بمناسبة موت شيخ الأزهر : الرد على أسئلة لجريدة اليوم السابع :

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٠ - مارس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

جاءتنى الرسالة الآتية من الاستاذة ناهد نصر المحررة فى جريدة اليوم السابع ، وقد بادرت بالرد عليها. ولعلمى أن ظروف النشر فى مصر قد لا تسمح بنشر كل ما قلت ، فأننى ابادر بنشر اجاباتى هنا رعاية لمصلحة القارىء .
نبدأ برسالة الاستاذة ناهد نصر ، وبعدها الاجابات :

الدكتور أحمد صبحى منصور المحترم
تحية طيبة
أود لو عرفت تعليق حضرتك على ما أثير مؤخراً خلال وبعد مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية من هجوم على القرآنيين، حيث أفتى عدد من علماء الأزهر بأن القرآنيين خارجين عن الدين الإسلامى، ويسعون لهدم أركانه، ومن بينهم الدكتور أحمد عمر هاشم
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=197952

والدكتور حمدى زقزوق
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=195277


رغم أنكم أشرتم فى وقت سابق إلى أن تقارباً تم فى وقت ما بينكم وبين الشيخ الأزهرى محمد الغزالى الذى ذهب إلى صلاح منطقكم، وعدم تعارض ما تدعون إليه معه الدين الإسلامى.
علماً بأن ما يستندون اليه فى تكفير القرآنيين، هو أن الإعتراف بالسنة النبوية جنباً الى جنب مع القرآن الكريم هما أساس الإيمان بالدين الإسلامى.
النقطة الثانية التى أود أن تلقى الضوء عليها، هى ما تدعو إليه من ضرورة إتاحة حرية نقد الصحابة والخلفاء، وإعادة النظر فى الفتوحات الإسلامية والفتنة الكبرى التى ترى أنها "مخالفة لتعاليم الإسلام" وأنها مستندة إلى حديث يتناقض مع تشريع عدم الإكراه فى الدين. والسؤال هو كيف تتصور أن يؤخذ بدعوتك تلك فى الظروف الحالية، وما أهمية إعادة النظر فى التاريخ الإسلامى، علماً بأن بعض علماء الأزهر يعترفون بأن الصحابة والخلفاء اجتهدوا فأخطئوا وأصابوا، وليس منهم من هو حجة على الإسلام، وإنما الحجة هى القرآن الكريم والسنة النبوية.
واخيراً وليس آخراً أود لو تعلق على منصب شيخ الأزهر الذى خلا بوفاة الدكتور سيد طنطاوى رحمه الله، وما توقعاتكم حول خليفته فى المنصب.
جزيل الشكر لكم




أقول :
أولا :
1 ـ هجوم قادة الأزهر علينا ـ فى وضعه الحالى ـ عادة سيئة تثبت حاجة الأزهر الملحة للاصلاح . وهذا الاصلاح هو ما ندعو اليه منذ عام 1977 ، اى منذ كنت مدرسا مساعدا أقدم رسالتى للدكتوراة للمناقشة ، وبين طياتها الدعوة لاصلاح الفكر لدى المسلمين ، وفى المقدمة منه اصلاح الأزهر. وتجدد هذا فى خاتمة أول كتاب منشور لى ، عام 1982 ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) ثم فى الكتب اللاحقة التى قررتها على الطلبة ، وانتهى الأمر عام 1985 باصدارى خمسة كتب دفعة واحدة و تقريرها على الطلبة ، وكانت تناقش فكر المسلمين الدينى السنى وتثبت تناقضه مع الاسلام ، فاصدر رئيس الجامعة وقتها قرارا بوقفى عن العمل ومصادرة مستحقاتى المالية ومنعى من الترقية و من السفر واحالتى للمحاكمة لأتوب عما كتبت ، وكان الذى يتولى المحاكمة داخل مجلس التأديب عميد كلية اصول الدين فى اسيوط ،( د. محمد سيد طنطاوى ) وكان اسمه مغمورا فى ذلك الوقت . وكان النفوذ السعودى وراء الموضوع يرعاه بكل تفاصيله ، وبسبب توصية د. طنطاوى باستمرار اضطهادى داخل وخارج الجامعة وبسبب مؤازرته للالحاح السعودى بسجنى ـ ارتفعت أسهم د. محمد سيد طنطاوى لذلك أختير مفتيا ثم شيخا للأزهر .

2 ـ هنا يبدو الفارق بين محمد سيد طنطاوى والشيخ الغزالى .
كانت فى الشيخ الغزالى لمحة الباحث المستعد لقبول الرأى الجديد حتى لو أتى من باحث فى عمر أبنائه ، وهى حالة نادرة بين الشيوخ فى المجال الدينى .و تحقيقها لا يتم بسهولة .
هنا أتذكر هنا أنه حين ألقي القبض علينا واعتقالنا بالتهمة الكوميدية "انكار السُنّة" سنة 1987 كانت الصحافة الرسمية والحزبية تنهش أعراضنا وتفترى الأكاذيب علينا، وتنقل فتاوى الشيوخ الأنذال بتكفيرنا واستباحة دمائنا حتى كنا نخشى الخروج من السجن نفسه خوفا من الاغتيال. كنت فى التحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا أؤكد لهم من الذاكرة وبالآيات القرآنية التناقض بين القرآن والتشريع السنى ومنه أن حد الردة لا وجود له فى الاسلام. وتنقل صحيفة "اللواء الاسلامى" فقرات التحقيق معى وتذيعه على الملأ وعليه تعليقات الشيوخ الأنذال بتكفيرى، وسخريتهم من انكارى حد الردة قائلين ان منكر السنة يقول ذلك خوفا من تطبيقه عليه. كانت القضية رسميا تحت عنوان يقول" قضية القرآنيين " فحولتها الحملات الصحفية وهجوم الشيوخ الأنذال الى مصطلح جديد هو "منكر السنة". من بين الفرسان القلائل الذين دافعوا عنى دون معرفة مسبقة بى كان الدكتور فرج فودة يرحمه الله تعالى في مقال رائع له في جريدة "الأهالي" بعنوان: "أحمدك يارب" سخر فيه من أجهزة الدولة التى قبضت على كاتب كل جريمته أنه يستشهد فى أبحاثه بالقرآن ويكرر ما قاله أبوحنيفة فى عدم الاعتداد بالأحاديث.
بعد الافراج عنى وعن اخوتى القرآنيين، توثقت الصلة بينى وبين فرج فودة. وفى سنة 1992 اتفقنا على اشهار حزب جديد باسم "حزب المستقبل" يقف ضد تيار التطرف الدموى الذى كان يستبيح دماء الأقباط وأموالهم في موجة عنف لم تعرفها مصر حتى في العصور الوسطى عصور التعصب . ونشرت الصحف البيان التمهيدي الرسمي عن الحزب ومؤسسيه وكان اسم فرج فودة رقم 2 بينما كان اسمى رقم 6. وفورا اصدرت ندوة علماء الأزهر والتي تمثل التطرف السلفى الوهابى بزعامة عبد الغفار عزيز بيانا دمويا في تكفير فرج فودة وتكفيرى والتحذير مسبقا من صدور الموافقة الرسمية على الحزب الجديد. نشرت جريدة " النور " التى كان يمتلكها الحمزة دعبس هذا البيان بفتواه الدموية في يوم الاربعاء الأول من يونية 1992 ورأيته على مكتب فرج فودة صبيحة ذلك اليوم . قال : لا بُدَّ أن أردَّ عليهم . قلت له "لا تفعل. انهم لا يستحقون" .
كان مقررا أن يسافر فودة الى فرنسا بعد عيد الأضحى مباشرة ليعود بعد اسبوعين ليستأنف اجراءات اقامة الحزب حيث كان قد حصل على موافقة على تأسيسه كما كان مقررا أن اسافر الى بلدتي لأقضي عيد الأضحى مع اهلي .ثم نلتقى معا لمباشرة اعلان الحزب . يوم الاثنين التالي اغتالوا فرج فودة اثناء خروجه من مكتبه واصابوا ولده الصغير بجراح خطيرة وطالت الجراح صديقا آخر لفرج كان معه.
كتبت في عمودى في جريدة "الأحرار" متسائلا من قتل فرج فودة؟ وقلت ان القاتل الحقيقى هم أولئك الذين أفتوا بقتله وبعد موته توضأوا بدمه وهم يتحدثون عن سماحة الاسلام. قلت ان القاتل الحقيقى هو الذى يفتى بالقتل ولا بُدَّ ان يمثل في قفص الاتهام باعتباره شريكا ومحرضا على الجريمة . ونشرت الجماعة الاسلامية بيانا لها في اذاعة لندن تقر فيه بمسئوليتها عن قتل فرج فودة ، وانها قتلته تطبيقا لفتوى العلماء.
وقف الشيخ محمد الغزالي يدافع عن القتلة في المحكمة التي حولها الطاغوت السلفي الى محاكمة للقتيل وليس القاتل. قال الغزالي ان القتلة افتأتوا فقط على السلطة حين بادروا بقتل فرج فودة وهو مستحق للقتل باعتباره مرتداً.
قبل ذلك كانت العلاقة بينى وبين الغزالي تدخل طور الاستحسان .كان يهاجمنى فى جلساته الخاصة التى يحضرها اصدقاء لى ، وقالوا لى انه نشر مقالا عرض فيه بى تحت لقب " أغلمة العلم " ـ اغلمة جمع غلام ـ ولكن جهد الأصدقاء المشتركين جعله يقرأ بعض كتبى وبعض مقالاتى التى كانت تنشر فى بعض الصحف المصرية الرسمية والحزبية، وتغيرت نظرته لى وكما قيل كان يأمل خيرا فى مستقبل الأزهر اذا تم تجاوزالمشاكل بينى وبينهم وعدت الى الأزهر لأعيد حركة الاجتهاد التى بدأها الامام محمد عبده. وكان على نفس الرأى الشيخ عبدالله المشد رئيس لجنة الفتوى فى الأزهر وآخرين من الشيوخ غير الأنذال. بدأ الغزالى بنفسه توطيد هذه العلاقة من طرف واحد حين نقل كثيراً من آرائى في كتابه المشهور عن (السُنَّة بين أهل الفقه وأهل الحديث) ليمهد لقبول آرائى فى المجتمع الأزهرى والفقهى. ورددت عليه التحية بأحسن منها حين راجعت له رسالة دكتوراه عن "علم الحديث في القرن السادس الهجري" كتبها باحث في كلية دار العلوم ، وكان الغزالي احد أعضاء لجنة المناقشة.وقد ارتعب من حجم الرسالة وعنوانها فارسلها لى ـ عن طريق صديق مشترك لا يزال حيا يرزق ـ لأتفحصها عنه ولأسجل ملاحظاتى عليها. وكتبت له تقريرا كاملا عنها منهجيا وموضوعيا، وبهذا التقرير كان الشيخ الغزالى فى أثناء مناقشة الرسالة هو الفارس من بين أعضاء اللجنة يصول ويجول على الباحث المسكين . وليرد على التحية بأحسن منها نشر الغزالي كتابه " تراثنا الفكرى " يشيد بى وينقل عنى مقالا قديما اقحمه في السياق. كما اقحم في الكتاب فتوى عن انكار السنة صيغت خصيصا من الشيخ المشد رئيس لجنة الفتوى في الأزهر للدفاع عنى، وكان لا بد من نشرها وتوثيقها علنا فقام الغزالي بوضعها في كتابه. وانتظر أن أرد تحيته فاذا بشهادته المسمومة ضد فرج فودة تطيح بكل جهود الشيوخ الشرفاء في التقريب بيننا.
هاجمت الغزالي بقسوة في مقالات متتابعة في جريدة "الأهالى " كان منها : "الغزالي ينهزم أمام فرج فودة بعد موته"، " الغزالي يرد على الغزالي "،وفى هذا المقال نشرت ماكتبه الغزالى نفسه فى تأكيد حرية العقيدة فى الاسلام وبأن مايعارض ذلك ليس الا أكاذيب، وهذا ماتناثر فى كتابه "السنة بين اهل الفقه والحديث" والذى تاثر فيه بكتاباتى واتهموه من اجله بانكار السنة، وكتبت أيضامقالا آخر اهاجمه وغيره من الشيوخ وأحلل موقفهم من فرج فودة تحت عنوان: " لأنه كفر بهم ". ومقالات أخرى أحدثت أثرا طيبا جعل صديقى الدكتور محمد أبو الاسعاد ـ رحمه الله تعالى ـ يطلب منى ان اكتب بحثا خاصا يوضح حقيقة حد الردة ومنشأه وعلاقته بالاسلام ، ويتعهد بنشره على نفقته. فصدر كتاب ( حد الردة ) عام 1993 .

3 ـ مات الشيخ محمد الغزالى بعد نصف قرن من التأليف فى الاسلاميات متخذا منهج الانتقاد للتفصيلات والجزئيات دون أن يضع أصبعه على أساس الجرح ، وهو التناقض بين الاسلام ممثلا فى القرآن الكريم وحده وما كتبه المسلمون من تراث بشرى نسبوه ظلما وافتراءا للوحى الالهى تحت اسم ( السنة ) و ( الحديث النبوى ). بعد أن قرأ لنا الشيخ الغزالى وبعد أن هدأت ثورته وأعاد القراءة تبدلت كتاباته ، ووضح هذا فى محاضرته التى شكك فيها فى مقولة النسخ متبعا ما سبق أن أعلنته أنه لا نسخ فى القرآن وأن النسخ معناه الكتابة والاثبات و ليس الحذف والالغاء ، ثم بدأ الشيخ الغزالى يهاجم الأحاديث صراحة فى كتابه المشهور عن ( السنة ) فأطلقوا عليه لقب منكر السّنة ، فرد عليهم بكتاب ( تراثنا الفكرى ) الذى مدحنى فيه و أعلن فيه فتوى رئيس لجنة الفتوى بالأزهر بأن من أنكر استقلال السنة بالايجاب و التحريم لا يعد كافرا.

4 ـ فارق كبير بين مستوى الشيخ محمد الغزالى وقادة الأزهر الحاليين . ليس فقط فى العقلية المتفتحة التى تجعل صاحبها يغير أفكاره الخاطئة بعد خمسين عاما من الكتابة و الشهرة و الزعامة الفكرية ، ولكن لسبب آخر هو عزة النفس التى تأبى أن يبيع العالم نفسه ودينه للحاكم فى الداخل أو الخارج . الشيوخ المخضرمون فى الأزهر على اختلاف مشاربهم خدم للسعودية وللنظام الحاكم فى نفس الوقت . منهم من تخرج فى الجامعات الألمانية وكان فيه أثر باهت خافت من التنوير بسبب كونه تلميذا سابقا للدكتور محمد البهى ، ولكن أضاع كل ذلك بسبب المنصب . ومنهم من وصل بالتصوف وبالتزوير ـ فى النسب وفى الشهادات العلمية لأعلى المناصب فى الأزهر ، ومع ذلك فهو خادم للسعودية الوهابية العدو الأساس للتصوف .
فى هجومهم علينا يكررون نفس الكلام الذى رددنا عليه مرارا وتكرارا . وليس عندهم جديد سوى نفس الكلام المكرر . لذا تجهوا الى مجرد الاتهام بالكفر مع تنويع الاسلوب .
5 ـ الخلاف الأساس بيننا يتركز فى عقيدة ( لا اله إلا الله ).
لا تقديس فى عقيدتنا إلا لله جل وعلا وحده . لا مجال لدينا لتقديس بشر حتى لو كان نبيا مرسلا ، ولا مجال لدينا لتقديس حجر حتى لو كان حجر القبر المنسوب للنبى محمد عليه السلام . أما هم فتتسع عندهم دائرة التقديس لتشمل تقديس الأنبياء و الصحابة و الخلفاء الراشدين والأئمة و الأولياء الصوفية والحاكم المتأله ، وتتسع عندهم عبادة القبور لتمتد من الحج والتبرك بقبر النبى محمد فى المدينة الى قبور الصحابة وآل البيت وشيوخ الصوفية داخل مصر وخارجها ، مع الحج اليها والتبرك بها.
لا تقديس عندنا إلا لكتاب الله جل وعلا وحده ، وهو المرجعية الالهية الوحيدة لدينا ، حتى فى الكتب السماوية السابقة . وما نفهمه من كتاب الله هو فهمنا البشرى غير المعصوم من الخطأ ، لذا فان الفتاوى فى موقعنا والتى أجيب فيها على مئات الأسئلة التى تأتينى ، لا أقول أنها (رأى الدين ) فالدين فى القرآن الكريم ، ولكنه رأيي الشخصى القابل للخطأ والصواب ، ولذلك فان الشيخ الأزهرى الوحيد الذى يتيح التعليق على فتاويه هو (أنا ) فقط . ويأتى الرد والنقاش لما أقول ، تأكيدا لمقولة نتمسك بها جميعا وهى أننا جميعا أمام القرآن الكريم تلاميذ نستفيد من بعضنا ، ونسعى للمزيد من فهم الكتاب العزيز.
لذا نأتى دائما بالجديد نكتشفه من القرآن الكريم ، وعطاؤه لا ينفد ومستمر الى قيام الساعة .
أما الآخرون فهم على كتب التراث عاكفون ولأئمتها يقدسون ، ولا بأس بأن يحاولوا فرض خرافات التراث السنى المقدسة على عصرنا مثل رضاعة الكبير ) و التبرك ببول النبى . فإذا واجهتهم فتوى عصرية مهمة اختلفوا ، وقد يقوم بعضهم بتكفير بعض ، والأمثلة كثيرة ، من حرب الخليج و فوائد البنوك ونقل الأعضاء ..الخ .. السبب أن الاجابة تستلزم اجتهادا ، وهم لا يعرفون الاجتهاد ولا يعرفهم الاجتهاد . الاجتهاد لديهم هو النقل عن الأئمة السابقين ، وطالما لم يعرف الأئمة السابقون تلك القضايا فهم لا يعرفون . ثم انه لا وقت لديهم للاجتهاد الذى يستلزم التفرغ للعلم والبحث ، وهم وقتهم مشحون فى جمع المال والرقص فى مواكب الحكام .


النقطة الثانية التى أود أن تلقى الضوء عليها، هى ما تدعو إليه من ضرورة إتاحة حرية نقد الصحابة والخلفاء، وإعادة النظر فى الفتوحات الإسلامية والفتنة الكبرى التى ترى أنها "مخالفة لتعاليم الإسلام" وأنها مستندة إلى حديث يتناقض مع تشريع عدم الإكراه فى الدين. والسؤال هو كيف تتصور أن يؤخذ بدعوتك تلك فى الظروف الحالية، وما أهمية إعادة النظر فى التاريخ الإسلامى، علماً بأن بعض علماء الأزهر يعترفون بأن الصحابة والخلفاء اجتهدوا فأخطئوا وأصابوا، وليس منهم من هو حجة على الإسلام، وإنما الحجة هى القرآن الكريم والسنة النبوية.

ثانيا :
هدفنا هو الاصلاح . اصلاح المسلمين من داخل الاسلام بالاحتكام الى القرآن الكريم .
أى عرض تراث المسلمين الفكرى و التشريعى وتاريخهم على القرآن الكريم ، بدءا من الخلفاء الراشدين والأئمة الكبار لدى الشيعة والسنة والتصوف . هم جميها بشر و ليسوا آلهة ، وقد أخطأوا حسب المذكور فى كتب التراث نفسه ، ولا زلنا نكرر أخطاءهم لأن أحدا لا يجرؤ على انتقادهم ، ومن هنا يبدأ الاصلاح الحقيقى بالتنوير القرآنى الاسلامى الذى تؤكده عقيدة أنه لا تقديس إلا لله جل وعلا ، وأنه إذا كان الله جل وعلا قد عاتب وأنّب ولامم الأنبياء وأكّد على بشريتهم ، وأنه إذا كان الله جل وعلا وحده هو المنزه عن الخطا ، والذى يقال له وحده ( سبحانه وتعالى ) أى تعالى عن صفات البشر من الخطا والنسيان ، فإن عقيدة الاسلام هى أساس الاصلاح ، وأن الاصلاح يبدا بالنقد وبالنقاش لجميع الشخصيات فى تاريخ المسلمين وأعمالهم من الفتوحات الى الفتنة الكبرى الى كل المنسوب للصحابة والأئمة من أقوال وأفكار ، ولدينا القرآن الكريم نحتكمن اليه ، واتلاحتكام للقرآن الكريم فريضة غائبة ، مع أنها وردت فى القرآن الكريم (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً)( الأنعام 114 )( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) ( الشورى 10)


هذا الاصلاح ضرورة تفرضها الظروف الحالية ، وقد تاخرنا فيه أكثر من قرن من الزمان .
لقد بدأ الاصلاح على يد الامام محمد عبده ، داخل الأزهر وخارجه ، ولقد وقف محمد عبده ضد الوهابية وضد التصوف معا ، واحتكم للقرآن الكريم وحده ، ومات عام 1905 فى أوج عطائه الفكرى ، ولكن تلميذه رشيد رضا خانه وتحالف مع الوهابية وآل سعود ، ورشيد رضا هو مهندس إقامة الجمعيات السلفية الوهابية فى مصر وآخرها الاخوان المسلمون . وذبلت مدرسة محمد عبده لصالح الفكر الوهابى و النفوذ السعودى ،بحيث أصبحت أقوال محمد عبده موصومة بالكفر داخل الازهر ، ثم ظهر أهل القرآن يبنون على فكر الامام محمد عبده و يرفعون راية الاصلاح . فما تسمونهم بالقرآنيين هم رد فعل إيجابى لسيطرة الثقافة الوهابية .
هذا الاصلاح الدينى هو واسطة العقد فى منظومة اصلاحية شاملة تشمل التشريع والسياسة والاقتصاد والاجتماع والاخلاق . لا ينكر الحاجة للاصلاح إلا أهل الفساد . ولا ينكر أهمية الاصلاح الدينى إلا المفسدون و الجاهلون . فلا يمكن أن توقف الخطر السياسى الذى يمثله الاخوان المسلمون وسائر تنظيماتهم إلا بالاصلاح الدينى ، ولا يمكن ان تحل معضلة الدولة المدنية الا للاصلاح الدينى ، ولا يمكن أن تفصل بين الدين والعمل السياسى ألا باللاصلاح الدينى ، ولا يمكن أن تصلح المجتمع بعد فساده بالاحتراف الدينى و التدين السطحى إلا بالاصلاح الدينى.
بدون اصلاح دينى لا ينفع أى اصلاح سياسى أو تشريعى .
ولا يتحقق الاصلاح الدينى فى مصر إلا باصلاح مؤسسة الأزهر لتكون مؤسسة مدنية تحمى حرية الفكر و المعتقد وحقوق الانسان والديمقراطية ، وتدافع عن الأقباط والأقليات والمرأة و المهمشين والمظاليم . لست مع المنادين بالغاء الازهر ،بل اصلاحه . وهو موضوع طويل قد نكتب فيه فيما بعد .
أما الأزهر بوضعه الحالى فهو شأن كل مؤسسات الدولة المصرية الحالية ـ يرقد فى القاع . سواء كان على رأسه الشيخ طنطاوى أو المشير طنطاوى .

اجمالي القراءات 19065