الأغلبية الصامتة

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٩ - فبراير - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
ما المقصود بهذا المثل : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) النحل ). وهل له صلة بعصرنا أم هو خاص بالناس السابقين ؟.
آحمد صبحي منصور

الإجابة :

أولا:

1 ـ الأمثال فى القرآن الكريم من طرق الوعظ  للناس ، من عصر نزول القرآن الكريم الى آخر الزمان ، وقد ضرب الله جل وعلا الأمثال للناس فى القرآن الكريم ، قال جل وعلا :

1 / 1 :( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (58)  الروم )

1 / 2 :( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29) الزمر )

2 ـ وفى سورة النحل فقط قال جل وعلا :

2 / 1 :( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) .

2 / 2 :( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)) .

ثانيا :  

  عن قوله جل وعلا : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) : نقول :  

1 ـ على المستوى الفردى : الأبكم يعنى العالة على غيره ، ونقيضه المؤمن المسلم الفعّال للخير . ونحن نرى فى حياتنا هذا وذاك . هناك الخامل الكسول المعتمد على غيره والذى لا خير فيه ، وهناك النشيط فى عمل الخير لنفسه ولأهله وللآخرين .

2 ـ على المستوى الجمعى : المجتمع الناهض هو الذى تكون أغلبيته نشطة متحركة متعاونة ، أما مجتمع التخلف فهى ساكنة راكدة تعتمد على الحكومة المستبدة ، وتتحمل الظلم والقهر ، وتتغنى بمواويل الصبر .

3 ـ فى عصرنا وطبقا للاسلام السلوكى الذى يعنى السلام والنضال من أجل حقوق الانسان والمستضعفين فى الأرض فإن الناشطين فى هذا المجال هم المنادون بالعدل ، ومعهم دُعاة الاصلاح السلمى للديمقراطية والتنوير وحرية الدين وحرية التعبير والتداول السلمى للسلطة . إذا كانوا أقلية وسط أغلبية صامتة فالمستبد يضطهدهم ولا يجدون نصيرا من الأغلبية البكماء الخرساء . لا تتعاطف هذه الأغلبية مع أولئك النبلاء الذين يدافعون عنهم ، بل يصدقون أكاذيب المستبد عنهم وإفتراءاته عليهم وإتّهاماته لهم ، ويرتعبون من بطش المستبد بأولئك النشطاء ، فينكمشون خوفا ورُعبا . كلما تحمل النشطاء الاضطهاد وإزداد عددهم إزداد خوف المستبد فيلجأ الى مزيد من البطش والقهر والذى ينال جزءا من الأغلبية الصامتة ، ومع شدة القهر والبؤس وتعاظم الفساد وتوحش المترفين ينتفض الفقراء الجوعى ، ويصل الحال الى الصدام . وفيه يصرخ الأبكم محتجا . تلك قصة نعيشها ونكتوى بنارها .

أخيرا :

  1 ـ عن المستبدين وهم فى الجحيم قال جل وعلا : (  وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) ابراهيم ) وتذكيرا لهم بالأمثال القرآنية التى سبق أن ضربها الله جل وعلا لهم واعظا سيقال لهم : ( وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45) ابراهيم  ).

2 ـ ودائما : صدق الله العظيم ، ولو كره المجرمون .!!

اجمالي القراءات 1977