خواطر نهاية العام: قرّاء لا يعجبهم العجب.. ولا صيام شهر رجب

سعد الدين ابراهيم في السبت ٢٦ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مع ظهور هذا المقال، سيكون شهر ديسمبر قد قارب الانتهاء، ومعه العام ٢٠٠٩ بأكمله. ولأن نفس هذا الشهر، هو شهر ميلادى، فمع كل دورة من دوراته، أشعر بأن عُمرى قد قارب الانتهاء، خاصة بعد السبعين، التى تجاوزتها بالفعل منذ سنة مضت.

ورغم أن خاطر نهاية العُمر قد يُصيب كثيرين بالكآبة أو التشاؤم، إلا أننى أشعر بالتفاؤل لمُستقبل مصر والوطن العربى. وربما أيضاً لأن أحفادى المملوءين بالحيوية والذكاء&iexl;ء، قد أتوا لزيارتى بمُناسبة عطلة أعياد الميلاد، ورأس السنة الميلادية... وربما لأن د.محمد البرادعى قد أعلن عن النية فى ترشيح نفسه لرئاسة جمهورية مصر العربية، فحرّك الماء الراكد مصرياً... وربما لأن عملاقين أسيويين قد برزا مؤخراً لمُنافسة أمريكا والقوى الأوروبية الغاربة شموسها، بعد أربعة قرون من الهيمنة على بقية العالم... وربما لأن قطر، الأصغر حجماً بين البُلدان العربية، هى الأقل فساداً، والأكثر شفافية وتقدماً، على مقياس الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية، وعلى مقياس «منظمة الطهارة الدولية»... وربما لأن أمريكا وربيبتها إسرائيل لم يُهاجما إيران بعد لتدمير منشآتها النووية إلى الآن.

ويبدو أن تفاؤلى هذا، لا يمكن إخفاؤه... فقد استشعره عدد من القرّاء... واستنكروه وحرصوا على تذكيرى بكل ما يجعلنى أشاركهم اكتئابهم وتشاؤمهم.

من ذلك القارئة حنان عمّار، من أسيوط، التى تنكر فى رسالتها أن هناك أى جديد على الساحة المصرية... وتنهى بُحكم قاطع، «أنه لا فائدة» (مفيش فايدة)!

ويُنافس حنان بجدارة قارئ، يوقّع رسائله دائماً بـ«مسلم من كندا» وهو من أكثر قُرائى انتظاماً فى التعليق سلباً على مقالى الأسبوعي. وأحيانا، أعجب لماذا يُكلف خاطره مشقة قراءة المقال، ثم مشقة التعليق عليه؟. وحول مقالى الأخير بعنوان «ماذا تعنى عودة السياسة إلى الحياة العامة المصرية؟ البرادعى مُرشحاً.. ونقابة الصحفيين نموذجاً...» كتب هذا المسلم الكندى يطعن فى جدارة د. محمد البرادعى.. وينقد سجله كموظف دولى، حيث «فشل فى مُراقبة الأنشطة النووية الإيرانية طيلة سنوات رئاسته للوكالة الدولية للطاقة.. وفشل، بل وربما تستّر على أنشطة إسرائيل النووية، إرضاءً لأمريكا...» وبالتالى فهو يستغرب الحفاوة التى عبّرت عنها أنا وغيرى، بأنباء نية الرجل على الترشح للرئاسة. وبالمناسبة فهو لا يُحب آل مُبارك أيضاً، ولا أيمن نور.. وهو يكره كندا والكنديين، فهم مُشركون ومُنحلون أخلاقياً، وتنتظرهم جهنم وبأس المصير!

وليس لدىّ ما أقوله لهذا المسلم من كندا، إلا ماذا يُجبرك يا أخى المسلم على العيش مع هؤلاء المُشركين المُنحلين، فى تلك البلاد الشديدة البرودة؟، وخاصة فى هذا الوقت من العام!

بل هناك ما هو أكثر قسوة وصرامة من المسلم الكندى، وهو القارئ أسامة قرّاعة، الذى يُصرّ على أن يهديني، وكذا مجدى الجلاد، رئيس تحرير المصرى اليوم، إلى الصراط المستقيم. فقد أرسل لى ولمجدى الجلاد تعليقاً، من ثمانى صفحات، على مقالى المُشار إليه أعلاه، والذى لم يتجاوز صفحتين. ويبدأه بتأييد أخيه المسلم الكندى، فى أن وكالة الطاقة الذرية لم تفعل غير «حصار العالم الإسلامى، والمُشاركة فى التمهيد لضرب العراق وإيران، ناهيك عن التغاضى عن مئات الرؤوس الذرية الإسرائيلية المُركبة فعلياً على صواريخ ذكية إلى مصر، بلد رئيس الوكالة... فهل فقدنا عقلنا كلية، بتأييده؟»

وألمس من مضمون مقال (وليس تعليق) السيد أسامة قرّاعة أنه إما أن يكون بالفعل، أو كان يتمنى أن يكون واعظاً أزهرياً. فهو نفسه يصف ما كتبه بأنه «مقال عن المنهج الاجتماعى والمنهج الإسلامي» (المصرى اليوم ١٩/١٢/٢٠٠٩). وكان مقالى المُحتشم (٨٥٠ كلمة) مُجرد مُناسبة لمقاله الإمبراطورى (٤٠٠٠ كلمة)، الذى فاض فيه وأعاد عن جوهر الإسلام، وإعجاز القرآن، وطبيعة الغيب، والظاهر من الأمور وبواطنها..! وحسناً فعلت صحيفة المصرى اليوم بنشرها مقال القارئ أسامة قرّاعة لا فقط للمجهود الذى بذله فى صياغته، ولكن أيضاً دفعاً للشُبهات، حول تحيز الصحيفة ضد هذا القارئ، وما كان ربما يتسبب فى مُضاعفة إحباط الرجل.

فالمسلم الكندى والمسلم قرّاعة يُمثلان نموذجاً للعربى المسلم المُحبط، بسبب ما يتعرض له هو أو تتعرض له بلاده من قهر وامتهان، سواء على أيدى حُكّام مُستبدين من أبناء الوطن، أو على أيدى قوى الهيمنة الأجنبية. وربما للعجز الفردى أو الجماعى فى مواجهة هذا الواقع وتغييره، فهو يلجأ أو يهرب للغيبيات أو لنظرية المؤامرة لفهم ما يدور حوله... ولأن ذلك لا يُشفى غليله، أو يروى تعطّشه إلى الخلاص، فهو دائماً غاضب حانق... رافض لكل شىء.

لذلك لم أجد عنواناً يُلخص حالة هذا النموذج من القرّاء سوى «من لا يعجبهم العجب.. ولا الصيام فى شهر رجب».. وهو قول مصرى شعبى مأثور.. وربما يكون متواتراً فى البُلدان العربية الأخرى التى يُنشر فيها هذا المقال من البحرين خليجاً، إلى المغرب مُحيطاً. ومعناه أن هناك إدماناً «لعدم الرضا».. حتى فضيلة «الصيام»، التى هى «فرض» على كل مسلم فى شهر رمضان فقط.. وما عدا ذلك فالصيام لأيام معدودات، فى غير رمضان، هو إحدى السُنن المُحمدية المُحببة.. ومنها بداية شهر رجب والسابع والعشرون منه (المعراج).. وفحوى القول المأثور هو أن «الحانق» أو «الغاضب» أو «المُحبط» لن يُرضيه شىء أبداً، حتى لو كان صيام كل شهر رجب.

ومع إخفاق «المشروع القومى العربى»، فى تحقيق الوحدة العربية المُبتغاة، ومع تعثر المشروع الإسلامى فى استعادة الفردوس المفقود على الأرض، أصبح لدينا قوميون مُحبطون، يُبالغ كل منهم فى عروبته، ويُزايد على أقرانه، فأصبح يُطلق على الفرد منهم «قومجى» (على وزن مكوجى، وأجزجى، وعربجى، وبلطجى) وعلى الجمع منهم «قومجية». كذلك هناك إسلاميون، يُغالون ويُزايدون فى طروحاتهم وممارستهم، فأصبح يُطلق عليهم تندراً لفظ «إسلامجى» (على وزن حلنجى، وغلتنجى، وإفرنجى).

ثم ظهر فى السنوات الأخيرة نموذج هجينى اختلط فيه «القومجي» و«الإسلامجى»، وشيمتهما معاً «الغلو المزدوج» لفظياً، حتى إذا كان أصحابه عاجزين فى الأداء، ومُنعدمين فى الإنجاز.. ويُقال إن «الإسلامجى» فى غلوّه يمكن أن يُزايد على الأنبياء والقديسين. وأن «القومجى» فى غلوّه، يمكن أن يُزايد على عُتاة البعثيين والناصريين!

وطبعاً، هناك الغلوّ فى «الوطنية»، أو القطرية، مثل الإمعان فى المُزايدة فى حب الوطن. ومثاله مصرياً، مأثورة الزعيم الوطنى مصطفى كامل: «لو لم أكن مصرياً، لوددت أن أكون مصرياً...» وأذكر أن أحدهم، اتهمنى مؤخراً «بالخيانة»، لمجرد نقدى للإعلاميين المصرى والجزائرى فى إشعال فتنته بين الشعبين الشقيقين حول مُباراة كرة القدم بين فريقى البلدين. وكان هذا القارئ يُريدنى الانحياز الأعمى للجانب المصرى ضد الجانب الجزائرى.

المهم فى الختام، أن الكتابة «أمانة».. و«مسؤولية»... و«ضمير» يُحاول كاتب هذه السطور أن يرتفع إلى مستوى الأمانة والمسؤولية، وكما يُمليها عليه ضميره هو لا ابتغاء لرضا الحُكّام، أو لتصفيق المحكومين.

وعلى الله قصد السبيل

اجمالي القراءات 12565