بتكاثر مصانع الأحاديث ليصل انتاجها بالملايين فى منتصف العصر العباسى وتدوين هذه المنجات الحديثية على أنها (سنة ) ظهرت الحاجة الى نوع من الضبط ليس فقط بما يعرف بالجرح و التعديل و بحث حال الرواة ولكن أيضا بنقد متن الحديث . وبدأ هذا الباب مع المؤرخ ابن الجوزى ت 597 فى كتابه عن الموضوعات ن واستمر الى السيوطى ت 910 . ولكن يمتاز عنهم ابن تيميه فى رسالته ( حديث القصاص ) وابن الجوزى فى كتابه ( المنار المنيف فى الصحيح و الضعيف ) .
وفي كتاب ابن القيم " المنار المنيف في الصحيح والضعيف" يتبين أن الكذب في الأحاديث المنسوبة للنبي أتخذ موضوعات شتى، منها الأحاديث الموضوعة في التعصب لجنس أو موطن أو مذهب .
يقول : إن من علامات بطلان الحديث أن يكون باطلا في نفسه فيدل بطلانه علي أنه ليس من كلام الرسول(صلي الله عليه وسلم) مثل حديث :" إذا غضب الله تتعالي أنزل الوحي بالفارسية ، وإذا رضي أنزله بالعربية" ( المنار المنيف 120)، نقول : والواضح أن واضع هذا الحديث يتعصب للعربية ضد اللغة الفارسية .
ويستشهد ابن القيم بحديث آخر ضمن الأحاديث الباطلة ، يقول : " من لم يكن له مال يتصدق به فليلعن اليهود والنصارى". ويقول ابن القيم في تعليل بطلانه إن اللعنة لا تقوم مقام الصدقة أبدا (المنار المنيف121).
ونقول إنه من الواضح إن واضع هذا الحديث كان متعصبا ضد اليهود والنصارى ، وقد رد عليه آخرون بوضع حديث آخر يقول :" من أذى ذميا فقد آذاني" ، وقد عد ابن القيم هذا الحديث ضمن الأحاديث الموضوعة المكذوبة أيضا ( المنار المنيف 178 ).
ويجعل ابن القيم من علامات الوضع في الحديث ركاكة ألفاظ الحديث وسماجتها ، ويذكر أمثلة منها: أحاديث ذم الحبشة والسودان ، وكلها كذب مثل:" الزنجي إذا شبع زنى وإذا جاع سرق "، " إياكم والزنجي فإنه خلق مشوه " ، " دعوني من السودان ، إنما الأسود لبطنه وفرجه".
ومنها أحاديث ذم الترك وأحاديث ذم الخصيان وأحاديث ذم المماليك ، ومنها أحاديث " لو علم الله في الخصيان خيرا لأخرج من أصلابهم ذرية يعبدون الله". " شر المال في آخر الزمان شراء المماليك " (المنار المنيف 155: 157).
ونقول إن الأغلب أن وضع هذه الأحاديث كان أثناء سيطرة الأتراك علي الدولة العباسية ، وشراء المماليك قبيل العصر المملوكي في الدول الأيوبية والنورية والسلجوقية بالإضافة إلي شيوع استخدام الخصيان في هذه الأزمنة فجاءت هذه الأحاديث تعبر عن استنكار الوضع القائم.
ونعود إلي ابن القيم في كتابه القيم " المنار المنيف " حيث يقرر بجرأة أن من الأحاديث الباطلة " ما وضعه جهلة المنتسبين إلي السنة في فضائل أبي بكر وعمر "، وما وضعه الشيعة في فضائل "علي" وما وضعه بعض جهلة أهل السنة في فضائل معاوية ، والأحاديث الموضوعة في ذم معاوية وذم عمرو بن العاص وبني أمية ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وأولاده ، والأحاديث التي تمدح خلفاء بني العباس كأبي جعفر المنصور والسفاح والمهدي والرشيد، والأحاديث التي تحرم ولد العباس علي النار ، والأحاديث التي تذكر خلافة بن العباس وعدد الخلفاء العباسيين.
ويضيف إليها " ما وضعه الكذابون في مناقب أبي حنيفة والشافعي وما وضعه الكذابون أيضا في ذمهما "( المنار المنيف 169: 174).
كما يضيف الأحاديث التي وضعوها في مدح وفي ذم المدن المشهورة مثل بغداد والبصرة والكوفة ومرو وأنطاقية وعسقلان وإسكندرية ونصيبين.
أي أن التعصب الديني والطائفي والوطني كان من أسباب وضع هذه الأحاديث .