دعونا نبدأ الحركة الاجتماعية بالتدريب على مُراقبة الانتخابات
سعد الدين ابراهيم
في
السبت ٠٩ - يناير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
كثيرون اختلفوا معى فى مُقارنتى بين محمد البرادعى وباراك أوباما. ومنهم الأخ محمد يعقوب، الذى هاجر إلى كندا، ولكنه لم ينس وطنه الأم، الذى ما زال فى خاطره وفى فمه. وهو يعتقد أن المُشكلة فى المصريين أنفسهم، الذين يتمسكون بكل ما هو قديم ومألوف لهم، ولا يُحبون التغيير. وربما ذلك، من وجهة نظره أحد العوامل التى ستساعد أى مُرشح «مُباركي» ضد د. البرادعى. هذا فضلاً عن أنهم شعب يحتفى بالكتّاب النصابين والمُهرجين (وسمى أحدهم، وهæing;و يرأس تحرير جريدة صفراء، وعضو فى مجلس الشعب). وبالتالى فلا رجاء من هذا الشعب.
كذلك قال الأخ يحيى الزيات كلاماً مُشابهاً.
وطبعاً لهم كل الحق فى الاختلاف. بل هم محقّون فى أن البون شاسع بين المشهدين الأمريكى والمصرى. فالأول، مُتقدم مادياً وتكنولوجياً ومؤسسياً، بينما الثانى، مُتعثر فى كل هذه الوجوه... وهو ما أكدناه، وإن يكن فى جملة واحدة فى نهاية مقال الأسبوع الماضى. وما تفضل به مُعظم القرّاء، هو التفصيل فى أوجه التقدم الأمريكى وأوجه التعثر المصرى.
ولكن ما زلت عند الرأى فى أن الاختلاف بين المشهدين هو أساساً فى الدرجة، وليس فى النوع. فالإنسان الأمريكى ليست بصمته الوراثية الولادتية (الجينات)، بأفضل من تلك التى يولد بها الإنسان المصرى. والأدق هو أن تعليم «المواطن الأمريكى»، بما فى ذلك تعليمه الفنون المدنية (civics)، هو أفضل كثيراً من ذلك الذى يتلقاه «الفرد المصرى».
من ذلك مثلاً، أن أبناء جيلى والجيلين السابقين، أى فى النصف الأول من القرن العشرين، كنا نتلقى دروساً فى مادة تسمى «التربية الوطنية»، نتعلم فيها أساسيات النظام الديمقراطى من مُشاركة فى الانتخابات العامة، وفصل بين السُلطات، ومُحاسبة المسؤولين... وذلك كله بأسلوب مُبسط يتناسب مع النمو العقلى للمرحلة العُمرية، فى المستويين الابتدائى والإعدادى (٦-١٤ سنة). ولكن ذلك كله توقف، وحل محله فى منتصف الخمسينات مادة أخرى هى «التربية القومية»، كان التركيز فيها على «الاشتراكية» و«القومية العربية».
وكانت فى جانب منها نسخة مُحرّفة مما يتم تلقينه فى الكموسمول للشبيبة السوفييتية. هذا علماً، أننى لست ضد الاشتراكية أو القومية، ولكنهما ليستا بديلتين للديمقراطية. حيث يمكن للفرد أو المجتمع أن يكون اشتراكياً وديمقراطياً فى نفس الوقت، كما فى المجتمعات الإسكندافية. كذلك يمكن للمرء أن يكون قومياً عربياً وحدوياً ديمقراطياً، كما عليه نفس هذا الكاتب (سعد الدين إبراهيم)، بل إن إخفاق الناصرية فى دعوتيها للاشتراكية وللقومية، كانتا بسبب غياب الديمقراطية.
وأما ما يتلقاه الطفل الأمريكى والأوروبى، فهو أقرب لما كان يتلقاه أبناء جيلى بين الثورتين (١٩١٩-١٩٥٢). يُضاف إلى ذلك، وهو الأهم، أن الأطفال والشباب فى تلك المجتمعات لا يكتفون بالدروس، ولكنهم يُمارسون ما يتعلمونه من خلال انتخابات فى الفصول (الفِرَق)، والصفوف (السنوات)، وعلى مُستوى المدرسة كلها. وهؤلاء المُمثلون المُنتخبون، هم الذين يُديرون كل الشؤون الطلابية، «غير الصيفية»، من رياضة، وهوايات، وترويج، وتغذية، ونظافة، وكل ما ليس له علاقة مُباشرة بالعملية التعليمية الأكاديمية المُباشرة (مثل الدروس والامتحانات).
ومع ذلك فهناك ما يُشير إليه عُلماء الاجتماع بالمؤسسات البديلة للتنشئة الاجتماعية ـ ومنها إلى جانب الأسرة والمدرسة، وسائل الإعلام الإلكترونية، وجماعات الرفاق. ولكن هذه بدورها قد تكون «حميدة» أو «خبيثة»، أو خليطا من هذا وذاك. هذا فضلاً عما أصبح يُتيحه الإنترنت من تواصل آنى، لا فقط على مُستوى مجتمع بأكمله، ولكن أيضاً عبر الحدود الوطنية، وعبر القارات. وقد رأينا ذلك، مثلاً، فى الانتفاضة الاحتجاجية للشباب الإيرانى فى أعقاب ما اعتبروه هم تزويرا للإرادة الشعبية فى الانتخابات الرئاسية، فى ١٢ يونيو ٢٠٠٩.
إن هذه الإمكانيات الاتصالية الهائلة للشباب هى التى تُبشر بأمل التغيير فى مصر، بل فى الوطن العربى كله، خلال العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين. وتتضافر هذه العوامل مع ترشيح وجه جديد للرئاسة المصرية، وهو د. محمد البرادعى. وحتى إذا حاول النظام القائم تضييق الخناق، أو إجهاض المُحاولة، فإن ذلك لن يكون سهلاً، ولن يمر مرور الكرام.
ولعل بعض المُخضرمين، ممن هم فوق الخمسين، يذكرون أن الفلبين، كان بها نظام استبدادى مُشابه، وهو نظام «فرناندو ماركوس»، والذى استمر فى السُلطة أيضاً لما يزيد على عشرين عاماً.. ثم حينما حاول تزوير الانتخابات للمرة الرابعة، هبّت ثورة شعبية أطاحت بنظامه، وفتحت الباب أمام تحوّل ديمقراطى، لا فى الفلبين وحدها، ولكن أيضاً فى كل البُلدان المُجاورة لها.. وأهمها إندونيسيا، وتايلاند، وكوريا، وتايوان.
وحينما بدأ كاتبُ هذه السطور (سعد الدين إبراهيم)، أول مُبادرة لمُراقبة الانتخابات المصرية عام ١٩٩٥، أدانه النظام ووجّه إليه تهماً عديدة، بل قدمه هو والعاملين معه فى مركز ابن خلدون للمُحاكمة، ثلاث مرات، وصدرت عليه وزملائه أحكام بالسجن، قضوا منها ثلاث سنوات قبل أن تُبرئهم محكمة النقض، ويُفرج عنهم (فى ١٨/٣/٢٠٠٣). وجدير بالذكر أن كل أحزاب المُعارضة وقفت حينها إما صامتة، أو فى صف الحكومة ـ أى مُستنكرة مبدأ مُراقبة الانتخابات، محلياً أو دولياً. وبالكاد، وبعد أن ذاقت الأمرّين على يد النظام، بدأت هذه الأحزاب تقبل الرقابة الأهلية المُستقلة. ولكنها ظلّت ضد الرقابة الدولية، بنفس الحجة الزائفة التى روّج لها النظام، وهى اعتبار مثل هذه الرقابة، تدخلاً خارجياً، يمس السيادة الوطنية.
وربما كان أحد أسباب تفاؤلى هذا العام، التى ستشهد فيه مصر انتخابات تشريعية، هو أن مُعظم أحزاب المُعارضة أصبحت تقبل، بل تطالب بالرقابة الدولية على الانتخابات، بما فى ذلك القوى المحجوبة عن الشرعية، مثل الإخوان المسلمين. وهذا تطور مهم، يرمز إلى نُضج سياسى، واستقلالية ومناعة مُتزايدة لتلك الأحزاب ضد ابتزاز أو رشاوى الحزب الحاكم، باسم «الوطنية» حيناً، و«السيادة» حيناً آخر.
المُهم لموضوعنا، هو أن العامين الحاليين، سيشهدان أهم انتخابين سيقرران مصير مصر والمنطقة للعقود القادمة ـ أى عهد ما بعد مُبارك الأب. ولذلك علينا كشعب مصرى، وعلى طلائع قواه المدنية الحية، أن تعض بالنواجذ، من أجل أن تكون الانتخابات التشريعية (٢٠١٠) والرئاسية (٢٠١١) انتخابات تنافسية حُرة ونزيهة، وفى ظل رقابة محلية، وعربية، ودولية. فالذى لا ينوى أو يُخطط للتزوير، لا يُهمه أن يكون هناك مليون رقيب ورقيب.
وفى هذا المقال، نحن ندعو أن يكون فى كل حى، وفى كل قرية، لجنة أهلية تطوعية لمُراقبة الانتخابات. إن عدد اللجان الانتخابية فى عموم مصر، سيكون حوالى ٩٠.٠٠٠ (تسعين ألف لجنة). ومطلوب أن يكون هناك ما بين خمسة وعشرة مُراقبين مُستقلين لكل لجنة، سواء سُمح لهم بالتواجد داخل اللجنة، من عدمه. فيمكن الرقابة من خارج مقار اللجان. إن فحوى هذه الدعوة، هو أن يتدرب حوالى تسعمائة ألف مُراقب، أى حوالى مليون مُراقب. إن هذا العدد نفسه، لو تحقق، سيُمثل جسم الحركة الاجتماعية المطلوبة لتغيير مصر.
فعلى كل من يقرأ هذا المقال، ويقتنع بروحه، وعلى استعداد للتطوع كمُراقب، أن يكتب إلى عنوانى الإلكترونى (الذى يظهر تحت اسمى) (semibrahim@gmail.com). وستتولى سكرتيرتى بالقاهرة، الآنسة فاطمة صابر تسجيل، وتبويب أسماء المُتطوعين، حسب المُحافظات والمراكز والأقسام، تمهيداً لبرنامج تدريبهم على مُراقبة الانتخابات، خلال أشهر صيف ٢٠١٠، تمهيداً للانتخابات التشريعية فى أكتوبر من نفس العام.
وكما يقول المثل الصينى الشهير، «إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة» فهبّوا معنا يا شباب مصر، وكهولها، وحتى من يستطيع من شيوخها، للانضمام إلى الحركة المرتقبة، أو الحركة المرجوّة.
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.