آحمد صبحي منصور
في
الثلاثاء ٢٦ - سبتمبر - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
أولا :
1 ـ ركّز فقهاء المحمديين على تحريم كامل وشامل للتصوير والتماثيل وأعمال النحت . إندفعوا لهذا ردّ فعل لتقديس المسيحيين للأيقونات وتماثيل العذراء وصورها . فى المقابل إنتشرت وسادت بينهم نوعية أخرى من الكفر هى عبادة وتقديس القبور ، سواء المنسوب منها للنبى محمد عليه السلام ، أو للحسين وآل البيت أو للأولياء والصحابة والأئمة . ومنها قبور على أجزاء من جيفة الميت ، سواء كانت حقيقة أو زعما ، ومنها قبور مقدسة متعددة لرأس الحسين وللولى الصوفى المصرى عمر الفارض وأحمد البدوى ، وهناك قبور مزورة كثيرة لمشاهير لم يأتوا لمصر مطلقا مثل قبر ( السيدة زينب ) الذى كان فى الأصل كنيسة ، ثم زعم صوفى مشهور أنه رأى فى المنام أن السيدة زينب أخت الحسين قد طارت وحطّت فى هذا المكان ، فهدموا الكنيسة وأقاموا مكانها ذلك القبر المقدس وبمسجد فوقه ، وكان هذا فى العصر العثمانى ، وقد قمت بحصر القبور المقدسة فى مصر المملوكية فى رسالتى للدكتوراة عام 1977 ، ولم يكن وقتئذ وجود لقبر منسوب للسيدة زينب ، فكتبت هذا . ثم شرحته فى كتابى ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى ) الذى كان مقررا على الطلبة فى جامعة الأزهر عام 1984 ، وقلت فيه إن ما يطلقونه على ( السيدة زينب ) من ألقاب هى نفس ما إعتاد المصريون القدماء قوله عن ( إيزيس ). وأتذكر أنه فى محاضرة وقتها أن سألنى طالب عن رأيى فيمن يقول إن السيدة زينب جاءت لمصر وماتت فيها ، فقلت مسرعا : ( يبقى حمار ) ، فقال إن الذى قال ذلك وكتبه هو الدكتور محمد الطيب النجار رئيس جامعة الأزهر ، فقلت مسرعا : ( يبقى حمار ).
2 ـ المقامات المقدسة والعتبات المقدسة والقبور المقدسة أهم معالم التدين لدى المحمديين ، خصوصا عندما سيطر التصوف وتقديس الأولياء على العصرين المملوكى والعثمانى ، واصبحت زيارة ( المزارات ) المقدسة شعيرة دينية ، وأصبحت من أهم المعالم السياحية للقادمين لمصر ، ومنهم رحالة مشاهير سجلوا هذا فى كتبهم . وتخصّص شيوخ فى إرشاد الزوار للقبور المقدسة وحكاية كرامات أهلها ، ومنهم من سجل كتبا فى هذا مثل السخاوى الصوفى فى كتابه ( تحفة الأحباب ) وابن الزيات فى كتابه : ( الكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة ). وتأثرت بهذا الأمثال الشعبية المصرية وقتها ، فيقولون على التوافد لزيارة القبور المقدسة : ( يشوف الغنم سارحة يقول : سألناكم الفاتحة ) ، وعن ثواب من يقدسها: ( من زار الأعتاب ما خاب ) . وحتى الآن فاشهر المساجد عندهم ما يقيمونه فوق قبر مقدس ، بل هناك فى العراق قبر مقدس فوق ما يزعمونه ( كفّ ) شخص مقدس عندهم .
2 ـ تقديس المحمديين للموتى والقبور يفوق تقديس المسيحيين للتماثيل والأيقونات . المحمديون بذلك يكفرون بقوله جل وعلا :
2 / 1 ـ ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) النحل )
2 / 2 ـ ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195) الاعراف )
2 / 3 ـ ( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ( 16 ) الرعد )
2 / 4 ـ ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) الجن ).
2 / 5 : ـ ( ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) فاطر )
2 / 6 ـ ( قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( 4 ) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ( 5 ) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ( 6 ) الأحقاف ) .
2 / 7 ـ ( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا ( 102 ) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا ( 103 ) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ( 104 ) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ( 105 ) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ( 106 ) الكهف )
ثانيا :
1 ـ التصوير والنحت مباح وليس حراما . قوم ثمود كانوا ينحتون من الجبال بيوتا ، لم يأت الاعتراض على هذا بل على فسادهم وتقديسهم البشر والحجر. قال لهم النبى صالح :
1 / 1 : ( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)الاعراف ).
1 / 2 : ( وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ (149) الشعراء ).
2 ـ قوم ابراهيم كانوا ينحتون التماثيل ويقدسونها فقال لهم :( أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) الصافات )
3 ـ مصطلح ( تماثيل ) جاء مرتين فقط فى القرآن الكريم :
3 / 1 : قول ابراهيم لقومه : ( إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) الأنبياء ).
3 / 2 : فى قصة داود : ( يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ) (13) سبأ ). كانوا يصنعون له تماثيل .
4 ـ ليس حراما صناعة التماثيل ونحتها ، الحرام أن تقدسها . الأدوات محايدة ، ليست حراما فى ذاتها ، إنما إستعمال الانسان لها هو الذى يكون حراما أو مباحا. السكين يكون مباحا إستعمالها فى إعداد الطعام ، ويكون حراما إستخدامها فى قتل إنسان برىء . لا شأن للسكين بهذا أو ذاك . وكذلك مواد البناء والأحجار التى يبنى منها الانسان قبورا عادية أو قبورا تصبح مقدسة بالاعتقاد فيها وتأليه الجيفة المقبورة تحتها . ولو خرجت الجيفة تفتح ذراعيها لتحتضن من يعبدها سيولون منها فرارا ويمتلئون منها رعبا .