يدورهذا المقال حول التفسير الميتافيزيقي الذي طرحه الدكتور الفاضل أحمد لماهية الموت.
كتاب الموت هو فعلا كتاب جميل و فيه غاية نبيلة تجعل القاريء يستشعر بوجود الموت معه في كلّ لحظة ، كما تجعل القاريء يتفكّر في تبعات ذلك الحدث الجلل الذي لا بد و أن يحدث لكل كائن حيّ.
لم أعلّق على الكتاب من ناحية علمّية لسببٍ بسيط هو أن هناك من الأخوة الأفاضل من قدّم نقداً علمّياً جميلاً و بنّاءً للكتاب ، وذاك هو الأخ الفاضل محمد حداد. و لكن ، للأسف ، و رغم تبادل عبارات الشكر والمديح الحميمة (كعادة العرب) ، يبدو أن انشغال الدكتور احمد بالموقع و غيره من الامور حال دون أن يأخذ بذلك النقد القيّم بعين الأعتبار ، بل ما زال الكتاب منشوراً كما هو بما فيه من أخطاء علمية متعددة.
تقوم فكرة الدكتور أحمد حيال تفسير ماهية الموت على التالي: أن هناك عالميْن في هذا الوجود ، و أن الموت ما هو إلا انتقال من عالم الى آخر أسماه البرزخ. الى هنا لا جديد في هذا التفسير ، و لكن الجديد في تفسير الدكتور أحمد هو أن عالم البرزخ هذا هو عالم مستمر و موجود بشكل متوازي ( من ناحية زمنية) مع عالمنا المادي هذا و لكن على مستوى آخر من الأهتزازات أو الذبذبات. و في هذا العالم البرزخي (غير المرئي) تقبع جميع الكائنات مافوق المادية (كالملائكة و الجنّ و النفس البشرية أثناء النوم أو بعد أن تتوفاها رسل الموت من الجسد)(راجع كتاب الموت- الفصل الثاني) ، أنقل هنا ما جاء في الفصل الثاني من الكتاب:
{ الثابت علمياً أن ذرات المادة الأرضية تدور بسرعةتتراوح بين 400 ألف مليون دورة إلى 750 ألف مليون دورة في الثانية الواحدة ، أماذرات العالم العلوي الأثيري فإنها أسرع دوراناً وبهذا تخرج عن المستوى الاهتزازي لعالمنا المادي ولا نستطيع أن نراها ، ومن العالم غير المرئي لنا الجن والشياطين والملائكة والنفس البشرية بعد الموت وفى حالة النوم . وقد دل علم الميكانيكيةالموجية على أن الأساس في تداخل الأجساد أو عدم تداخلها يرجع إلى اختلاف المستوىالاهتزازي لهذه الأجساد أو تطابقه . فإذا كان المستوى الاهتزازي واحداً لإنتمائهماإلى نفس العالم فإن تداخلها يكون مستحيلاً ، فالإنسان بجسده الأرضي لا يستطيع أن يخترق الجدران لأن مجال المستوى الاهتزازي بينها واحد . أما إذا أختلف المجالان فإن التداخل يكون طبيعياً ، وعلى ذلك فإن وجود جسمين " أحدهما أرضى والآخر سماوي " متداخلين وشاغلين مكاناً واحداً في آن واحد يعتبر ظاهرة طبيعية يؤيدها العلم . وجهاز الراديو أبرز مثال لذلك ، فالكون ممتلىء بموجات لاسلكية تخترق الجدران وهى في نفس الوقت متداخلة لا يحس بعضها ببعض ولا يؤثر بعضها على بعض ، وكلها تتخلل جهازالراديو ، فإذا استقر مفتاح الراديو على موجة معينة التقطها دون أن يعوقه وجود موجةأخرى في نفس المكان ذات اهتزاز أو ذبذبة مختلفة.
الإنسان إذاً يعيش في عالمين متداخلين ولكل منهما مستوى اهتزازي يغاير الآخر . ويتداخل الجسمان " الجسد الأرضي والنفس البرزخية " ، والموت هو انفصال النفس نهائياً عن ذلك الجسد المادي وكل عوالم المادة التي نراها الآن بعيوننا . والعين البشرية لا ترى كل شيء يقع في مجال الرؤية أمامها ،} أ.هـ
و أنقل لكم مساهمة الأخ الكريم محمد حداد في تصويب بعض الأخطاء العلمية في هذه الفقرة:
{عذرا د.أحمد المحترم ، ورجائي منكم عدم التطرق إلى العلوم الطبيعية ، وبالأخص الفيزيائية ، حتى تتمكنون من مادتها العلمية ، قبل الخوض فيها ، كي لا تقعوا بالمحظور علميا ، ونقل ما كتب عنها من غير ذوي الاختصاص ، دون الرجوع لأمهات الكتب العلمية ، أو الاستعانة بخبير .
فلنأخذ بداية الفقرة حيث تقولون : الثابت علمياً أن ذرات المادة الأرضية تدور بسرعة تتراوح بين 400 ألف مليون دورة إلى 750 ألف مليون دورة في الثانية الواحدة .
أي معنى كلامكم أن التذبذب هو 400 ألف مليون هرتز إلى 750 ألف مليون هرتز ، وال هرتز هو ذبذبة بالثانية ، أي 400 جيجا هرتز ، وال جيجا معناها ألف مليون بوحدات القياس ، أخي برجاء مراجعة مصدركم العلمي .
ثم أن الذرة لا تدور ، بل مكوناتها هي التي تدور ، وهي تهتز بمكانها فقط بالمواد الصلبة ، وتتحرك داخل مستويات كأنها الشرائح في السوائل ، وتتحرك داخل الحجم كله بالنسبة للغازات ، وتتحرك ضمن المجال المغناطيسي بالنسبة للبلازما ، والتي هي الحالة الرابعة للمادة .
وتعود بعدها لتقول : ما ذرات العالم العلوي الأثيري فإنها أسرع دوراناً وبهذا تخرج عن المستوى الاهتزازي لعالمنا المادي ولا نستطيع أن نراها . انتهى النقل .
أي أنكم لم تقفوا عند حد وصف عالم البرزخ بالعالم الأثيري ، ولكن زدتم بأن قلتم أنه يتكون من ذرات ، مستواها الاهتزازي أعلى من مستوى عالمنا المادي لذا لا نستطيع رؤيتها .
أخي د.أحمد ، وصفكم لعالم البرزخ ووجود الذرات فيه أعطاه الصفة المادية ، فالذرة هي أحد الأشكال المادية للطاقة ، وكون أن الاهتزازات أعلى لا ينفي الصفة المادية عن أي عالم يحتويها .
ثم تقولون :
فالإنسان بجسده الأرضي لا يستطيع أن يخترق الجدران لأن مجال المستوى الاهتزازي بينها واحد . أما إذا أختلف المجالان فإن التداخل يكون طبيعياً . انتهى النقل .
أخي العزيز ، أحيلكم للإطلاع على أي كتاب علمي جامعي أنتم تختارونه يتحدث عن الموجات الكهرومغناطيسية ، ليكن كتابا للمرحلة الأولى أو الثانية الجامعية ، لترون مدى الأخطاء المهولة بفهم الفيزياء .
ثم تقولون : والعين البشرية لا ترى كل شيء يقع في مجال الرؤية أمامها . انتهى النقل .
وهذا خطأ علمي أيضا بالطريقة التي وضع بها النص ، فعندما تقول مجال الرؤية ، فأنه يعني الطيف المرئي بلغة الفيزيائيين ، وهو الطيف الذي تراه العين البشرية ، ولكن عندما تقول الطيف الكهرومغناطيسي ، فهذا يعني من ترددات الموجات الراديوية مرورا بتحت الحمراء ، والتي لا نرى كليهما ، ثم الطيف المرئي ، ثم فوق البنفسجي الذي لا نراه أيضا ، ثم أشعة أكس وبعدها جاما والأشعة الكونية.}
الحقيقة أن نظرية الدكتور أحمد في تفسير الموت قد تجد ما يدعمها من آيات القرءان – إلا أن طريقة عرضها على هذا الشكل يجعلها محل رفض علميّاً !! كيف هذا؟ حتى نفهم كيف هذا ، لا بد من التفريق ما بين أمرين أولهما الفيزياء و الطبيعة و ثانيهما ما وراء الفيزياء أو ما وراء الطبيعة.
تعرف الطبيعة على أنها ما يمكن قياسه تجريبيا إما بشكل مباشر أو غير مباشر ، مثل الصوت ، الضوء ، المادة ، الطاقة .. الخ. و أما ماوراء الفيزياء (أو الميتافيزيقيا) فهو ما لا تنطبق عليه قوانين الفيزياء و لا يخضع للتجربة المباشرة أو غير المباشرة – مثل : الله ، الملائكة ، الجن ، الخ. و يبدو أن الدكتور أحمد قد خلط ما بين الأمرين أثناء تفسيره لماهية الموت. و سبب الخلط قد يكون التوّهم أن العالم "غير المادي" في هذا الكون لربمّا هو جزء من عالم البرزخ. وهذه الجملة الأخيرة فيها التباس حول ماهو"مادي" و "غير مادي" في هذا الكون.
المادة والطاقة هما عمادا علم الفيزياء. التفسير الأساسي و المبسّط للمادة هو كل شيء يملك كتلة “mass” ، وأما الطاقة فهي كل شيء "موجود" في هذا الكون ولكن ليس له كتلة. فمكوّنات الذرة من ألكترونات وبروتونات ونيوترونات .. الخ هي مواد ، لأن لها كتلة يمكن قياسها. و لكن الضوء مثلا ، و الذي يتكوّن من جسيمات دقيقة يسمونها فوتونات، ليس له كتلة ، أي إن كتلة الفوتون = صفراً. وبسبب تلك الحقيقة (كتلته=صفر) فإن الفوتون عند ولادته فإنه سرعان ما ينطلق بسرعة هائلة جداُ من تلقاء نفسه . الضوء إذن عبارةعن طاقة
ما هوالضوء؟
الضوء جزء من عائلة ضخمة تسمى الأمواج الكهرومغناطيسية. والفوتون هو الجسيْم الوحيد الذي (تتكون منه أو يتسبب في أوينتقل عبر – الله أعلم) الامواج الكهرومغناطيسية. و الفوتون (كجسيم) عندما يتحرك عبر الفراغ من نقطة الى آخرى فإنه يخلق أمامه (أو يتسبب في إيجاد) مجالين متصاحبين متعامدين على بعضهما البعض – الأول مجال مغناطيسي و الثاني كهربائي ( لذلك: كهرومغناطيسي)، وهذان المجالان يكونان على شكل موجتين متصاحبتين معاً تسببان انتقال الفوتون الى النقطة التالية وهكذا دواليك.( يمكنك رؤية رسم مبسط لتلك العملية بالضغط هنا ) تسمى المسافة مابين قمتين متتالتين بالطول الموجي ، في حين يطلق على عدد المرات التي يحدث فيها (قمة) أو(قاع) من الموجة في الثانية الواحدة بإسم التردد (أو التذبذب frequency). الطول الموجي و التذبذب لاعلاقة لهما بسرعة الفوتون. ولكن لهما علاقة بمصدر ولحظة ولادة الفوتون.
يقاس التذبذب بالهيرتز. وهوعدد مرات حصول الشيء في الثانية الواحدة. وفي حالة الموجات فالشيء المعني هو عدد مرات حصول (قمة) أو (قاع) من الموجات في الثانية. الضوء المرئي يتكون من فوتونات لها حركة موجية ذات تذبذب يتراوح من 400 تيراهيرتز (الضوء البنفسجي) الى 750 تيراهيرتز (الضوء الأحمر) – و التيرا هو عبارة عن مليون الميلون. و لأن هذا التردد كبير جداً إذن يكون طول موجة الضوء المرئي قصيرة جداً ( اجزاء من المليار من المتر). امواج الراديو لها تردد أقل بكثير من تردد الضوء المرئي ( تتراوح من 50 مليون هيرتز الى مليار هيرتز) ، ولهذا السبب تكون موجة الراديو طويلة نسبيا (قد تصل الى عشرة أمتار) . يرجى التركيز أن الضوء و أمواج الراديو – كليْهما – يتكوّن من فوتونات تنطلق بنفس السرعة ، لكن ما يختلفان به هو طريقة تعرّج وأنطعاج أو تشوّه المسار الذي يتخذه الفوتون.
قلنا إن حركة الفوتون تسبب في إحداث مجالات كهرومغناطيسية. و هذه الأمواج لها تأثير سلبي على دماغ الأنسان و خلاياه العصبية، لذلك فإن كودات التصميم في الهندسة الكهربائية تطلب أن لا يزيد تركيز الموجات في المناطق السكنية على قيمة معينة في المتر المكعب الواحد من الفراغ ، السبب هو صحة البشر + للحفاظ على مقدار أدنى من التداخلات. هذا ملاحظ في تصميم أبراج الأتصالات ذات الطاقة العالية . و وجود هذه الموجات معا في غرفة معينة قد يؤدي الى تداخلها وتشويشها على بعضها البعض. كلما كانت الموجة أقصر طولا (و اكثر تكرارا) فإن احتمال "تصادم" أو تداخل موجتين على مسار واحد يصبح احتمالاً ضعيفا. لهذا السبب فإن في أجهزة الألتقاط اللاسلكي هناك وحدة أوجزء أودائرة كهربائية مهمتهما تصفية الموجة الرئيسية من التشويشات الناتجة عن التداخل ما بين الموجات الأخرى .
أما لماذا تخترق الموجة الجسم و لكن لا تستطيع الأجسام اختراق بعضها. الحقيقة إن هذه الجملة ليست دقيقة. فكلما زاد طول الموجة فإنه يصبح من السهل اعتراضها. فأمواج الراديو مثلا لا تخترق الأجسام و لكن تلفّ و تدور حولها من جميع الجهات. ومثلها أمواج التلفزيون. لهذا السبب تكون بعض المحطات مشوشة في بقعة معينة وذلك لأن جزء كبير من الموجة قد تم اعتراضه من قبل الأبنية و الجبال و غيرها.
أما الأمواج ذات الطول القصير جداً فإنها تخترق الجسم ، وحتى نفهم كيف يحدث هذا لا بد من العودة الى الذرة. الذرة باختصار عبارة عن جسم مركزي (فيه بروتونات ونيوترونات) ومن حول ذلك الجسم تتواجد و تلتف الألكترونات على شكل يشبه الغيمة في دورانها المستمر. المسافة ما بين أقرب ألكترون الى مركز الذرة حوالي نصف أنجستروم ، و الأنجستروم هوعبارة عن جزء من عشرة مليارات جزء من المتر. حجم البروتون صغير للغاية مقارنة مع تلك المسافة. فهوأقل من تلك المسافة بمائة ألف ضعف. و الألكترون بدوره أصغر حجما من البروتون. لو تخيّلنا هذه المسافات فعندها يمكن تشبيه مرور موجة ذات تردد عالى (طول موجي قصير جداً) بشكل يشبه مرور مركبة فضائية ما بين الأرض والشمس. لهذا فإن احتمال استمرار تلك الموجة بالمرور احتمال عالى بل شبه مؤكد ما لم يكن الجسم سميك جداً فعندها يصبح احتمال اعتراض الموجة من قبل الكترون أو بروتون احتمالا عاليا. لهذا – فإن أصغر الموجات طولا (وهو موجات أشعةغاما الفاتكة بالجسم البشري) لا يمكنها أن تخترق حائطا من الرصاص سمكه 30 سم.
أما لماذا لا تتداخل الأجسام الصلبة فهو بسبب وجود غيمة الألكترونات الخارجية على سطح الذرات الخارجية. و اقتراب تلك الغيمة (مع شحنتها الكهربائية السالبة) نحو سطح آخر ذا غيمة الكترونية أخرى هو الذي يسبب تنافر السطحين عن بعضهما ، و بالتالي شعورنا بوجود جسم صلب لا نستطيع اختراقه لأن قوة التنافر ما بين السطحين قوة كبيرة.
في ضوءهذه المعطيات – فإن نظرية الدكتور أحمد في تفسير ماهية الموت تصبح لاغية (فيزيائياً) ، لأنه ( بحسب قوانين الفيزياء) ليس هناك "عالمين" في مكان واحد كما كان يتصور، و إنما هوعالم واحد .
و أما ما ذكرته في مقالة الجاذبية عن نظريات الأوتار فذلك الحديث كان عن نظريات رياضية لم تثبت تجريبياً. و في تلك فإن المقصود بالأهتزاز ليس الامواج الكهرومغناطيسية المذكورة أعلاه ، و لكن أمواجاً من نوع آخر هي أمواج في الفضاء الزمان-المكاني (الذي اقترحه أينشتاين). و إذا أراد الدكتور أحمد أن يجنح الى تلك النظريات في افتراض وجود عالم آخر (برزخي) مصنوع منها فهذا من الصعب (لربما مستحيل) إثباته ، كما أنه من الصعب (لربما من المستحيل) نفيه أيضاً. فتقريبا كل شيء جائز على ذلك المستوى من النظريات.
. أما من ناحية ميتافيزيائية (أي ما وراء الطبيعة) فليس هناك فقط عالمين و لكن هناك آلاف بل ربما ملايين العوالم. و تفضي بعض الحلول النظرية (الرياضية) الناتجة من محاولات دمج نظرية النسبية وميكانيكا الكم أن فكرة وجود عوالم مختلفة متداخلة تعيش في نفس المكان و الزمان لكن في مستوى موجي (زماني- مكاني) آخر مختلف عن عن المستوى الموجي الذي نعيشه هي فكرة ليست بالمستحيلة (لكنها قد تكون غير محتملة). و لكن ، يتطلب ذلك أن تكون الخصائص الموجية لذلك المستوى بحيث تعجز أجهزتنا عن قياسها. أي أن الشرط الوحيد لوجود تلك العوالم هو أن لا ندركها نحن. لأننا إن أدركناها فإنها تغدو جزءاً من عالمناً – نستطيع قياسه و بناء نظريات لتفسيره.
باختصار: حتى تكتسب نظرية الدكتور أحمد نكهة منطقيّة ذات طابع علمي ، فأعتقد أنه من الأفضل أن يعيد كتابة تلك النظرية لتصبح من باب الميتافيزيقيا ، والسبب هو ان ذلك العالم الآخر لا تحكمه قوانين الفيزياء المعروفة لدى البشر، و أن عليه أن يغض النظر عن الخوض في حقائق فيزيائية لا تنسجم مع خصائص عالم البرزخ الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه.