الحملة الشعبية لمُراقبة الانتخابات وإصلاح الدولة والمجتمع
سعد الدين ابراهيم
في
السبت ٢٣ - يناير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
لاقت دعوتنا فى الأسبوعين الماضيين (نحو حملة شعبية لمُراقبة الانتخابات ٩/١/٢٠١٠)، استجابة واسعة من القرّاء المصريين، خاصة ذلك الجانب منها الذى ربطنا فيه مُراقبة الانتخابات بالتغيير الشامل للدولة والمجتمع فى مصر المحروسة.. فإضافة إلى تطوع عدة مئات للانضمام إلى الحملة خلال الأسبوع الأول من إطلاق الدعوة، تساءل عشرات عن شيئين أساسيين:
الأول، الكيفية التى يتوازى أو تتداخل بها مُ&Ntildُراقبة الانتخابات مع التغيير السياسى (للدولة) والاجتماعى (للمجتمع).
الثانى، هو الكيفية التى يتم بها الانخراط والتدريب على الأمرين (أى مُراقبة الانتخابات، وعلى إصلاح الدولة والمجتمع)؟ كما سألوا عن العنوان البريدى للأستاذة فاطمة صابر، وهو fatma٢٠٠٤ss@yahoo.com لإرسال الاشتراك فى الحملة لمن يرغب.
وبداية، فإن مُراقبة الانتخابات أصبحت مُمارسة مُعتمدة وموثقة فى كُتب ودراسات مطبوعة ومنشورة بمُعظم اللغات الحية، ومنها العربية، كما أن هناك مؤسسات دولية ومحلية تباشر هذه المُراقبة طوال العشرين سنة الماضية، وأهمها وأقدمها عالمياً المعهد الدولى لإجراءات الديمقراطية والانتخابات، ويُرمز له بالحروف الأولى لهذه الكلمات الأربع (IDEA)، التى تصادف أن يكون معناها «الفكرة»، ومقره العاصمة السويدية ستوكهولم. وإلى جانب قيام المعهد بالمُراقبة المُباشرة على الانتخابات، حينما يُطلب منه ذلك، فإن النشاط الأهم هو تدريب الراغبين فى ذلك، حول أصول ومبادئ هذه المُراقبة.
وقد كان باحثو مركز ابن خلدون بالقاهرة هم أول من تلقوا التدريب على يد خبراء معهد IDEA، من خارج السويد، حيث أتى وفد من المعهد فى صيف عام ١٩٩٥ إلى القاهرة لهذا الغرض، فكان مركز ابن خلدون بذلك هو أول جهة مصرية وعربية وأفريقية تكتسب هذه الخبرة، تمهيداً لمُراقبة الانتخابات النيابية المصرية فى خريف نفس العام (١٩٩٥)، وكل الانتخابات التالية فى مصر وفلسطين.
ورغم أن السُلطات المصرية لم يرق لها ما فعله مركز ابن خلدون فى حينه، فإن المركز قام بتدريب ستمائة مُراقب، وراقب الانتخابات فى ستين دائرة، تم اختيارها، كعينة مُمثلة من جُملة الدوائر البالغ عددها مائتين وعشرين دائرة، بمُعدل عشرة مُراقبين لكل دائرة، ولأن مُعظم هذه الدوائر كانت تشمل حوالى مائة لجنة فرعية، فقد كان يتم اختيار عينة مُمثلة من هذه اللجان، لكى يتوزع عليها المُراقبون المُدرّبون.
وأشرك المركز لهذا الغرض لجنة عُليا من كبار الشخصيات العامة المصرية، والتى مثلت كل الأطياف السياسية، وكان يرأسها الدكتور سعيد النجار، رحمه الله، وكان من أعضائها الدكتور محمود محفوظ (وزير الصحة الأسبق)، والكاتب المسرحى المرموق على سالم (صاحب مدرسة المُشاغبين)، وأصدرت اللجنة تقريراً عن نتائج أعمالها باللغة العربية، وتمت ترجمته على الفور باللغة الإنجليزية،
حيث وثّق المُخالفات ومُمارسات التزوير فى أكثر من أربعين فى المائة (٤٠%) من اللجان الانتخابية، وحينما طعن المُرشحون الذين جرى التزوير ضدهم لحساب مُرشحى الحزب الوطنى الحاكم، كان ضمن مُستندات الطعن، تقرير اللجنة المصرية المُستقلة لمُراقبة الانتخابات، وحكمت لصالحهم المحاكم على مختلف مستوياتها (الابتدائية والاستئناف والنقض)، وهو ما أكسب أعمال اللجنة الاحترام والتقدير من جانب قوى المُعارضة والمُستقلين، ولكنه أثار عليها جامّ غضب الحزب الوطنى الحاكم والأجهزة الأمنية التى يوكل إليها عادة عمليات التزوير.
وكشفت الحكومة عن أنيابها، حينما أحالت كاتب هذه السطور، ومعه سبعة وعشرون من الذين كانوا يتعاونون معه من مركز ابن خلدون إلى المُحاكمة، فى صيف عام ٢٠٠٠، قُبيل انتخابات خريف ذلك العام، بتهمة مُراقبة الانتخابات السابقة- أى تلك التى جرت قبل خمس سنوات- والادعاء بتزويرها.. وكان الهدف بالطبع، ليس فقط تعويق مُراقبة انتخابات عام ٢٠٠٠، ولكن أيضاً تخويف الآخرين من مركز ابن خلدون، أو اللجنة المُستقلة لمُراقبة الانتخابات.
ومع الانتخابات والاستفتاءات التالية فى أعوام ٢٠٠٠ و٢٠٠٥ و٢٠٠٧ انضم إلى مركز ابن خلدون أو إلى شبكات أخرى أعداد مُتزايدة من منظمات المجتمع المدنى لتدريب المُراقبين ورصد كل مراحل العملية الانتخابية.
نعم، لأن الرصد الفعلى لنزاهة وأمانة الانتخابات لا يتحدد يوم «الاقتراع» أو داخل اللجنة التى يُدلى فيها المواطن بصوته، ولكنها تبدأ قبل ذلك بعدة شهور- وتحديداً بعشرة شهور، على الأقل بالنسبة لمن يُصوّتون لأول مرة، فلكى يُمارس المواطن هذا الحق، فلا بد أن تكون لديه «بطاقة انتخابية»، وهذه لا تُعطى إلا للمُسجلين فى دوائرهم الانتخابية..
وتتم عمليه التسجيل هذه، خلال ثلاثة شهور سنوياً، فقط- نوفمبر وديسمبر ويناير- وعادة فى أقسام الشرطة الأقرب لسكن المواطن أو التى استخرج منها «بطاقة الرقم القومى». وهذه المرحلة يمكن فيها بداية التزوير- وذلك بإنكار التسجيل على البعض (مثل النساء المُحجبات أو أصحاب اللحى)، حيث يوحى مظهرهم الخارجى باتجاههم السياسى، كما يمكن العكس والإفراط فى تسجيل نفس الأشخاص أكثر من مرة فى نفس الدائرة أو فى دوائر انتخابية أخرى، إذا كانوا من أنصار الحزب المُهيمن على السُلطة، لضمان استمرار هذه الهيمنة.
وهناك مرحلة ثانية تخص الترشيح للانتخابات، فهناك فترة مُحددة يُفتح فيها الباب لذلك، يختار فيها كل مُرشح رمزه الانتخابى، وقد دأب الحزب المُهيمن على إعطاء مُرشحيه الأولوية لاختيار شعارات جذّابة شعبياً (مثل الهلال، والنجمة، والشمس)، وترك شعارات غير جذّابة للمُعارضة (مثل الجردل، والمقشة، والخنجر).
هذا فضلاً عن منع أو تعويق بعض المُرشحين من الوصول إلى مكاتب تقديم طلبات الترشيح، ثم هناك مرحلة ثالثة يمكن فيها التلاعب أيضاً لتقويض مبدأ المُساواة بين المُرشحين، خلال الحملة الانتخابية- مثل مواقع تعليق اللافتات، وإقامة السُرادقات، والتصريحات الخاصة بالمؤتمرات الجماهيرية، واستخدامات شبكة الكهرباء العمومية- وهى تخضع فى منحها ومنعها وضوابطها لجهة الإدارة، التى هى عادة «وزارة الداخلية»..
ثم تأتى المراحل الثلاث الأخيرة، وهى يوم الاقتراع: التصويت، وفرز الأصوات، وإعلان النتائج، وكما فى المراحل السابقة يمكن التزوير هنا أيضاً مثل حشو الصناديق مُقدماً ببطاقات مملوءة لصالح مُرشح مُعين، أو عمل ذلك لاحقاً فى غفلة من عيون الجميع، هذا فضلاً عن الإيحاء أمام، أو داخل لجان الاقتراع بالتصويت لمُرشح مُعين، وأخيراً يمكن التلاعب فى عدّ الأصوات، ثم فى تجميعها، ثم عند إعلان النتائج.
لذلك يتدرب المُراقبون على معرفة كل آليات التلاعب والتزوير المُشار إليها أعلاه، وإلى غيرها مما يبتكره هواة ومحترفو التزوير، وكيفية تسجيلها بوسائل مشروعة، وتوثيقها بأشكال مقبولة قانونياً، فى حالة الطعن والاحتكام إلى القضاء. وهذا ما ننتويه فى تدريب جنود الحملة الوطنية الشعبية لمُراقبة الانتخابات، وهو ما تمرّسنا عليه سابقاً (منذ ١٩٩٥، أى قبل خمسة عشر عاماً)،
وسيتم هذا التدريب بشكل مُتدرج- من مستوى مركزى فى القاهرة لأربعة مسؤولين من كل مُحافظة. ويقوم هؤلاء بدورهم بتدريب مسؤولين عن المراكز، ثم لكل دائرة انتخابية، كما ينطوى ذلك على مواد مكتوبة، وأفلام تسجيلية، ومُلصقات لتوعية الناخبين، وكذلك تكلفة انتقال وإعاشة المُراقبين، أثناء التدريب، ثم خلال الحملة نفسها، حيثما يلزم.
ونعتمد فى كل ذلك على: ١ـ مواردنا الذاتية، ٢ـ تبرعات المواطنين الميسورين، ٣ـ المنح المالية والعينية من المنظمات المدنية الدولية. وكما نُطالب الحكومة بالنزاهة والشفافية فى إدارة العملية الانتخابية، فلا بد أن تلتزم حملة المُراقبة الشعبية بنفس معايير النزاهة والشفافية.
وقد طالب كثير ممن علّقوا على مقالاتى حول الموضوع فى كل من «المصرى اليوم» و«الدستور» أن تتبنى إحداهما أو كلتاهما الحملة، من حيث مُتابعة نموها، وأخبارها، ومواقف الحكومة والأحزاب منها. وها أنا قد بلغت، اللهم فاشهد.