آحمد صبحي منصور
في
السبت ١٦ - مارس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
أولا :
1 ـ نعيش فى كرب عندما نشاهد معاناة أهلنا فى غزة من القتل والجوع ، وخصوصا الأطفال والشيوخ والنساء . ولا نملك إلا أن ندعو الله جل وعلا أن ينتقم من نيتنياهو وعصابته ومؤيديه فى داخل إسرائيل وخارجها . الله جل وعلا يقول : ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (123) النساء ). لن يفلتوا من عقاب الرحمن جل وعلا . والشواهد فى عصرنا كثيرة فى عقاب الجبابرة والطُّغاة .
2 ـ كان التجويع يصاحب الحروب ـ ولا يزال . خصوصا فى حصار المدن . حدث هذا فى العصور الوسطى ، وفى الحربين العالميتين فى القرن الماضى . واستعمله ستالين مع خصومه ، وأدت سياسة ماو تسى تونج الى هلاك الملايين جوعا فى الصين . مآسى غزة حجبت معاناة أهالينا السودانيين من الجوع والاغتصاب والإجلاء القسرى . وهذا لم تفعله بهم إسرائيل ، بل العسكر الخونة المتصارعين على السلطة ، بما جعل أكبر دولة بمواردها تتقسّم وتجوع . سياسة السيسى ستصل بالشعب المصرى الى الجوع حرفيا . وهو يفعل ذلك عمدا ، ويسانده جنرالاته . وقد جىء به لتدمير مصر وطنا وأرضا وشعبا . عموما حين يسيطر المترفون على بلد يحتكرون فيه السُّلطة والثروة تجد أفقر الفقراء نسبة كبرى تعيش جوعا يوميا.
3 ـ مصطلح ( الجوع ) جاء قرآنيا : فيما يخصُّ هذه الحياة الدنيا . قال جل وعلا :
3 / 1 : فى قصة آدم : ( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى (119) طه ). لم يكن فى الجنة البرزخية التى يعيش فيها آدم وزوجه مجال للجوع ولا للتعب . بهبوطه وزوجه الى الأرض المادية اصبح الجوع واقعا ، وعلينا السعى للرزق حتى لا نجوع .
3 / 2 : يأتى الجوع ضمن الإبتلاءات للمؤمنين كالخوف والفقر وموت الأحبّة ، والمؤمنون يستعينون عليها بالصبر والصلاة ، الصبر الاسلامى هو الصبر الايجابى الذى لا يعنى الاستسلام للواقع بل العمل الصالح فى تغييره . قال جل وعلا :( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157) البقرة ).
3 / 3 : يأتى الجوع عقابا إلاهيا لمن يكفر بالنعمة ويعيش فى بطر .
3 / 3 / 1 : تعرضت له قريش . كانت تتمتع بالرخاء والأمن بينما تعانى قبائل الأعراب حولها من الإقتتال والغارات والجوع .قال جل وعلا:( لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) قريش) .
( الإيلاف ) يعنى عقد إتفاقات مع الأعراب لحفظ قوافل قريش فى رحلتى الشتاء والصيف بين اليمن والشام ، حيث تنقل تجارة الشرق الآتية من الهند الى اليمن الى الشام التى تسيطر عليها الدولة البيزنطية ، وتعود منها ببضائع أوربا الى اليمن فالهند . مقابل هذا سمحت قريش لأصنام الأعراب أن توجد فى الحرم بجانب الكعبة . نزول القرآن الكريم أصبح يهدد هذا ، فكفروا بالقرآن الكريم مع علمهم بأنه هدى،قال جل وعلا: ( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57) القصص ) بعدها جاء تهديد لهم على بطرهم : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) القصص )
3 / 3 / 2 : وكان دافعهم إقتصاديا . قال لهم رب العزة جل وعلا : عن القرآن الكريم ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) الواقعة ) ثم قال لهم عن تكذيبهم بحديث القرآن الكريم : ( أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81). ثم السبب الاقتصادى فى تكذيبهم :( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) الواقعة )
3 / 3 / 3 : وفى كفرهم بحديث القرآن الكريم إصطنعوا أحاديث كاذبة وكذبوا بالحق القرآنى ، قال لهم جل وعلا ( ولغيرهم من المحمديين ) : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) العنكبوت )
3 / 3 / 4 : عن عقوبة الجوع التى تعرضت لها قريش ولم تأت فى كتب السيرة والتاريخ ، قال جل وعلا عنهم : ( وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) المؤمنون ) . وضرب مثلا عنهم فقال جل وعلا : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) النحل ). الله جل وعلا لم يذكر قريش صراحة هنا مع إنطباق المثل عليهم . جعله مثلا تحذيريا يسرى التهديد به فوق الزمان والمكان بعد نزول القرآن . ولم يتّعظ المحمديون . فتسلّط عليهم الجبابرة فى الداخل وفى الخارج . والجوع قرين لمآسيهم مع إنهم يعيشون فى أرض مليئة بالخيرات فوقها وفى باطنها .
4 ـ عن الجوع فى الآخرة :
4 / 1 : جوع الدنيا مؤقت ، ينتهى بالشبع ، وحتى لو تسبب بالموت فقد إنتهى بالموت . أصحاب النار فى جوع ، يقتاتون من طعام هو صنف من العذاب . قال جل وعلا : ( لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) الغاشية ).
4 / 2 : المشكلة هنا فى :
4 / 2 / 1 : الخلود فى الجحيم . فلا تخفيف ولا خروج .
4 / 2 / 2 : إن أصحاب النار سيرون أصحاب الجنة يتمتعون بالطعام والشراب بلا حد أقصى . قال جل وعلا عن أصحاب الجنة ( وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) ق ) ، وسيطلب أصحاب النار من أصحاب الجنة الماء والطعام ، ويأتيهم الرفض . قال جل وعلا : ( وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) إقرأ الآية التالية عن القرآن الذى إتخذه المحمديون مهجورا : ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) الأعراف )
أخيرا :
1 ـ عن القرآن الكريم نذيرا للأحياء فى عصر، قال جل وعلا : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس ).
2 ـ عن كفران المحمديين بنعمة القرآن ونعمة البترول قال جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) ابراهيم )
3 ـ ودائما : صدق الله العظيم ولو كره الكافرون .!