آحمد صبحي منصور
في
الخميس ٢١ - مارس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
أولا :
1 ـ هناك فرق بين :
1 / 1 : ( الدين ) بكسر الدال ، والجمع فيه ( أديان ). وهى نوعان : الدين الالهى وهو الاسلام ، والأديان الأرضية الشيطانية ، وهى التى تقدّس البشر والحجر . بالدين الالهى أوصى يعقوب أولاده : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) البقرة ).
1 / 2 : ( الدين ) بفتح الدال ، والجمع فيه ( ديون ) . وهو عن الأموال التى يستدينها بعض الناس من بعضهم . وجاءت فيها تشريعات الاسلام :
1 / 2 / 1 : فى كتابتها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ .. ) (282) البقرة )
1 / 2 / 2 : فى الميراث : حيث يتم حساب الوصية والديون قبل توزيع التركة : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي (11)، ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ )(12) النساء )
ثانيا :
1 ـ نحن مدينون ( أو مدينون ) لربنا جل وعلا ليس بالمال ، ولكن بالنفس التى خلقها فيها . وهو جل وعلا سيستردها منا عند الموت ، ثم عند البعث . الكفار ينكرون اليوم الآخر والبعث ، حتى لو زعموا الايمان ، لأن الإيمان الحقيقى باليوم الآخر وبالبعث يعنى أن تعمل له فى حياتك الدنيا بالتقوى ؛ طاعة الله جل وعلا وحده ، وألا تظلم أحدا ، وأن تتكاثر حسناتك لتدخل بها الجنة . عن من ينكر البعث أو أنه ( غير مدين بالبعث ) لربه جل وعلا ، نقرأ قول بعضهم :( أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) الصافات ). أى هل نحن مدينون بالبعث ؟ هل علينا البعث ؟.
2 ـ عن الموت الذى نحن مدينون به لربنا جل وعلا نقرأ قوله جل وعلا عن وصف لحظة الاحتضار ، حيث المحتضر فى فراش الموت وحوله أقاربه لا يستطيعون دفع الموت عنه : ( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) الواقعة ).
3 ـ تدبرنا فى هذه الآيات الكريمة :
3 / 1 : ( إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ )، ( الحلقوم ) لم يأت فى القرآن الكريم إلا هنا فقط ، وهو تعبير مجازى ، لأنه لا يمكن للأحياء تخيل ما يحدث لحظة الاحتضار ، وقد أوشكت النفس على مفارقة جسدها .
3 / 2 : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85): الذين حول الذى يحتضر ينظرون الى جسده وهو يعانى سكرات الموت ، والملائكة التى تقوم بقبض نفسه هم الأقرب اليه ، هم الأقرب الى كينونته الحقيقية وهى نفسه ، التى يقبضونها ويخلصونها من الجسد . ولكن من حوله لا يبصرون . لا يبصرون الملائكة وهى تبشره بالجنة إذا مات تقيا من أولياء الله الذين لا خوف عليه ولا هم يحزنون ، ولا يبصرون الملائكة وهى تضرب وجهه ومؤخرته إن كان عاصيا كافرا ، فالنفس الكائن البرزخى فينا تحمل ملامح جسدها وأعضائها ، يقول جل وعلا عن حال من يموت كافرا :
3 / 2 / 1 : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (51) الأنفال )
3 / 2 / 2 : ( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) محمد ).
3 / 3 : هم أيضا لا يسمعون صراخ نفس من يموت يرجو فرصة أن يعود للحياة ليعمل صالحا ، يقولها للملائكة . قال جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون ). ولهذا يحذرنا ربنا جل وعلا مقدما فيقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون ).
4 ـ ( فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (87). يعنى لولا أنكم ـ أنتم يا من تحضرون هذا المشهد ـ مدينون لله جل وعلا بالنفس ، وسيأتى حتما وقت إحتضاركم مثله ، لولا أنكم مثله مدينون لقدرتم على إنقاذه ، وإرجاع نفسه الى جسدها وحياتها . لكن كل البشر بما فيهم الأنبياء محكوم عليهم بالموت ، ولو هربوا منه:
4 / 1 : يلحقهم : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) (78) النساء ).!
4 / 2 : سيجدونه أمامهم: ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8) الجمعة ) .!
5 : ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94). هنا أحوال من يحتضر ، وهم ثلاثة أنواع :
5 /1 : المتقون أصحاب الدرجة العليا ، وسيكونون من ربهم جل وعلا مقربين يوم الدين . عند الاحتضار يلقون ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) ، أى تبشرهم ملائكة قبض النفس بالراحة وتهدّىء روعهم .
5 / 2 : أصحاب اليمين ، وهم الذين تابوا توبة نصوحا وكانت توبتهم مقبولة ، وتقول لهم الملائكة سلاما . والصنفان من أهل الجنة .
5 / 3 : المكذبين بالقرآن الكريم وبالله جل وعلا رب العالمين تبشرهم ملائكة الموت بجهنم .
5 / 4 : نفس التقسيم الثلاثى سيكون يوم الدين ، وجاء فى بدايات نفس السورة . قال جل وعلا : ( وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) .. ) ، ( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32).. ) ، ( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44).. الواقعة )
5 / 5 : مع ملاحظة مهمة جدا . قد يحدث لبعض الناس حادث يتهتك فيه جسده أو يتوقف قلبه أو دماغه ويدخل فى غيبوبة تشبه الموت ، ويرى نفسه قد إنفصلت عن جسدها وترى الأطباء والمحيطين بجسدها ، وتدخل نفقا برزخيا ، وتسمع اصواتا غير مألوفة وترى ألوانا غير معرفة ، ثم تعود الى جسدها وتصحو من غيبوتها وتحكى ما حدث ، وهذا متواتر ومسجل . الذى حدث أن موعد موتها لم يأت بعد . موعد الموت يكون بحضور ملائكة الموت . ومن يراهم يستحيل أن يرجع حيا يحكى ما رآه . هى مرة وحيدة تنتهى بها حياته الدنيا نهائيا ، ويتعين عليه أن يلقى جزاء عمله إن خيرا وإن شرا .
6 ـ ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) الواقعة ). الموت هو اليقين ، وهو حق اليقين . قال جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) الحجر )، وقال جل وعلا عن الكافرين يوم الدين : (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) المدثر )، وقال جل وعلا عن القرآن الكريم الذى يخبرنا بالحق اليقين : ( وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) الحاقة ).
أخيرا :
1 ـ كل منا إمّا مات وشهد الاحتضار ، أو سيشهده . لا مفرّ ولا مهرب من الموت . يتذكر بعض الناس الموت فى شهودهم الجنازات أو حفلات التعازى ، ولكن القليل من يتّعظ . ربما يفكر فى الزواج بأرملة المتوفى أو يطمع فى ميراثه ، ويظل غافلا إلى لحظة الإحتضار فيصرخ ( أرجعون ) ..بلا فائدة .!
2 ـ لو عرف الناس حتمية الموت وأنهم سيلقونه فى موعده وفى مكانه لعملوا لذلك عملا صالحا وإيمانا بالخالق جل وعلا حنيفا مخلصا ، ولتضاءلت أمامهم كل المحن ولتصاغرت فى أعينهم كل المُتع ، فكله بالموت زائل ، وماكان فى البشر أمراض نفسية وإكتئاب ، ولا نزاع ولا تخاصم ولا تصارع . فالموت هو صفر . إن كنت عند الاحتضار متقيا ، فجزاؤك بلا حدّ أقصى من النعيم ، يعنى واحد صفر . إن كنت عاصيا ظالما فجزاؤك من العذاب بلا حدّ أقصى ، أموالك مهما بلغت من بلايين فهى مضروبة فى صفر .
3 ـ يا أكابر المجرمين .. الموت قادم ..لن تنفعكم فيه أجهزتكم الحربية والأمنية .!