" فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ
آيات لقوم يتفكرون (3)تأملات من سورة المائدة

محمد صادق في الإثنين ٢٨ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

آيات لقوم يتفكرون (3)

تأملات من سورة المائدة

أيها الأخوة والأخوات الكرام، لقد تم نشر هذه التأملات فى صفحتى من قبل ولكن أُعيد نشرها بعد إجراء بعض التعديلات...  بسم اللـــه الرحمن الرحيــم.

يقول اللـــه سبحانه وتعالى فى القرءآن الكريم:

" فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "

فالظلم عمل إيجابي شرير مفسد،  ولا يكفي أن يكف الظالم عن ظلمه ويقعد، بل لا بد أن يعوضه بعمل إيجابي خير مُصلح . على أن الأمر في المنهج الرباني أعمق من هذا.  فالنفس الإنسانية لا بد أن تتحرك  فإذا هي كفت عن الشر والفساد ولم تتحرك للخير والصلاح بقي فيها فراغ قد يرتد بها إلى الشر والفساد. فأما حين تتحرك إلى الخير والصلاح فإنها تأمن الارتداد إلى الشر والفساد. بهذه الإيجابية وبهذا الامتلاء  إن الذي يربي بهذا المنهج هو الله الذي خلق والذي يعلم من خلق.

وعلى ذكر الظلم والجريمة والعقوبة، وذكر التوبة والمغفرة، يُعقِبْ السياق القرآني بالمبدأ الكلي الذي تقوم عليه شريعة الجزاء في الدنيا والآخرة. فخالق هذا الكون ومالكه هو صاحب المشيئة العليا فيه،  وصاحب السلطان الكلي في مصائره. هو الذي يقرر مصائره ومصائر من فيه،  كما أنه هو الذي يشرع للناس في حياتهم، ثم يجزيهم على عملهم في دنياهم وآخرتهم .

" ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير"

فهي سلطة واحدة ، سلطة الملك ، يصدر عنها التشريع في الدنيا ويصدر عنها الجزاء في الآخرة، ولا تعدد ولا انقسام ولا انفصام. ولا يصلح أمر الناس إلا حين تتوحد سلطة التشريع وسلطة الجزاء، في الدنيا والآخرة سواء. (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ ...)،( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ).

الحكم والشريعة والتقاضي مقدمة وحدة الإقرار بألوهية الله وربوبيته هذا هو أخطر قضية من قضايا العقيدة الإسلامية،  والمنهج الإسلامي،  ونظام الحكم والحياة في الإسلام .

أيكون الحكم والشريعه والتقاضي حسب مواثيق الله وعقوده وشرائعه التي استحفظ عليها اصحاب الديانات السماويه واحدة بعد الأخرى، وكتبها على الرسل، وعلى من يتولون الأمر بعدهم ليسيروا على هداهم ؟ أم يكون ذلك كُله للأهواء المتقلبه، والمصالح التي لا ترجع الى أصل ثابت من شرع الله، والعُرف الذي يصطلح عليه جيل أو أجيال ؟ وبتعبير آخر:أتكون الألوهيه والربوبيه والقوامة لله في الأرض وفي حياة الناس ؟ أم تكون كلها أو بعضها لأحد من خلقه يشرع للناس ما لم يأذن به الله ؟

الله - سبحانه - يقول:إنه هو الله لا آله إلا هو . وإن شرائعه التي سنها للناس بمقتضى ألوهيته لهم وعبوديتهم له، وعاهدهم عليها وعلى القيام بها ، هي التي يجب أن تحكم هذه الأرض وهي التي يجب أن يتحاكم إليها الناس  وهي التي يجب أن يقضي بها الأنبياء ومن بعدهم من الحكام .  

إن المسألة - في هذا كله - مسألة إيمان أو كفر، أو إسلام أو جاهلية ، وشرع أو هوى . وإنه لا وسط في هذا الأمر ولا هدنة ولا صلح ! فالمؤمنون هم الذين يحكمون بما أنزل الله - لا يحذفون منه حرفا ولا يبدلون منه شيئا - والكافرون الظالمون الفاسقون هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله .

وأنه إما أن يكون الحكام قائمين على شريعة الله كاملة فهم في نطاق الإيمان . وإما أن يكونوا قائمين على شريعة أخرى مما لم يإذن به الله، فهم الكافرون الظالمون الفاسقون . وأن الناس إما أن يقبلوا من الحكام والقضاة حكم الله وقضاءه في أمورهم فهم مؤمنون. وإلا فما هم بالمؤمنين، ولا وسط بين هذا الطريق وذاك ولا حجة ولا معذرة، ولا احتجاج بمصلحة. فالله رب الناس يعلم ما يصلح للناس، ويضع شرائعة لتحقيق مصالح الناس الحقيقية. وليس أحسن من حكمه وشريعته. وليس لأحد من عباده أن يقول:إنني أرفض شريعة الله، أو إنني أبصر بمصلحة الخلق من الله. فإن قالها - بلسانه أو بفعله - فقد خرج من نطاق الإيمان . ولنتأمل فى هذه الآية الكريمة ونرى فيها حكم اللــه لمن يحكم بغير ما أنزل اللــه.

" وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ".

 "وما أولئك بالمومنين" ....!

هذه هي القضية الخطيرة الكبيرة التي يعالجها نصوص قرءآنية صريحة.. ذلك إلى جانب ما يصوره التعبير القرءآنى من حال اليهود في المدينة ومناوراتهم ومؤامراتهم مع المنافقين "من الذين قالوا:آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم".

والسياق القرآني يقرر أولا: تقر الديانات التي جاءت من عندالله كلها على تحتيم الحكم بما أنزله الله، وإقامة الحياة كلها على شريعة الله،  وجعل هذا الأمر مفرق الطريق بين الإيمان والكفر وبين الإسلام والجاهلية  وبين الشرع والهوى.  فالتوراة أنزلها الله فيها هدى ونور: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ...). وعندهم التوارة فيها حكم الله). (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ... . الخ).  والإنجيل آتاه الله عيسى بن مريم (...َمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) ( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ...).  والقرآن أنزله الله على رسوله (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ ...) وقال له: (... ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ...). (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون). (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) .( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ؟ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ؟).  وكذلك تتوافى الديانات كلها على هذا الأمر،  ويتعين حد الإيمان وشرط الإسلام، سواء للمحكومين أو للحكام. والمناط هو الحكم بما أنزل الله من الحكام،  وقبول هذا الحكم من المحكومين، وعدم ابتغاء غيره من الشرائع والأحكام .

والمسألة في هذا الوضع خطيرة والتشدد فيها على هذا النحو يستند إلى إسباب لا بد خطيرة كذلك.  فما هي يا ترى هذه الأسباب ؟ إننا نحاول أن نتلمسها سواء في هذه النصوص أو في السياق القرآني كله، فنجدها واضحة بارزة .  

إن الاعتبار الأول في هذه القضية هو أنها قضية الإقرار بألوهية الله وربوبيته وقوامته على البشر - بلا شريك - أو رفض هذا الإقرار. ومن هنا هي قضية كفر أو إيمان ، وجاهلية أو إسلام.

والقرآن كله معرض بيان هذه الحقيقة ... .

إن الله هو الخالق. خلق هذا الكون، وخلق هذا الإنسان. وسخر ما في السماوات والأرض لهذا الإنسان. وهو - سبحانه - متفرد بالخلق، لا شريك له في كثير منه أو قليل

وإن الله هو المالك بما أنه هو الخالق. ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما فهو - سبحانه - متفرد بالملك. لا شريك له في كثير منه أو قليل. وإن الله هو الرازق. فلا يملك أحد أن يرزق نفسه أو غيره شيئا.

وإن الله هو صاحب السلطان المتصرف في الكون والناس. بما أنه هو الخالق المالك الرازق   وبما أنه هو صاحب القدرة التي لا يكون بدونها خلق ولا رزق ولا نفع ولا ضر . وهو - سبحانه - المتفرد بالسلطان في هذا الوجود .

والإيمان هو الإقرار لله - سبحانه - بهذه الخصائص . الألوهية والملك والسلطان ، متفردا بها لا يشاركه فيها أحد . والإسلام هو الاستسلام والطاعة لمقتضيات هذه الخصائص. هو إفراد الله - سبحانه - بالألوهية والربوبية والقوامة على الوجود كله - وحياة الناس ضمنا - والاعتراف بسلطانه المُمَثل في قدَرِهِ  والمُمَثل كذلك في شريعته . فمعنى الاستسلام لشريعة الله هو - قبل كل شيء - الاعتراف بألوهيته وربوبيته وقوامته وسلطانه . ومعنى عدم الاستسلام لهذه الشريعة , واتخاذ شريعة غيرها في أية جزئية من جزئيات الحياة، هو - قبل كل شيء - رفض الاعتراف بألوهية الله وربوبيته وقوامته وسلطانه . ويستوي أن يكون الاستسلام أو الرفض باللسان أو بالفعل دون القول.  وهي من ثم قضية كفر أو إيمان  وجاهلية أو إسلام. ومن هنا يجيء هذا النص (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ). (الظالمون). (الفاسقون).

والاعتبار الثاني هو اعتبار الأفضلية الحتمية المقطوع بها لشريعة الله على شرائع الناس. هذه الأفضلية التي تشير إليها الآية: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ؟ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ؟).  

والاعتراف المطلق بهذه الأفضلية لشريعة الله في كل طور من أطوار الحياة، وفي كل حالة من حالاتها هو كذلك داخل في قضية الكفر والإيمان. فما يملك إنسان أن يدعي أن شريعة أحد من البشر تفضل أو تماثل شريعة الله  في أية حالة أو في أي طور من أطوار الإنسانية ، ثم يدعي - بعد ذلك - أنه مؤمن بالله  وأنه من المسلمين. إنه يدعي أنه أعلم من الله بحال الناس  وأحكم من الله في تدبير أمرهم. أو يدعي أن أحوالا وحاجات جرت في حياة الناس، وكان الله - سبحانه - غير عالم بها وهو يشرع شريعته أو كان عالما بها ولكنه لم يشرع لها ! ولا تستقيم مع هذا الإدعاء دعوى الإيمان والإسلام . مهما قالها باللسان !

فأما مظاهر هذه الأفضلية فيصعب إدراكها كلها . فإن حكمة شرائع الله لا تنكشف كلها للناس في جيل من الأجيال. والبعض الذي ينكشف يصعب التوسع في عرضه هنا فنكتفي منه ببعض اللمسات:

إن شريعة الله تمثل منهجا شاملا متكاملا للحياة البشرية  يتناول بالتنظيم والتوجيه والتطوير كل جوانب الحياة الإنسانية  في جميع حالاتها وفي كل صورها وأشكالها  .

وهو منهج قائم على العلم المطلق بحقيقة الكائن الإنساني  والحاجات الإنسانية،  وبحقيقة الكون الذي يعيش فيه الإنسان، وبطبيعة النواميس التي تحكمه وتحكم الكينونة الإنسانية.  ومن ثم لا يفرط في شيء من أمور هذه الحياة  ولا يقع فيه ولا ينشأ عنه أي تصادم مدمر بين أنواع النشاط الإنساني ولا أي تصادم مدمر بين هذا النشاط والنواميس الكونية ، إنما يقع التوازن والاعتدال والتوافق والتناسق الأمر الذي لا يتوافر أبدا لمنهج من صنع الإنسان الذي لا يعلم إلا ظاهرا من الأمر، إلا الجانب المكشوف في فترة زمنية معينة، ولا يسلم منهج يبتدعه من آثار الجهل الإنساني، ولا يخلو من التصادم المدمر بين بعض ألوان النشاط وبعض الهزات العنيفة الناشئة عن هذا التصادم .

وهو منهج قائم على العدل المطلق. أولا ، لأن الله يعلم حق العلم بم يتحقق العدل المطلق وكيف يتحقق . وثانيا، لأنه - سبحانه - رب الجميع، فهو الذي يملك أن يعدل بين الجميع  وأن يجيء منهجه وشرعه مبرأ من الهوى والميل والضعف، كما أنه مبرأ من الجهل والقصور والغلو والتفريط  الأمر الذي لا يمكن أن يتوافر في أي منهج أو في أي شرع من صنع الإنسان ذي الشهوات والميول والضعف والهوى - فوق ما به من الجهل والقصور - سواء كان المشرع فردا ، أو طبقة ، أو أمة ، أو جيلا من أجيال البشر.  فلكل حالة من هذه الحالات أهواؤها وشهواتها وميولها ورغباتها ، فوق أن لها جهلها وقصورها وعجزها عن الرؤية الكاملة لجوانب الأمر كله حتى في الحالة الواحدة في الجيل الواحد .

وهو منهج متناسق مع ناموس الكون كله . لأن صاحبه هو صاحب هذا الكون كله . صانع الكون وصانع الإنسان . فإذا شرع للإنسان شرع له كعنصر كوني له سيطرة على عناصر كونية مسخرة له بأمر خالقه  بشرط السير على هداه، وبشرط معرفة هذه العناصر والقوانين التي تحكمها . ومن هنا يقع التناسق بين حركة الإنسان وحركة الكون الذي يعيش فيه وتأخذ الشريعة التي تنظم حياته طابعا كونيا  ويتعامل بها لا مع نفسه فحسب ولا مع بني جنسه فحسب ! ولكن كذلك مع الأحياء والأشياء في هذا الكون العريض  الذي يعيش فيه، ولا يملك أن ينفذ منه  ولا بد له من التعامل معه وفق منهاج سليم قويم .

ثم إنه المنهج الوحيد الذي يتحرر فيه الإنسان من العبودية للإنسان . ففي كل منهج - غير المنهج الإسلامي - يَتعَبد الناس الناس . ويَعبُد الناس الناس . وفي المنهج الإسلامي - وحده - يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده بلا شريك.

إن أخص خصائص الألوهية - كما أسلفنا - هي الحاكمية . . والذي يشرع لمجموعة من الناس يأخذ فيهم مكان الألوهية ويستخدم خصائصها . فهم عبيده لا عبيد الله ، وهم في دينه لا في دين الله .

والإسلام حين يجعل الشريعه لله وحده ، يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده  ويعلن تحرير الإنسان . فالإنسان لا يولد ولا يوجد إلا حيث تتحرر رقبتة من حكم إنسان مثله وإلا حين يتساوى في هذا الشأن مع الناس جميعاً أمام رب الناس .

إن هذه القضيه هي أخطر وأكبر قضايا العقيده . إنها قضية الألوهيه والعبوديه . قضية العدل والصلاح . قضية الحريه والمساواة . قضية تحرر الإنسان وهي من أجل هذا كله كانت قضية الكفر أو الإيمان ، وقضية الجاهلية أو الإسلام .

والجاهليه ليست فتره تاريخيه إنما هي حاله توجد كلما وجدت مقوماتها في وضع أو نظام  . وهي في صميمها الرجوع بالحكم والتشريع إلى أهواء البشر، لا إلى منهج الله وشريعته للحياة . ويستوي أن تكون هذه الأهواء أهواء فرد، أو أهواء طبقه ، أو أهواء أمه ، أو أهواء جيل كامل من الناس . فكلها  ما دامت لا ترجع إلى شريعة الله . أهواء .

يُشرع فرد لجماعه فإذاً هي جاهليه . لأن هواه هو القانون أو رأيه هو القانون لا فرق إلا في العبارات ! وتشرع طبقه لسائر الطبقات فإذا هي جاهليه . لأن مصالح تلك الطبقه هي القانون، أو رأي الأغلبيه البرلمانيه هو القانون، فلا فرق إلا في العبارات!

ويُشرع ممثلوا جميع الطبقات وجميع القطاعات في الأمه لأنفسهم فإذاً هي جاهليه. لأن أهواء الناس الذين لا يتجردون أبداً من الأهواء، ولأن جهل الناس الذين لا يتجردون أبداً من الجهل، هو القانون فلا فرق إلا في العبارات!

وتُشرع مجموعه من الأمم للبشريه فإذا هي جاهليه . لأن أهدافها القوميه هي القانون - أو رأي المجامع الدوليه هو القانون - فلا فرق إلا في العبارات!

ويشرع خالق الأفراد ، وخالق الجماعات، وخالق الأمم والأجيال، للجميع، فإذا هي شريعة الله التي لا محاباه فيها لأحد على حساب أحد . لا لفرد ولا لجماعه ولا لدوله ولا لجيل من الأجيال . لأن الله رب الجميع والكل لديه سواء . ولأن الله يعلم حقيقة الجميع ومصلحة الجميع ، فلا يفوته - سبحانه - أن يرعى مصالحهم وحاجاتهم بدون تفريط ولا إفراط .

ويُشرع غير الله للناس فإذا هم عبيد من يُشرع لهم . كائناًمن كان . فرد أو طبقه أو أمه أو مجموعه من الأمم .

ويُشرع الله للناس . . فإذا هم كلهم أحرار متساوون  لا يحنون جباههم إلا لله  ولا يعبدون إلا الله . ومن هنا خطورة هذه القضيه في حياة بني الإنسان وفي نظام الكون كله: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ ...). فالحكم بغير ما أنزل الله معناه الشر والفساد والخروج في النهايه عن نطاق الإيمان. بنص القرآن....

 

أختم هذه المقالة بنداء لكل من له القدرة على الدلو برايه فى الآتى:

" وهو منهج متناسق مع ناموس الكون كله، ثم إنه المنهج الوحيد الذي يتحرر فيه الإنسان من العبودية للإنسان" (مقتبس من المقالة ). أن المشكلة تكمن فى إختلاف التفاسير والمفاهيم لذلك:

فليتنا نتكاتف ونحاول وضع منهج متفق عليه يتم الإجتهاد من خلاله ليكون ضابطا لمنع التلاعب والإلتفاف حول النصوص، وأساسيات نلزم أنفسنا بإتباعهانأ، فى إطار خطوات مبدئية على أن يناقش ثم تجريده من أى شوائب تخالف النصوص ثم الخطوة الأخيرة أن نضع هذا المنهج فى صورة عملية كما أشار إلى هذا  الأخ الكريم الأستاذ أحمد شعبان حفظه اللــه، من قبل فى تعليق لسيادته على مقالتى بتاريخ  26/01/2009 السابق نشرها، وللإنصاف يُرجى الرجوع إلى مقالتين لسيادته بعنوان " إشكالية الإختلاف " و " نسق معرفى " .

وفقنا اللـــه وإياكم لما فيه رضاه...

 

 

اجمالي القراءات 18143