نريد وزارة للآثار

عثمان محمد علي في الجمعة ١٢ - فبراير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بعد قرائتى لمقالة الأستاذة سكينة فؤاد (إسرقوها بسلام آمنين) التى تتحدث فيها عن بعض كوارث مصر فى عقودها الثلاث الأخيرة ، ومنها كارثة قانون السماح للأفراد بالإتجار فى الأثار (داخل مصر) وتحويلها من ملكية عامة إلى ملكية خاصة ، مما يسمح بنهبها وتهريبها وبيعها  فيما بعد خارج البلاد بسهولة ويسر

. جالت بخاطرى مرة أخرى بعض الخواطر (التى لا تفارقنى من أساسه) ، وتذكرت معها مقالة رائعة ،وسابقة لعصرها كما هو صاحبها سابقاً لعصره دg; دائما ،لأستاذنا الدكتور – أحمد صبحى منصور – عن ضرورة إيجاد وزارة خاصة للأثار بمصر ، لحمايتها والإهتمام بها بما يتناسب مع تاريخ مصر ، وما يتناسب مع الإستفادة الإقتصادية المطلوبة منها كعامل إقتصادى هام للقطر المصرى .

أما عن الخواطر فمنها .

كالعادة اهل القرآن وعلى رأسهم أستاذنا الدكتور منصور قد سبقوا فى الدعوة لحماية الآثار ، فى هذا المقال ، ومن بعده فى ندوات أخرى من ندوات إبن خلدون قالوا  فيها ان مصر يمكن ان تكون اغنى دولة عربية لو تم التركيز فيها على الثقافة ورعاية عقول وابداعات المصريين وسن القوانين التى تحمى حرية الابداع وتعيد المبدعين المصريين والعلماء المصريين الى احضان مصر بدلا من تشتتهم واذلالهم فى صحارى النفط وتركهم يعانون الغربة فى الغرب.

وبدلاً من  إضطهاد وطرد وتشريد المفكرين والعلماء المصريين  فى الخارج من أمثال د- سعد الدين إبراهيم – والدكتور منصور – وغيرهم الكثير والكثير ، كان الأولى بها رعايتهم وتأمينهم ومساعدتهم فى حياتهم العلمية والفكرية .

وكان الآولى بها  ايضا أن تتبنى نبوغ  المصريين من العلماء النابهين وإحتضانهم من امثال – فاروق الباز ،وأحمد زويل ،وغيرهم الاف آخرين فى كل بقاع العالم المتحضر .  ولكن للأسف ،باضطهاد العباقرة والنوابغ اصبحت مصر طاردة للعملة الجيدة فطغت العملة الردئية ، فبدلا من نبوغ احمد صبحى منصور اشتهر فقهاء التكفير و رضاعة الكبير ، وبدلا من البرادعى إشتهر  ترزية القوانين  ، وبينما اصبح زويل  مستشار للرئيس اوباما فان بعض من ليس لهم وزن وقفوا ضد احلامه فى انشاء قاعدة علمية فى مصر كى يخلو الجو لشيوخ الثعبان الاقرع و التبرك ببول النبى وشرب بولب الابل والتداوى بالحبة السوداء . ..الخ . إلخ إلخ .

والآن نُعيد قراءة مقالة أستاذنا الدكتور – منصور – التى نشرها بجريدة الأحرار فى فبراير 92.

------

17 فبراير1992م.

قال الراوي

د.أحمد صبحي منصور

نريــــــــــــد وزارة .. للآثــــار

 سنة 595 هـ زار مصر الطبيب الفيلسوف عبد اللطيف البغدادي وكتب عن رحلته كتابه " الإفادة والاعتبار" وكان أروع ما فيه وصفه الدقيق للآثار الفرعونية في ذلك الوقت وما كان يحدث فيها من تخريب يومئذٍ, وحين نقرأ هذا الوصف في كتابه ونقارنه بما لدينا من آثار نتعجب من ذلك التدمير الذي لحق بآثارنا من عهد عبد اللطيف البغدادي وحتى الآن ..

* وطبقاً لما ذكره عبد اللطيف البغدادي كان للأهرام ومنطقة الأهرام وضع مختلف عنها اليوم كانت هناك مدينة كاملة للآثار بازاء الضفة الشرقية للآهرام الثلاثة . وقد امتلأت هذه المدينة بمغارات كثيرة العدد عميقة ومتداخلة الأغوار, وبعضها يرتفع إلى ثلاث طبقات ويمكن أن يسير فيها الانسان يوماً كاملاً ولا يراها كلها , وعلى أحجارها الكتابات الفرعونية التي تغطي أيضاً الأهرام الثلاثة, ويقول عبد اللطيف البغدادي إن هذه الكتابات كثيرة جداً حتى لو تم نقل ما على الهرمين فقط إلى صحف لكانت زهاء عشرة آلاف صفحة, ويقول عن هرم خوفو وهرم خفرع أنهما مبنيان بالحجارة البيضاء أما الثالث فهو مبني بحجارة الصوان الأحمر شديد الصلابة .

* ويتحدث عن أبي الهول ونعرف منه أن جسد أبي الهول كان مدفونا في الأرض ولا يظهر منه إلا الرأس والعين فقط وقد غطاهما دهان أحمر لامع , ومعنى ذلك أن التدمير الذي حدث بعد عصر عبد اللطيف البغدادي قد كشط سطح الأرض وأظهر المدفون من جسد أبي الهول وأظهر إلى جانبه آثار كثيرة تم نهبها و ضياعها .. !! وقد شهد عبد اللطيف البغدادي في رحلته جانباً من ذلك التدمير, إذ أن ملك مصر وقتها العزيز عثمان الأيوبي حاول هدم الأهرام وبدأ بالهرم الأصغر فحشر جيشاً من العمال والمهندسين والآلات وظلوا ثمانية أشهر يهدمون كل يوم حجراً واحداً, ثم وهنت قواهم فتركوا العمل يأساً ولكن بعد أن قاموا بتشويه جانب من الهرم الأصغر .

* ولكن التدمير لحق بعشرات الأهرام الأخرى , إذ كانت هناك كثير من الأهرام تبدأ من الجيزة وتمتد مسافة يومين سيراً على الأقدام, وكان معظمها صغير الحجم , وقد هدمها قراقوش وبنى منها سور القاهرة والقلعة وقناطر الجيزة وقد بقى من أنقاضها ردم كثير وصفه عبد اللطيف البغدادي الذي وصف ايضاً أهراماً كثيرة في منطقة أبي صير, وبعضها كان انهدم وكانت بقاياه تؤكد أنه كان في حجم الهرم الأكبر في الجيزة, وما بقى من أهرام أبي صير كان مختلف الأحجام والأشكال منه المدرج ومنه المخروطي .

* وذلك الفيلسوف الحكيم وصف آثار مدينة منف وصفاً يبعث فينا الحسرة حين نقارنه بالآثار الهزيلة الباقية في البدرشين, لقد أثارت مدينة منف القديمة وآثارها إعجاب ذلك الفيلسوف وجعلته ينسى أسلوبه العلمي الرصين المتزن الهاديء فانطلق يشيد بتلك الآثار في انبهار وحماس وكيف بقيت شامخة بعد آلاف السنين, وما كان يعلم أن التدمير سيفنيها بعد بضع مئات من السنين !!

   وقد وصف من تلك الاثار ما أطلق عليه الناس وقتها بالبيت الأخضر وهو حجر ضخم قد حفر في وسطه بيت , وقد وصف تفصيلاته و ما لحقه من تدمير , ووصف التماثيل الضخمة في تلك المدينة وتوازنها وتصميمها ونقوشها ودقائقها, ووصف تمثالين لأسدين, ووصف سور المدينة وما لحقه من تدمير , وأسهمت في أعمال التخريب للبحث عن الكنوز والمطالب واستخراج الموميات وبعثرة أحشائها للعثور على ما قد يكون فيها من كنوز مخبأة .

* في تلك القرون الوسطى نظر الحكام والأجانب إلى الآثار على أنها أصنام لا مانع من إزالتها , وكان الذهب هو المقصود الأعظم من البحث والتدمير لتلك الآثار, وتلك مهمة تركها الحكام لكل من شاء وبدون رقيب , وصحيح أن المعابد الوثنية كانت تشكل الجزء الأكبر من الآثار الفرعونية إلا أنها أصبحت مهجورة وزالت عنها القداسة بعد أن انصرف عنها المصريون إلى المسيحية, والغريب أن العصور الوسطى كانت عصور تقديس الأضرحة والقبور المقدسة والأولياء الأحياء والأموات ومع ذلك احتقروا التماثيل والتصاوير الفرعونية التي لم تعد مقدسة ولم يعد أحد يحج إليها على سبيل التبرك , وفيما عدا عبد اللطيف البغدادي فإننا لا نشهد مؤرخاً اهتم بالآثار المصرية اهتماماً علمياً , والمقريزي – أعظم المؤرخين المصريين – تحدث عن الآثار المصرية بما يشبه قصص المصاطب وحكاوي القهاوي , مما يعكس إهمال المثقفين لتلك الحضارة الخالدة .

* إن تاريخ الانسانية مدفون في أرضنا , ونحن نعيش فوق متحف طبيعي لتطور الحضارة الانسانية , ولا يخلو مقرر دراسي في العالم كله من البدء بالحضارة الفرعونية, ولا يتحدث إثنان في أي مكان في العالم عن الآثار القديمة إلا و كانت آثارنا الفرعونية هىّ بيت القصيد .. ومع ذلك فقد توارثنا عن القرون الوسطى تلك العادة السيئة في عدم الإهتمام بالآثار الفرعونية التي تنال حظها من اهتمام الدنيا كلها إلا نحن فقط .. !!

* إن التدمير الذي لحق بالآثار المصرية في القرون الوسطى تبدو بعض ملامحه فيما نعثر عليه من أحجار فرعونية في العمائر الفاطمية والأيوبية والمملوكية ومن عملات ذهبية فرعونية في الكنوز التي ترجع للقرون الوسطى ، ثم حين فتحت مصر أبوابها للأجانب تركتهم ينهبون أهم الآثار والتحف إلى بلادهم , ولا تزال سرقات الآثار تجارة رابحة لها عصابات متخصصة في الداخل والخارج, ونخشى أن يأتي أحفادنا في المستقبل يعيبون علينا ما نعيبه الآن على أجدادنا في العصور الوسطى .. !!

* إن حكومتنا مشغولة بتوفير احتاجات الانسان المصري وبمشاكل داخلية وخارجية تحجب عنها مشكلة الحفاظ على التراث الفرعوني , وربما اعتبرته ترفاً ثقافياً ليس هذا أوانه . وأخشى أن أقول أن الحفاظ على آثارنا مسئولية انسانية عالمية ينبغي أن يقوم بها اليونسكو نيابة عن الضمير الانساني والحضارة الانسانية .. وهذا اقتراح ثقيل علىالقلب فمصر التي أبدعت تلك الحضارة ينبغي أن تقوم هىّ على رعايتها وحمايتها .. وليس اليونسكو أو غيره ..

* إن من المضحكات المبكيات أن تقوم على رعاية الآثار المصرية ( الفرعونية ,القبطية , الإسلامية ) مجرد إدارة تابعة لوزارة الثقافة تعاني نقصاً في الإمكانات والخبراء والموظفين , ومطلوب منهم أن يدافعوا بإمكاناتهم الهزيلة عن تراث تم تشييده خلال سبعة آلاف عام ... !!

* نريد وزارة .. للآثار .. !!

إنتهت المقالة وفى إنتظار تعقيباتكم الكريمة .

 

 

اجمالي القراءات 13316