تكهنات الرئيس القادم .. رؤية تحليلية

شادي طلعت في الخميس ٠٨ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

حالة ظلامية تخيم على أصحاب المصالح في مصر بعد مرض الرئيس ، و إن كانت هذه الحالة قد بدأت منذ أن أعلن الدكتور / محمد البرادعي عن نيته في الترشح لرئاسة الجمهورية فكيف كان السيناريو الأول و ما هي المتغيرات التي سمحت لوجود أكثر من سيناريو؟

السيناريو الذي كان مطروحاً هو أن الرئيس كان سيأخذ بيد نجله السيد / جمال مبارك إلى كرسي الرئاسة عام 2011 و قد بدا هذا واضحاً من المؤتمر العام للحزب الوطني و الذي عقد في نوفمبر 2009 ، و كان هذا الالسيناريو يعد الوحيد القادر على حفظ اوضاع البلاد ، على ما هي عليه الآن دون أي تغيرات أيدولوجية قد تطرأ على البلاد ففي ظل الإستقرار تظل كافة مصالح المنتفعين من النظام باقية و ثابتة و لا يوجد ما يهدد إستقرارها  ، و قد كان وصول السيد / جمال مبارك إلى الحكم قادم و محقق لأكثر من سبب :

السبب الأول / أن الرئيس كان هو الذي يحمل ملف تولية نجله لقيادة البلاد .

السبب الثاني / أن مصالح المنتفعين من النظام مرتبطة إرتباط وثيق بنجل الرئيس كما أن النظام قد أعطاهم كافة المناصب القيادية في الدولة و التي يستطيعون من خلالها تطويع كل شيئ لإستقرار النظام و الرئيس القادم .

السبب الثالث / أنه لم يكن موجود على الساحة أي مرشح قادر على منافسة جمال مبارك فالنظام قد نجح في تشويه صورة المعارضة بشكل أصبح يسهل الإنتخابات الرئاسية على السيد / جمال مبارك حتى و إن لم يحدث تزوير .

 

أسباب غلق ملف التوريث :

لم يكن النظام يتوقع أن يوجد من هو قادر على منافسة الرئيس أو جمال مبارك و حتى الدكتور / محمد البرادعي كانت كل المؤشرات تقول أنه لن يرشح نفسه للرئاسة ، إلا أنه فجأة أعلن عن أنه لن يخذل الشعب طالما طلب منه الترشح و هنا إنقلبت كل الموازين .

فبعد إعلان البرادعي نيته للترشح للرئاسة وجدنا هجمات شرسة عليه من قبل الصحافة القومية ، و أعلن حزب الوفد أنه لن يقبل البرادعي كمرشح عن الحزب ! ثم إنقلبت الموازين مرة أخرى بإعلان البرادعي بأنه إذا ما تقدم للترشح فإنه سيكون عن طريق باب المستقلين و لن يطرق باب الأحزاب ، فإذا بحزب الوفد يعلن أنه مستعد لأن يكون الدكتور / البرادعي مرشحه في إنتخابات الرئاسة 2011 ! و هنا لا بد أن نقف و نحلل الأمور :

أولاً / في بداية الأمر ظن النظام أن البرادعي ينوي الترشح عبر أحد الأحزاب ، و من هذا المنطلق لو رفضت الأحزاب قبول البرادعي فإن هذا سيكون سبباً وجيهاً لأن يصرف نظراًً عن الترشح !

ثانياً / كانت صدمة النظام في أن البرادعي ينوي الترشح مستقل و ليس عبر حزب سياسي ، و هنا ثارت تساؤلات و مخاوف من النظام ، و صرح الدكتور / محمد كمال .. عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم أن هناك مواد دستورية يجب أن يتم تعديلها ! و تصريح محمد كمال لم يأتي من فراغ بقدر ما كان محاولة لجس النبض حتى ينتهي خبراء النظام من بحث المسألة و الخروج من مأزق ترشح البرادعي مستقلاً ؟! كما كان لتصريحه الإعلان عن أن نية الحزب الوطني تتجه لتعديل الدستور !؟ حتى لا يقال فيما بعد لو تم تعديل الدستور أن البرادعي كان السبب الرئيسي لتعديل الدستور .

ثم فوجئنا بتصريحات أخرى من الحزب الوطني بأنه لا مساس بالدستور و لن يتم تعديل أي مادة من مواده حتى لو كانت المادة 76 ؟! و هنا يثور أيضاً تساؤل هام .. ما هذه التصريحات المتعارضة و المتخبطة لحزب الوفد تارة و للهجمات الشرسة على البرادعي ثم توقفها تارة أخرى ، و للحزب الوطني و لجنة السياسات ؟!

و الإجابة ليست بالصعبة لسبب واحد و هو أن الدستور بوضعه الحالي لا يمنع ترشح المستقلين ! فالدستور يشترط حصول المرشح على 65 صوت من أعضاء مجلس الشعب و 25 صوت من أعضاء مجلس الشورى و 150 صوت من أعضاء المجالس المحلية على أن يكونوا موزعين على 10 محافظات ، و بالتالي يمكن للبرادعي الترشح لإنتخابات الرئاسة 2011 ، و قد يتساءل البعض .. و كيف للبرادعي الحصول على مثل هذا الكم الهائل من الأصوات في ظل هيمنة الحزب الحاكم على مجلسي الشعب و الشورى و  المحليات .. و الإجابة إذاً ستكون طبقاً لهذه المعادلة أن البرادعي لن يحصل على هذه الأصوات إلا برغبة النظام .

نأتي للسؤال الأخير :

هل سيعطي النظام أو الحزب الوطني للبرادعي الأصوات المطلوبة للترشح للرئاسة أم أنه لن يفعل ؟ و هنا أعرض وجهة نظري الشخصية و هي .. نعم سيعطي النظام البرادعي الأصوات المطلوبة طبقاً للدستور لأسباب نوجزها في الآتي :

  • أن البرادعي ليس شخصاً عادياً فهو شخصية دولية ذات ثقل عالمي و هو على علاقة برؤساء الدول و الملوك و الأمراء و علاقاته جيدة جداً مع إسرائيل و إيران ! و خلافاته قد لا تكون إلا مع الولايات المتحدة الأمريكية و مصر ، و كلا الدولتين كانتا ترفضان ترشحه للوكالة الذرية في المرات الثلاث التي ترشح فيها .
  • أن البرادعي حاصل على قلادة النيل و التي تعطيه مكانة تلي مكانة رئيس الجمهورية .
  • أن البرادعي يجد مساندة من كثير من دول العالم و على رأسها الإتحاد الأوربي بأكمله .

 

بعد هذا العرض نتساءل هل ستكون الإنتخابات إذأً بين البرادعي و جمال مبارك ؟

و أنا أرى أن البرادعي بإعلانه نيته للترشح قد أغلق ملف التوريث .. إذ أن الوحيد القادر على منافسة البرادعي هو الرئيس مبارك نفسه ، و لا أحد غيره ، فإذا ما كان هناك إختيار من النظام على شخص مرشح الحزب الوطني فإنه بالتأكيد لن يكون جمال مبارك بل سيكون الرئيس مبارك ، و هنا نأتي لآخر سؤال في هذا المقال .. ماذا لو لم يترشح الرئيس مبارك لأي سبب من الأسباب و كيف سيكون السيناريو ؟

و لكن تستوجب الإجابة على آخر سؤال في المقال دراسة تحليلية للوضع الدولي ، و بخاصة الولايات المتحدة الأمريكية  و الإتحاد الأوربي و الذي أصبح مؤخراً يهتم أيضاً بالشأن الداخلي المصري ؟!

أولاً / الولايات المتحدة الأمريكية :

لأمريكا مصالح متبادلة مع مصر و هي بكل تأكيد تسعى لإستقرار مصالحها في الشرق الأوسط ، و حتى تستقر مصالحها فلابد لها من أن تكون على علاقة طيبة برئيس مصر القادم ، و إذا ما كان البرادعي فإن العلاقات المصرية الأمريكية ستكون في أزمة خاصة لرفض البرادعي السياسات الأمريكية ، حتى أنه أعلن أنه لو أصبح رئيساً فإنه سيطبق النظام الإشتراكي ؟! و هو ما يهدد المصالح الأمريكية ليس في مصر فقط و إنما في الشرق الأوسط ! و بالتالي فأمريكا لا ترغب في أن يأتي البرادعي كرئيس للجمهورية .

ثانياً / الإتحاد الأوربي :

الإتحاد الأوربي هو الذي كان يساند البرادعي في المرات الثلاث التي ترشح فيها للوكالة الذرية و تربطه بالبرادعي علاقات وثيقة و دول كثيرة منه قلدت البرادعي أعلى قلادات لديها و حصل أيضاً على جائزة نوبل للسلام ، من هنا فإن مصلحة الإتحاد الأوربي تأتي مع تولي البرادعي مقاليد الحكم في مصر .

ثالثاً / العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوربي :

تسير العلاقات الأمريكية الأوربية إلى الأسوأ ، خاصة في ظل الحرب الإقتصادية الدائرة بين الطرفين ، و تقديم أمريكا المساعدات إلى الصين حتى لا يعوق الإقتصاد الأوربي الإقتصاد الأمريكي ، فالإتحاد الأوربي يسعى لأن يكون قوة محورية لا تقل عن أمريكا و أمريكا لن تسمح بذلك .

من هنا فإن مرشح النظام الحاكم في مصر إن لم يكن الرئيس مبارك فإنه بالتأكيد سيكون شخصاً آخر ، علاقاته قوية بأمريكا و قادر على الحفاظ على المصالح الأمريكية في مصر و الشرق الأوسط  ، و أعتقد أنه إن لم يكن الرئيس نفسه فإنه سيكون شخص مؤهل لقيادة الجيش و السيطرة على المؤسسة العسكرية ، أي أن أصوله ستكون عسكرية و ليست مدنية بالقدر الكافي .

في النهاية إعلان الدكتور / محمد البرادعي عن نيته للترشح قلب الموازين و أعد أكثر من سيناريو قادم .

وجهة نظر و الله أعلم

اجمالي القراءات 10042