السلطة الأمنية
عمي والسلطة الأمنية

زهير قوطرش في الجمعة ٠٨ - يناير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 عمي  والسلطة الأمنية.
 
عمي رحمه الله ,منذ شبابه كان يخدم في وزارة الداخلية سلك الأمن .بمعنى أدق أنه كان طيلة خدمته في هذا السلك   رئيساً لمخافر متعددة لناحية المنطقة الجنوبية في سوريا.
 دعاني إلى زيارته لقضاء أسبوع أو أسبوعين أثناء العطلة الصيفية ,كنت يومها في ريعان الشباب ,مناضلاً في سبيل العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني من الهيمنة الاقتصادية التي أرادت ا&aacuml;ت الدول المحتلة فرضها على الدول المستقلة بعد انسحابها.وفعلاً وبكل طيبة خاطر ,أخبرت عمي بعزمي على زيارته ,وحددت له اليوم والساعة لوصولي .
المنطقة الجنوبية من سوريا ,هي منطقة زراعية من الدرجة الأولى ,وتسمى سهول حوران ,غنية بمنتجاتها الحيوانية إلى جانب الزراعية ,وقديماً كانت تغذي الأمبراطورية الرومانية بالدقيق .جمال طبيعتها فريد من نوعه ,سهول خضراء ممتدة على طول النظر , تتوسطها مناطق شجرية تحيط بالبيوت الطينية التي حافظت على أصالتها منذ العهود الرومانية والعربية القديمة ,تحيطها بعض الفيلات الحديثة البيتونية والمطلية بالألوان الخضراء في غالبيتها لتشكل امتداداً للون الطبيعة.على جوانب الطريق العام تشاهد قطعان الغنم التي ترعى على العشب الأخضر بدون انقطاع ,يرافقها صوت الشبابة (الناي البدائي),يعزف عليها راعي الغنم ,وهو يتجول بينها أو جالساً ومتكأً على صخرة قريبة, يرافقه كلبه الأمين والمخلص الذي مل الجري بين الأغنام ,وعلى لحن الناي غط في نومة عميقة باسطاً يديه إلى الأمام ملقياً رأسه ما بينهما .حوران تمتاز بمياه جداولها التي  كانت آنذاك تخترق الحقول , كان يسمع صوت الماء الجاري, وهو يحاكي في جريانه الحصى والأحجار الصغيرة التي تتدحرج مرافقة امواج المياه العذبة ,مشكلة في مجموعها فرقة موسيقية طبيعية ,ترسل ألحانها في كل الاتجاهات.
فور وصولي رافقت عمي إلى مخفر الدرك ,حيث استقبلني حاجبه بالترحاب,وأحضر من فوره كأس الشاي وبعض قطع الحلوى البيتية.
جرنا الحديث إلى وضع المنطقة الأمنية ,وخاصة بعد زيارة شيخ المنطقة وإمام جامعها ,الذي رحب بدوره بقدومي. وقد لاحظت احترام عمي الشديد له ,حيث أسر إليه الشيخ ببعض العبارات  ,ثم ودعنا وانصرف.
من فوري عقبت على زيارة الشيخ وأبديت استغرابي لهذا الاحترام الشديد له ,وأنا الذي يعرف شخص عمي وقسوته ,ونادراً ما كان يبدي مثل هذا الاحترام لأي شخص كان.(رجل أمن).
ضحك عمي وقال لي اسمع يا أبن أخي , هذا الاحترام ,أمامك وأمام أهل المنطقة فقط,أما عندما أخلوا به لوحدي أمسك ذقنه وأنتف في شعرها حتى يصرخ ويطلب الرحمة.وأردف قائلاً: يا ولدي اسمعني جيداً...ما سأقوله لك سيفيدك في حياتك السياسية.
أنا هنا أمثل السلطة الأمنية ,المختار وهو نائب في البرلمان يمثل السلطة السياسية ,والشعب هؤلاء قطيع الغنم الذي لا يُعمل فكره أبداً ولا يدري أين مصلحته.وحتى ترعى بهذا القطيع كما تشاء ,أنت بحاجة إلى السلطة الدينية الرسمية ,وهو الشيخ أو الخوري. تحالف السلطة الدينية مع الأمنية هو مصدر الثبات والقوة للسلطة السياسية.لذلك نحن نُفصل السلطة الدينية على قياس المرحلة.وفي حال تقاعس السلطة الدينية عن تنفيذ الأوامر  الموجهة إليها من قبلنا,نحضر الشيخ أو الخوري,وننتف ذقونهما ,ونفتعل لهما مصيبة أو تهمة ملفقة,نرميهما بعد ذلك في السجن حتى الوقت المعلوم, ونستبدلهما بشيخ أو خوري مطيع لا يرفض ما يؤمر به.ولكن لم يحدث في حياتي أن  كنت  شاهداً على أن  السلطة الدينية  خالفت اوامرنا أبداً.
يا ولدي ...ما أخبرتك به هو صورة مصغرة لما يجري على مستوى الدولة .فالمؤسسة الدينية الرسمية هي بيد السلطة الأمنية .وهذا التقليد المشرف منذ العهد الأموي حتى اليوم  ساري المفعول.وسيبقى ما دامت الشعوب كقطعان الغنم لاتدرك أين هي مصلحتها , وكيف عليها أن تناضل في سبيلها.
اجمالي القراءات 12707