سؤالان

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٠ - فبراير - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
السؤال الأول : أفكر فى موضوع للدكتوراة ، وقرأت كتاباتك عن التصوف والأحاديث ، واتفق معك فى أنها أديان أرضية تعبر عن أهواء الناس ، وهم يجعلونها من الوحى الالهى ، وبالتالى هى مجال للبحث التاريخى . أرجو ان تعطينى فكرة سريعة عن الاختلاف بين دينى السنة والتصوف فى موضوع الوحى الذى ينسبونه لله تعالى لأختار موضوعا منها . السؤال الثانى ما معنى ( المثلات ) المذكورة فى سورة الرعد ( وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ الْمَثُلاتُ ) ؟
آحمد صبحي منصور

إجابة السؤال الأول :

1 ـ بدأ تدوين الأحاديث السنية والشيعية من القرن الثانى ، وجعلوها دينا ووحيا كالقرآن الكريم بالاسناد المزعوم الذى يصلها زورا بالنبى محمد عليه السلام. بإهمال هذا الاسناد فإن متن الحديث يعتبر مصدرا للتاريخ الاجتماعى والدينى والسياسى للعصر الذى قيل ودُوّن فيه . الملاحظ  أن الأحاديث بدأت بحوالى ألف حديث فى موطا مالك ، ثم قفزت الى عدة آلاف فى كتاب الأم للشافعى فى مطلع القرن الثالث الهجرى ، ليصل عددها الى ملايين بعد بضع قرون . إذ صارت مرآة لعصرها تحوله الى دين .

2 ـ  أما التصوف فقد بدأ على إستحياء فى القرن الثالث الهجرى ، متمتعا بالهجوم عليه من متطرفى السنيين ( الحنابلة ) ، ثم دخل فيه العوام لأنه لا يتطلب تبحرا فى العلم ، فكان سهلا لأى من أوباش العوام الذى لا يعرف القراءة والكتابة أن يزعم الكرامات وأنه يخاطب الله جل وعلا ويراه فى المنام ويرى النبى فى المنام واليقظة . ويجد من يصدقه ويؤمن به ويعتقد فيه ، بانتشاره وخضوع أربابه للحكام ـ عكس الفقهاء الحنابلة ـ تمتع التصوف بالحظوة لديهم فأقاموا المؤسسات الدينية للصوفية .

3 ـ بانتشار التصوف أصبح ندّا لدين السنة ، وظهر الغزالى ت 505  الذى عقد الصلح بين التصوف والسنة لصالح التصوف وكتب فى ذلك كتابه المشهور ( إحياء علوم الدين ) ، جاء بعده الفقيه الحنبلى المؤرخ ابن الجوزى فى القرن السادس الهجرى ، وقد كان متأثرا بالتصوف   مع عدائه للصوفية وهجومه عليهم فى كتابه ( تلبيس إبليس ) ، ومثلهم يروى المنامات ، وقد ملأ بها تاريخه ( المنتظم ) ، وكتب ابن الجوزى مثلهم فى ( المناقب )، وله كتاب فى مناقب ابن حنبل حشد فيه أكاذيب المنامات ، ومنها إفتراءات عن رب العزة جل وعلا.

4 ـ  أعلام الصوفية المتعلمين شاركوا مبكرا فى إختراع ونشر الأحاديث الخاصة بهم ، ومنها حديث ( من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب ) المذكور فى البخارى ، والحديث المشهور ( عبدى أطعنى تكن عبدا ربانيا تقول للشىء كن فيكون )، وحديث : ( كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ، وكنت نبيا وآدم لا ماء ولا طين .) ( أول ما خلق الله نورنبيك يا جابر ) وهذا تعبير عن عقيدة الصوفية فى الحقيقة المحمدية . أى إن التصوف لم يقتصر على زعم الوحى بالأحاديث بل أضاف لها : المنامات ، وقول أحدهم : حدثنى قلبى عن ربى ، ومزاعم الهاتف ..

5 ـ بالتصوف إنتشرت المنامات وتحظى بالتصديق مهما بلغ إسفافها ، وأسهمت فى صياغة عقول الناس . وهى باب هام جدا للبحث التاريخى . ومن الممكن أن تأخذ المنامات الصوفية فى العصر العباسى أو العصر المملوكى بحثا لك تحلل من خلالها ثقافة عصرها الذى كُتبت فيه ، فهى تعكس أحلام اليقظة والعلاقات والصراعات . وهى ــ شأن كل مخترعات الأديان الأرضية ـ كاذبة من حيث نسبتها للنبى أو لرب العزة أو من قالها ، ولكنها صادقة فى التعبير عن المسكوت عنه فى عصرها.

6 ـ يلزمك أولا أن تدرس العصر ( العباسى أو المملوكى ) دراسة وافية سياسيا واجتماعيا من خلال مصادره التاريخية وأهم المؤلفات فيه فى السنة والتصوف ، وأعلام السنة والحديث ، وظروفهم ، وأن تفهم مصطلحات التصوف والسنة ، ثم تبحث المنامات المذكورة فى كتب المناقب بكل تنوعاتها وكتب التاريخ ، وتحللها فى ضوء معرفتك بكاتبها وعصره .

7 ـ ونرجو لك التوفيق .  

إجابة السؤال الثانى :

قال جل وعلا عن طلب كفار العرب الهلاك أو العذاب : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ الْمَثُلاتُ ) ( الرعد 6 ). يعنى قد سبق قبلهم أمثلة للهلاك فى الأمم السابقة . ولأنهم كانوا يطلبون على سبيل العناد الإهلاك / العذاب وآية حسية فقد جاء فى الأرية التالية الرد على طلبهم الآية الحسية ، قال جل وعلا : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) الرعد ) وبعدها إشارة لاعجاز علمى فى القرآن الكريم : ( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال  (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) الرعد ). جدير بالذكر أيضا أن سورة الرعد جاء فيها كلمة ( المثلات ) بمعنى الأمثال ، وجاءت فيها كلمة الأمثال أيضا فى قوله جل وعلا : ( أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ (17) الرعد ) 

اجمالي القراءات 1629