أجراس الرصاص

ابراهيم عيسى في الجمعة ٠٨ - يناير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

الرصاص في رفح وقنا دليل علي فشل ناجح جدًا لنظام الحكم في مصر، فشل في إدارة ملفاته وأزماته يكاد يدفع بنا ليس للشك في كفاءة هذا النظام بل في جدارته في تحمل مسئولية وطن رئيسي ومركزي في المنطقة العربية. لابد من التأكيد علي أن الجندي المصري الذي سقط في رفح برصاص قناص حمساوي أو إسرائيلي هو شهيد، كما أن زميله الجندي الذي سقط في قنا برصاص طائفي هو شهيد كذلك، وأنهما شهيدان للواجب وللوطن وضحيتان للحكومة الفاشلة غير المؤتمنة علي مصير وطنها وأرواح مواطنيها.. إزاي&te;؟

نبدأ بالأحدث وهو حادث قنا:

1- تصوير الجريمة علي أنها ثأر هو جريمة لا تقل عن ارتكاب جريمة القتل ذاتها، فمنذ متي يثأر الصعايدة بقتل عشوائي للناس، الثأر له قواعده وأصوله، فأخذ الثأر يتم من الشخص القاتل أو من عائلته وليس بالقتل العشوائي! لا يمكن أن يكون الحادث ثأرا علي الإطلاق، وتقديمه بهذه الصفة إهانة لذكاء الأقباط واستهانة بمشاعرهم كذلك.

2- اختيار اليوم والمكان، وهو عيد الأقباط، وعند كنيستهم يوضح أن إطلاق الرصاص كان ضد ديانة الأقباط وجموعهم وليس ضد مغتصب قبطي بعينه أو أسرته، وهو ما يؤكد وقوف التطرف والتعصب وراء هذه الحادثة بلا لف أو دوران أو مراوغة ، ولا ينفع بقي الكلام الفارغ بتاع أنها حادثة فردية، فأي فردية في حادث منظم ومخطط ويستهدف أصحاب ديانة بعينها ومكانا مقدسا للعبادة، أين الفردية في هذا الحادث وكله ينطق بالخطة والتخطيط والتجهيز والجماعية؟!

3- سرعة الإعلان عن القبض علي الجاني لا تطمئن أحدا، فالذي يُقْبَض عليه بهذه السرعة لماذا لم يُمْنَع بهذه الدقة؟!.. فضلا عن وجود ريبة شديدة؛ نظرا لتاريخ التلفيق الطويل من أن المقبوض عليه هو المتهم الحقيقي، ثم يحيط القصة كلها الشك في كون العمل فرديا كي يتحمله فرد وينهيه القبض علي فرد!

4- كل يوم مصر تشهد حادث اغتصاب، وهناك آلاف المنحرفين بين المصريين المسلمين والأقباط، هذه مسألة طبيعية جدا.. فلماذا ينفر المسلم من انحراف القبطي وكأن المسلمين لا يعرفون الانحراف وكأن المشكلة ليست في أن الولد مغتصب بل المشكلة أنه اغتصب مسلمة؟!.. هنا دليل تطرف وتعصب ديني يغوص في الأعماق، وتجد مظاهره في الاعتداء علي شباب قبطي يصعد إلي بيت دعارة لبنات مسلمات وكأن المشكلة ليست في كونه بيت دعارة وهن عاهرات، بل إن من صعد وتعامل هم شباب قبطي!!

5- أن يتم ارتكاب الجريمة أمام كنيسة في يوم عيد فهذا معناه قصور أمني مثير للدهشة، خصوصا مع قرب مقرات أجهزة أمنية من الكنيسة ذاتها، ولكن الحقيقة أن المشكلة ليست في الأمن وأجهزته؛ فهي التي تحصد الشوك في هذه القضية التي لا تحتاج ضباطا ولواءات بل مفكرين وسياسيين ومثقفين ودعاة، وإنما المشكلة في أن الدولة تم اختصارها في جهاز أمن كبير، وصارت مقصورة علي مجموعة من المنافقين الذين يديرون البلد علي طريقة الشركة التي تستهدف الربح ويخلطون بين المواطن والزبون، فنحن عندهم زبائن ندفع ونسدد ونشتري ولسنا مواطنين لنا حقوق كاملة!

تصدر الأمن المشهد باعتباره حامي حمي الديار في حين أن الأمن أبعد ما يكون عن السياسة، وليس مطلوبا منه أساسا أن يكون رجل سياسة بل هو رجل أمن وضبط وربط يتصرف علي طريقة التخلص من المشكلة بالقبض علي الجاني فإذا لم يجده اخترعه، وكتم الأفواه واتهم الجميع بإثارة الفتنة، واخرس ياله أنت وهوه ولم نفسك يا جدع انت وهوه وخلاص، أما علاج حقيقي جذري فلا يكون، أما فكر ودراسة ووعي فلا يكون، أما دولة مسئولة وسياسيون بيفهموا فلا يكون.

6- مع تعاطفي الشديد مع إحساس كل قبطي في مصر بالنكد والألم الرهيب المهيب في عيده أمس نتيجة سقوط ضحايا من مصريين أبرياء في يوم عيدهم بأيدي غشومة وجاهلة ومتعصبة إلا أن المصارحة واجبة، فقد رمي الأقباط أنفسهم في حضن الحكومة وفي رعاية الأمن، وهو ما يجعلهم الآن يتظاهرون ضد الدولة لأنها خذلتهم بينما كانوا ينافقونها ليل نهار.

7- هذا المناخ الطائفي هائل ورهيب لا ينافسه في الهول والرهابة سوي تجاهل الحكم له والتعامي عنه والغفلة عن أسبابه.

8- تشتعل الحرائق من مستصغر الشرر لكن هذا لا يمنع أن السكوت عن مستصغر الشرر مشاركة في إشعال الحرائق.

9- هناك عبث سياسي في الحزب الوطني في الصعيد، حيث تشم فيه طائفية حقيقية وهو ما يفسر غياب الأقباط عن مرشحي الحزب في مجلس الشعب، فالحكم في مصر يتعامل مع الأقباط علي أنهم رعاياه وليسوا مواطنين يدخلون تحت حمايته وكفالته وليسوا مواطنين كاملي الأهلية، مما يجعل الأقباط معينين في الوطن وليسوا أصحابه ومالكيه.

اجمالي القراءات 9763