المسلمة، هى طريق مؤدية لا محالة للوقوع فى الحرام وقد ساعدهم على تثبيت هذه المفاهيم، وتأكيد اختراع "الاختلاط المحرم". هذا الكم المتزايد من العلاقات الآثمة التى انتشرت فى المجتمعات الإسلامية فنجحوا بدهاء معروف فى ربط تلك النتائج بمقدمات تسبقها وهو "الإختلاط" فَصَدقَ عامة المسلمين أن خروج النساء سبب لكل هذه المهالك التى نشهدها، وأن براءتنا من تلك الآثام، إنما تكمن فى رجوع النساء لـبيوتهن.
برغم إن كل هذه الآفات الاجتماعية، ما هى إلا نتاج من هذه المفاهيم، المفاهيم التى عطلت التواصل الاجتماعى السليم بين الرجل والمرأة، وأسست فى سبيل ذلك مفاهيم فتنة المرأة وأنها عورة كلها، لذا فالأصل وقارها فى البيت، ولفق الوهابيون - كعادتهم - نصا قرآنيا لا علاقة له بهذا المعنى وهى الآيات التى نزلت فى نساء النبى خاصة، وليست عامة لكل نساء المؤمنين.
تحريم الاختلاط بين النساء والرجال بإسم الإسلام وهم كبير
الوهابيون ومن على شاكلتهم يحرفون الكلم عن مواضعه فى معنى آية "يانساء النبى" فجعلوه يوجب منع الاختلاط. كى نتدبر هذه الآية لابد أن نقرأ النص القرءآنى كاملا مرتبطا بعضه البعض ومن هنا يظهر لنا نتيجة التدبر ... واللــه أعلم. سورة الأحزاب:
1 (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)
2 ( وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)
3 ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30 )
4 (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)
5(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32
6(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33
7( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)8
لو قرأنا النص كاملا متكاملا نجد أنه لا يحتاج لمفسر ليشرح لنا الآيات لسبب بسيط، ان الآيات واضحة تماما وهى عبارة عن تشريعات للنبى وأزواجه وتعليمات وأوامر لهن حيث أن اللــه سبحانه جعلهن فى وضع مختلف عن باقى النسوة لكونهن أزواج النبى فحدد لهن قانون يختص بهن فقط. أما إ ذا أردنا أن نحرف الكلم عن موضعه فنجد مثلا أن الآية رقم 7 تكلف الأزواج بالوقار فى البيوت فمن أجل التحريف جعلوها آية عامة تشمل كل الزوجات فى كل الأزمنة. ثم نجد البعض يفسرون ما تتضمنه مصطلح " أهل البيت " فهنا المعنى واضح وضوح الشمس أن أهل البيت هم أزواج النبى فقط.
وتفسيرا للنفاق الوهابى والتراثى نجد أن الآية رقم 5 تقول:" يَا نِسَاءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " سورة الأحزاب (32/34)، فالآيات بلا شك كما هو واضح موجهة إلى نساء النبى خاصة، وذلك لعظم شأنهن ولمكانتهن فى الإسلام، حيث هن أمهات المؤمنين ورغم إن المعنى المراد من الآية والموجه لنساء النبى، لا يحتمل منعهن من الخروج من بيت النبوة لكن الوهابيين دلسوا فى معنى الآية اللغوى، فجعلوه يوجب منع الاختلاط، وهو مصطلح من اختراعهم ثم دلسوا للمرة الثانية فى توجيه السياق لكل النساء المسلمات ليضيقوا عليهن حياتهن ويحرموهن من الحياة الاجتماعية السليمة.
تدبر قول اللــه تعالى فى سورة النور:
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31
إن الاسلام لم يحمل المرأة أعباء دون الرجل، إنما حمّلها مسؤوليات وحمّله مسؤوليات حفظاً للطرفين، ولتتوازن الحياة. القرءآن هنا أمر الرجل بغض البصر كما أمر المرأة.. والقرءآن حينما يتعرض للمؤمن يتعرض للمؤمنة.. ويتكلم عن السارق والسارقة، والزاني والزانية، والسائحين والسائحات، والقانتين والقانتات، والصائمين والصائمات، والحافظين فروجهم والحافظات.
ويقدم القرءآن أحكامه أحياناً بشكل شمولي كقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة…)، (وآتوا الزكاة…)، (كتب عليكم الصيام…) إلا حينما يختص الحكم بالمرأة وحدها أو بالرجل وحده، فيتم التخصيص لأن هناك قضايا تتعلق بالرجل كرجل، وقضايا تتعلق بالمرأة كمرأة. مثلاً قضية الحمل والدورة الشهرية والنفاس تتعلق بالمرأة كمرأة، والاسلام في غير هذه الجوانب يبني أحكامه على أساس متساو بين الجنسين. وفي هذه الآية التي نحن بصددها: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) يقول تعالى كلك: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) فهذه الآية الكريمة ألزمت المرأة وألزمت الرجل وأشارت ضمناً إلى صحة الاختلاط بشروطه.
لأن الغض إنما يجب حين تكون المرأة مختلطة في حياة الرجال ويكون الرجل مختلطاً في حياة النساء، وإلا فما معنى الأمر بغض النظر إذا لم يجز الاختلاط المحتشم بين الرجال والنساء في حياتهم الاجتماعية الاسلامية؟
إن الاجتماع (الاختلاط) بين الرجال والنساء في شتى المواضع لم يرد فيه أي تحريم أو منع لا في الكتاب ولا حتى في أحاديث النبي عليه السلام الذى يؤمنون بها ، وإنما هو شيء من اختلاق بعض من ينسبون أنفسهم للإسلام ومن يتحدثون في شريعة الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، فاليوم ينادون بإسم الإسلام إلى الفصل التام بين الرجال والنساء في المساجد وبعض دور العلم والنوادي والمطاعم وبعض الحدائق وبعض وسائل المواصلات العامة وفي كثير من المواضع.
الخلوة بين الرجل والمرأة
أما عن الخلوة بين الرجل والمرأة فلم يرد في حرمتها ومنعها أي نص لا في الكتاب ولا في أحاديث النبي عليه السلام، سوى حديثان وردا بعدة روايات وكلها تجمع على التحذير والإنذار مما قد يحدث في الخلوة بين الرجل والمرأة وليس التحريم والمنع من الاختلاط كما يزعمون ، ومن هذه الروايات ما يلي:
الرواية الأولى:
روى الترمذي: "عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ" رواه البخاري، مسلم، الترمذي، أحمد، الدارمي.
الرواية الثانية:
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان، عن عمر بن الخطاب قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا خطيبا كقيامي فيكم، فأمر بتقوى الله وصلة الرحم وإصلاح ذات البين، وقال: (عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة وإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد. لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما) وصحح الألباني إسناده في المشكاة برقم: 3054
فنص الروايتان لم يرد فيهما أي منع أو تحريم للخلوة بين الرجل والمرأة، أما ما ورد فيهما هو أن الرجل إذا خلا بامرأة فإن الشيطان يكون ثالثهما، فهل سيتغلب عليهما الشيطان أم لا؟ هذا يعود لتقوى وإيمان كل منهما، ووجود الشيطان معهما ليس بملزم في أن يرتكبا محرما، ولا يعني وجود الشيطان ثالث لهما حتمية غلبة الشيطان عليهما، فقد يخلو رجل بامرأة من دون حدوث فاحشة، فقد يستعصم الرجل أو تستعصم المرأة وقد يستعصمان معا، وقد يرتكبا الفاحشة، فليس وجود الشيطان حتمي في ارتكاب الفاحشة، ناهيك عن أن الشيطان موجود مع كل الناس في كل مكان وفي كل الأوقات، فالشيطان موجود بالمسجد مع المصلين وموجود مع موظفي المؤسسات والبنوك وفى البيوت وموجود مع جميع الناس، ولكن رسول الله في هذا الحديث ينذر ويحذر وحسب، والحق في هذه المسألة أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم ينه صراحة ولم يحرم خلوة الرجل بالمرأة تحت أي طارق، وما جاء في الروايات هو مجرد إنذار وتحذير وتنبيه، يخلو من أي حرمة أو منع.
فالخلوة المقصودة في الروايات ليست الاجتماع في أماكن العمل أو الدراسة أو السوق أو الطرقات أو الأماكن العامة أو أماكن العبادة أو غيرها من المواضع التي يلتقي ويجتمع الناس فيها رجالا ونساء، فكل ذلك ليس بخلوة، فالخلوة والخلاء هو المكان الذي لا ساتر فيه ولا سكن ولا عمران ولا أحد من الناس، فالخلوة في مكان كهذا هو ما حذر منه النبي عليه السلام من دون منع أو تحريم.
لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ"....تلك أقوالهم... فلنتدبر قول اللــه فى القرءآن الكريم:
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (57:4
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (58:7
مثال آخر من القرءآن الكريم يدحض كلام وأقوال الدين الأرضى، أين اللــه سبحانه فى موقف إمرأة العزيز ويوسف عليه السلام، فلنقرأ ما قاله رب العالمين وأترك الإستنباط للقارئ الكريم:
" وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَوَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴿٢٣﴾ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴿٢٤﴾
هنا ظهرت الخلوة بكل معانيها....
وفى الذكر الحكيم يقول سبحانه وتعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (49:13
يا أيها الناس.. . والذي يناديكم هذا النداء هو الذي خلقكم . . من ذكر وأنثى . . وهو يطلعكم على الغاية من جعلكم شعوبا وقبائل . إنها ليست التناحر والخصام . إنما هي التعارف والوئام . فأما اختلاف الألسنة والألوان , واختلاف الطباع والأخلاق , واختلاف المواهب والاستعدادات , فتنوع لا يقتضي النزاع والشقاق بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف والوفاء بجميع الحاجات . وليس للون والجنس واللغة والوطن وسائر هذه المعاني من حساب في ميزان الله . إنما هنالك ميزان واحد تتحدد به القيم , ويعرف به فضل الناس: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). . والكريم حقا هو الكريم عند الله . وهو يزنكم عن علم وعن خبرة بالقيم والموازين: (إن الله عليم خبير).
وهكذا تسقط جميع الفوارق , وتسقط جميع القيم , ويرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة , وإلى هذا الميزان يتحاكم البشر وإلى هذه القيمة يرجع اختلاف البشر في الميزان
وهكذا تتوارى جميع أسباب النزاع والخصومات في الأرض وترخص جميع القيم التي يتكالب عليها الناس ويظهر سبب ضخم واضح للألفة والتعاون ألوهية الله للجميع وخلقهم من أصل واحد . كما يرتفع لواء واحد يتسابق الجميع ليقفوا تحته لواء التقوى في ظل الله . وهذا هو اللواء الذي رفعه الإسلام لينقذ البشرية من العصبية للجنس والعصبية للأرض والعصبية للقبيلة والعصبية للبيت . وكلها من الجاهلية وإليها تتزيا بشتى الأزياء وتسمى بشتى الأسماء. وكلها جاهلية عارية من الإسلام.
وهذا التعارف بما فيه من الإختلاط هو التواصل الاجتماعى بين نوعى البشر من الرجال والنساء من أبناء آدم. ويقول سبحانه فى موضع آخر:
"وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًاۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (2:235
فقد علم الله أن "الذكر" وهو المشاعر - وليس الخطبة كما فسرها التراثيون - وقد أباحها الله لأنها تتعلق بميل فطري , حلال في أصله , مباح في ذاته , والملابسات وحدها هي التي تدعو إلى تأجيل اتخاذ الخطوة العملية فيه . والإسلام يلحظ ألا يحطم الميول الفطرية إنما يهذبها , ولا يكبت النوازع البشرية إنما يضبطها . ومن ثم ينهى فقط عما يخالف نظافة الشعور , وطهارة الضمير: مباح، ولكنه حذر أن يتواعدا سرا، إلا " أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا " لا نكر فيه ولا فحش , ولا مخالفة لحدود الله التي بينها في هذا الموقف الدقيق. ولم يقل:ولا تعقدوا النكاح . . إنما قال: (ولا تعزموا عقدة النكاح). . زيادة في التحرج . . فالعزيمة التي تنشىء العقدة هي المنهي عنها . . وذلك من نحو قوله تعالى: (تلك حدود الله فلا تقربوها). . توحي بمعنى في غاية اللطف والدقة وهنا يربط بين التشريع وخشية الله المطلع على السرائر.
وفى الختام أود أن أذكر نفسى وإياكم بالآية الكريمة من سورة الأحزاب والتى تعتبر شرحا كاملا لمساواة الرجل بالمرأة، وايضا تعتبر إختبار لكل مِنا فى معرفة مدى قوة إيمانه حيث وصفت الذين أعد اللــه لهم المغفرة والأجر العظيم فى عشرصفات، فتدبر أيها القارئ الكريم كم من هذه الصفات تنطبق عليك لمعرفة قوة إيمانك وتمسكك بشريعة اللـــه سبحانه وتعالى.
" إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " 33:35
إذن نحن أمام كارثة اجتماعية تتقاطع وتتضاد مع قيم الحياة الإنسانية من أساسها وأيضا أمام كارثة دينية لا تعد إلا جزءا من براءة الاختراع المحفوظة باسم الوهابيين، لاختراع دين جديد يخالف النص القرآنى ويلتف حوله التفاف الأفاكين والمنافقين، وكذلك فى إغفال السياق القرآنى فى آية نساء النبى، لذلك فليس لدينا وسيلة لمواجهة المرض الوهابى الذى أصاب الوعى المسلم، إلا أن نعود للرعيل الأول لنرى كيف كانت الحياة الاجتماعية الصحية فى العهد النبوى، العهد الذى كان يعتمد المجتمع بطرفيه الرجال والنساء كأساس للبناء الحقيقى.
الإسلام شريعة وفهما لم يفترض يوما أن كل الرجال ذئاب جاهزة وأن كل النساء عاهرات ينتظرن الفرصة كما عتم الوهابيون وعكروا بهذه المفاهيم على روح الإسلام النقية. ولعلنا يوما نخرج أجيالا جديدة تتربى على قيم الشريعة وليست قيم التأويل والحريف، أجيالا تفهم جيدا كنه العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة من خلال مجتمع طبيعى لا يعج بمرضى النفوس.