نداء الفطرة

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٧ - مارس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
عندى سؤالين عن دعاء المؤمنين فى سورة آل عمران : ( رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) آل عمران ). السؤال الأول هو : لماذا لا يقولون فآمنا بربنا وحده ؟ لأن الكفار يؤمنون بالله ويؤمنون بآلهة معه ، والمشركون يؤمنون بالله وآلهة أخرى معه ؟ السؤال الثانى : من هذا المنادى الذى دعاهم للإيمان ؟ لأنه غير مذكور فى الآية ؟
آحمد صبحي منصور

الاجابة :

أولا :

1 ـ عليك أن تقرأ الآية الكريمة فى سياقها ، إنها عن أولى الألباب المؤمنين الذين يتفكرون فى حلق السماوات والأرض ، ولا خالق للسماوات والأرض إلا الله جل وعلا . وبالتالى فهم يؤمنون به وحده لأنه لا خالق للسماوات والأرض غيره . قال جل وعلا : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) آل عمران ).

2 ـ أما عن المنادى الذى سمعوه داعيا للإيمان فهو نداء الفطرة التى فطر الله جل وعلا الناس عليها . ونعطى عنها تفصيلا مستشهدين بالقرآن الكريم . قال جل وعلا :

2 / 1 : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف ). هذا عن زرع الفطرة فى الأنفس البشرية قبل أن توجد فى العالم المادى داخل أجسادها . ويوم القيامة سيسال الله جل وعلا الكافرين عن هذه الفطرة وذلك العهد : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)  يس )

2 / 2 : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (31) الروم ). هنا التوصية الالهية بالفطرة ، وهى لكل من يعيش فى هذه الحياة الدنيا ، عليه أن يقيم وجهه لله جل وعلا حنيفا أى مخلصا دينه للخالق جل وعلا وحده ، فهذه هى فطرة الله جل وعلا التى فطر الناس عليها . ولا تبديل لها ، أى يستحيل أن تتحول الى إنكار تام لله جل وعلا ، ولكن الذى يستطيعه الشيطان ليس ( تبديل الفطرة ) بل هو ( تغيير الفطرة ) بأن يجعل أتباعه يؤمنون بآلهة مع الله جل وعلا ، وهذا ما قاله إبليس الشيطان المريد : ( وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً (119)  النساء )، فالكفر هو تغطية الفطرة ( لا إله إلا الله ) بالايمان بآلهة وأولياء وأرباب مع الله .

2 / 3 : ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمْ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) يونس ). هذا المعنى تكرر كثيرا فى القرآن الكريم عن الانسان فى المحنة ، إذ حينما يتهدده الغرق أو المرض تصحو الفطرة فى داخل نفسه ، فيدعو الله جل وعلا مخلصا له الدين ، ثم إذا أنجاه الله جل وعلا رجع الى كفره وتقديسه للبشر والحجر . وفرعون أشد الناس كفرا حين أدركه الغرق تذكر فطرته فأسلم ، ولكن دون جدوى . قال جل وعلا : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) يونس ). وهى عادة سيئة للكافرين ، عند الأزمة يعلنون الايمان بالله جل وعلا والكفر بالآلهة الأخرى ، ولكن لا ينفعهم هذا . قال جل وعلا : ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85) غافر ). الايمان داخل الكفر هو إيمان ناقص لا ينفع ، بل يستحق صاحبه اللعنة  قال جل وعلا : ( بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ (88) البقرة ) ( وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46) النساء )   

2 / 4 : المؤمنون أولو الألباب ( العقول ) هم وحدهم الذين تصحو عندهم الفطرة ، يأتيهم داعى الفطرة من داخل أنفسهم : أن آمنوا بمن خلق السماوات والأرض بالحق ، يكون هذا بعد تفكير عقلى يبحث مخلصا عن الحق يرجو الهداية ، والذى يبحث عن الهداية يهده الله جل وعلا .

أخيرا :

1 ـ لا يمكن أن يكون المحمديون من أولى الألباب . لأنهم يعبدون البشر والحجر . ليس لديه عقل ذلك الذى يقف متضرعا بقبر ليس تحته سوى الرماد . قبر مصنوع من حجر وخشب وقماش وستائر وزجاج ، يتبرّك بلمسها ، وربما تكون مصنوعة ومستوردة من الصين أو تايوان .. من لديه ذرة عقل لا يفعل هذا . قال جل وعلا : (  أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)  الفرقان ).

2 ـ ودائما : صدق الله العظيم ..ولو كره المحمديون .!

اجمالي القراءات 2365