آحمد صبحي منصور
في
الثلاثاء ٢٧ - يونيو - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
أولا :
يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3) الصف ) .
نلاحظ :
1 ـ هذا خطاب مباشر من الله جل وعلا للذين آمنوا جميعا فى كل زمان ومكان بعد نزول هذه الآية الكريمة فى القرآن الكريم .
2 ـ نزل نفس المعنى خطابا مباشرا لبنى إسرائيل فى شكل تأنيب وعظى . ولكن فى صورة أخفّ . قال لهم جل وعلا : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44) البقرة ).
3 ـ الخطاب للمؤمنين فيه نبرة شديدة ، ليس فقط فى التأنيب بالاستفهام الانكارى : ( لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ) ولكن أيضا بتعبير ( المقت الكبير) يكرر يصف نفس الخطيئة ( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) . والمقت هو الغضب الشديد الممتزج بالاحتقار . فكيف إذا كان غضبا إلاهيا . هذا المقت الكبير يذكرنا بقوله جل وعلا عن الذين يجادلون فى آياته : ( الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) غافر ) ، وقوله جل وعلا عن أصحاب النار : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) غافر ).
4 ـ المؤمن الحقيقى يكون صادقا ، يصدق فى كلامه ، ويصدق فى أفعاله ، أى إن أفعاله تصدّقُ أقواله . إذا قال شيئا فعله ، إذا وعد أوفى ، وإذا عهد صدق فى عهده . بهذا يختلف عن المنافق الذى يكذب ويتلوّن ، ويخدع ويتآمر .
5 ـ الذين آمنوا :
5 / 1 : تعنى سلوكيا الذين إختاروا الأمن والأمان ، وهى ( آمن ل ) أى يؤمن لهم الناس ، أى يثقون بهم .
5 / 2 : وتعنى عقيديا ( آمن ب ) أى الذين أمنوا بالله جل وعلا وحده إلاها لا شريك له .
5 / 3 : يجمع بين الايمان السلوكى والايمان العقيدى قوله جل وعلا عن الرسول محمد عليه السلام : ( يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ )ٌ(61)التوبة ).
6 ـ كان هناك من الصحابة مؤمنون سلوكيا فقط بمعنى الأمن الأمان ، وتمتعوا فى دولة الاسلام فى عهد النبى محمد عليه السلام بالحرية الدينية المطلقة فكانوا يشربون الخمر ويلعبون الميسر ويمارسون عبادة القبور المقدسة ( الأنصاب ) ، واستمروا على ذلك برغم الوعظ لهم ، يكفى قوله جل وعلا لهم فى أواخر ما نزل من القرآن الكريم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ). ونرجو تدبر هذا .
7 ـ ميزتهم الوحيدة هى الايمان السلوكى ، أى أن يثق الناس بهم ، وليس من الايمان السلوكى أن يحترفوا الكذب ، وأن يقولوا مالا يفعلون . لذا جاء الوعظ الالهى تحذيرا وتأنيبا وتهديدا . ليس فقط لأولئك الصحابة ولكن لمن يأتى بعدهم ويسلك مسلكهم .
أخيرا :
1 ـ عشت فى مصر ، وأعيش الآن فى أمريكا ، الكذب فى أمريكا يكون جريمة فى بعض الظروف ، وهو نادر بين الناس . الأمريكى العادى يتكلم بعفوية وبصدق ولا يخفى شيئا ، لأنه لا يخشى الحكومة . الكاذبون الأمريكيون هم المجرمون والسياسيون أشهرهم ترامب . والقول السائد الساخر عن السياسيين هنا : إنا ندفع لهم ليكذبوا علينا .
2 ـ أما فى مجتمع المحمديين فالكذب هو الأعم والأشمل ، ويبدأ بالكذب على الله جل وعلا فى الدين ، ولا ينتهى بكذب المستبد . المستبد الشرقى لا يكذب أبدا إلا عندما يتكلم . !.