الخروج الآمن لمبارك من السلطة ( قبل فوات الأوان )

آحمد صبحي منصور في الخميس ٣١ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :
من حوالى عامين ونصف العام وتحت عنوان ( نجح مبارك فى التحدى الأول ، فهل ينجح فى التحدى الأخير ) شرحت كيف تمكن مبارك من حكم مصر مستبدا مستخدما سياسة من أربعة أضلاع هى (الإفقار والتعذيب والتقسيم و نشر ثقافة التطرف والارهاب السلفى ) ثم قلت :
( نجح مبارك فى التحدى الأول فاحتفظ بالسلطة حتى الآن، ولكن نسى أنه مهما حافظ على صحته ورشاقته فسيموت ، فالموت هو التحدى الوحيد الذى لن يستطيع مبارك ـ أو غير مبارك ـ قهره. سيموت مبارك ولكن يتبقى له ـ قبل الموت ـ فرصة أن يتغلب على نوع آخر من التحدى، هو التوبة و التصحيح والاصلاح ، إن لم يفعلها فقد ظلم نفسه و ظلم ذريته من بعده ، وترك لهم إرثا من الظلم عليهم دفع حسابه فيما تبقى لهم من أعمار.
التحدى الحقيقى الذى لم يقهره مبارك بعد هو مبارك نفسه ، أى سياسته منذ تولى حكم مصر بعد اكتوبر 1981 . التحدى الحقيقى الذى ينقذ مبارك الان و أسرته غدا هو أن يتخلص مبارك من سياسته السابقة ، ويحاول فيما تبقى له من عمر أن يقيم إصلاحا حقيقيا تتكون به دولة ديمقراطية لامركزية تؤكد على حقوق الانسان وحقوق المواطنة كما كفلها الاسلام الحقيقى والمواثيق الدولية لحقوق الانسان. بامكانه ـ قبل فوات الأوان ـ أن يقيم هذا الاصلاح التشريعى والسياسى وأن يتيح للشعب أن ينتخب حكومة ديمقراطية وفق نظام الديمقراطية البرلمانية ، ويتحول هو الى رئيس رمزى يمثل كل المصريين ، ويحظى بحبهم واحترامهم الى نهاية عمره ، وعفا الله تعالى عما سلف.
طبقا للدستور فان مبارك هو الذى يمسك بيده كل الخيوط ، وهو الذى يستطيع الاصلاح. ووقفا للتاريخ المصرى العريق فى مركزيته واستبداده فان الاصلاح يأتى من فوق ـ ولهذا أرسل الله جل وعلا موسى عليه السلام الى فرعون و ليس للمصريين. هذا الفرعون قال رب العزة جل وعلا عنه وعن أجدادنا المصريين فى عهده:(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ) ( الزخرف 54 ) لم يقل ( فاستخف قومه فقتلوه ) فالمفروض أن الشعب الأبىّ العزيز القوى أن يتصرف هكذا عندما يستخف به الحاكم. المفروض أن الحكومة هى التى تخشى الشعب وليس الشعب هو الذى يرتعب من الحكومة. ولكن مبارك تفرعن ، والتحدى الثانى الذى يواجهه الآن هو أن يصلح ما أفسد لينقذ نفسه وأهله من بعده )

http://ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=1738

ثانيا :
أتذكر أنه قد سبق للاعلامى المصرى اللامع عماد الدين أديب عام 2005 أن طرح فكرة تخلى حسنى مبارك عن السلطة فى مقابل تأمين حياته واسرته وثروته ،أو شىء من هذا القبيل ، ولكن كتب د. عبد الحليم قنديل معنرضا مطالبا بالمحاكمة لآل مبارك . وكان أن تمسك مبارك بالسلطة كى يحمى نفسه وأسرته وثروته ، الواضح أن ما اقترحه عماد الدين أديب لم يأت من فراغ نظرا لصلته المعروفة بالرئيس مبارك ،اى إن الأمر كان يتعدى بلونة إختبار لأن أخبارا وتصريحات رئاسية عكست رغبة مبارك فى ان يستريح وقتها ، ومن الطبيعى ان مفهوم الراحة يبدأ براحة البال من أى ملاحقة قانونية أو مطاردة أمنية . ولذلك فإن ما قاله د. عبد الحليم قنديل ـ وهو أحد ضحايا مبارك فى التعذيب ـ أيقظ داخل مبارك أشباح ملايين المعذبين و المظاليم و المختفين قسرا فى عهده ، وهو المسئول الأول عنهم ، لذا تمسك مبارك بالسلطة حتى الآن ليحمى نفسه متسلحا بالجيش و الحرس الجمهورى و الأمن المركزى ومباحث أمن الدولة و سائر تنظيماته الأمنية ، وتضاعف خلال خمس سنوات عدد الضحايا وأرقام السرقات ، و غاصت مصر أكثر فى الحضيض مع كل يوم يمر فى رئاسة مبارك .
وأمس 30 ديسمبر 2009 عاد الاستاذ عماد الدين أديب فى برنامج (العاشرة مساءا ) يطرح نفس الفكرة تحت عنوان ( الخروج الآمن من السّلطة ) ، لم استطع استكمال الاستماع اليه وهو يحاول الدفاع عن مبارك وتحميل المسئولية فى الفشل للحاشية ، ولكن المهم هنا أن فكرة رحيل مبارك آمنا عن السلطة أعادت الأمل فى رحيل مبارك سلميا ، وأن يقترن هذا الرحيل باصلاح حقيقى فى الدستور و التشريع وإقامة نظام حكم ديمقراطى لامركزى يحفظ كرامة المصريين وسائر حقوقهم السياسية والانسانية و الاجتماعية .
ثالثا :
نحن القرآنيين عانينا أكثر مما عاناه الدكتور عبد الحليم قنديل ، من السجن المتكرر و التعذيب البشع والمطاردة الأمنية منذ 1987 حتى الآن ، مع أننا ندعو الى اصلاح سلمى دون السعى لأى مقابل مادى أو طموح سياسى ، ومع كل ما عانيناه وما نعانيه فلا زلت أكرر وأنادى بأنه عفا الله جل وعلا عما سلف ، وأنه لا بد أن نبدأ صفحة جديدة من التسامح أملا فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، وكف القهر و التعذيب و الاذلال عن المصرى الذى عانى ماعانى ، ومن حقه أن يعيش حرا كريما فى بلده آمنا على حياته ولقمة عيشه هو وأولاده .
رابعا :
أتوجه بهذا النداء الى د. عبد الحليم قنديل ـ الذى لم أتشرف بمعرفته شخصيا ـ وإن كنت احتفظ له بالكثير من الحب والاحترام ، حتى مع اختلاف توجهاتنا السياسية . وأتوجه بهذا النداء الى كل القوى السياسية الحرة فى مصر أن تستثمر هذا التوجه الجديد فى فتح صفحة جديدة من اجل المستقبل .
نريد مصالحة وطنية يرحل بها حسنى مبارك وأسرته آمنا من أى ملاحقة ، مقابل تسليم السلطة الى حكومة مؤقتة تتولى الاصلاح التشريعى و الدستورى والسياسى والاقتصادى ، وتؤكد على أن دور الجيش هو حماية الوطن وليس حماية الطغاة ، وأن مهمة الشرطة حماية المواطن وخدمته وليس تعذيبه وإهانته ، وأن الحكومة هى لخدمة المواطن و ليس للتحكم فيه ، وبعد أن تنتهى تلك الحكومة المؤقتة من وضع أسس الاصلاح ترعى انتخاب حكومة ومجلس شعب ومجالس محلية فى إطار انتخابات حقيقية وليست هزلية .
لو ضاعت تلك الفرصة ولم نستثمرها ـ كما ضاعت فرصة عام 2005 فإن البديل هو المزيد من المعاناة و المزيد من الضحايا والتى ستؤدى فى النهاية الى انفجار داخلى وحرب أهلية تأكل ما تبقى من مصر .
ليس من الحصافة ان تقع مصر فى انفجار هائل يموت فيه الملايين من أجل ملاحقة عشرات من الأشخاص .
نرجو أن نبدأ العام الجديد بالتسامح و العفو ، وأن نجعله فاتحة للاصلاح السلمى فى مصر .
لسنا أقل تحضرا من غاندى فى الهند أو مانديلا فى جنوب أفريقيا .
من الغريب أن نعقد صلحا مع اسرائيل وننسى أن نتصالح مع أنفسنا .
والله جل وعلا هو المستعان .


 

اجمالي القراءات 19342