محللون: اليمن على شفا حرب أهلية

في السبت ١٨ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

يغذيها صراع السلطة مع الحوثيين في الشمال.. ومطالب الانفصال في الجنوب

محللون: اليمن على شفا حرب أهلية
خالد البرديسي

متظاهرون يمنيون يشاركون في مسيرة تطالب بالانفصال
"اليمن.. لن يكون شطرين فقط، شماليا وجنوبيا، ستكونون قرى ودويلات، وستتقاتلون من باب إلى باب، ومن طاقة (شباك) إلى طاقة، ولن يكون هناك طريق آمن، أو طائرة تطير، أو سفينة تبحر من وإلى اليمن".
العبارة السابقة ليست لعراف يضرب الودع في أحد الدروب المنتشرة في الصحارى اليمنية شديدة الوعورة.. لكنها للرئيس اليمني علي عبد الله صالح في معرض تحذيره من المخاطر التي يمكن أن تؤدي إليها دعاوى إنهاء الوحدة اليمنية في أبريل الماضي، والعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990، حيث كان اليمن دولتين، واحدة في الشمال وثانية في الجنوب.

هذه المخاوف التي حذر منها الرئيس اليمني يراها محللون سياسيون يمنيون في تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين.نت" "قريبة الوقوع، وبدأت شواهدها في الظهور بعد قيام المحافظات الجنوبية (الضالع ولحج وعدن) بقتل وطرد وتهجير المنتمين للمحافظات الشمالية لمجرد أنهم شماليون".

طالع أيضا
اليمن على خطى الصومال.. "فزاعة" أم خطر حقيقي؟!
الزنداني يحذر من انشطار اليمن لأربع دويلات
اعتقالات وتوترات بجنوب اليمن في ذكرى حرب 94

وتشهد المحافظات الجنوبية باليمن بشكل يومي مظاهرات تدعو إلى انفصال الجنوب عن الشمال منذ مارس 2006، احتجاجا على ما تعتبره القوى الداعية للانفصال نهبا لثروات الجنوب اليمني تمارسه السلطة المركزية في الشمال، وخلفت تلك التظاهرات عشرات القتلى والجرحى.

صومال جديد

وقال المحلل السياسي اليمني محمد الغباري إن: "اليمن على شفا حرب أهلية طاحنة بسبب الاحتقان الذي يعم البلاد من شمالها لجنوبها، فبخلاف معركة النظام مع الحوثيين في صعدة الشمالية بدأ صوت الدعاوى الانفصالية يعلو أكثر من خلال ما يعرف بـ(الحراك الجنوبي)، فضلا عن تجاهل الحكومة لهذه المخاطر".

وأضاف: "إن اليمن سيكون صومالا جديدا إذا لم تتحرك الحكومة للحوار مع القوى المطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال، ففي كل يوم ترتفع وتيرة هذه المطالبات ويزيد الاحتقان، والحوثيون يلوحون بحرب سادسة".

ويفجر الغباري مفاجأة بتأكيده وجود "عمليات تهجير واسعة لأبناء الشمال المقيمين في المحافظات الجنوبية، لكن الأمر يحظى بتعتيم إعلامي من قبل السلطات اليمنية، حتى لا يعطوا أهمية كبيرة للحراك الجنوبي المطالب بالانفصال"، على حد قوله.

وفي هذا السياق، أوضح الغباري أنه "على غرار القتل على الهوية والتهجير الطائفي في العراق بعد عام 2003 رأينا يوم 10 من الشهر الجاري مقتل ثلاثة من بائعي الحلوى في منطقة (حبيل جبر) التابعة لمحافظة لحج، جنوب العاصمة صنعاء، لمجرد أنهم شماليون".

وتوقع الغباري أن تزيد وتيرة استهداف اليمنيين الشماليين في المحافظات الجنوبية، فقد بدأت بقتل العمال البسطاء، ومرشحة لأن تنال أصحاب المتاجر والأعمال الشماليين أيضا، وهو ما دفع الكثيرين منهم لنقل أعمالهم إلى المحافظات الشمالية خوفا من السلب والنهب، والاشتباك بين هؤلاء التجار والمحتجين سيكون شرارة الحرب التي ستندلع من باب إلى باب، ومن طاقة (شباك) إلى طاقة، كما بشر الرئيس صالح".

ولفت إلى أنه "بعد تحقق الوحدة بين شطري اليمن عام 1990 انتقل العديد من المواطنين الشماليين إلى التجارة والعمل في اليمن الجنوبي، ومع تزايد دعوات الانفصال الذي ترافق بالتحرش بالشماليين في المحافظات الجنوبية، بدءوا يعودون إلى محافظاتهم الأصلية".

وكان الرئيس علي عبد الله صالح قد وقع إعلان الوحدة اليمنية مع علي سالم البيض رئيس الشطر الجنوبي في 22 مايو 1990، وبموجب اتفاقية الوحدة أصبح الشطران يمنا واحدا، وأصبح علي عبد الله صالح رئيسا لليمن الموحد، وعلي سالم البيض نائبا له.

لكن سرعان ما ظهرت دعاوى جديدة للانفصال في أبريل 1994 بوادي "دوفس" بمحافظة أبين الجنوبية، ومن ثم تفجرت حرب دموية شرسة عُرفت بحرب الانفصال أو حرب الألف ساعة، وانتهت الحرب بتسليم الانفصاليين سلاحهم للقوات الحكومية، وتم إعادة الوحدة مرة ثانية في 7 يوليو 1994، وأصبح علي عبد الله صالح الرئيس اليمني بعد أن كان لقبه "رئيس مجلس الرئاسة" في أكتوبر 1994.

تباطؤ الحكومة

وعلى صعيد متصل يشدد الغباري على أن "الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال" بدأ بـ"احتجاجات سلمية تطالب بالإصلاحات تحت سقف الوحدة، لكنه سرعان ما تحول الآن إلى حراك يطالب بدولة جنوبية مستقلة، نتيجة التراخي الحكومي في التعامل الإيجابي مع مطالب الجنوبيين".

وأوضح بقوله: "في الفترة بين 2007 و2008 كانت الحركة الاحتجاجية يغلب عليها الطابع السلمي، وكانت قاصرة على مطالب تشغيل وتعويض المنتسبين للجيش في اليمن الجنوبي قبل الوحدة، ورويدا رويدا اتجهت الأمور نحو العنف.. ففي مارس وأبريل من العام الماضي قام متظاهرون جنوبيون بإشعال النار في مخافر الشرطة وبالذات في محافظة الضالع".

لكن المواجهات التي حدثت عام 2009 كانت أكثر عنفا وتنظيما وأكثر خطورة, وقد ازدادت حدة المناوشات والاحتجاجات عند حلول ذكرى حرب 1994 والتي وافقت يوم 27 أبريل 2009، حيث رفع المتظاهرون الجنوبيون صور رئيسهم السابق علي سالم البيض".

ويرى مراقبون أن ما أعطى تظاهرات الحراك الجنوبي زخما ظهور سالم البيض ليلة 21 مايو الماضي من منفاه في ميونخ بألمانيا معلنا قبوله ما سماه قيادة مساعي "فك الارتباط" (الانفصال) بالتزامن مع أدبيات شتى في مواقع الحراك على الإنترنت تمهد لحراك غير سلمي وتتحدث عن هوية "جنوب عربي" و"احتلال يمني" و"حرب استقلال".

الحوثيون

المحلل السياسي اليمني عبد الرقيب منصور يرى من جهته أنه "بخلاف عدم حوار الحكومة اليمنية مع أهل الجنوب، والاستجابة للمطالب العاجلة لهم، فإن عدم حسم الجيش اليمني لصراعه مع الحوثيين في مدينة صعدة الشمالية شجع دعاوى الانفصال على الظهور".

وأوضح قائلا: "لو حسم الجيش معاركه مع الحوثيين، لساعد ذلك على كبح دعاوى الانفصال، لكن ضعف الجيش اليمني الذي تبدى في معارك خمسة أمام أنصار بدر الحوثي أظهر وهن الدولة والجيش، وجعل مطامع الانفصال تعاود الظهور".

ويلفت منصور إلى أن "ثمة تنسيقا ورابطا بين الحوثيين والحراك الجنوبي، فعند اشتداد مواجهات الحوثيين في صعدة تهدأ الأمور في الجنوب، والعكس صحيح، في لعبة مكشوفة لتبادل الأدوار".

المشكلة الكبيرة التي يراها المحلل اليمني تتمثل "في استهانة الحكومة اليمنية بكل هذه المخاطر، فقد اعتادت دفع الفواتير بعد فوات أوان الحلول".

ويرفض الحوثيون -وهم من الطائفة الزيدية الشيعية- النظام اليمني الحالي الذي يعتبرونه غير شرعي، ويدعون إلى إعادة حكم الأئمة الزيديين الذين أطيح بهم في انقلاب عسكري عام 1962، كما يدعون لاستخدام العنف ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، بحسب تصنيف السلطات اليمنية التي أكدت عدم وجود صلة بينهم وبين القاعدة.

ويقودهم حاليا شخص يُدعى عبد الملك الحوثي، ويتمركز تمردهم في المناطق المحيطة بمدينة صعدة عاصمة محافظة صعدة المتاخمة للسعودية، وهي منطقة جبلية وعرة وفقيرة ينتمي معظم سكانها إلى الطائفة الزيدية الشيعية، يشار إلى أن السنة يشكلون معظم سكان اليمن البالغ عددهم 19 مليون نسمة، في حين يمثل الشيعة نحو 15%.

اجمالي القراءات 2483